عقارات جنوب إسبانيا في خطر

لتشديد السلطات على إزالة العقارات المخالفة لتراخيص البناء

العقارات الاسبانية تعاني من صدمة التراخيص في الوقت الحالي («الشرق الأوسط»)
TT

سيطرت المخاوف على مستثمرين ومشترين جدد للعقارات في مناطق ساحلية في اسبانيا، عندما أزالت السلطات الاسبانية فيلا يملكها البريطاني لين برايور وزوجته قبل أسابيع قليلة. وعمت المخاوف الجالية البريطانية، وجاليات أجنبية أخرى تعيش في اسبانيا من جراء ما حدث واحتمال وقوعه مرة اخرى لوحدات سكنية مماثلة.

وسردت الصحافة الاسبانية قصة برايور وزوجته، وكلاهما في منتصف الستينات من العمر، لكي تكون عبرة للآخرين، فالزوجان قررا التقاعد في اسبانيا في عام 2002، وقاما ببيع عقارهما البريطاني واشترا بالثمن فيلا اسبانية بمبلغ 350 الف جنيه استرليني (حوالي 700 الف دولار) في قرية فيرا بالقرب من مدينة ألميريا الساحلية في كوستا دي سول.

وحصل الزوجان ضمن وثائق الشراء على ترخيص بناء من مجلس المدينة، ولكن نظرا لإغفال الخبير القانوني خطوة الحصول على ختم الموافقة من حكومة الاندلس الاقليمية، قررت هذه الحكومة ان المبنى اقيم بطريقة غير قانونية واصدرت امرا بإزالته. ولدى استشارة المحامي العقاري أكد لهما ان الإجراءات القانونية يجب أن تأخذ مجراها قبل البت في القضية، وان هذه الاجراءات تستدعي الاستئناف ضد الحكم، مع ضرورة الانذار لهما من الجهات المعنية بمدة اسبوعين على الاقل قبل تنفيذ اي قرار إزالة. وصدق الزوجان المستشار القانوني حتى بعد تسلمهما خطاب الحكومة المحلية بأن قرار الازالة قريب التنفيذ.

فقد اصر المحامي ان اي اجراءات لا يمكن ان تنفذ بينما القضية منظورة في المحاكم. واضاف ان موقفهما قوي نظرا لان العقار قانوني تماما وان المسألة اهمال في الاجراءات ليس الا.

ولكن على رغم كل هذه التأكيدات، فوجئ الزوجان يوم 10 يناير (كانون الثاني) الماضي بقطع الكهرباء والمياه عن المبنى وبعدها بساعات قليلة وصلت الشرطة ومعها فريق مكلف بهدم العقار. ومنحت الشرطة الزوجين ساعتين فقط لجمع حاجياتهما قبل ان تسوي «البلدوزرات» الفيلا بالارض.

أثناء عملية الهدم اصيب لين برايور مالك العقار بصدمة قلبية ونقل الى المستشفى، وهو لم يشف تماما وفقا لتقارير الاعلام الاسباني وتأكيدات معارفه واصدقائه. وعلى رغم وعود المساعدة من الجالية البريطانية والاسبان انفسهم الا ان تجربة مشاهدة عقارهما وهو يهدم، حطم اعصاب الزوجين واصاب مالكي العقار في اسبانيا بالذعر.

وحتى جهات التسويق للعقارات الاسبانية عبرت عن صدمتها الكبيرة لما حدث في هذه الحالة، كما اكد محرر نشرة عقارية متخصصة انها ليست الحالة الاولى او الوحيدة في اسبانيا. كما يبدو انها لن تكون الحالة الاخيرة ايضا، حيث اشار وزير البيئة الاسباني مؤخرا بالتعامل الحاسم مع العقارات التي بنيت عشوائيا في محميات طبيعية او «مناطق طبيعية حساسة»، مما يعني ان قضية عقار قرية فيرا قد تتكرر في مناطق اخرى في جنوب اسبانيا.

وتؤكد معلومات محلية ان الحكومة الاسبانية تدرس خطط ازالة مئات العقارات المخالفة خصوصا تلك التي بنيت على الساحل بين مدينتي برشلونة شرقا وحتى مدينة مالاغا (ملقة) غربا. وتثير هذه التكهنات غضب وذعر مستثمري العقار في الكثير من المناطق الساحلية الاسبانية لئلا يصيبهم المصير نفسه.

اما المصادر القانونية في اسبانيا فتؤكد ان مستثمري العقار يجب ان يشعروا بالقلق حاليا لان تراخيص البناء التي تم الحصول عليها من بلديات المدن لا تكفي وان معظمها غير قانوني لان المسؤولين في هذه المدن تلقوا رشاوى من اجل اصدار هذه التراخيص لعقارات في مناطق ممنوع البناء بها.

ويثير تحليل اصدره قاض اسباني عن العقار في الجنوب الاسباني رعب المستثمرين، حيث يقول ان قانون منع البناء على السواحل لمسافة مائة متر من اعلى نقطة يصلها المد البحري وضع في عام 1988، ولذلك فإن اي عقارات ساحلية بنيت في العشرين عاما الماضية هي في الغالب غير قانونية. وهو يضيف ان خرائط المناطق المعمارية في المدن ترسم في العادة قبل استكمال بناء عقارات اي مدينة بحوالي عشرين عاما مقبلا، وهذا يعني ان المحامين يعرفون تماما اذا كان العقار قانونيا ام لا.

ويعتقد بعض المستثمرين انهم كانوا رهائن في لعبة لا يعلمون شيئا عن تفاصيلها، فمجالس المدن ومطورو العقار والمحامون يرتبطون معا في شبكة مصالح يسودها الفساد احيانا، ويعملون في الغالب لمصالحهم الشخصية وليس لمصلحة المستثمر. وما يزيد الامر تعقيدا ان العديد من العقارات التي بنيت بعد صدور القانون كانت بموافقة رسمية من مجالس المدن وعدم ممانعة من الحكومات الاقليمية.

وينصح خبراء العقار الاسباني بعدم الذعر بين اوساط المستثمرين الاجانب في اسبانيا، لان الوضع الحالي هو مجرد اعلان من الحكومة الاسبانية بالنظر في قضية البناء العشوائي على السواحل وعما اذا كان الامر يقتضي ازالتها بالقوة. وتخضع القضية في الوقت الحاضر للكثير من المناقشات العلنية على المستوى الحكومي والشعبي في اسبانيا. ولا يخلو الامر من عناصر سياسية ايضا، حيث تقبل اسبانيا على انتخابات في شهر مارس (اذار) المقبل، وتريد الحكومة اصطياد بعض اصوات الناخبين من المحافظين على البيئة ومعارضي البناء العشوائي على سواحل اسبانيا، بغض النظر عن هوية ملاك هذه العقارات.

ولكن هناك جهات اخرى في اسبانيا تطالب بالعدالة والتعويض للملاك المتضررين، خصوصا في حالات الهدم العشوائي بناء على قرارات تطبيق قوانين بأثر رجعي، وفي الحالات التي اشتروا فيها العقارات بنوايا سليمة اعتقادا منهم انها بنيت وفقا للقانون. وهناك على الاقل مكتب قانوني واحد يقدم الاستشارات القانونية للمتضررين، ويساعد الزوجين برايور على استعادة بعض حقوقهم المهدرة في اسبانيا. ويقول رئيس مكتب استشاري ان المذنبين في هذا الوضع هم مجالس المدن والمحامون، وهم الجهات التي خدعت المستثمرين ولم تقدم لهم المشورة القانونية السليمة.

وبلغ من تداعيات القضية ان البرلمان الاوروبي في مدينة ستراسبورغ ينظر في وضع الاستثمارات العقارية الاسبانية وتطبيق القوانين في بعض المناطق دون غيرها، وهو يطلق على الوضع العقاري الاسباني لفظ «المهزلة».

المؤسف في الوضع العقاري الاسباني ان الآلاف من العقارات في الوقت الحاضر تعتبر في حكم المجمدة، حيث يصعب بيعها او التصرف فيها حتى يتضح موقفها القانوني. من ناحية ترفض الحكومات الاقليمية اصدار تراخيص بأثر رجعي لعقارات بنيت في سنوات ماضية، وتقصر نشاط التراخيص على مشاريع العقار التي لم تبن بعد. ويجد مستثمرو العقار انفسهم في وضع خاسر في كل الاحوال، مما يثير الغضب بين الكثير منهم.

ويشعرون بهذه الاحاسيس، خصوصا لما حديث للزوجين البريطانيين اللذين فقدا كل شيء من دون معرفة مسبقة بأي مخالفة للعقار. وتوجد حاليا جماعات ضغط بين المقيمين في اسبانيا للدفاع عن حقوقهم كمستثمرين، ومعارضة تطبيق قانون غامض عليهم تدعي الجهات الرسمية انهم خالفوه بينما يؤكد المحامون انه لا يجب ان يسري عليهم.

ولكن قبل التفكير في الهروب من القطاع العقاري الاسباني، لابد اولا من دراسة الظاهرة بعمق اكبر لمعرفة مدى تأثيرها على السوق الاسباني من ناحية ومدى انتشار عدواها الى الاسواق الاخرى. حتى الان، وبعد اسابيع من موجة الهلع العقاري في اسبانيا، لم تتأثر سوى العقارات المخالفة وهي قليلة في عددها النسبي. ويتوقع خبراء العقار الاسباني هبوط اسعار تدريجي بنسبة 20 في المائة في السنوات الثلاث المقبلة اذا استمرت الشكوك والمخاوف بلا حسم.

والنصيحة من بعض الخبراء هي الابتعاد عن السوق الاسباني في المدى القصير لان التوجهات فيه سلبية حاليا، اما هؤلاء الموجدون في السوق بالفعل فالحل هو عدم التسرع باتخاذ اي قرار الان لهبوط نسبة في نمو السوق لتصل الى 7 في المائة سنويا بعدما كانت 17 في المائة. وتنظر الصناعة الى موجة الهبوط على انها تصحيح يحتاجه السوق حتى تتوقف موجة البناء السريع التي كان بعضها غير قانوني. كما ان التصحيح سوف يبعد عن السوق المضاربين وعصابات غسيل الاموال وبائعي العقارات من على الخرائط. وتختلف الحالة الاسبانية عن بقية الاسواق في ان التوجهات السلبية فيها تبلورت عبر فترة زادت عن العام وساهمت فيها عدة عوامل. من ناحية أخرى ظهرت حالات فساد في منطقة ماربيا السياحية التي ما زال بعض موظفي بلديتها في السجن ينتظرون المحاكمة في قضايا فساد. كما زادت المنافسة للعقارات الاسبانية من جهات اخرى ارخص مثل المغرب وبلغاريا، الامر الذي استنفد الكثير من الطلب الدولي على العقارات الاسبانية. واكد اكثر من خبير عقاري اسباني اعتقاده بان اسعار العقار في اسبانيا سوف تستقر هذا العام ولتتراجع في العام المقبل، بعد فترات من الزيادة التي تخطت العشرة في المائة سنويا وكان اخرها بنسبة 9 في المائة في العام الماضي.

ويسود الاعتقاد بأن العقارات الممتازة سوف تحافظ على قيمتها وعوائدها، ولكن الكساد المتوقع سوف يؤثر سلبا على العقارات التي تقع في مناطق مزدحمة بالانشاءات السياحية التي يبدو انها تفيض عن الحاجة في الوقت الراهن. وهناك بعض الحقائق التي يتفق عليها خبراء العقار الاسبان انفسهم من جهة طمأنة الرأي العام للمستثمرين الاجانب وهي:

ان العقارات الساحلية التي بنيت قبل عام 1988 على مسافة 105 امتار على الاقل من الساحل تعتبر قانونية تماما ولا خوف عليها من القانون.

النصيحة الدائمة لمستثمري العقار في اسبانيا هي عدم استخدام محام تقترحه شركة تطوير العقار، فلابد من الاستعانة بمحام مستقل.

لابد من اجراء بعض الابحاث اولا عن المنطقة التي يقع فيها الاستثمار العقاري، ويمكن الاستفسار عن خرائط المناطق العمرانية من مجالس المدن ومراجعة الموقع الجغرافي للعقار قبل التعاقد للتأكد من انه غير مخالف لشروط السواحل ومناطق المحميات الطبيعية.

هناك ثلاثة تراخيص على الاقل يتعين الحصول عليها من المستثمر العقاري، الاول يتعلق بصلاحية السكن للحصول على خدمات المياه والكهرباء، والثاني ترخيص البناء من المجلس المحلي والثالث ترخيص الحكومة الاقليمية، وهذا الترخيص الثالث هو ما اهمله المستثمر البريطاني وزوجته وادى في النهاية الى هدم عقارهما بطريقة درامية.

* الإقبال على العقار الإسباني في ازدياد على الرغم من الأزمات الحالية

* على رغم الازمة الحالية، وفضيحة مجلس مدينة ماربيا التي انتهت بسجن بعض العاملين فيه، الا ان اسبانيا تظل واحدة من اكبر اسواق السياحة والعقار في اوروبا. ويسكن في اسبانيا حوالي 2.8 مليون مغترب اجنبي، ويزورها حوالي 20 مليون سائح سنويا. وتتوقع وزارة السياحة الاسبانية قدوم مليون مغترب اخرين للاقامة في اسبانيا خلال السنوات الست المقبلة. وهناك العديد من العوامل التي تساهم في تبوؤ اسبانيا هذا المركز المتفوق بين زائريها والمقيمين فيها، من اهمها:

• المناخ الجيد واسلوب الحياة المتوازن بعيدا عن الضغوط التي يواجهها اهل شمال اوروبا معيشيا ومناخيا.

• التسهيلات الترفيهية والرياضية التي تتيح المعيشة في الهواء الطلق مثل ملاعب الغولف والقرب من السواحل الدافئة.

• الطبيعة الخلابة للشواطئ والقرى الاسبانية واسلوب الضيافة الاندلسي المعهود والكثير من المهرجانات الشعبية والمناسبات التي يمكن للاجانب ايضا المشاركة فيها.

• البنية التحتية المتقدمة والعناية الطبية بالمستويات الاوروبية، والتي تجذب العديد من المتقاعدين البريطانيين والالمان.

• سهولة السفر من والى اسبانيا بالعديد من رحلات الطيران المنتظمة والرخيصة.

وهناك العديد من العوامل الاخرى، حيث يفضل المتقاعدون الان تحويل استثماراتهم بعيدا عن البورصات المتراجعة الى اصول عقارية يمكن الاستمتاع بها واعتبارها اصولا متزايدة في القيمة. كما تقدم اسواق العقار الاسبانية قيمة جيدة للعقار خصوصا في الوقت الحاضر بعد استقرار الاسعار وهبوطها عن معدلاتها القياسية. كما يزداد الاقبال على العقار الاسباني من صغار السن الذين لا يستطيعون الشراء في بلدانهم الاصلية الاغلى ثمنا. وهم يرون في اسبانيا بديلا رخيصا وقريبا حيث لا يزيد زمن السفر اليها جوا من شمال اوروبا عن ساعتين ونصف الساعة.