المجتمعات الزرقاء طريق دبي للريادة في مشاريعها الساحلية

ثلثا سكان العالم يعيشون على السواحل

المجتمعات الزرقاء حل بيئي تدفع به دبي للحفاظ على البيئة البحرية في مشاريعها العملاقة («الشرق الأوسط»)
TT

لأن عام 2008 سيكون عاما بيئيا على إمارة دبي عامة، ومشاريعها العقارية بوجه خاص، فإن المبادرات لا تتوقف في هذا الجانب. وبعد اعتماد معايير بيئية (خضراء) صارمة، جاء الدور هذه المرة على (المجتمعات الزرقاء)، التي أعلنت عنها إحدى أكبر شركات التطوير العقاري الخاصة حول العالم، وهي شركة نخيل التابعة لحكومة دبي، حيث كشفت النقاب عن خططها لإطلاق أحد أهم مشاريع التنمية المستدامة.

ولعل أبرز أهداف هذا المشروع، التخلص من الفكرة السلبية عن المشاريع العقارية التي تقام على السواحل، وتأثيراتها الكبيرة على الحياة البحرية، وتؤكد «نخيل» في هذا الجانب أن البيئة البحرية المحيطة بمشاريعها في الخليج العربي، لم تتأثر إطلاقا بالهجمة المعمارية.

وبإختصار فإن المقصود بالمجتمعات الزرقاء هو عدم أستنزاف المكونات البيئية أو الإضرار بها، والاستعاضة عن ذلك باتباع معايير بيئية صارمة، لا تؤدي في النهاية إلى تشويه الطبيعة على السواحل الخليجية.

وفي هذا الصدد، تقوم «نخيل» باستثمار 500 مليون درهم (136 مليون دولار) في مبادرة المجتمعات الزرقاء على مدى خمس سنوات. وسيتم استخدام هذا الاستثمار في مرحلة أولى لتمويل الأبحاث ونشاطات التطوير وللتعاون مع أفضل الأخصائيين في مجال تطبيق معايير التنمية المستدامة في المجتمعات الساحلية.

ولعل الانسان تأثر كثيرا بالهجمة المعمارية وما تبعها من مشاريع عقارية كانت اضرارها البيئية واضحة للعيان، في الوقت الذي كانت النتائج البيئية سلبية للغاية على المشاريع العقارية التي تقام على السواحل، وظلت هذه المشاريع تستنزف الموارد البيئية بلا حسيب ولا رقيب.

ووفقا لهذا المشروع البيئي، ستلتزم «نخيل» بتوفير 500 مليون درهم على مدى الخمس سنوات المقبلة إلى جانب خبرتها وتخصصها في هذا المجال، لنشر الوعي والإدراك حول القضايا والمشاكل المتعلقة مباشرة بالمشاريع الساحلية، هادفةً التعاون مع رواد الفكر والمنظمات غير الحكومية وجميع المعنيين لتأدية دور فعال وناشط في تطوير مبادرة «المجتمعات الزرقاء».

واذا كان الكثيرون ربما يجهلون معنى المجتمعات الزرقاء التي يأتي اسمها من اللون الأزرق الذي يمثل لون الماء بل ولون الأرض من الفضاء، فإن مبادرة «نخيل» من الممكن أن تفتح الباب على مصراعيه من أجل تحديد معايير بيئية للحفاظ على البيئة البحرية، خاصة مع تلك المشروعات الضخمة التي تنشأ على السواحل، وبالتأكيد تتسبب في القضاء على الحياة البيئية المجاورة لهذه المشاريع العقارية.

تقول «نخيل» إنها بدأت تطبيقا فعليا لبعض معاييرها في مشاريع الواجهات البحرية التي تطورها نخيل قبالة سواحل دبي، وتحديدا في النخلة جميرا وكذلك في مشروع جزر العالم الذي انتهت مرحلته الأولى وكذلك في النخلة جبل علي.

وبحسب مسؤولي «نخيل»، فإن الشركة لم تشتر قطرة ماء واحدة في النخلة جميرا، بفضل تدوير المياه وهناك محطات تقوم بهذه المهمة ولكنها غير ظاهرة على سطح الأرض بل مدفونة تحتها. ويقول خبراء إن هذا المشروع البيئي الأزرق الجديد، سيكون مقدمة لتأسيس منظمة دولية تعنى بقضايا البيئة على مستوى العالم وتحديدا في مشاريع الواجهات البحرية، التي عرفت بها نخيل على مستوى العالم.

وستكون هذه المنظمة العالمية التي تعتزم نخيل تأسيسها خطوة أولى، على أن تتبعها خطوات أخرى أبرزها توقيع اتفاقيات مع منظمات عالمية لتبني عمليات دراسات متخصصة في المجتمعات الزرقاء إلى جانب التخطيط لإطلاق مؤشر عقاري بيئي سيكون الأول من نوعه على مستوى العالم والهدف منه تشجيع المطورين العقاريين على تطوير مشاريع تحافظ على البيئة والحياة البحرية من خلال اختيار الفكرة المناسبة للمشروع وطريقة تصميمه والمواد التي سيتم استخدامها في عمليات التنفيذ.

«الشرق الأوسط» التقت سلطان بن سليم رئيس مجلس إدارة شركة نخيل، الذي أكد التزام شركته تعزيز التنمية المستدامة، وأن إطلاق مبادرة «المجتمعات الزرقاء» هو إثبات آخر لهذا الالتزام، «فخلال السنة الفائتة، قمنا بتقييم واع وشامل لمستوى التنمية المستدامة في المشاريع، ونحن الآن بصدد العمل على عدد من التحسينات في هذا المجال»، و«المجتمعات الزرقاء هي فرصة مميزة لنا للتوسع في هذا النشاط».

ويقول بن سليم إن الخبرة التي امتلكتها «نخيل» من خلال إنشاء مشاريعها الضخمة، ساهمت في أن تكون لديهم فرصةً فريدة بأن تصبح دبي رائدة في مجال التطوير المسؤول للمجتمعات الشاطئية. ويدلل بن سليم ببعض التقنيات المتطورة التي استخدمتها الشركة لتأسيس مجتمعات مستدامة بحق، ولعل من أبرزها ـ والحديث لأبن سليم ـ: وضع أنظمة وتقنيات متطورة غير ظاهرة للعين المجردة ولكنها تحمي البيئة وتحافظ على مصالح الساكنين والزائرين على حد سواء، وذلك لتلبية احتياجات مشاريعنا لجهة إدارة النفايات.

أيضا قامت الشركة ـ بحسب بن سليم ـ على سبيل المثال أيضاً، بتطبيق نظام شامل لإعادة تدوير مياه الصرف ليتم استخدامها من جديد للري وإخماد الحرائق وتبريد الطرقات. وبهذا لا يتم تحويل أي قطرة من مياه الصرف إلى البحر.

ويضيف رئيس «نخيل» أن الشركة تعاونت مع الشركة الهولندية WL Delft Hydraulics لمواجهة التحديات التي يفرضها تدفق المياه على النخلة جميرا، وذلك من خلال القيام بتجارب نموذجية، عددية ومادية لكاسر الأمواج في مرافقها في هولندا. وقد تم تطبيق النتائج على جميع المخططات الرئيسية لمشاريعنا ذات الواجهة المائية حرصاً على توفير المياه بأفضل مستويات من الجودة.

لكن ماذا عن المبادرات المستقبلية التي تتناسب مع المجتمعات الزرقاء؟ يقول بن سليم «تهدف مبادرة «المجتمعات الزرقاء» على المدى الطويل، إلى توفير المبادئ الريادية في تطوير المجتمعات الساحلية المستدامة، في بادئ الأمر، ستوفر منبرا يجمع بين كافة المعنيين ليعملوا سويا على تعزيز تطوير المجتمعات الساحلية، ليس فقط في دبي بل حول العالم أيضاً».

ويؤكد بن سليم «أما في ما يتعلق بمشاريع «نخيل»، سنستمر في الابتكار واستخدام أفضل تقنيات التصميم والتخطيط والبناء لتطويرها».

وفي حديثه للتدليل بما تقدمه «نخيل» للحفاظ على المعايير البيئية في مشاريعها، يشير إلى إطلاق مشروع «ووترفرونت» «الذي يعتبر أكبر مشروع حضري والأكثر طموحاً حول العالم ويمثّل حوالي 65 بالمائة من مجموع أراضي نخيل. ويبين أنه تم تصميم «ووترفرونت» من العدم لتصبح مدينة متكاملة وشاملة تمتد على حوالي 1.4 مليون قدم مربّع من الصحراء والماء (أي ما يعادل ضعفي مساحة هونج كونج) وتعتبر إحدى أكثر المدن استدامة على الإطلاق. ومن خلال تطوير مشاريع مثل «ووترفرونت» و»جزر العالم» و»جزر النخلة»، تضع «نخيل» المعايير والمبادئ التوجيهية للتصميم والتخطيط والبناء والتي تتوجّه إلى المتعاقدين وتغطي مجالات مثل المحافظة على الطاقة طرق استخدام المياه ونوعيتها وإدارة النفايات وتخصيص مواقع المرافق وموارد البناء.

وحول التأثيرات السلبية على البيئة في الخليج العربي في حال عدم تطبيق هذه المعايير، يقول سلطان بن سليم إن مبادرة «المجتمعات الزرقاء» تم إطلاقها بتوجيهات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الامارات، رئيس الوزراء وحاكم دبي، «وهي تعتبر نداءً للعمل فهناك حوالي ثلثي سكان العالم يعيشون في مجتمعات ساحلية، بينما نجد العديد من المشاريع التي يتم تطويرها في هذه المناطق أيضاً».

ويسترسل في الحديث «من هنا، وجدت الحاجة للبحث في سبل تطوير هذه المجتمعات وتحويلها إيجابياً. وتوفّر المجتمعات الزرقاء منبراً يجمع بين أهم المعنيين بهذه المشاريع الطموحة التي يتم إنشاؤها في المنطقة، ورفع المعايير في هذا المجال لحماية جوهر المناطق الساحلية».

ويضيف «في حال تم صرف النظر عن هذه المعايير، ولم يتم تطبيقها فنكون قد أضعنا الفرصة لكي نحذو حذو الرائدين من أمثال الشيخ محمّد الذين يعملون جاهدين لتوفير أفضل معايير العيش المستدام في الإمارات العربية المتحدة للمقيمين والزائرين على السواء».

وليس جديدا أن كثيرا من الاتهامات التي وجهت لدبي بالإضرار بالبيئة عبر مشاريعها الضخمة سواء «النخلة» أو «جزر العالم»، إلا أن دبي كانت تصر على أن أيا من مشاريعها لن يؤذي البيئة البحرية بتاتا، وها هي الإمارة الصغيرة على ضفاف الخليج تثبت عمليا أن مجتمعاتها الساحلية الزرقاء، ستكون مقرا ودارا للعيش ضمن أفضل المعايير البيئية، الخضراء والزرقاء أيضا.