لبنان: بوالص التأمين العشري الإلزامي على البناء لاتزال تعاني من الانتشار

على الرغم من مرور سنتين على إقرار القانون وعدم إنجاز مراسيمه

التأمين العشري الالزامي في لبنان على البناء اصبح قانونا في مارس عام 2005 («الشرق الاوسط»)
TT

أدى انهيار عدد من المباني في لبنان في الفترة الواقعة بين عامي 1992 و2002 الى لفت الانتباه الى احتمالات الدمار الناجمة عن عيوب هيكلية في المباني التي اقيمت في الفترة الاخيرة، كما ادت الى تشكيل لجنة من اجل تحسين معايير البناء، خلصت الى استصدار مرسوم رائد يختص بالتأمين العشري الالزامي على البناء الذي اصبح قانونا في مارس (اذار) العام 2005، في الوقت الذي اقرت بلدان كثيرة الزامية التأمين العشري مع بعض الاختلافات لناحية المدة مثلا، ولكن مع شبه اجماع لناحية المسؤولية القانونية.

وعلى الرغم من مرور سنتين على اقرار القانون لاتزال بوالص التأمين العشري الالزامي على البناء قليلة جدا بسبب عدم انجاز المراسيم التطبيقية للقانون. وكان هذا الموضوع محور نقاش في ندوة عقدت في جمعية شركات التأمين اللبنانية شارك فيه ثلاثة خبراء من «الشركة السويسرية لاعادة التأمين» (سويس راي) هم: اللبناني نبيه مسعد، والسويسريان اندرياس زويك، ودانيال كالوندا تحت عنوان: «التأمين العشري والمسؤولية المهنية في مهن البناء».

تناول مسعد المرسوم الرقم 14293 الخاص بـ «شروط تأمين السلامة العامة في الابنية والمنشآت وفي تجهيزات المصاعد والوقاية من الحريق والزلازل»، ولاسيما المادة السادسة منه، التي تحدد شروط بوليصة التأمين التي يتوجب على المالك ارفاقها، وتنص المادة على الآتي: «يجب ان يرفق المالك بطلب الترخيص بالبناء لكافة المنشآت الخاضعة للتدقيق الفني بوليصة تأمين صادرة عن شركة ضمان مرخص لها بالعمل في لبنان في مجال اضرار الابنية والمنشآت تكتتب لصالح المالك و/او المالكين المتتالين للبناء او للمنشأة، ويجب ان تنطوي على الشروط التالية معا:

اولا، ان تضمن للمالك و/او للمالكين التعويض عن الاضرار المادية التي تلحق بالبناء او بالمنشأة في حال انهياره كله او بعضه او تداعيه بوجه واضح للانهيار وتكون هذه الاضرار المادية ناشئة عن خلل و/او نقص في التصاميم و/او سبر غور الارض، و/او متانة البناء او المنشأة بما في ذلك القدرة على مقاومة خطر الزلازل بحدها الادنى المحدد في هذا المرسوم، و/او تنفيذ اشغال البناء و/او عيب او نقص في مواد البناء.

وثانيا ان تكون البوليصة لمدة عشر سنوات تبدأ من تاريخ وضع المدقق الفني تقريرا نهائيا يفيد بانجاز البناء او المنشأة بصورة صحيحة من دون تحفظات اساسية.

ويأتي كشرط ثالث تحديد البوليصة المبلغ المؤمن عليه بمقدار القيمة التقديرية للبناء او للمنشأة بعد اتمامه وصيرورته صالحا للاشغال وبالاستناد الى قيمة التعاقد بين المالك والمهندس المسؤول والمقاول.

واخيرا، ان تكون شروط بوليصة التأمين متوافقة مع الشروط المقبولة من شركات اعادة التأمين العالمية المصنفة من فئة (B.B.B) فما فوق».

واشار مسعد الى عنصر اساسي في التأمين العشري وهو الاطار الزمني للمسؤولية القانونية التي تمتد حتى عشر سنوات. وقال: «من المهم جدا في التأمين العشري ان تبدأ العملية مع المراحل الاولى من بناء المشروع». وبحسب ما اكد الخبراء الثلاثة، تصدر بوليصة التأمين العشري بالتزامن مع رخصة البناء، ويبدأ الاشراف الفني للمشروع اعتبارا من تلك اللحظة. لذا فان البوليصة ستكون جزءا من عملية البناء وتضاف كلفتها الى تكلفة المشروع خلال فترة التشييد قبل بداية فترة المسؤولية التي تبدأ مع تسلم المبنى من قبل المالك.

واتفق الخبراء على انه كان من المفترض تطبيق هذا التأمين الالزامي بداية على جميع المباني التي يزيد ارتفاعها على 28 مترا. وكانت الفنادق الكبرى والابراج في منطقة وسط بيروت تشكل المشاريع المنطقية التي تتطلب هذا النوع من التغطية وجاءت الطلبات على التأمين العشري من سوليدير ومن اصحاب المشاريع في وسط المدينة. واشاروا الى ان عدد البوالص التي تم عقدها قليل جدا وتطبيق شروط التأمين لم ينجز بعد. والسبب في عدم تطبيق هذا المرسوم حتى الان هو «مسألة تقنية كبيرة»، كما اوضح فاتح بكداش من «شركة آروب للتأمين» في مداخلة له، فقال: «المرسوم، المختص بعدد من مسائل التأمين، ربط الزامية التأمين العشري بنص واحد مع التأمين على الزلزال».

ووفقا لشركات التأمين اللبنانية فان معيدي التأمين العالميين لن يقبلوا اي بوليصة تأمين تربط التأمين العشري والتأمين على الزلزال لمدة عشر سنوات دفعة واحدة بسبب احتمال هائل لتراكم المخاطر.

ورأى بكداش ان احد المباني الآمن بسبب خلل او نقص في التصاميم، او بسبب خلل في تنفيذ اشغال البناء يكون عادة حدثا معزولا يقع مرة واحدة في حين ان هزة ارضية يمكن ان تضرب مئات او آلاف المباني مرة واحدة وتسبب مزيدا من الضرر بعد اسابيع او حتى بعد سنوات خلال هزات ارتدادية او زلازل جديدة». وبحسب «زويك» ومسعد، تصل كلفة التأمين العشري الى 1% من اجمالي قيمة عقود البناء، على ان تضاف بين 0.4% و 0.5% كتكلفة للمراقب التقني وبالرغم من هذه النسبة الملحوظة، يرى الخبراء ان الفوائد التي تعود على جميع المعنيين في المشروع تستحق هذه التكلفة.

ورأى زويك «ان التأمين يجعل المستقبل المالي اكثر وضوحا ويعتبر مهما جدا خاصة في البلاد النامية كالبلدان العربية»، كاشفا ان الشركة السويسرية لاعادة التأمين شهدت طلبا كبيرا على بوالص التأمين العشري في منطقة الخليج وخاصة في البحرين وقطر والامارات التي تعتبر اسواقا واعدة. اما السوق اللبنانية، فستتأثر على المدى القصير بالسياسة العامة والسياسة الاقتصادية، وهي في اي حال بحاجة الى تطوير المعرفة بهذا النوع المتخصص من التأمين.

وفي مجال آخر، اظهرت الدراسات الاحصائية السنوية التي تجريها مجلة «البيان الاقتصادية» ان صناعة التأمين في لبنان، وبالرغم من الاوضاع الاقتصادية والامنية السياسية السيئة، لاتزال تحقق عاما بعد عام زيادة بمجموع الاقساط. اذ بلغت الزيادة في اقساط التأمينات العامة (اي باستثناء اقساط التأمين) 8% في العام 2007 مقارنة بنمو نسبته 4.7 في العام 2006. وقد بلغت اقساط العام 2007 نحو 482.7 مليون دولار اميركي.

وعلى صعيد المراتب فقد احتلت شركة «ميدغلف» المرتبة الاولى بما مجموعه 70.8 مليون دولار، تلتها «بنكرز» بما مجموعه 48.5 مليون دولار، فشركة «اكسا الشرق الاوسط» 32 مليونا، و«سنا» التي اصبح اسمها «اليانز سنا» بـ 29.9 مليون، و«اللبنانية السويسرية» 29.5 مليون، وتمكنت شركة «فيدلتي» من تحقيق اكبر نسبة نمو بين الشركات العشر الاولى حيث سجلت نموا نسبته 15.7 بالمئة.

تجدر الاشارة الى ان عدد شركات التأمين التي تتعاطى التأمينات العامة هو 48 شركة وهناك ست شركات اخرى تتعاطى التأمين على الحياة حصرا.