عقارات أوروبا الشرقية تخطف الأضواء من أوروبا التقليدية

استونيا ورومانيا وبلغاريا وبولندا أفضل استثماريا من إسبانيا وفرنسا وبريطانيا

استونيا سجلت احد أعلى معدلات ارتفاع الأسعار خلال العام الماضي (« الشرق الأوسط« )
TT

لا شك أن أزمة سوق العقارات الاميركية قد أثرت على كثير من الأسواق حول العالم، خصوصاً الأسواق الأوروبية الغربية. لكن الملاحظ أن أسواق أوروبا الشرقية، التي انضم عددٌ منها إلى الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، لا تزال بعيدة عن التأثير الاميركي. ويرى عددٌ من مكاتب العقارات الأوربية أن دولاً مثل استونيا ورومانيا وبلغاريا وبولندا وحتى جمهورية الجبل الأسود قد شكلت استثماراً عقارياً أفضل من المناطق التقليدية مثل اسبانيا وفرنسا وبريطانيا. لذا فقد شهدت السنوات الأخيرة اندفاع العديد من مستثمري العقارات من دول غرب أوروبا الغنية نحو شراء العقارات في شرق القارة بسبب العائد المغري للاستثمار هناك. وجاء الإقبال على عقارات هذه البلدان من مستثمرين أجانب يسعون إلى الاستفادة من النهضة الاقتصادية التي تمر بها الدول الاشتراكية السابقة والحديثة الانضمام للاتحاد الأوروبي. وقد ساعدت حكومات شرق ووسط أوروبا سوق العقارات في بلدانها عبر تسهيل قيود وبيروقراطية تصاريح البناء وعقود البيع والشراء، كما سّهلت أيضا الحصول على القروض العقارية من المصارف. ولكن رغم هذا التسهيل فيحذر الخبراء من أن قدراً لا بأس به من البيروقراطية والقيود لا يزال موجوداً.

فمثلاً استونيا (إحدى دول الاتحاد السوفييتي السابق) سجلت احد أعلى معدلات لارتفاع الأسعار خلال العام الماضي، حيث ارتفعت قيمة العقارات هناك بنسبة 21%، حسب التقرير الذي يعده سنوياً المعهد الملكي البريطاني للمهندسين والمساحين عن حالة العقارات في عددٍ من الدول الأوروبية. وأشار التقرير إلى أن الدول التي انضمت حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي (غالبيتها من شرق ووسط أوروبا)، أصبحت تنافس دول الجنوب الأوروبي الذي يشهد عادة إقبالا كبيرا بسبب طقسه الدافئ المشمس. غير أن التقرير أكد أيضا أن العامين الماضيين شهدا ارتفاعاً ملحوظة في غالبية الدول الأوروبية الصغيرة مثل استونيا التي شهدت عقاراتها ارتفاعاً بأكثر من 50% خلال عامين فقط. وجاء الإقبال على عقاراتها من مستثمرين أجانب يسعون إلى الاستفادة من النهضة الاقتصادية التي تمر بها الدول الاشتراكية السابقة والحديثة الانضمام للاتحاد الأوروبي. كما أن مباني عاصمة استونيا «تالين» تتميز بمعمار أوروبي من عصر النهضة، لكنها كانت مهملة لفترة طويلة بسبب ضعف الاستثمارات فيها. أما الآن ومع النشاط الاقتصادي الجديد منذ انضمام استونيا في عام 2003 إلى الاتحاد الأوروبي فقد شهدت هذه المباني صيانة كاملة أعادت إليها رونقها القديم في حُلة حديثة. وفي المقابل فإن دولاً أوروبية تقع خارج نطاق الـ «يورو زون» (الدول التي تتعامل باليورو) لا تزال رخيصة مثل دول البلطيق، حيث يبلغ سعر المنزل في مدينة «بارمو» مثلاً نحو 45 الف دولار. وقد ساعدت حكومات شرق ووسط أوروبا سوق العقارات عبر تسهيل قيود وبيروقراطية تصاريح البناء، كما سّهلت أيضا القروض العقارية من المصارف. وفي مكان آخر من وسط وشرق أوروبا تعطيك مدينة هيرسيج نوفي في جمهورية الجبل الأسود فكرة جيدة عن جاذبية المكان، حيث تبلغ قيمة الشقة الصغيرة (استوديو) نحو 50 ألف دولار، والشقة ذات غرفة نوم واحدة تكلف نحو 80 الف دولار، والشقة ذات الغرفتين 140 ألفا، وتقع جميع هذه الشقق على خليج كوتور. أما السفر إلى الجبل الأسود في منطقة البلقان (يوغسلافيا السابقة) فيتم عن طريق مطار تيفات الذي يبعد حوالي 8 كيلومترات عن خليج كوتور. كما أن هناك وسيلة أخرى وهي السفر بالسيارة حيث تبعد كوتور نحو نصف ساعة من دوبروفينك في كرواتيا. ومن أهم المزايا سعي الحكومة المحلية نحو إصلاح سياسي كبير وتصميم على زيادة معدلات النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية. أما السلبيات فتتلخص في ضعف البنى التحتية ونقص في الطيران. وليس بعيداً عن الجبل الأسود، وفي رومانيا تحديداً، فهناك توسع ملحوظ في بناء الفيللات على طول الساحل، لكن هذه الفيللات لم تنشأ كنتيجة لازدهار سوق السياحة، بل غالباً ما يشتريها مستثمرون محليون. وينطبق نفس الشيء على المباني الجديدة حول بوخارست. ويفسر هذه الظاهرة طاهر علي من شركة «رومانيا ريفيليد» بقوله إن «سوق العقارات في الوقت الراهن لا يحتاج للمستثمرين الأجانب، لأن اقتصاد البلاد ينمو بسرعة مما يعني أن هناك طبقة جديدة من الأغنياء المحليين مستعدة ومتحمسة لشراء المباني الفاخرة للخروج من المباني التعيسة التي سادت المدينة إبان عهد الشيوعية والتحالف مع الاتحاد السوفييتي«. فهناك العديد من الفيللات المعروضة في منطقة كونستانتا على الساحل تبدأ أسعارها من 240 ألف دولار، وكذلك شقق معروضة للبيع بسعر يتجاوز 700 الف دولار. إلا أن العديد من الشباب الروماني يعاني من ضعف دخولهم، كما أن النظام المصرفي لا يقدم تسهيلات القروض العقارية لمساعدتهم على الشراء، مما يفتح المجال أمام المستثمرين الأجانب الذين يستطيعون شراء مبان تحت التشييد في ضواحي بوخارست أو على ساحل البحر الأسود وتأجيرها للطبقة الجديدة من الرومان الأثرياء أو للموظفين الأجانب. وغالباً ما يقوم المستثمر ببيع العقارات بعد مضي عدد من السنوات تكون الأسعار قد ارتفعت خلالها. ومن الناحية النظرية يمكن شراء العقار واستثماره وبيعه مرة أخرى دون أن تكون قد وضعت قدماً في رومانيا. إلا أنه من الضروري الانتباه إلى خطورة مثل تلك الخطوة، نظراً للمفاجآت التي يمكن أن تحدث. فرومانيا تملك العديد من المزايا التي تجعل الإقامة فيها ممتعة، فهي تحتوي على منتجعات تزلج ممتازة في «كارباثيانز» وعلى دلتا خصبة لنهر الدانوب قبل أن يصب في البحر الأسود والتي تعتبر فردوساً فريداً لا مثيل له في أوروبا كلها. كما أن هناك ترانسلفانيا المقاطعة ذات المشاهد الطبيعية الرائعة التي تعتبر من أجمل المقاطعات الرومانية حيث قمم الجبال الشاهقة والوديان المليئة بالغابات الخضراء التي تخترقها جداول المياه العذبة. وكذلك مدينة سايسوارا العتيقة التي تعود إلى القرون الوسطى وتشتهر ببرج الساعة الذي أقيم في القرن الرابع عشر. وأخيراً هناك العاصمة الثقافية لأوروبا لعام 2007: مدينة سيبيو الواقعة إلى الغرب من براسوف المشهورة بمتحفها المفتوح في الهواء الطلق وبيوتها الملونة الزاهية. وقد بدأت هذه الأماكن تجذب طلائع المستثمرين الأجانب المستعدين للمخاطرة، لعل أشهرهم ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلس الذي اشترى منزلاً ريفياً في ترانسفانيا. أما بولندا فلا تزال تُعتبر من أكثر الدول الأوروبية الشرقية التي جذبت انتباه المستثمرين العقاريين، إذ بلغت نسبة زيادة الأسعار فيها خلال العام الماضي 26%. ووفق تقرير المعهد الملكي البريطاني للمساحين العقاريين فإن بولندا حققت أيضا ارتفاعاً في عام 2006 بلغت نسبته 33% وارتفاعاً نسبته 28% في العام الذي قبله. وتبلغ مساحة بولندا 120.7 ألف ميل مربع ويصل تعداد سكانها إلى 40 مليون نسمة. وهناك 6 مدن كبرى لكن الاستثمار الأجنبي يتركز في العاصمة وارسو وفي المراكز الثقافية التاريخية مثل مدينة «كراكو» ومدينة «وروكلاو» في الجنوب الغربي المشهورة بوفرة العمالة الماهرة فيه وخطوط المواصلات المتصلة بألمانيا. أما في وارسو فهناك سوق ضخم للإيجارات بسبب العدد الكبير من موظفي الشركات الدولية ذوي المرتبات العالية. فقد انجذبت الشركات الدولية للمدينة تحت إغراء الحوافز الضريبية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لبولندا. ومثال على ذلك فإن المبنى الضخم الذي كان في العهد البائد قصراً للثقافة الإستالينية الشيوعية ومضاء طول الليل أصبح يجاهد الآن كي يحتل مكاناً بين ناطحات السحاب البولندية الحديثة. وستنضم إلى تلك الناطحات قريباً بناية « زلوتا 44» التي تضم 251 شقة فاخرة تشّكل مجمعاً سكنياً يضم روضة أطفال وحماما صحيا وحديقة على السطح. وتبدأ أسعار الشقق في مثل هذه البنايات الحديثة، التي تستهدف الأثرياء ورجال الأعمال، من 874 ألف دولار للشقة ذات 3 غرف نوم. كما تروج شركة «أوكرو» التي بنت أفضل فندق في بولندا (حسب تقديرات مجلة فوربس) لشقق فاخرة في مناطق ثرية من العاصمة للراغبين في مساكن راقية في وسط المدينة. وفي الوقت الحالي هناك حوالي 17 مشروعاً كبيراً لمبانٍ فاخرة في وارسو، أكبرها مشروع «مايستكزو ويلانو» في ضاحية « ويلانو»العتيقة. والمبنى الآن قيد التشييد، وهو يضم 8 آلاف شقة، ومن المقرر أن يكتمل بناؤه في عام 2012.