بيروت الرومانية والهلينية تنهض من حفريات الأبنية الجديدة

أهم تلك المواقع شارع مارون النقاش في الجميزة

حديقة رومانية مكتشفة في بيروت («الشرق الاوسط»)
TT

دفعت مشاريع البناء الجارية في وسط العاصمة اللبنانية وضواحيها المديرية العامة للآثار الى تكثيف تنقيباتها عن الآثار التي تدل على تاريخ بيروت العمراني والمراحل التي مرت بها. وتوزعت مواقع التنقيب على مناطق الاشرفية، والمتحف، والعدلية، وميناء الحصن، وزقاق البلاط، والجميزة (داخل بيروت)، والمريجة، والغبيري (ضواحي بيروت الجنوبية)، وهي تتم بالتعاون مع علماء الآثار في الجامعة الاميركية في بيروت، والجامعة اللبنانية، وجامعة القديس يوسف، وجامعة الكسليك.

ولعل اهم تلك المواقع هو موقع شارع مارون النقاش في الجميزة، وتحديداً في ما يسمى «ارض جوزف معوض، حيث تم اكتشاف اهم معالم بيروت الرومانية والهلينية، وهو اول مجمع ثقافي يتم اكتشافه خارج وسط بيروت التجاري.

ويقول المدير العام للآثار ومنسق عمليات التنقيب في بيروت والضواحي اسعد سيف: «ان الاكتشافات في هذا الموقع ضمت قطعاً من الرخام (بلاط وأعمدة) وقطع غرانيت، وارضاً كانت تستخدم داخل الهيكل، واربعة محاريب دوّن على اثنين منها كتابات، احدهما خصص للثلاثي جوبيتر ـ فينوس ـ مركور، والثاني لآلهة البحر «لوكوتيا»، ابنة قدموس (التي تقول الاسطورة انه فينيقي وابو الابجدية)» .

ويضيف سيف: «ان المجمع تعرض للنهب والتخريب قديماً بدليل وجود بعض الأساسات والبلاط الرخامي في حالة بائسة»، ويكشف ان المكان تم تحويله في النصف الاول من القرن الاول الميلادي الى منطقة صناعية «بدليل اكتشاف بقايا من الزجاج والبرونز، التي تخضع للفحوصات حالياً في مختبر المديرية العامة للآثار». وأظهرت الاكتشافات ايضاً وجود احد جدران المجمع، وقطع الموزاييك، والحوض الدائري الذي كان يستخدمه الناس لغرف المياه، وسلماً يقود الى رواق مقبب يقع على مستوى ارض المجمع، ما يشير الى الشكل الذي كان رائجاً في المجمعات الثقافية في العصر الروماني».

ويلفت سيف الى ان المساحة الاجمالية للمجمع يمكن ان تصل الى عشرة آلاف متر مربع. وتبرز الاكتشافات، للمرة الاولى في لبنان، وجود محترف لاحد صنّاع البرونز، وطاولته، وفرنه وتمثالاً برونزياً يمثل «ابولون».

اما موقع «المريجة» (احدى ضواحي بيروت الجنوبية) فقد اماط اللثام عن آثار تعود الى القرن الثاني للميلاد، «وهي تدل مع وجود مؤشر للمرة الاولى على وجود انشاءات في قطاع بيروت الجنوبي ـ الشرقي»، على حد قول منسق عمليات التنقيب، الذي يكشف ايضاً ان موقع «الغبيري» (ضاحية جنوبية ايضاً) ابرز آثاراً مهمة تدل على طبقات ما قبل التاريخ في المنطقة من «رمال حمراء»، و«رمال صخرية».

ويقول سيف: «في الاساس كانت هذه المنطقة شاطئاً، ثم ارتفعت المياه بين خمسة وستة امتار متسببة بتصخر الرمال. وفي مرحلة لاحقة اظهر تراجع البحر بيئة اقرب الى المستنقعات، وعرضت هذه الرمال الصخرية للهواء وعوامل الطبيعة. بعد ذلك ادى تكون الرمال وتكدس الرواسب الى تحويل المنطقة الى منطقة خصبة، تجتذب الطيور، وتحفز النشاطات البشرية من زرع وصيد» .

وفي موقع قصر العدل وملعب دوشايلا (شرق بيروت) دلت الاكتشافات الى وجود آثار سكن في العصر البرونزي الاول، حيث ضمت هذه الاكتشافات حجارة بالغة الصغر، ونصالاً حجرية رقيقة للغاية وحادة كانت تستعمل كادوات حلاقة، او لصنع ادوات صيد. ويقول سيف: «ان اكتشاف هذا الحجر هو اول دليل على وجود آخر مجموعة صيادين في بيروت». كما دل الموقع نفسه على وجود مدافن رومانية تمتد الى منطقتي الرميل وزقاق البلاط داخل بيروت. واظهر الموقع وجود بناء مجهز بسلم يؤدي الى صالة مربعة تضم اماكن مخصصة لدفن الاموات. وكشف احد القبور عن وجود حالة طاعون بدليل وجود الكلس في هذا الضريح».

وتوقع سيف في نهاية المطاف ان «تزرع» الآثار المكتشفة في حدائق الابنية الجديدة التي يجري تشييدها، حفاظاً على ذاكرة بيروت وتاريخها العريق.