«لعبة» الاستثمار العقاري في شرق أوروبا.. لم تعد سهلة

الأسعار تضخمت في المنطقة إلى درجة تراجعت معها ربحية البيع والإيجار إلى العدم

أسواق شرق اوروبا تمر بمرحلة إعادة هيكلة («الشرق الأوسط»)
TT

لم تعد لعبة الاستثمار العقاري في شرق اوروبا سهلة ولا مربحة كما كانت منذ عدة سنوات. فقد انتهت موجة الشراء العشوائي بأي ثمن وانتظار ارتفاع الاسعار قبل البيع مرة اخرى. فالاسعار في شرق اوروبا تضخمت الان الى درجة تراجعت معها الربحية الى العدم، كما تراجعت العوائد الايجارية مع الزيادة الهائلة في مشاريع العقار، واصبح المستثمر غير الحريص في خطر تسجيل خسائر عن استثماراته العقارية في هذه المنطقة. ومع تراجع القيمة والعوائد الايجارية يقول بعض الخبراء ان الوقت قد حان لتغيير استراتيجية العقار في شرق اوروبا الى ما يمكن تسميته البحث عن القيمة بالمقارنة مع الاسواق الاخرى.

واسواق شرق اوروبا كانت في معظمها اسواق مجهولة وعالية المخاطر حتى عهد قريب، ولكنها الآن اضحت مستهلكة من كثرة الاقبال عليها. ولم يعد مجديا فيها البحث عن العوائد العالية سواء في تزايد قيمة العقار او في العوائد الايجارية. وتكاد العوائد الايجارية في شرق اوروبا تتعادل الان مع غربها، الامر الذي يعني انها اسواق لم تعد مغرية كسابق عهدها بعد اضافة مخاطر التمويل والاقتراض وتغيير العملة وصعوبة التعامل في هذه الاسواق من حيث القوانين واللغة.

وقبل عشر سنوات كانت اسواق مثل بولندا وتشيكيا تحقق عوائد ايجارية اعلى من 10 في المائة، اما الان فالعوائد لا تكاد تصل الى نصف هذه النسبة. ولا توجد هوامش ربح تعكس نسبة المخاطر الاعلى، الامر الذي يدفع بعض المستثمرين للتشكيك في جدوى البقاء في هذه الاسواق في الوقت الحاضر. والمرجح هو ان هناك بعض الفرص التي مازالت متاحة على رغم صعوبة العثور عليها. والمستثمر السلبي في هذه المواقع يواجه الكثير من الخسائر، الا ان شركات تطوير العقار مستمرة في تحقيق الارباح كما ان المستثمر النشيط الذي غيّر استراتيجيته يجد الكثير من الفرص المتاحة.

ولا بد للمستثمر ان يضع في اعتباره حجم العوائد المتوقعة من الايجارات وان يبحث عن اصول جيدة تحتفظ بقيمتها وان يجتهد ايضا في تطوير وتجديد العقارات وينظر في امكانية تغيير استخداماتها من الاسكان الى المكاتب مثلا. ويمكنه تقليد العديد من شركات العقار في شرق اوروبا التي غيرت نشاطها من شراء العقارات الى تطويرها. والهدف النهائي في كل هذه المحاولات هو رفع قيمة العقار وزيادة عوائده الايجارية.

وتلاحظ شركات العقار ان المستثمر في شرق اوروبا الان يبحث اولا عن القيمة الايجارية للعقارات التي يفكر في الاستثمار فيها. وهناك دبيب حركة الى اعلى في ايجار العقارات الجيدة في العديد من دول شرق اوروبا بعد فترة خمول استمرت في بعض الاحوال الى نحو العامين. والحذر مطلوب الان في هذه الاسواق بسبب ازمة التمويل العقاري من ناحية وارتفاع امدادات العقار في هذه الدول من ناحية اخرى.

التخصص القطاعي ايضا من العوامل المهمة وفقا للبلد المتلقي للاستثمار، ففي دول مثل المجر ورومانيا وسلوفاكيا يتميز فيها القطاع الصناعي الذي يحتاج الى المزيد من الاستثمار، بينما يتفوق القطاع السكني في روسيا التي تحتاج الى المزيد منه مع استمرار انتعاشها الاقتصادي. وفيما يجد البعض ان هذه الاسواق مجتمعة تتجه نحو مرحلة النضج بسرعة الى درجة انها تتشابه كثيرا مع اسواق غرب اوروبا، فإنهم يتجهون شرقا الى اسواق جديدة. وبينما يعتبر البعض ان دولة مثل كازاخستان لم تدخل بعد الى خريطة الاستثمار العقاري الدولي، الا انها تتطور بسرعة الان لكي تلحق ببقية اسواق شرق اوروبا. وهي من اسرع الدول الشرقية نموا نظرا لثروتها النفطية، الى درجة انها تسبق الان دولة مثل اوكرانيا.

وتنصح شركات العقار بالنظر الى اساسيات واولويات السوق من حيث الحجم ونسبة النمو والاحتياجات الملحة، فمن غير المربح بناء مول تسوق مثلا في قرية نائية. وبوجه عام تفضل الشركات الاسواق الكبيرة عن تلك الصغيرة لانها توفر نسب اعلى من الامان بحجم الطلب فيها.

ويجب الا ينسى المستثمر ان هذه الدول مازالت تعاني من بعض المخاطر الكامنة مثل عدم شفافية التخطيط فيها وعدم حرفية بعض المقاولين المحليين ووسطاء العقار، هذا بالاضافة الى المخاطر السياسية والاقتصادية العامة. وهي ايضا منطقة متنوعة لا يجب النظر اليها كسوق واحدة. فشرق اوروبا مكونة من 30 دولة تختلف جذريا في نسب التعداد ومعدلات النمو الاقتصادي.

وفي قمة الاستثمار العقاري تقع بولندا والمجر وتشيكيا التي تمتلك اكبر الاقتصادات خارج روسيا، ولكن اسعارها هي الاعلى كما ان بعض مدنها ازدحمت بالمشاريع العقارية الفائضة عن الحاجة. ولكن الاسواق الاقل نموا تقدم ايضا المزيد من الفرص لمختلف انواع المستثمرين من صناديق الاستثمار التي تبحث عن العوائد الايجارية المستقرة الى المستثمر الذي يفضل ارتفاع قيمة العقارات نفسها.

وعلى المستثمر ان يحسب المعادلة بين المخاطر والعوائد بدقة، والتي ينظر اليها الاوروبيون على انها كلما امتد زمن السفر شرقا كلما زادت المخاطر. والجدير بالذكر ان هذه الاسواق لم تتأثر كثيرا بأزمة الرهن العقاري مثل اسواق غرب اوروبا، لان المصارف لم تتوسع كثيرا هناك في عمليات الاقراض عالية المخاطر.

ويمكن النظر لبولندا على انها السوق الاكثر تطورا في شرق اوروبا، لانها تمثل نسبة 40 في المائة من حجم الصفقات العقارية في شرق اوروبا في العام الماضي، وارتفعت الايجارات في العاصمة وارسو بنسبة 30 في المائة خلال العام الماضي. ولكن توقعات السوق تشير الى تراجع كبير في العوائد بداية من هذا العام بسبب دخول مشاريع كثيرة الى السوق. ومن المتوقع ان يستمر هذا التراجع حتى عام 2010 على الاقل، حتى يتعادل مع العائد في المدن الاوروبية الاخرى البالغ حوالي 5.5 في المائة.

وتشمل امدادات العقار الزائدة عن الحاجة العاصمة التشيكية براغ التي زاد حجم الاستثمار العقاري فيها في العام الماضي معدلا قياسيا بلغ 2.1 مليار دولار. وهي الان متخمة بمشروعات السوبر ماركت ومجمعات المكاتب، الى درجة ان الشركات تبتعد الان عن العاصمة الى مدن ريفية قريبة منها. ويتكرر السيناريو نفسه تقريبا في المجر وسلوفاكيا.

وتنظر الشركات شرقا الى كل من رومانيا وصربيا وبلغاريا واوكرانيا وروسيا. ومن بين هذه الاسواق، تجذب روسيا المستثمرين الاجانب على رغم ثراء المستثمرين الروس انفسهم. ومازالت روسيا تحقق عوائد عقارية افضل من بقية دول اوروبا سواء في الشرق او الغرب. ومن المتوقع ان تستمر موسكو كأفضل المدن هذا العام اجتذابا للاستثمار العقاري الاجنبي. وزاد الانفاق الاستثماري الروسي بوجه عام على مشروعات مراكز التسوق خمسة اضعاف منذ عام 2003. صناديق الاستثمار: تقدم البورصات العالمية العديد من صناديق الاستثمار العقاري في دول شرق اوروبا تمنح المستثمرين فرصة الانفتاح على هذه الاسواق. وخلال السنوات الماضية شهدت هذه الصناديق معدلات نمو عالية زادت في المتوسط عن صناديق الاستثمار في عقارات غرب اوروبا. وكان السبب ان عقارات شرق اوروبا كانت رخيصة بينما كانت الايجارات عالية، وبالتالي كانت عوائد الاستثمار مجزية.

ولكن التحول الذي وقع في العام الماضي رفع اسعار العقار في شرق اوروبا وخفض من معدلات الايجار وبالتالي انخفضت عوائد الصناديق واصبحت غير جذابة للمستثمر الجديد.

وتراجع متوسط العائد لهذه الصناديق الان الى نحو سبعة في المائة، بينما تحاول الشركات من ناحيتها البحث عن فرص جديدة من ناحية الانتشار الى دول جديدة بالاتجاه شرقا او دخول مجالات عقارية جديدة من بداية الدورة العقارية، مثل تخصيص اراض زراعية للبناء.

ومن نحو 50 صندوقا عقاريا في اوروبا يتجه حوالي النصف منها الى دول شرق اوروبا. وتختلف انجازات هذه الصناديق وفقا للدول والقطاعات التي تستثمر فيها. ولكنها تعاني الان من موجة بيع هائلة من المستثمرين فيها بسبب ازمة الرهن العقاري الاميركية ورغبة المستثمرين الخروج من السوق مؤقتا وتسييل اموالهم. وتبع ذلك بالطبع سقوط اسعار هذه الصناديق الامر الذي ينظر اليه البعض على انها فرصة سانحة للشراء. فاسعار الاسهم في هذه الصناديق يتم تداولها بقيمة اقل من قيمة الاصول التي تملكها الصناديق بنسب تصل في بعض الاحيان الى 40 في المائة.

ولفت هذا الوضع نظر محترفي شراء الاصول بأقل من قيمتها على امل بيعها او حتى تصفية الصناديق في المستقبل والحصول على فارق القيمة. ولذلك فمن المتوقع ان يزيد الاقبال على الصناديق العقارية الموجهة الى شرق اوروبا في المستقبل المنظور. ولكن عنصر المخاطر مازال موجودا في هذه الصناديق نظرا للمواقع التي تعمل فيها وايضا لبعض اخطاء مديري الاستثمار المشرفين عليها. ولكن من المفترض ان تكون هذه المخاطر قد تم حسابها بالفعل في الاسعار المخفضة لاسهم الصناديق.

وعند اختيار الاستثمار في هذه الصناديق لابد للمستثمر ان يبحث في تاريخ تأسيسها وفي الاصول والدول التي تستثمر فيها. والاهم بالطبع حجم هذه الصناديق ومدى سيولة البيع والشراء فيها. والافضل ترك مسألة الاستثمار في الصناديق العقارية لتقدير المحترفين الذين يحسبون مراحل الاستثمار التي يمر بها كل صندوق ونسبة المخاطر لكل مرحلة.

دول بحر البلطيق: الانتعاش قادم .. ولكن بعد مرور هذا العام الصعب

* في ذروة انتعاش دول بحر البلطيق في عام 2006 كانت الاسعار ترتفع بنسبة 30 في المائة كل عدة اشهر، وكان اسلوب الاستثمار، او المضاربة، المعتاد هو دفع مقدم على اكبر عدد ممكن من وحدات العقار في المشاريع الجديدة وبيعها بضعف الثمن من قبل بدأ التسليم.

ولكن هذه المرحلة انتهت الان مع تراجع الاسعار في هذه الدول، وهي لاتفيا واستونيا وليتوانيا، بمعدلات تصل من 10 الى 20 في المائة، الامر الذي انعكس بخسائر فادحة على الذين دخلوا هذه السوق متأخرين. ومازالت الاسعار تتراجع في هذه الدول بعد نهاية الفقاعة العقارية وتأمل حكوماتها الا ينعكس الوضع على الاقتصادات بشكل عام في صورة كساد.

وكانت اسباب فقاعة العقار في هذه الدول زيادة الطلب المحلي اكثر من تأثير الطلب الاجنبي، حيث كانت الرغبة قوية في شراء العقارات المستقلة بعيدا عن المساكن الشعبية التي انتشرت في العصر الشيوعي. كما ان زيادة الاجور بنسب كبيرة وسهولة التمويل ساهما في تكوين الفقاعة.

واثناء عصر الرخاء تنافس المستثمرون الاجانب من بريطانيا وايرلندا على المشاريع الجديدة خارج المدن بينما تنافس الاسكندنافيين على الفلل المنعزلة والروس على المناطق الساحلية. ولكن معظم الاستثمار الاجنبي الان تراجع في هذه الدول وحل محله الاستثمار المحلي الذي ينظر الى المدى البعيد. وبدأ التراجع في هذه الاسواق من العقارات القديمة اولا وشمل الان المشروعات الجديدة ايضا التي تحاول الشركات المطورة للمشاريع بيعها بأي ثمن. وفي مشروع في مدينة تالين يحتوي على 3500 وحدة عقارية مازالت الف وحدة غير مباعة حتى الان. وتعتقد معظم شركات العقار ان هذه الاسواق سوف تتراجع او تبقى محلها في افضل الاحوال هذا العام.

وتأتي هذه المتاعب على الرغم من هذه الدول لم تعاني من ازمة الائتمان الدولية كما ان السكان المحليين استفادوا من زيادة اسعار الاسهم محليا ومن المساكن الشعبية التي منحت لهم مجانا في العصر الشيوعي. وهناك بوادر امل للمستثمر الاجنبي في هذه الدول ان عوائد الايجارات بدأت ترتفع مرة اخرى مع زيادة الطلب المحلي على الايجار بدلا من الشراء. كما ان تراجع نشاط البناء الان سوف يخلق نقصا في المستقبل عندما يعود النشاط مرة اخرى. ولكن اكثر التوقعات تفاؤلا لا تتوقع ارتفاع الاسعار بنسب الماضي، وتأمل في نسب نمو متواضعة لا تتعدى 10 في المائة.