توقعات بتراجع أسعار العقارات في بريطانيا بشكل دراماتيكي خلال عامين

عدد المنازل المعروضة للبيع يرتفع بنسبة 50%.. والبنوك تسحب عروضها

لهيب ازمة الائتمان الدولية يلسع سوق العقار البريطاني بقوة («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو ان انهيار بنك «بير ستيرنز» المفاجئ دليل على ان ازمة الائتمان الدولية التي تعيشها الاسواق منذ اغسطس (آب) الماضي اعمق واخطر مما توقع البعض وخصوصا على اسواق العقار المحلية والدولية. لذا لم تكتف البنوك البريطانية الكبيرة التي تقلبت من هزة «بير ستيرنز» الاخيرة، بسحب الكثير من عروضها ومنتجاتها الخاصة بالرهون او القروض العقارية خلال الاشهر الستة الماضية، بل اصبحت اكثر تشددا من أي وقت مضى بمنح هذا النوع من القروض بسبب المخاوف من تقلبات السوق وشحة التمويلات كرد فعل على ازمة الائتمان الدولية. ويقول الكثير من السماسرة الناشطون في الاسواق ان البنوك ترفض اقراض الكثير من الزبائن رغم تمتعهم بتاريخ ائتماني جيد لا غبار عليه، وخصوصا المشترين للمرة الاولى. وفوق الصعوبة الكبيرة التي يواجهها المواطنين والمستثمرين في الحصول على القروض حاليا، فإن اسعارها اصبحت اغلى من السابق واكثر كلفة. وتركز بعض البنوك حاليا على اعادة ترتيب القروض العقارية ( Remortgages)، فقط للزبائن الذين يمتلكون عقارات عالية القيمة. وقد ارتفع عدد صفقات اعادة ترتيب القروض بنسبة 43 في المائة من ديسمبر (كانون الاول) الماضي الى يناير (كانون الثاني)، أي من 59 الف صفقة الى 85 الف صفقة. وحسب تأكيد بعض خبراء «مورغان ستانلي» (Morgan Stanley)، فإن هذه البنوك تطلب من الزبائن ثمنا متناسبا ومتناغما مع كلفة قروضها ومعدلات الفائدة عليها، وهي عادة ما تكون اعلى من معدل البنك المركزي.

وفيما لا يزال الكثير من المستثمرين الكبار في الاسواق العقارية يملكون القدرة على تأمين بعض مما يحتاجونه من القروض، لحجمهم في هذه الاسواق. في المقابل فإن المستثمرين الصغار يواجهون ايضا شحة في القروض العقارية ويعانون من ندرتها وبالتالي من القدرة على التنافس.

والوضع الحالي يعزز موقع المستثمرين الكبار، إذ يتوقع ان ينتعش سوق الإيجار على حساب الاسواق السكنية العادية كما تقول وتؤكد مؤسسة «هوم تراك»( Hometrack) في تقريرها الاخير. ويقول التقرير ان عائدات الإيجار ارتفعت بنسبة 9 في المائة العام الماضي وهي نسبة عالية مؤهلة للارتفاع. وإضافة الى ذلك، اشارت التقارير الاخيرة، الى ان بعض البنوك البريطانية الصغيرة او ما يعرف «بجمعيات الإقراض العقاري» (Building society) توقف عن تأمين القروض العقارية للمواطنين، في رد فعل على ما يحصل في الاسواق المالية وانهيار بنك «بير ستيرنز» في الايام القليلة الماضية. وذكرت هذه التقارير، ان عدة بنوك صغيرة منها «باث بيلدينغ سوساياتي» (Bath Building society) و«ايرل شيلتون بيلدينغ سوساياتي»( Earl Building Society)، سحبت كل منتجاتها وقروضها العقارية المعروضة في الاسواق، بعد عجزها عن تأمين التمويلات المطلوبة لهذه المنتجات والقروض.

ويقول الخبراء ان ازمة الائتمان بدأت تطال هذه البنوك التي تعتمد على هذه التمويلات لتوفير 30 في المائة من قروضها للمواطنين. وعادة ما تعتمد هذه البنوك التي يبلغ عددها في بريطانيا 59 بنكا (تملك ما قيمته 350 مليار جنيه استرليني ـ 700 مليار دولار ـ واكبرها «نيشين وايد» (Nationwide) بقيمة 166 مليار جنيه)، على مدخرات الزبائن لتأمين جزء من القروض الخاصة بالعقار والسكن للمواطنين. واي ضرر تتعرض له هذه البنوك سينعكس سلبا على الاسواق العقارية السكنية المتعبة حاليا والتي تمر في فترة ركود وتراجع للاسعار لم تعرفها منذ سنوات طويلة. ويبدو ان تدخل البنك المركزي في انجلترا هذا الاسبوع لضخ 10 مليارات جنيه استرليني في الاسواق لم يكن كافيا لوقف التدهور في سوق القروض والائتمان بشكل عام، إذ ان البنوك الكبيرة تفضل الانتظار والاحتفاظ بمدخراتها وتشديد الشروط على القروض، في ظل المخاوف من تباطؤ الاقتصاد البريطاني وحصول ركود اقتصادي في الولايات المتحدة.

وفضلا عن ان هذه البنوك تملك اليد الطولى في الاسواق والقدرة على تحصيل القروض على حساب البنوك الصغيرة، فقد ارتفع معدل الفائدة على القروض التي تتم بين البنوك الى 5.97 في المائة أي بزيادة قدرها 0.7 في المائة عن معدل الفائدة الذي يعتمده البنك المركزي. وفي حال طالت الازمة البنوك الصغيرة، ستضطر هذه البنوك على حد رأي الخبراء، الى الاستنجاد بالمركزي لتأمين السيولة والقروض باسعار مقبولة. وإذا فشلت في مثل هذه الخطوة ستضطر الى الاندماج تجنبا للاندثار. وبناء على المعطيات المتوفرة، يقول خبراء العقار ان عدد العقارات المعروضة للبيع سيكون اول ضحايا اللكمات التي يتعرض لها سوق العقار السكني في ظل الركود بشكل عام، إذ يتوقع ان يحجم الناس عن عرض عقاراتهم في ظل التراجع المتواصل للاسعار في بعض المناطق. كما ان التقلب في الاسواق وعدم الاستقرار اديا الى تراجع حركة الانتقال من عقار الى آخر السنة الماضية، إذ لم يسجل سوى مليون عملية انتقال، مما يعني ان معدل انتقال المالك في بريطانيا من بيت لآخر ارتفع من 7 سنوات الى 25 سنة، وهو دليل كبير على مخاوف اصحاب العقارات من المستقبل الاقتصادي.

ومع هذا فإن الوضع الحالي في الاسواق وارتفاع قيمة القروض وارتفاع معدلات الفائدة عليها، سيجبر البعض على بيع عقاراتهم ولو بأسعار رخيصة لعجزهم عن سداد قروضهم او اقساطهم الشهرية. وقد سجل ارتفاعا بنسبة 37 في المائة في عدد المواطنين الذين يعانون من غلاء هذه القروض ويواجهون صعوبة في مواصلة المترتبات الشهرية عليهم.

التقارير الاخيرة كما اشرنا، تؤكد تراجع اسعار العقار بشكل عام، ففيما يقول تقرير بنك «نيشين وايد»، ان اسعار العقارات تراجعت في بريطانيا للشهر الرابع على التوالي، تقول مؤسسة «هوم تراك» ان التراجع يحصل منذ 5 اشهر، اما جمعية المساحين الملكية (RICS) فتقول ان ذلك يحصل منذ 7 أشهر.

من ناحيتها تقول مؤسسة «هامبتون انترناشيونال» (Hamptons International) ان اسعار العقارات في لندن تراجعت خلال تلك الفترة بنسبة 10 في المائة ويتوقع جون وود احد الخبراء في المؤسسة المعروفة، ان يتواصل التراجع في اسعار العقارات في العاصمة في المستقبل القريب. والاهم من هذا يتوقع ديفيد مايلز وهو خبير في بنك «مورغان ستانلي» الاستثماري المعروف، ان تتراجع اسعار المنازل بنسبة 14 في المائة خلال العامين المقبلين (2009 ـ 2010)، ومع الاخذ بعين الاعتبار معدل تضخم الاسعار، فإن نسبة التراجع تكون في الحقيقة 20 في المائة. وهذا يعني ان معدل سعر المنزل السكني في انجلترا سيتراجع من 186 الف جنيه ( 360 الف دولار) الى 149 الف جنيه تقريبا (280 الف دولار ). تقرير «جمعية المساحين»، لا يبشر بالخير ايضا، إذ يشير الى زيادة بنسبة 64 في المائة في عدد المساحين الذي يسجلون تراجعا في اسعار العقارات بدلا من الارتفاع الشهر الماضي (فبراير (شباط) 2008 ). وتلك النسبة نفسها التي سجلت في يونيو (حزيران) العام 1990 حيث تراجعت الاسعار بشكل لم يسبق له مثيل. كما ان عدد القروض التي تمت الموافقة عليها بداية العام (يناير/كانون الثاني 2008) كان اقل من الشهر السابق (ديسمبر/كانون الاول 2007 )، إذ تراجع من حوالي 62 الف قرض الى 50 الفا. بأية حال فإن تقرير «هيئة المساحين»، يركز بشكل عام على الارتفاع في حالات تراجع الاسعار، لكنه لا يشير الى النسبة الكبيرة من المساحين الذين لا يزالون يسجلون ارتفاعا في الاسعار في بعض الناطق وبعض القطاعات العقارية المختلفة. وعادة ما يلعب المساحون والسماسرة دورا كبيرا في التأثير على نبض الاسواق العقارية (خصوصا السكنية) والحفاظ على الاسعار. ومع ان مؤسسة «برايم بربرتي» (Primeproperty)، اكدت الشهر الماضي، ان اسعار العقارات الفاخرة كانت تعاكس التيار وتواصل ارتفاعها في لندن، اشارت مؤسسة «سافيلز الدولية» ( Savills)، ان اسعار العقارات الفاخرة، بدأت تلحق بغيرها، وسجلت تراجعا بنسبة 1.5 في المائة في الربع الاول من هذا العام.

وان اكثر العقارات عرضة لهذا التراجع هي العقارات التي تجذب العاملين في الوسط المالي. وقد تراجعت اسعار العقارات التي تتراوح قيمتها بين مليون جنيه (1.95 مليون دولار) و مليوني جنيه ( 3.9 مليون دولار )، بنسبة 2.7 في المائة في الفترة ذاتها.

ويبدو ان الارتفاع في اسعار العرض في الفترة الاخيرة (الاسعار التي يطلبها الباعة لعقاراتهم)، يساهم في زيادة عدد المنازل المعروضة للبيع وإطالة فترة بيعها وبالتالي التأثير على الاسواق سلبا في المستقبل. وسجل ارتفاع في اسعار العرض هذه بنسبة 0.8 في المائة، رغم ان نسبة التراجع في اسعار العقارات المباعة يصل الى 10 في المائة منذ السنة الماضية. وفي هذا السياق فقد ارتفعت نسبة عدد المنازل المعروضة للبيع وللشهر الخامس على التوالي، لتصل الى 8 في المائة. وهذا يعني ان النسبة تصل الى حوالي 50 في المائة خلال الأشهر العشرة الاخيرة، وهي اعلى نسبة منذ العام 1989.

وتقول مؤسسة «رايت موف» العقارية في هذا الإطار، ان عدد المنازل المعروضة للبيع، ولم تجد زبائن لها، ارتفع بأعلى نسبة له منذ العام 2002. ورغم وجود بعض الإشارات على التحسن في حركة الاسواق العقارية، فإن الآمال بحصول رد فعل ايجابي في هذه الحركة في بداية فصل الربيع كما يحصل كل عام، بدأت تتبخر، إذ يؤكد الكثير من الخبراء ان الأسواق لن تعود الى نشاطها المعتاد وتتعافى قبل نهاية العام المقبل وربما عام 2010 حسبما اشارت مؤسسة «نايت فرانك» (Knight Frank). ومع هذا فإن هناك بعض الاخبار السارة، إذ تشير تقارير السماسرة الى ان المنازل او العقارات التي تتمتع بنوعية بمواصفات جيدة وممتازة لم تتأثر بما يحصل في الاسواق ولا تزال تحافظ على قيمتها في السوق. فضلا على ذلك، فالمستثمرون وشركات البناء تواجه صعوبة في الحصول على القروض، مما ادى الى تراجع عدد المنازل الجديدة خلال السنة والنصف الماضية بنسبة 10 في المائة. ومن شأن هذا النقص المتواصل في عدد العقارات المتوفرة في الاسواق وخصوصا السكنية، دعم الاسعار وتعزيزها ومنعها من الانهيار في حال طالت او ساءت ازمة الائتمان. هذا بالاضافة الى انه رغم تراجع الطلب نسبيا، فإن اسعار العقارات في اسكتلندا لا تزال تعاكس التيار وتواصل ارتفاعها للشهر التاسع على التوالي، وخصوصا في الشهرين الاخيرين حيث ارتفعت الاسعار في بعض المناطق من 7 الى 25 في المائة، مما يؤكد ان اسكوتلندا حاليا من اقوى الاسواق العقارية في بريطانيا واكثرها نشاطا على الصعيد الاستثماري.