لبنان: انتعاش المشاريع السكنية في «الأشرفية» والعقارات غير المبنية فيها أصبحت قطعا نادرا

المنطقة الواقعة شرق بيروت استطاعت تحييد نفسها عن أزمة البلاد السياسية والأمنية

TT

استطاعت منطقة الأشرفية (في شرق بيروت) بمعظم احيائها وشوارعها، تحييد نفسها الى حد كبير عن تأثيرات الازمة السياسية والأمنية التي يتخبط بها لبنان منذ نيف وسنتين، وقد مثلت هذه المنطقة واحدا من الامثلة على قدرة القطاع العقاري على الصمود وامتصاص الصدمات على أنواعها.

ولعل خير دليل على ذلك هو ما تشهده المنطقة من مشاريع سكنية قدرت بنحو 60 مشروعا بعضها قيد الحفريات، والبعض الاخر على وشك التنفيذ، وهي تشكل نحو 300 ألف متر مربع، اي نحو 1200 وحدة سكنية على اساس متوسط مساحة الوحدة السكنية 250 مترا مربعا. واللافت ان نسبة محدودة من هذه الوحدات قد بيعت «على الخريطة»، بحسب تعبير المهتمين بالشأن العقاري.

ويقع نصف هذه المشاريع تقريبا في محيط ضيق يشمل «الصيفي» و«الجميزة» و«التباريس» وشارع السراسقة وشارع شارل مالك و«فرن الحايك». وبالنظر الى قرب هذا القطاع من وسط بيروت التجاري (منطقة سوليدير)، فهو يستفيد من سهولة الوصول اليه ويتمتع بسمعة ممتازة قد يكون فيها بعض المغالاة. ويقول احد المهتمين بالتراث المعماري لـ«الشرق الاوسط»: «ان السائد في هذا القطاع هو سياسة البولدوزر والجرافات التي تنفذ «حكم الاعدام» بالعديد من البيوت التراثية التي كانت تقوم في هذه المنطقة حتى الامس القريب، بقرميدها وقناطرها وحدائقها ونوافير المياه في داخلها».

غير ان كثرة المشاريع وزحف الإسمنت الى هذه المنطقة، وزحمة السير التي تعاني منها لم تفقد الزبائن المحليين واللبنانيين العاملين في الخارج شهيتهم الى السكن فيها، بالرغم من الاسعار المرتفعة التي يتمسك بها اصحاب المشاريع. ويقول الخبير العقاري ومدير عام مؤسسة «كونتوار الامانة» العقارية وديع كنعان لـ«الشرق الاوسط»: «ان متوسط سعر المتر المربع الواحد من البناء في هذه المنطقة تجاوز الان 2200 دولار، وقد بلغ في بعض المشاريع البالغة الفخامة (مع حدائق ومواقف متعددة للسيارات) 3 آلاف دولار، الا ان هذا النوع من المشاريع الذي يكثر في «فرن الحايك»، حيث يقوم فيه وحده نحو 13 مشروعا سكنيا، والذي يطلق عليه البعض اسم «المثلث الذهبي»، باعتبار ان الطلب على الوحدات السكنية في هذه المنطقة يتركز على الميسوري الحال، الذين تراوح موازنتهم السكنية بين المليون ونصف المليون دولار. ومثل هؤلاء الميسورين يعانون حاليا من «فقدان الشهية» تجاه هذا النوع من الشقق، ويحجمون عن دفع مثل هذه المبالغ في ضوء انسداد الأفق السياسي والأمني.

ويعتبر مشروع «اشرفية تاور» اول مشروع سكني في هذا الحي بوحدات سكنية تبلغ 560 مترا مربعا للوحدة السكنية الواحدة. واثارت هذه المبادرة في السابق شهية المستثمرين الخليجيين، فبادروا الى تبني مشروع ضخم عند تقاطع شارعي غندور السعد ـ دوماني، يقدم شققا بمساحات تراوح بين 400 و700 متر مربع. وتنحصر هذه المساحات عادة بالواجهة البحرية لبيروت والنقاط المميزة. ويقوم هذا النوع من المشاريع وسط بيئة مكونة من بيوت يعود تاريخها الى الخمسينات، فضلا عن البيوت التراثية القديمة.

وفي ضوء استمرار التأثيرات السلبية للازمة، لجأ المستثمرون الى خفض طموحاتهم، معتمدين على الوحدات السكنية الوسطى (بين 275 و375 مترا مربعا للوحدة)، حتى ان البعض منهم غامر في طرح وحدات اصغر (بين 160 و200 متر مربع). ويقول احد هؤلاء المستثمرين: «الجميع يعتبر ان منطقة فرن الحايك معروفة بوحداتها السكنية الكبرى والبالغة الفخامة، فلماذا لا تجتذب العازبين، او الازواج الجدد القادرين على دفع ما بين 300 ألف و400 الف دولار للشقة الواحدة، الا ان هذه الاستراتيجية لم تلق الرواج الواسع، باعتبار ان الشارين اللبنانيين الذين يطلبون هذا النوع من الوحدات السكنية (ما دون 200 متر مربع) يفضلون دفع هذا المبلغ خارج بيروت ثمن شقة اوسع وفسحات خضراء أرحب. ويراوح سعر المتر المربع الواحد في الطبقة الاولى بين 1700 و2000 دولار، تبعاً للموقع ونوعية البناء، علماً ان الاسعار زادت ما بين 35 و40% خلال السنتين الماضيتين. ويبدو ان الاتجاه غير قابل للتراجع في ضوء ارتفاع كلفة البناء، وارتفاع سعر صرف اليورو».

وفيما تنبت المشاريع السكنية في منطقة الأشرفية لتفقد بعض احيائها وشوارعها الهدوء الذي تتسم به والتراث الذي تفتخر به، اصبحت العقارات غير المبنية فيها قطعاً نادراً ما جعل بعض اصحاب هذه العقارات النادرة يطلبون اسعاراً تتجاوز المعقول والمنطق، إلا ان اصحاب المشاريع يرفضون ان يكونوا لقمة سهلة في افواه هذا النوع من اصحاب العقارات، معتمدين على توزيع عامل الاستثمار على المساحات المبنية، بحيث يراوح سعر المتر المربع المضاف على سعر المتر المبني بين 450 و700 دولار في «فرن الحايك»، وبين 400 و600 دولار في المحيط. ويتراجع هذا السعر الى ما بين 300 و 500 دولار للمتر المربع في «شارع مونو»، و«شارع مار متر»، ثم يرتفع الى ما بين 700 و850 دولاراً في جوار «ساحة ساسين» (قلب الاشرفية) كشارع جورج حيمري وشارع شارل مالك، و«التباريس». وإذا كانت بعض مناطق الاشرفية تشهد فورة عقارية لا سابق لها، فان مناطق كمحيط مستشفى رزق، ومدرسة الناصرة تتحرك بتؤدة، فيما لا تزال مناطق اخرى تحافظ على طابعها الشعبي، كـ«فسوح» و«الجعيتاوي»، و«البدوي» وشارع القبيات.