«أبراج راقصة» على امتداد خور صناعي في الإمارات

صممها معماريون حائزون جوائز «بريتزكر»

رسمان تخيلان للأبراج الراقصة («الشرق الاوسط»)
TT

مع كل النجاح الباهر الذي حققته زها حديد دولياً، ظل الشعور الذي يراود متابعي مسيرتها المهنية يشوبه نوع من العتاب على الشركات والحكومات العربية التي أهملت الاستفادة من زها حديد، معمارياً، في المشاريع التي تزدحم بها المدن العربية. قبل خمس سنوات كان اللقاء مع زها حديد في مشروع آخر من ابتكارها، وكان بناء مصنع كامل لشركة سيارات المانية في مدينة لايبزيغ. المصنع ايضا كان تحفة فنية حيث يعمل كقلب نابض تصنع به السيارات في دورة متحركة تمر عبر مكاتب الادارة. «الشرق الاوسط» سألتها حينذاك عما اذا كان العالم العربي يهملها أم انها هي التي تهمله. فكانت الاجابة بابتسامة غامضة! ولكن يبدو ان عصر الاهمال، مهما كانت اسبابه، قد انتهى. بالفعل فقد حققت دبي امنية تصميم مشاهير العرب لأبنية في الدول العربية. ومن المقرر أن يتم الانتهاء من بناء ثلاثة أبراج تدور حول نفسها بجوار خور صناعي بإمارة دبي خلال عام 2011. وستقوم بتصميم هذه الأبراج المهندسة المعمارية زها حديد ونورمان فوستر وفرانك غهري، وجميعهم حائزون جوائز «بريتزكر». يقول باتريك شوماخر، شريك زها في تصميماتها: «نجرب أشياء للمرة الأولى ونأمل في النجاح. ثمة تلهف شديد في منطقة الخليج على أية أفكار جديدة». وتوجد بدول مجلس التعاون الخليجي مشروعات إنشاء تصل قيمتها لأكثر من تريليوني دولار يتم تمويلها عن طريق الزيادة في أسعار البترول التي بلغت أربعة أضعاف خلال الخمس سنوات الأخيرة. ويوجد بدول الخليج نحو 40 في المائة من الاحتياطي المؤكد من البترول في العالم. وهناك رغبة متنامية في هذه الدول لأن تكون بها أبنية يشار لها بالبنان. ومما يشجع هؤلاء المعماريين البارزين على العمل الموافقة السريعة على المشروعات والوتيرة المتسارعة لعمليات البناء في هذه المنطقة، على نحو لا تشهده أوروبا والولايات المتحدة. وتتضمن المشاريع التي تقدمها زها «دار الأوبرا» في دبي، التي ستبنى على جزيرة صناعية في منتصف «خور دبي»، بجانب ثلاثة أبراج ستمثل تحدياً لقوانين علم الفيزياء. وفي العاصمة أبوظبي، تصمم زها مركز الفن الاستعراضي، وهو مبنى متكامل الأجزاء يمتد إلى مياه جزيرة السعديات. ولدى فوستر وشركاه مشاريع منها مبنى «إندكس»، الذي يعد أكبر مبنى سكني في العالم و«مصدر»، أول مدينة في العالم خالية من الكربون، وستكون هذه المدينة في أبوظبي. تبني مؤسسة غهري وشركاه، متحف جوجنهيم في أبوظبي. وهناك «برج دبي»، أعلى مبنى في العالم الذي يصممه سكيدمور وأوينجز ومريل. كما صمم «آي إم بي» متحف قطر للفنون الإسلامية. يقول فاتح رفقي، عميد كلية العمارة في الجامعة الأميركية في الشارقة: «إذا كنت تبني في مدينة نيويورك، فهناك ظروف معينة يجب أن توضع في الاعتبار، ولا توجد مثل هذه الظروف في الإمارات، التي تشهد معدلات نمو مرتفعة، ومن ثم يشعر المرء بأن هناك مزيداً من الحرية من الناحية الجمالية» بحسب ما أورده موقع بلومبيرغ المالي. وكان حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هو أول زعماء المنطقة الذين رأوا في الإعمار وسيلة للتسويق، فقد كلف توم رايت ببناء برج العرب الذي أنجز عام 1999. يقول جون دايكن، المسؤول التنفيذي الأول لأحد بيوت الخبرة في دبي: «برج العرب هو المبنى الذي يتحدث عن دبي. تتنافس عواصم الخليج مع بعضها بعضا ومع المدن الكبرى في كافة أنحاء العالم، والفن المعماري العظيم يعزز سمعة هذه المدن ويشجع الشركات التجارية على الذهاب إلى هناك». العمل في مشروعات حكومية بمنطقة الخليج يعني قرارا أسرع مما هو في دول الغرب ودائرة عمل أقصر وهامش ربح أعلى للمهندسين المعماريين على نحو لا يمكن تصوره. ويقول جرارد إفندن، شريك بارز في شركة فوستر: «بأبوظبي ودبي، في المعتاد نأخذ التصميم لشخص واحد ونقول هل يعجبك هذا؟ ولكن في لندن يجب عليك أن تضع في الاعتبار التراث الإنجليزي والمخططين! وكل هذه الأمور تأخذ وقتا طويلا. ومن الصعب في بعض الأحيان في أوروبا بناء بعض المباني». ويشير فاتح إلى أن وتيرة التنمية في منطقة الخليج أسرع بمقدار مرتين أو ثلاث مرات مما هو في الأسواق الناضجة. و«يستمتع المعماريون بهذه الوتيرة السريعة في عملية التنمية». ويقول جيرارد إن المشروعات التي تنفذ في منطقة الخليج تساعد الشركات المعمارية على القيام بأعمال موهوبة.

ويضيف: «بالنسبة لإدارة نشاط تجاري يعتمد على الحفاظ على أفضل الشخصيات القادرة على خلق فرص للمشاركة في مشروعات حقيقية. ومن المهم الحفاظ على الموهوبين المثابرين الشباب الموجودين هنا. هذا هو السبب في وجود المعماريين». والسبب وراء قدوم المعماريين لمنطقة الخليج هو سماح الحكومة ببناء مبان عامة. والفاعلون من القطاع الخاص في مجال التنمية يسعون وراء ما يمكن أن تقدمه هذه الشركات لهم ويعود عليهم بالنفع من الناحية التجارية. الى ذلك، يقول مهدي أمجد، المسؤول التنفيذي الأول لشركة «أمنيات» للعقارات، والتي تعمل لصالحها زها وفوستر في الوقت الحالي: «حتى لو اضطررت لدفع ضعف ما تدفع للمهندس المعماري، فإن هذا لا يقارن بالقيمة الكلية للمشروع. فالطابق الأعلى في المبنى الذي صممته زها حديد سوف يكون بسعر 4000 درهم للقدم المربعة»، وهذا ضعف الرقم السوقي في المتوسط. وبالنسبة لباتريك، شريك زها، فإن الخليج يوفر معملا للأبحاث والتنمية في الصناعة المعمارية. يقول باتريك: «يجب توفير التمويل للعمل الابتكاري بصورة ما. وبسبب عدم وجود أية مؤسسة لتوفير التمويل للأبحاث، يجب عليك أن تقوم بهذا عن طريق المشاريع. ما نقوم به هنا هو مساهمة للتنمية المعمارية في العالم عن طريق مشروعات غير عادية».