آمال توحيد قبرص تتزامن مع انتعاش في ترميم فيلاتها الحجرية القديمة

ثاني أعلى معدل ارتفاع في أوروبا

تقدم قبرص فرصا عقارية مغرية («الشرق الأوسط»)
TT

رغم التباطؤ الظاهر في غالبية أسواق العقارات الأوروبية ـ غالباً بسبب أزمة العقارات والائتمان الأميركية ـ فإن بعض الدول لا تزال تبدي فرصاً جيدة للاستثمار العقاري. ومن بين هذه الدول جزيرة قبرص التي جاءت العام الماضي في المرتبة الثانية من حيث ارتفاع أسعار عقاراتها، وفقاً لتقرير «المعهد الملكي للمساحين العقاريين» البريطاني. وكانت نسبة ارتفاع الأسعار في قبرص خلال العام الماضي 15%، مما يضعها في المرتبة الثانية بعد بولندا بينما جاءت آيسلندا في المرتبة الثالثة، تلتها النرويج ثم السويد.

ورغم أن هناك احتمالاً بأن يتأثر سلباً سوق العقارات في جزيرة قبرص خلال العام الجاري بما يحدث في بقية القارة الأوروبية كنتيجة مباشرة لأزمة شُح الائتمان، فإن الكثيرين يعتقدون أن قبرص لا تزال تتمتع بكثيرٍ من العوامل التي ستؤدي إلى ارتفاع أسعارها. فقبرص لا تزال وجهة كبيرة لملايين السياح من أوروبا والشرق الأوسط. ومن المقرر أن تشهد الجزيرة افتتاح مطارين جديدين هذا العام في مدينتي «لارنكا» و«بافوس». كما أن الدولة قررت مؤخراً أن تعطي منحاً للمستثمرين الذين يرغبون في إعادة ترميم المباني الحجرية القديمة. ويتوقع سماسرة العقارات المحليون أن تؤدي هذه الخطوة إلى مضاعفة الاقبال على سوق العقارات التي ظلت طوال هذه السنوات تنحصر في البنيات والمجمعات الحديثة. وبطبيعة الحال تحتل المباني الحجرية القديمة مساحات واسعة من الجزيرة باعتبارها المباني الوحيدة التي كانت موجودة في السابق، فضلاً عن مساحات الأرض التي تتبع لها، لذا فهي تشكل سوقاً مستقبلياً كبيراً للفيللات الفاخرة في قبرص. كما أن أسعارها تقل عن أسعار الشقق الحديثة التي امتلئت بها السوق. وعلى سبيل المثال تقول ليستا كريسوستومو، من وكالة «بايسيل» العقارية، إن فيللا حجرية قديمة في ضواحي مدينة «ليماسول» يمكن أن تكلف 80 ألف دولار لشرائها، ثم تكلف 100 ألف دولار لصيانتها واعادة رونقها القديم مع اضافة كل وسائل الحياة الحديثة إليها، ليصل المبلغ الكلي إلى 180 ألفاً. وفي المقابل تكلف شقة حديثة من ثلاث غرف نوم نحو 350 ألف دولار، أي الضعف تقريباً، ضف إلى ذلك أن الدولة يمكن أن تعطيك منحة تصل إلى 60 ألف دولار لانقاذ المباني الحجرية القديمة.

كما أن هناك ظاهرة أخرى تتماشى أيضاً مع ظاهرة العودة إلى الفيللات الحجرية في الريف، وهي أن المضاربين في قبرص يبحثون عن الأراضي وليس عن المباني. وفي هذا الصدد يقول أندريس فوتاس، وهو سمسار عقارات تمتد خبرته في منطقة «بيسوري» لـ 35 عاما، إن أسعار الأراضي تواصل ارتفاعها بمعدل 15% سنوياً «بسبب شح المساحات المسموح فيها بالبناء». ويفضّل القبارصة بشكل متزايد شراء ما يسميه فوتاس «بنوك الأرض» وعدم البناء فيها، بينما يتزايد الاستثمار في المباني في المناطق التي يتكاثر فيها وجود الوافدين الأوروبيين. وكما يشير فوتاس فإن أسعار الإيجارات في سوق مشبع لا تقدم عائداً معقولاً للمستثمرين في العقارات، لذا فإن القبارصة حريصون بشكل متنامي على شراء قطع أراض والانتظار لبضع سنوات حتى ترتفع قيمتها، ثم يبيعونها ويحققون ربحاً بدون خوض تجربة وعناء البناء. فقد كان من الممكن في عام 1996 أن تشتري 550 متراً مربعاً من أراضي «بيسوري» بحوالي 35 ألف دولار في منطقة المنتجع أو في المناطق القريبة منه. ويصل سعر نفس هذه القطعة الآن 140 ألف دولار.

أما آخر صيحة بالنسبة للقبارصة الذين يطلق عليهم فوتاس تسمية «أمة من المقامرين» فهي شراء قطع أراض ملاصقة للمناطق المسموح فيها بالبناء بأسعار رخيصة على أمل أن يمتد إليها التصريح بالبناء في وقت لاحق، الأمر الذي يؤدي عادة إلى مضاعفة أسعار تلك القطع. لقد حققت مبيعات الأراضي في تلال «أفروديت» بين «ليماسول» و«بافوس» أكبر أرباح في الجزيرة. ومُنح أول تصريح بالبناء في عام 1999 لمبنى شركة «لانيتيس»، ثم قام المسؤولون عن المبنى بتوفير البنية الأساسية (كالصرف الصحي والكهرباء والمياه) بغرض جذب المستثمرين للمنطقة، شرعوا في بيع قطعٍ من الأرض وفيللات وشقق تحت التشييد. وبلغت تكلفة قطعة أرض مساحتها 2000 متر مربع (يُسمح بالبناء على 5% منها فقط) في عام 2001 نحو 90 ألف دولار. وقد وصل سعر تلك القطع الآن أكثر من 200 ألف دولار، أما قطع الأرض في المواقع المميزة فيتراوح سعرها الآن بين 500 الى 600 ألف دولار، بعدما كانت تكلف بين 150 إلى 250 ألفاً في عام 2001. ومن مزايا السوق العقاري في الجزيرة أيضاً أن قانون المعاملات العقارية يتبع القانون البريطاني (باعتبار الجزيرة مستعمرة بريطانية سابقة)، لذا فهو متطور وموثوق إلى حد كبير. ويُشترط قانون الأراضي القبرصي أن يبدأ ملاّك الأرض بناءها خلال 4 سنوات، لذا فإن العديد من الملاك يقوم ببيعها قبل نهاية المدة بغرض تحقيق الربح بدون أن يتكلفوا نفقات البناء أو الاستثمار، غير أن نيكوس كيرياكيديس، من تلال «أفروديت»، يقول إن الأرباح المحققة بسبب ارتفاع قيمة الأرض تضاءلت خلال العام الماضي. وفي المقابل يتوقع كيرياكيديس أن ترتفع أسعار المباني بنسبة 11% سنوياً خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. ويعزي توقعه هذا إلى حقيقة أن القانون يحصر المساحات الجديدة المسموح فيها بالبناء ويحاول إبقاءها محدودة للغاية. وتعرض لانيتيس عدداً من قطع الأراضي للبيع بدون أي إلزام بالبناء الفوري، إلا أنه إذا قام المشتري بالبناء خلال عامين بواسطة لانيتيس فإن الشركة سوف تمنحه 20% تخفيضاً من سعر القطعة كحافز تجاه تكلفة البناء. ومن الممكن أن يختار المشترون البناء عن طريق مقاولين آخرين وأن يختاروا طرازهم الخاص على شرط أن توافق لانيتيس وأن يتم الحصول على موافقة سلطات المباني في قبرص. ويقول بول غوغارتي، المعلم البريطاني «لقد ذهبت إلى قبرص لأول مرة في عام 1978 للعمل في التدريس بعقد لمدة سنة واحدة، ولكني بقيت هناك ثلاث سنوات. ومنذ عودتي إلى بلدي بريطانيا أصبحت أقضي عطلاتي في تلك الجزيرة. وفي كل مرة أعود فيها إلى قبرص كنت أشعر بالأسف على الفرص الاستثمارية التي أضعتها طوال هذه السنين، إذ ظلت أسعار العقارات هناك تتزايد بشكل جنوني». ويضيف «لقد مُنح أحد أصدقائي القبارصة، وهو رجل متقدم في السن، قطعة أرض ساحلية في منطقة «بيسوري» في أوائل الخمسينات بينما نال إخوته أراضٍ زراعية أفضل قيمة من أرضه. وكان ذلك عقاباً له على كونه أكسل أفراد العائلة. وقد أخبرني مؤخراً أنه باع تلك الأرض في الستينات بمبلغ 1500 دولار، لكن المصيبة في أن قيمتها بلغت الآن 2،5 مليون دولار.

يذكر أن نيقوسيا، عاصمة قبرص، أعادت مؤخراً فتح شارع «ليدرا» الذي كان يرمز إلى تقسيم الجزيرة، وذلك بعد 45 عاما على إغلاقه. وبالطبع هدفت هذه الخطوة إلى إعادة توحيد شطري الجزيرة ـ التركي واليوناني. وكان شارع ليدرا قد أغلق في عام 1964 خلال اندلاع الاقتتال بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين وظل مغلقا منذ ذلك الوقت. وأصبح شارع ليدرا يمثل رمزا لتقسيم قبرص بين الشطر الشمالي الذي يقطنه القبارصة الأتراك والشطر الجنوبي الذي يقطنه القبارصة اليونانيون. وكان الرئيس القبرصي، ديميتريس كريستوفياس، وزعيم القبارصة الأتراك، محمد علي طلعت، قد عقدا اجتماعا في الشهر الماضي واتفقا خلاله على فتح المعبر، مما أحيا الآمال بالتوصل إلى اتفاق سلام شامل. وقامت فرق العمل بإعادة تعبيد شارع ليدرا وإصلاح المباني المهجورة على مدى امتداد الشارع الذي يبلغ طوله 70 مترا والذي يخترق منطقة عازلة تابعة للأمم المتحدة. ويُشار إلى أن مباحثات السلام كانت قد تعثرت في عام 2004 عندما رفض القبارصة اليونانيون خطة سلام أممية كانت تحظى بدعم القبارصة الأتراك. وكانت جزيرة قبرص قد قسمت عام 1974 عندما أرسلت تركيا جنودها إلى شمال قبرص بعد حدوث انقلاب عسكري كان يهدف إلى وحدة القبارصة اليونانيين مع دولة اليونان. وطالما شكل تقسيم الجزيرة عائقا أمام رغبة تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ويحتفظ الجزء اليوناني من قبرص الذي انضم إلى الاتحاد الأوروبي في 2004 بحق الفيتو على انضمام تركيا إلى الاتحاد.