نيوزيلندا تقدم فرصاً نادرة بعيداً عن مشاكل العالم

الاستثمار العقاري في آخر المعمورة

نيوزيلندا أبعد الأسواق تأثراً بأزمة الرهن العقاري (خدمة كليب آرت)
TT

في نيوزيلندا، تحولت نقاط الضعف فيها الى مراكز قوة في غضون اشهر قليلة. فهي من آخر اسواق الاستثمار العقاري في العالم جذبا للاهتمام نظرا لموقعها النائي، ولكن مع متاعب معظم اسواق العقار في العالم توجهت الانظار بقوة الى نيوزيلندا لانها بعيدة، جغرافيا ومعنويا، عن متاعب اسواق العقار الاخرى. وتجمع نيوزيلندا بين جمال الطبيعة ونظافة البيئة ونوعية الحياة الى درجة انها تستقطب المزيد من المهاجرين حاليا من جميع انحاء العالم. وهي ما زالت تقدم نوعية حياة غير متاحة في دول العالم الاخرى، اهمها عدم الازدحام سواء في وسط المدن او على الشواطئ. ويتمتع من يعيش في العاصمة ويلينغتون مثلا بالجمع بين البقاء في المدينة والذهاب الى شاطئ البحر بقطع رحلة قصيرة بالسيارة. وهي ايضا تتمتع بالتلال والجبال الخضراء التي تنتشر عليها الفلل والمساكن الصغيرة. كما انها توفر العديد من العقارات المطلة على البحر مباشرة. وتصل الاسعار حاليا في ضواحي ويلينغتون الى ما بين 700 الف دولار الى 1.2 مليون دولار. وعلى البحر مباشرة تصل الاسعار الى حوالي 1.6 الى 1.8 مليون دولار، وهي اسعار لم تكن معهودة منذ سنوات قليلة وتعتبر مؤشرا لحجم الاقبال على عقارات نيوزيلندا، ربما هروبا من عقارات مناطق اخرى.

ويعد خليج «اورينتال باي» من اغلى المناطق الارستقراطية بالقرب من ويلينغتون لاطلالته الرائعة على الميناء والشاطئ الرملي الذي تستورد الحكومة المحلية رماله من جزر قريبة. وهو، مثل بقية مناطق العاصمة، شهد ارتفاعا قويا في الاسعار خلال السنوات الخمس الماضية. وحققت العاصمة وضواحيها العام الماضي نسبة زيادة في قيمة العقار بلغت 13 في المائة. وليست هناك فوارق كبيرة في نسب الارتفاع بين انواع العقار المختلفة، ولكن الاختلاف الجذري يأتي من المواقع واختلاف الضواحي. فإحدى الضواحي سجلت نسبة ارتفاع بلغت 4.5 فى المائة بينما حققت ضاحية اخرى نسبة 29 في المائة خلال العام الماضي. اما عن انعكاسات اوضاع اسواق العقار العالمية على الموقف في نيوزيلندا، فالاعتقاد السائد هو ان الاسعار ستستقر خلال العام الجاري ولكنها من المستبعد ان تتراجع. ويعترف خبير عقاري محلي بأن من الصعب توقع اسعار المستقبل نظرا لتقلبها الشديد، وهو يروي قصة تقدمه لشراء عقار لأحد عملائه من المزاد بعد التأكد من مصادر السوق ان السعر يتراوح بين 800 الى 850 الف دولار، ولكن في المزاد وجد العقاري المحترف انه في منافسة خمسة مضاربين اخرين على شراء العقار، وفي النهاية بيع العقار بمبلغ 920 الف دولار.

ويقول خبير عقاري آخر في وكالة اسمها «بيترسون» ان العقارات الجيدة من حيث النوعية والموقع سوف تستمر في جذب الاهتمام واكتساب القيمة في مختلف احوال السوق، خصوصا في المواقع القريبة من البحر. وفي كل الاحوال، ارتفعت الاسعار الآن الى معدل ادنى في العاصمة وضواحيها بحيث لم يعد من الممكن العثور على مسكن مستقل بسعر يقل عن نصف مليون دولار.

ومعظم المشترين النشطين في السوق حاليا هم من الاجانب، وبعضهم من سكان نيوزيلندا العائدين من الخارج بينما نسبة كبيرة من المشترين تشتري بغرض استخدام المساكن والمعيشة في نيوزلندا. وهناك العديد من شركات التقنية التي تعمل من نيوزيلندا واستراليا لخدمة منطقة شرق آسيا. كما يعمل في الحكومة عدد كبير من القادمين الى نيوزيلندا حيث تحتل الحكومة نسبة 40 في المائة من مساحات المكاتب المتاحة. ويبحث معظم المشترين عن النوعية لأنهم لا يريدون شراء منازل بغرض اصلاحها او ترميمها.

ويعترف معظم الاجانب الراغبين في شراء عقارات في نيوزلندا ان الاسعار بالمقارنة مع مواقع اخرى تبدو معقولة، ولكنهم ينزعجون احيانا عندما يكتشفون ان بيوت نيوزيلندا مبنية بالكامل من الخشب، كما ان النسبة الكبرى من المنازل في نيوزيلندا ليست بها تدفئة مركزية ولا نوافذ ذات زجاج مزدوج عازل للرطوبة والحرارة. ولذلك فهي غالية في التكاليف الجارية للتدفئة والتكييف. ومن العوامل التي ساهمت في تشجيع شراء العقار في نيوزيلندا احد الافلام التي تم تصويرها وانتاجها بالكامل هناك، وهو فيلم «ملك الخواتم» الذي جذب الكثير من الاهتمام العالمي بالمناطق التي صور فيها. وتقول مصادر محلية ان بداية الارتفاع في اسعار العقار بدأت عام 1993 بتطوير الميناء في منطقة اسمها كوينز وارف. وسمحت بلدية ويلينغتون بتحويل المباني التجارية القديمة الى شقق وعقارات سكنية، بينما دخلت شركات التطوير لبناء مجمعات سكنية متخصصة، كانت تباع في غضون اسابيع من طرحها الى السوق. وتبدأ اسعار الشقق متوسطة الحجم ذات الغرفتين في حدود 300 الف دولار. اما المنازل المستقلة فهي في حدود مليون دولار في المتوسط.

وتشهد العاصمة نموا سكانيا مستمرا، وكانت اخر موجات الهجرة اليها من الطلاب الذين توجهوا الى نيوزيلندا بدلا من الولايات المتحدة، خصوصا بعد مضايقات الحصول على تأشيرة الدخول للطلبة من منطقة الشرق الاوسط. ويزداد الاقبال على منطقة وسط المدينة التي توفر افضل الاختيارات من حيث الموقع المتوسط للحصول على كافة الخدمات، والقرب من الشاطئ حيث تسهيلات الترفيه في عطلات نهاية الاسبوع. ومن المميزات التي يتحدث عنها مستثمرو العقار في نيوزيلندا سهولة اجراءات البيع والشراء، فليست هناك ضرائب على الشراء مثل بريطانيا والولايات المتحدة، كما يمنع النظام انهيار الصفقة عند عرض سعر اعلى في العقار. وفور توقيع التعاقد ودفع المقدم، وهو في العادة نسبة عشرة في المائة، يتعين على الطرفين المضي قدما في تنفيذ الصفقة. وتتم كل الاجراءات في العادة في غضون ستة اسابيع، كما تعفى العقارات من ضرائب الإرث. ويمكن اجراء معظم خطوات الشراء من الخارج بواسطة وكيل محلي، ثم السفر لمعاينة العقار والتعاقد، ثم اتمام بقية الخطوات عن بعد. وتشتهر الجزيرة الجنوبية في نيوزيلندا بأنها جنة طبيعية، فهي غير مزدحمة بالسكان وتتخللها الغابات والمساحات الخضراء وتطل على البحر بشواطئ رائعة. وتتميز العقارات في الجزيرة بأنها شبه معزولة وتتمتع بهدوء تام وسط طبيعة خلابة. وتصل الاسعار في الجزيرة الى حدود نصف مليون دولار لبيوت من ثلاث غرف ومساحة عدة فدادين من الاراضي الشاغرة حولها. ورغم الفوارق الكبيرة بين اسعار المناطق المختلفة الا ان متوسط سعر العقار في نيوزيلندا وفقا لمكتب الاحصاءات فيها وصل الى 350 الف دولار منتصف العام الماضي، وهو معدل قياسي بعد عدة سنوات من الارتفاع بمعدل 15 في المائة. وبوجه عام، ترتفع الاسعار في العاصمة ويلينغتون والمناطق القريبة منها وتصل الى 44 الف دولار في المتوسط. اما أرخص الاسعار فهي في المناطق النائية في اقصى جنوب الجزيرة الجنوبية وتصل فيها الاسعار في المتوسط الى حوالي 190 الف دولار للعقار. وتباع العقارات المطلة على البحر باكثر من المتوسط في كل الاحوال ويرتفع عليها الطلب حتى في حالات تراجع السوق.

فما هي توقعات المستقبل المنظور لسوق عقارات نيوزيلندا؟ الشركات المحلية تجمع على حتمية تراجع معدلات النمو السابقة الى حدود خمسة في المائة فقط خلال العام الجاري. وتتراوح الاسباب بين ارتفاع اسعار الفائدة ومشكلة تراكم الديون على المشترين وتداعيات ازمة الرهن العقاري الدولية ومتاعب البنوك غير الراغبة في الاقراض حاليا. ولكن ذلك التراجع لا يمنع استمرار الاقبال العقاري خصوصا من مستثمرين دوليين يرغبون في شراء عقارات للاقامة فيها عدة شهور من كل عام، خصوصا في فصل الشتاء الاوروبي، وهو فصل الصيف في نيوزيلندا. وينفق هؤلاء على عقاراتهم مبالغ تتراوح بين 300 الف الى مليون دولار، ويتوجه معظم هؤلاء الى الجزيرة الجنوبية حيث الطبيعة والهدوء بعيدا عن متاعب العالم.

ويقول مستثمر يعمل كخبير أمني انه سافر الى كل انحاء العالم ضمن مهام وظيفته ولكنه اعجب فقط بنيوزيلندا لانها بعيدة عن متاعب الصراعات التي يشهدها العالم الان خصوصا ما يتعلق بالحرب على الارهاب. واشترى هذا المستثمر فيللا على الشاطئ بمبلغ 800 الف دولار، وهو لا يرى مشكلة في قانون محلي يتيح شريطا موازيا للساحل للاستخدام العام او رسو القوارب، وهو قانون قديم مطبق في كل انحاء نيوزيلندا.

وتشهد نيوزيلندا حاليا موجات هجرة اليها من بريطانيا واستراليا والولايات المتحدة، لأسباب متعددة منها الهروب من ضغوط الحياة العصرية وبداية حياة جديدة في موقع آخر، وملكية الاراضي في مواقع قريبة من البحر وسهولة المعيشة حيث اللغة الانجليزية هي اللغة الرسمية كما ان القانون فيها يستند الى قواعد القانون البريطاني. وتنتشر الهجرة البريطانية خصوصا نظرا لتوقعات الكساد في المرحلة المقبلة وارتفاع اسعار العقارات البريطانية وقيمة الجنيه الاسترليني، الامر الذي يتيح شراء عقارات فاخرة في نيوزيلندا بقيمة منازل بريطانية ضيقة. التوقيت: ثلاثة من اكبر خبراء العقار في نيوزيلندا ينصحون بعدم التسرع في البيع او الشراء في الوقت الحاضر حتى تتضح ابعاد السوق. فهناك بوادر ان الاسعار تأخذ الان في التراجع في انحاء السوق على رغم توقعات الصناعة باستقرارها، كما يتعين على المشترين الجدد استغلال فرصة الستة اشهر المقبلة لتدبير مقدم اعلى للعقارات التي ينوون شراءها. اما اصحاب العقارات الذين يفكرون في البيع، فإن افضل وسيلة للمحافظة على القيمة هي اجراء تحسينات على العقار.

وقد أصدر الثلاثة أخيرا كتابا استثماريا عنوانه «كيف تنجو من انهيار اسواق العقار» وفيه يعتبرون ان الافضل عدم اتخاذ قرار استثماري خلال الاشهر الستة المقبلة. فحتى العائلات التي تريد الانتقال لمنازل اكبر حجما، والمنطق في هذا كما يقول احدهم هو ان السوق لن يتغير إلا الى اسفل او يبقى كما هو في افضل الاحوال. وهو يعتقد ان اسباب التراجع في نيوزيلندا تختلف عنها في الاسواق الاخرى، فالمحرك الرئيسي وراء ضائقة الاسواق المحلية هو ارتفاع سعر الفائدة التي بلغت في حدها الادنى 8.25 في المائة. وهو يعتقد ان بعض المقترضين سوف يجدون صعوبة في سداد قروضهم خلال الفترة المقبلة مما سيحتم دخول بعض العقارات الرخيصة للبيع السريع في السوق. ومع ذلك، يعتقد مستثمرون آخرون ان الوقت حان لشراء عقارات استثمارية في سوق يعتبرونه الافضل منذ سنوات من حيث الفرص المتاحة. ويقيس هؤلاء قيمة الفرص ليس باحتمالات ارتفاع الاسعار في المستقبل وانما بقيمة الايجارات التي يمكن تحقيقها مقابل الاقساط العقارية الشهرية على العقار. وبهذا المقياس هناك الكثير من الفرص المتاحة لتحقيق ارباح من جهة الدخل الشهري. وينطبق المبدأ نفسه على العقارات التجارية التي تشهد الان اقبالا كبيرا من المستأجرين.

* حقائق عن نيوزيلندا

* تقع نيوزيلندا جنوب غربي المحيط الهادئ، وهي مكونة من جزيرتين ـ الشمالية والجنوبية ـ بالاضافة الى العديد من الجزر الاصغر حجما. وهناك بعض الجزر التابعة لها، مثل جزيرة كوك، التي تحكم نفسها ذاتيا. وتطالب نيوزيلندا بحصة اقليمية في القطب الجنوبي المتجمد. وهي معزولة بعض الشيء ويفصلها عن استراليا بحر تسمانيا، بينما تقع جزر فيجي وتونغا على مقربة 1250 ميلا من نيوزيلندا.

معظم السكان من اصل اوروبي بالاضافة الى قبائل الماوري الاصلية. وهناك اقليات آسيوية ايضا في المدن. ويحكم نيوزيلندا برلمان منتخب، وهي تتبع التاج البريطاني رسميا ولكن بلا نفوذ سياسي.

وتم اكتشاف نيوزيلندا من بحار هولندي اسمه جانزون تاسمان عام 1642، ولكن موجات الهجرة الاوروبية لم تبدأ الا بعد رحلات الكابتن كوك عام 1768-1871. وعقدت بريطانيا اتفاقية مع القبائل المحلية عام 1940 حتى تبعد عنها النفوذ الفرنسي. ويعتبر الحكم الحالي امتدادا تاريخيا لتبعية نيوزيلندا لبريطانيا.