مليارديرات يساهمون في أزمة الائتمان للمصارف العقارية البريطانية

العديد من المصارف الأوروبية لها مُلاّك أميركيون

TT

أدت أزمة الائتمان العقاري في الولايات المتحدة إلى تأثيرات كبيرة وسلبية على الأسواق الأوروبية خصوصاً بريطانيا. وكانت أزمة الإئتمان العقاري في الولايات المتحدة قد تفاقمت عندما سجلت البنوك العقارية نسبة عالية من الديون الهالكة أو المعدمة (غير المستردة بسبب عدم استطاعة أصحابها على سدادها) مما سبب بدوره شُحاً في السيولة لدى البنوك. والآن تخشى بريطانيا من أن تمر بمرحلة مشابهة، ليس محاكاة للولايات المتحدة ولكن لأن كثيرا من المصارف الأوروبية لها مُلاّك أميركيون من صناديق الاستثمار والمصارف الأميركية. وبالفعل فقد تراجعت أسعار العقارات في بريطانيا الشهر الماضي بأعلى نسبة شهرية منذ الركود الاقتصادي في أوائل التسعينات. غير أن الشيء المدهش في أزمة الديون الهالكة أنها لا تشمل المواطنين العاديين الذين كثيراً ما يفشلون في سداد أقساطهم الشهرية بل تشمل المليونيرات والمليارديرات أيضاً. وفي هذا المقال نرى نموذجاً لحجم المليارديرات وديونهم الضخمة للبنوك العقارية في بريطانيا.

فعلى سبيل المثال، يُعرف المليارديرالبريطاني ستيف بولتبي بروك بحبه الهائل للمخاطرة، ويمتد هذا الولع من حياته الخاصة إلى معاملاته المالية. فقد أسس بهدوء مع شقيقه كليف، وهو مزارعٌ ومربي ماشية يعيش بالقرب من مقاطعة «هيرفورد»، شركة خاصة تعمل في شراء وبيع المجمعات التجارية على امتداد أوروبا ـ من حي «هاونسلو» في غرب لندن إلى هيلسنكي في فنلندا. ويبلغ رأسمال تلك المجمعات نحو 2.5 مليار دولار، منها نحو 1.8 مليار دولار عبارة عن ديون من البنوك العقارية. وبذلك يكون الأخوان قد انضما، من حيث لا يعلمان، إلى عدد من مستثمري العقارات الكبار الذين يموّلون استثماراتهم عن طريق الاستدانة المكثفة من المصارف. ومن هؤلاء أيضا نيك ليزلو رجل الأعمال شديد الأناقة، والأخوة تشكنكوز، وليو نوي الذي لا يحب الأضواء، وكذلك الأخوان ليفنغستون. فكل هؤلاء حققوا ثروات طائلة من الاستثمار في العقارات خلال السنوات السبع الماضية مستفيدين من انخفاض أسعار الفائدة خلال تلك الفترة، بينما كانت أسعار الإيجارات مرتفعة. وكان سوق العقارات التجارية في بريطانيا قد انغمس في استدانة مكثفة منذ عام 2000. وتوضح دراسة أعدتها جامعة «مونتفورت» البريطانية أنه في يوليو (تموز) من عام 2006 كان إجمالي ديون قطاع العقارات قد بلغ رقماًً قياسياً، 176 مليار جنيه إسترليني (نحو 356 مليار دولار)، مقارنة بـ 157 ملياراً التي تحققت في نهاية عام 2005، أي بزيادة نسبتها 12%. كما لُحظ أن «الرويال بنك أوف سكوتلاند» وبنك «إتش بي أو إس» كانا أكبر البنوك تمويلاً للقطاع العقاري التجاري. ومثال آخر هو بولتبي بروك، مهندس ميكانيكي يبلغ من العمر 45 عاماً بينما يبلغ شقيقه 43 عاماً، ومهنته الأساسية مسّاح قانوني، وهما ابنان لمضارب في سوق الأسهم. وقد نشأ في مزرعة في مقاطعة «ستراتفوردشير»، ثم بدآ العمل في العقارات في عام 1987 بالشراء والبناء في مناطق صناعية في أطراف المدينة وتحويل المباني إلى مكاتب. وبعد أن أفلتا بالكاد من تدهور سوق العقارات في أواخر الثمانينات اتجها إلى شراء مجمعات تجارية على امتداد المملكة المتحدة والقارة الأوروبية. وقد نجح الشقيقان منذ ذلك الوقت في بناء ثروة تبلغ مئات الملايين من الدولارات وحققا نجاحاً بالغاً، بما في ذلك امتلاكهما لطائرة خاصة ومروحية. وعلى الرغم من كل ذلك النجاح فإنهما من أقل مستثمري العقارات المعتمدين على الاستدانة، شهرةً. ويدير الأخوان شركة «بولتبي» من مكاتب تقع في حي «تشلسي» الراقي في لندن، ونُقل عن بولتبي بروك أنه اعترض في غرفة اجتماعات مجلس الإدارة على وصف شركته بأنها شركة مخاطرة تعتمد على المغامرة. كما أصر في مقابلة صحفية طويلة على أنه وعلى الرغم من أن مجموعته تتحمل نسبة هائلة من المديونية الممنوحة بموجب ضمانات «حيازات قصيرة المدى» short lease في أوروبا، فإن إدارتها للمباني تقوم على أساس ضمان تحقيق أرباح من الايجار وليس من زيادة قيمة العقار فحسب. وقال إن التعامل مع العقار كرأسمال ينمو وحده مع الوقت يشبه التعامل مع الأسهم والسندات. وأشار إلى أن العقار يجب أن يُستغل في اتجاهين، هما ربح الايجار، وربح زيادة قيمة العقار مع مرور الزمن. يعد نيك ليزلاو، 47 عاماً، الذي يدير شركة «برستبري» العقارية، أكثر أعلام هذا القطاع شهرة. وقد بنى إمبراطوريته المالية ذات الـ 3.90 مليار دولار بالشراكة مع سير توم هانتر ومصرف «رويال بانك أوف سكوتلاند». وبلغ تمويل شركته من الديون المصرفية أكثر من 2.8 مليار دولار. ويمزح المليارديرالذي تقدر ثروته الشخصية بـ 200 مليون جنيه، قائلاً: «ينبغي أن تكون أبله تماماً كي تفشل في تحقيق ارباح من العقارات التجارية في السنوات الماضية. فكل ما عليك فعله هو ببساطة، امتلاكها». كما اشترى أخيراً منزلاً فاخراً في حي «ماي فاير» الراقي في وسط لندن، تبلغ مساحته 10 آلاف متر مربع وبه حديقة وحوض للسباحة. واشترى أيضاً مع شريكه التجاري نايجل وراي طائرة خاصة ذات ثمانية مقاعد. نموذجٌ آخر هو ليزلاو، ابن بائع مجوهرات في شمال لندن. تعلم ليزولا في مدرسة إعدادية في حي «هامبستيد» الواقع ايضاً في شمال لندن. وزامل في فترة دراسته نيك ريتبلات ابن السير جون ريتبلات رئيس شركة «بريتيش لاند». وعندما بلغ العشرينات من عمره عمل ليزلاو كموديل غير متفرغ وظهر في بعض تسجيلات موسيقى «البوب». وبعد أن اتجه نحو سوق العقارات نجح في تأسيس مجموعة «بيرفودر» مع شريكه وراي، حتى بلغ رأسمالها المُستثمر 1.85 مليار دولار قبل أن يؤسس شركة «بريتسبري» في عام 1997. وإذا كان ليزلاو هو نجم هذه الفئة من المستثمرين، فإن الأخوين روبرت وفينسنت تشينقويز الإيرانيين المولد مشهوران بكونهما أكثر أفراد هذه الفئة انغماساً وحباً في الحياة الراقية. فهما يقومان برحلات دورية في عطلة نهاية الأسبوع إلى «سانت تروبيز»، حيث يلعبان القمار ويستمتعان بالشرب والصيد. وتبلغ معاملات شركتهما «روتش» نحو 7 مليارات، يتم تمويل 80 في المائة منها عن طريق الاستدانة من البنوك. ولكلٍ من الأخوين عمله الخاص ومجموعته الخاصة به. وتبلغ قيمة العقارات المموّلة عن طريق القروض الخاصة بكل مجموعة نحو ملياري دولار. ومن المستثمرين الكبار المعتمدين على البنوك أيضاً، سول وإيدي زاكاي، المقيمين في لندن وتبلغ أملاكهما العقارية المشتركة نحو 7.4 مليار دولار، بما في ذلك محلات تجارية مؤجرة لشركات ضخمة لبيع التجزئة مثل «تيسكو» و«ماركس آند سبنسر» الشهيرين. ويقول أصدقاؤهما إنهما يسعيان حالياً للحصول على طائرة خاصة سعرها أكثر من 20 مليون دولار، وذلك من أجل تسهيل زيارتهما لإمبراطوريتهما العقارية الأوروبية. وتُعد شركة «ريات أسيت مانجمنت» واحدة من الشركات التي تنافس شركة «توب لاند» بشكل متكرر في الحصول على صفقات. وهي شركة يملكها ليو نو، 53 عاماً، الذي يُعد واحداً من أكثر الرجال هدوءاً وبعداً عن الأضواء في هذا القطاع. واستطاع ليو، عبر القروض العقارية، بناء إمبراطورية يصل رأسمالها إلى نحو 6 مليارات دولار. ويصفه أصدقاؤه بأنه خجول ويتعفف عن التفاخر بالثروة، كما أنه يتجنب الظهور في المناسبات العامة التي تجمع أفراد قطاع العقارات. ويعيش ليو في حي «غولدرز غرين» في شمال لندن، حيث يمارس هوايته المفضلة، وهي جمع التحف الفنية. وأخيراً، وليس آخراً، فهناك شركة «لندن أند ريجنال» التي يديرها الأخوان إيان وريتشارد ليفنغستون اللذان أيضاً يفضلان تجنب الدعاية على الرغم من تربعهما على إمبراطورية عقارية يبلغ رأسمالها نحو 8 مليارات دولار، منها نحو 6 مليارات تمويل مصرفي. وسواء كان أفراد هذا النادي العقاري محبين للدعاية أم كتومين فإن أيامهم الزاهية توشك على الانتهاء بسبب أزمة الائتمان الحالية والتي أصبحت معها المصارف العقارية حريصة جداً في منح القروض.