مصر: منظومة النمو العقاري تحور أجندتها.. وتتصدى لتوابع الأزمة العالمية

بعد ارتفاع أسعار مواد البناء وخفض توقع النمو إلى 7%

قطاع التشييد قاد النمو في مصر العامين الماضيين حيث نما بنحو 15% سنويا («الشرق الأوسط»)
TT

تدوي أصداء الركود الاقتصادي الأميركي المخيم على معظم أنحاء العالم، وتدفع الجميع إلى إعادة النظر في خططهم وتوقعاتهم. وعلى الرغم من ان الحكومة المصرية لم يصدر عنها حتى الآن خطاب متكامل يحدد مدى تأثرها بالأزمة العالمية والأساليب التي ستلجأ إليها لتفادي إصابة الاقتصاد المصري بأضرار، إلا أن وزيرا المالية والاستثمار كررا القول أخيرا بأن مصر كانت تتوقع نموا بـ 8 في المائة للعام الجاري، لكنها خفضت توقعها إلى 7 في المائة تحسبا لما يجرى في الولايات المتحدة والعالم.

وكان قطاع التشييد قد قاد النمو في مصر العامين الماضيين، حيث نما بنحو 15 في المائة سنويا. وقد تزامن مع أزمة الائتمان العالمية حدوث ارتفاع كبير في أسعار الغذاء والنفط، الأمر الذي زاد من عبء الدعم على الموازنة العامة في مصر وأشعل مظاهرات البحث عن رغيف الخبز وغير من أولويات المصريين، ما أعطى انطباعا بأن الاقتصاد المصري يواجه ظرفا عصيبا. زادت أيضا أسعار مواد البناء، حتى وإن كانت خاماتها محلية مثل، الاسمنت الذي ارتفعت أسعاره في مصر بشكل كبير، جنبا إلى جنب مع القفزات في أسعار حديد التسليح، مما يهدد الشركات العقارية المتوسطة والصغيرة.

وبالرغم من كل تلك العوامل المنذرة بالتشاؤم، وبالرغم من تزايد الإعلان الصاخب عن سحب بعض شركات المقاولات مشروعاتها وتوقف أعمالها، إلا أن مبيعات الاسمنت والحديد المحلية حتى هذه اللحظة لم تسجل انخفاضا، كما لاحظ الدكتور شريف حافظ، الخبير العقاري ورئيس شركة ماسبيرو للتنمية العقارية الممولة بمساهمات، أن منظومة النمو العقاري في السوق المصري بأجنحتها التي تشمل الشركات والمبادرات الحكومية والمطورين من القطاع الخاص المصري والعربي والأجنبي والبناة الأفراد وأخيرا التمويل العقاري، نجحوا في تطوير أجندتها لتكون أكثر انسيابية ومرونة، وتصمد أمام تحديات اقتصاد عالمي ينعق غراب أزمة الكساد الكبير 1929 ـ 1934 فوقه، طبقا لتوقعات «ستيجليتز» كبير اقتصاديي البنك الدولي السابق. وأولى الخطوات التي اتبعها القطاع كما يرصدها حافظ أن هناك اتجاها ملموسا لدى بعض الشركات العقارية إلى تنويع استثماراتها، بحيث لا تقتصر على الإسكان الفاخر فقط، بل المتوسط وما دونه الذي يلقى طلبا كبيرا عليه لا يوازيه العرض، بالإضافة إلى وضع الفئات المتوسطة وما دونها على قائمة أولويات التمويل لشركات التمويل العقاري، سواء الموجودة منذ سنوات أو التي تدخل مجددا، مثل شركة «تمويل» المصرية التي تساهم فيها أوراسكوم للفنادق والتنمية بنسبة 86 في المائة، وأجانب بالنسبة الباقية، التي قامت بتمويل 1500 وحدة حتى الآن من الإسكان منخفض التكاليف.

ونوه حافظ إلى أن إضافة نظم تمويلية إسلامية جديدة سيجذب جمهورا إضافيا من العملاء بعد قيام شركة الديار القطرية بإضافة الاصطناع العقاري الإسلامي للسوق المصري، وإعلان المصرف المتحد عن عقد أول عملية استصناع عقاري، حيث يقوم المصرف بإسناد عملية استكمال البناء لأحد المقاولين وتيسير التمويل اللازم له لإنهاء أعماله طبقا لمواصفات ورغبات العميل.

بعدها يقوم عميل المصرف بسداد قيمة الاستصناع العقاري على أقساط للبنك. ويضيف حافظ ان اهتمام المؤسسات الدولية بشركات العقار والتنمية العمرانية المصرية، نبه هو الآخر إلى ان هامش المناورة في سوق ناشئ مثلنا لا يزال واسعا أمام هذا الجانب المهم من الاقتصاد المصري.

يذكر انه تم الإعلان فجأة منذ أيام عن قيام بنك «جولدمان ساكس» العالمي بشراء حصة في شركة «بالم هيلز» للاستثمار العقاري والسياحي مع وعد بشراء أخرى، وتعتزم مؤسسة التمويل الدولية الحصول على حصة من «أملاك مصر» التابعة لأملاك الإماراتية العاملة في مجال التمويل الإسلامي، مما يرفع سوقها ومنتجاتها وأسعارها التنافسية، مضيفا الدفع الحكومي المستمر لهذه المنظومة من خلال الحرص على الاطلاع على التجارب العالمية بهذا القطاع في الرحلات الترويجية التي يقوم بها وزير الاستثمار محمود محيي الدين لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر، يلعب دورا هو الآخر ويقدم رسالة مفادها ان الاهتمام بالتمويل العقاري ليس شطحة من وزير، إنما هو سياسة أصيلة للحكومة المصرية ترمي إلى اتباع ما سبق به الآخرون في مجال إفساح الباب أمام أوسع جمهور ممكن لتملك مسكن والادخار في العقار.

وأشار خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» على رأسهم سامح الترجمان، رئيس شركة تمويل المصرية للتمويل العقاري، أن هذه الفترة لا تزال الأفضل لدخول السوق المصري، بعد تحسين البيئة التشريعية والإجرائية في العديد من القطاعات الاقتصادية، بالإضافة إلى ان الزخم المالي العربي الذي يزداد تدفقا لشراء العقارات وغيرها سيرفع الأسعار أكثر مستقبلا. ويزيد من جاذبية السوق كما يرى الترجمان تنامي قدرة الشركة المصرية لإعادة التمويل العقاري ـ التي يبلغ رأسمالها 236 مليون جنيه، ويعد البنك المركزي المصري أكبر المساهمين فيها بنحو 20 في المائة من رأس المال، ويتوزع هيكل ملكيتها بين نحو 20 مساهما منهم 17 مصرفا ـ على القيام بدورها في توفير التمويل الطويل المدى من 15 ـ 20 سنة، للشركات من خلال عمليات التوريق المختلفة، مضيفا إلى ذلك تفعيل عمل شركة الاستعلام الائتماني ودفع منظومة السجل العيني الذي يسهل تداول الوحدات، ونمو الطلب الأجنبي غير العربي يجعل السوق أكثر قدرة على تفادي الصدمات.

ونبه رئيس شركة التعمير للتمويل العقاري مجد الدين إبراهيم، انه على الرغم من الزيادات المستمرة في أسعار الوحدات في السوق المحلي إلا أنها ما زالت الأرخص مقارنة بمثيلاتها العربية، منوها إلى أن هناك شراء بنظام التمويل العقاري من المصريين والأجانب، موضحا أن شركته قامت بإعطاء قروض عقارية منذ بداية العام الجاري بـ 50 مليون جنيه، مما يظهر حجم النشاط في هذا القطاع، مشيرا إلى ضرورة تنويع المحفظة الاستثمارية والتمويلية بين الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة، خاصة للمتوسطة منها التي تمثل السواد الأعظم من راغبي السكن. وأضاف إبراهيم أن السياسة التسويقية الجديدة لشركتهم هي الترويج للوحدات المتوسطة التي لا تزيد مساحتها على 120 مترا، بقيمة لا تزيد على 300 ألف جنيه، متوقعا مزيدا من الاستقرار في هذا السوق الذي يسير بمنظومة متدرجة، تحاشيا للوقوع في أزمة مشابهة لما حدث في السوق الأميركي، بعدما يتم توريق المحافظ في السوق الثانوية. فيما أضافت رئيسة الشركة المصرية للتمويل العقاري هالة بسيوني، أن اغلب الطلبات على التمويل العقاري من الفئات المتوسطة، ولوحدات تبدأ من 100 ـ 150 مترا، موضحة انه لا توجد وفرة بأسعار مناسبة، حيث إن الوحدة السكنية التي لا تتعدى 170 مترا تقدر قيمتها بـ 400 ألف جنيه مصري. من جانبه يقول رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات درة، حسن درة، إن الأكثر طلبا في السوق المصري الآن هو الوحدات التي تتراوح بين 100 إلى 120 مترا، مشيرا إلى أن هناك مفاوضات يجريها مع الدولة للحصول على أراض مدعومة، لبناء تجمعات من هذه الوحدات لمتوسطي الدخل بتكلفة لا تزيد على 250 ألف جنيه، ولا يتوقف الأمر على الشركات المصرية، فبعض الشركات العربية العاملة في السوق المحلي المصري، أدركت أيضا الحاجة إلى تنويع محفظتها العقارية بمعنى البناء لشرائح اجتماعية مختلفة بعدما وضح لها ان هناك طلبا واسعا غير ملبى من الوحدات دون المتوسطة، كما ان آفاق النمو الكبيرة في الوحدات الفاخرة والفيلات والقصور لن تظل على ما هي عليه، إلا لوقت محدود.

يقول رئيس مجلس ادارة «كيان» السعودية، احمد الحاطي، إنهم يتوجهون إلى سوق متوسطي الدخل ليس في مصر فقط، لكن في السعودية والإمارات، مشيرا إلى أن شركة كيان دخلت السوق المصري عن طريق عقد الشراكة مع مجموعة درة لإقامة ثلاثة مشروعات باستثمارات 3 مليارات جنيه تتنوع بين السكني والإداري، موضحا أن السوق المصري واعد، ومن الذكاء أن نخاطب راغبي السكن من جميع الشرائح، وألا نقتصر على السوق الفاخر، وتشير التقديرات الرسمية إلى أن هناك طلبا يقدر بـ 360 ألف وحدة سكنية سنويا مع عجز متراكم يصل إلى 2.5 مليون وحدة سكنية تحتاج إليها شرائح السوق المصري خاصة الطبقات الاجتماعية المتوسطة وما دونها، ويبلغ التعداد السكاني 75 مليون نسمة، مع معدل نمو سكاني بنسبة 1.8 في المائة سنويا، ونصف مليون زيجة سنويا، بل ان شعبة الاستثمار العقاري بالغرفة التجارية تؤكد وجود طلب كلي سنوي يبلغ 450 ألف وحدة سكنية، بينما يتم إنتاج 200 ألف وحدة فقط.

وأشار رئيس هيئة التمويل العقاري أسامة صالح، إلى أن أهم خطوات الثبات في السوق المحلي، اتخاذ قرارات تدريجية ومدروسة مرتبطة بظروف الاقتصاد المصري، وليست مرتبطة بأنظمة رهن عقاري في دول مختلفة كالمكسيك مثلا، التي تعد من انجح الأنظمة في العالم، مشيرا إلى أن الاستفادة تكون بتطبيق ما يتماشى منها وظروفنا الاقتصادية، وأن هناك خطوات اتخذتها مصر تتفوق على مثيلاتها العالمية، مثل التنفيذ على العقار (اي سحبه من المتخلف عن سداد الأقساط لمدة 3 أشهر) في 7 أشهر، خلافا للمعمول به عالميا وهو 9 أشهر واسترداد الجهة الممولة للوحدة. وكشف صالح عن مفاوضات مع شركة أميركية لدخول السوق العقاري، موضحا أن دخول المزيد من الشركات يدفع هذه الآلية لتقديم أسعار تنافسية جيدة، كما يتم منح تراخيص إلى 5 شركات تمويل عقاري سنويا تتوفر فيها الملاءة الفنية والمالية. وتوقع صالح وصول حجم التمويل إلى 5 مليارات جنيه بنهاية العام الحالي، مقابل 2 مليار في نهاية 2007، ليساهم بـ 5 في المائة من إجمالي الناتج القومي الإجمالي، مما يجعل الرهان على الطبقات المتوسطة في تحريك السوق اكبر.

وأضاف رئيس بنك الإسكان والتعمير فتحي السباعي، انه على الشركات العقارية ان تتعامل بذكاء شديد مع متطلبات السوق الحالي، سواء للفئات أو الوحدات، وان تدرك ان السوق الآن مستعد للشريحة المتوسطة، بعد ان تحسنت دخول شرائح من المجتمع اثر النمو المرتفع في الثلاث سنوات الأخيرة. ولفت السباعي إلى ان الشركات مطمئنة، رغم كل ما يحدث، لان معدل ارتفاع أسعار العقار سنويا لا يزال أعلى من التضخم مسجلا 12 في المائة في فبراير (شباط) الماضي، مما يؤكد تحقيق العقار لربحية حقيقية مقارنة بأي وعاء ادخاري آخر.