أزمة العقار الأميركية تتفاعل.. وتهدد بكساد اقتصادي

ملايين الأشخاص قد يفقدون منازلهم في الولايات المتحدة

العقارات الاميركية الفاخرة بدأت تتأثر بالازمة المالية («الشرق الأوسط»)
TT

في تحرك لافت اعترف رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الاميركي) بأن الاقتصاد الاميركي لن ينمو خلال الربعين المقبلين من هذا العام، وقد يتقلص هامشيا، واضاف ان تحركه السريع لخفض معدل الفائدة على الدولار وضخ مليارات الدولارات ساهمت على تهدئة الاسواق بعض الشيء ولكنها قد لا تنجح في درء الكساد الاقتصادي. ويتم تعريف الكساد الاقتصادي بانعدام النمو لفترة ربعين متتاليين او ستة اشهر.

وما زالت ازمة الرهن العقاري التي دمرت ارباح البنوك الاميركية هي عين العاصفة في الاعصار المالي الذي يخيم على الاقتصاد الاميركي، وهي تحجب انباء اي تطورات ايجابية اخرى على الرغم من وجود بعضها من وجهة نظر المستثمرين الذين يبحثون عن صفقات مربحة. وتبحث السلطات المالية الاميركية في تعديل القوانين واساليب الاشراف والادارة حتى لا تتكرر هذه الازمة مرة اخرى. اما البنوك فهي تخشى من زيادة التعقيدات الادارية وتريد ان تتعامل بنفسها مع الازمة الحالية وفقا للقواعد المتعارف عليها حاليا.

من ناحية اخرى صعدت الازمة العقارية الاميركية الى المعركة الانتخابية مع وعود من المرشحين الديمقراطيين بايجاد حلول جذرية لمنع تداعيات الازمة على المستهلكين. وتظهر اقصى مظاهر الازمة العقارية في خمس ولايات على الاقل هي كاليفورنيا وفلوريدا واوهايو وتكساس وميتشغان. وتزايدت حالات «تسليم المفاتيح» للبنوك والشركات المالية من اصحاب عقارات لا يريدون البقاء فيها لعدم القدرة على سداد القروض، وهي عقارات لا تكاد تغطي قيمة القروض التي قدمتها البنوك بلا ضمانات خلال فترة الطفرة الائتمانية.

وتقدر معاهد ابحاث اقتصادية ان عدد هؤلاء الذين قد يلجأون الى تسليم مفاتيح بيوتهم بسبب العجز عن دفع اقساط قروضهم العقارية قد يصل الى نحو 15 مليون حالة. وتصف شركة ابحاث اسمها «أر جي مونيتور» الوضع بأنه «تسونامي مفاتيح عقارية» تبلغ قيمته المجتمعة نحو ألف مليار دولار.

ومن اجل منع هذا السيناريو اسست الحكومة الاميركية اتحادا تضامنيا من شركات الائتمان والبنوك اسمه «هوب ناو» او «الامل الان» من اجل وضع حلول للمشكلة وخفض عمليات الاخلاء العقاري. كما ساهمت ست بنوك كبرى في مبادرة اخرى اسمها «لايف لاين» لمنح اصحاب العقارات المتعثرين فرص زمنية اضافية لتدبير دفع اقساط قروضهم. وتحاول دوائر الديمقراطيين في الكونغرس ان تحث الحكومة على فعل المزيد مع توجيه نداءات للبنوك لتخفيض اعباء القروض بدلا من الاستيلاء على العقارات وبيعها بالخسارة. وتقول بيانات من الديمقراطيين ان اجراءات سماح من هذا النوع لن تفيد فقط المتعثرين، وانما ايضا المجتمعات التي يعيشون فيها والبنوك والاقتصاد بشكل عام.

ولكن الامر يعتمد في النهاية على قرار اصحاب العقارات انفسهم الذين يعترف بعضهم ان التخلص من العقارات الباهظة الكلفة هو الاختيار الافضل لهم. وفي الماضي كانت شروط الاقراض قاسية وكان يتعين على المشتري ان يتدبر نسبة 20 في المائة على الاقل من مقدم الثمن حتى يحصل على قرض عقاري، وفي العادة كان اصحاب العقارات يتحملون الصدمات الاقتصادية لان الاقساط العقارية كانت محتملة. ولكن الان لا يمتلك اصحاب العقارات اي حصة في عقاراتهم وبعضهم عليه ديون عقارية اكبر من قيمة العقار نفسه. والتخلي عن هذه العقارات يماثل تماما شطب البنك لديون رديئة من سجلاته. وتصل نسبة المتعثرين حاليا الى معدلات قياسية تقارب ستة في المائة من جملة المقترضين. ويقول مدير موقع الكتروني موجه لمساعدة المتعثرين ان الشراء بدون دفع مقدم ثمن كان بمثابة مراهنة على العقار، فلو ارتفع الثمن ربح المشتري، واذا تراجع الثمن خسر البنك وترك المشتري عقاره ثمنا للقرض. ويعترف احد اصحاب العقارات انه اشترى عقاره بمبلغ 390 الف دولار من دون مقدم، وظل يدفع الفوائد فقط مع ترك اصل المبلغ المقترض. ومع اكتشاف ان ثمن عقاره انهار بحوالي 80 الف دولار، رفض دفع المزيد من اقساط الفائدة وترك العقار. وهو لا يأبه بمحاولات البنك ملاحقته لدفع الخسائر، بل ويعتزم شراء عقار آخر عندما تتدنى الاسعار اكثر.

ونظريا يمكن للبنوك ان تلاحق اصحاب العقارات قانونيا من اجل الالتزام بمسؤولياتهم المالية، ولكن البنوك نادرا ما تقوم بهذه الخطوة بسبب التكاليف القانونية الباهظة من ناحية وايضا لعدم قدرة المتعثرين على الدفع. ولم تعد مسألة الحفاظ على السجل الائتماني نظيفا مهمة في الاسواق الاميركية حاليا لان الاغلبية تعاني من النقاط السلبية في سجلها الائتماني. ويبدو ان الامر يتحول الى دائرة مفرغة كما يعتقد بعض خبراء العقار، فالبنوك اليائسة في محاولات تعويض خسائرها تعرض العقارات المصادرة من اصحابها للبيع في السوق بأسعار بخسة، وهي تشجع بذلك على تخفيض قيمة العقارات وتدفع السوق الى المزيد من الانخفاض وهجرة المزيد من المتعثرين لعقاراتهم. ويعتقد خبراء العقار ان تراجع الاسعار وليس معدل الفائدة هو المؤثر الرئيسي في السوق حاليا.

وتشير احصاءات التعاقدات العقارية الاجلة الى ان اسعار العقار الاميركي مرشحة لان تتراجع بنسبة 18 في المائة من الان وحتى نهاية العام، علاوة على نسبة تسعة في المائة خسرتها في العام الماضي.

وتحاول وزارة الخزانة الاميركية النظر في تعديلات تشريعية لاعادة هيكلة الاشراف المالي على السوق بدلا من هيئة الخدمات المالية الحالية التي اثبتت قصورها في التعامل مع الازمة. وتشمل الافكار المطروحة تشكيل ثلاث جهات للاشراف والرقابة المالية في السوق هي:

* الاحتياطي الفيدرالي، ويتخصص في تعزيز استقرار الاسواق مع زيادة نفوذه للتعامل مع اي جهة او متغيرات من شأنها زعزعة الاستقرار المالي.

* لجنة تنظيم مالي مهمتها الاشراف على البنوك التجارية التي تقبل ودائع العملاء.

* هيئة اشراف على التعامل في الاسواق المالية وتشمل مسؤولياتها حماية المستهلك والمستثمر الفرد.

ولكن البنوك تخشى من تغييرات التشريع لان من شأنها تقييد بعض الممارسات المصرفية عالية المخاطر التي تجلب للبنوك هوامش اعلى من الارباح. ولا تعلق البنوك علانية على الاقتراحات ولكن الاعتراضات تظهر في المناقشات الخاصة بينها. وتخشى البنوك الاستثمارية فرض قيود على عمليات المضاربة على المشتقات وتداول التعاقدات الاجلة، وهي عمليات تشبه في هيكلها تبادل الديون العقارية التي ادت الى الازمة الحالية. فالاجراءت التي تنظم السوق وتمنع العمليات المتهورة من شأنها ايضا ان تحد من النمو وتخنق الابتكار.

ويقول مصرفي من غولدمان ساكس ان الازمة الحالية وقعت ليس بسبب عدم وجود اجراءات رقابة وانما من الفشل في تطبيق الاجراءات الرقابية المتاحة. كما ان اي تعديلات قانونية لن تقع في المدى المنظور لان الازمة الحالية ما زالت فاعلة. ومن المتوقع ان تظهر ملامح اي تغييرات قانونية في الرقابة المالية خلال الادارة التالية التي تتسلم مهامها بعد انتخابات شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وتستمر الاسعار العقارية الاميركية في التراجع حتى في المناطق الفاخرة مثل ضواحي نيويورك التي شهدت تراجعا في الاقبال على بعض العقارات المتميزة نظرا لانعدام الطلب وتوقع المزيد من التراجع. وسجلت بعض الشركات العقارية تراجعا في اسعار بعض العقارات قارب العشرين في المائة وهي نسبة تماثل اسوء حالات التراجع في فلوريدا وكاليفورنيا.

وهبط ايضا قطاع الايجارات حيث يختار المستأجر حاليا بين العديد من العقارات الشاغرة ويتفاوض بشأن حجم الايجار ويفرض شروطه. كما تراجع ايضا عدد مستأجري عقارات العطلات بسبب متاعب الاسواق المالية.

والى جانب تراجع الاسعار تشهد شركات العقار تراجعا في حجم التعاملات وهو يؤثر سلبيا في شركات العقار التي تطرح مشروعات جديدة في السوق خصوصا في قطاع عقارات العطلات على السواحل. وخلال الربع الاول من العام الجاري انخفض الطلب على عقارات العطلات الاميركية بنسبة 30 في المائة مقارنة بنسبة انخفاض قدرها 10 في المائة في القطاع السكني، وفقا لاحصاءات هيئة شركات العقار الاميركية.