لبنان يسارع إلى إنشاء مكاتب خاصة لمراقبة سلامة البناء

بعد تعرض مجموعة من الأبنية للانهيار

TT

بعد أكثر من ثلاث سنوات على صدور قانون البناء المعدل والمراسيم التطبيقية الخاصة به، أصدر وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني بالوكالة محمد الصفدي قراراً يقضي بتطبيق احد بنود القانون المذكور المتعلق بإنشاء مكاتب خاصة لمراقبة سلامة البناء. ويأتي هذا القرار بالتزامن مع تعرض مجموعة من الأبنية في بلدة المنصورية (شرقي بيروت) للانهيار نتيجة زحل التربة تحتها بفعل الهزة التي ضربت منطقة صور الجنوبية على بعد نحو 100 كيلومتر والتي بلغت قوتها 5 درجات على مقياس ريختر. وتعود هذه الحادثة إلى غياب المراقبة الفعالة للبناء، والى التخطيط السيئ للطريق التي تمر تحت الأبنية بعلو يناهز 30 متراً من دون أي دعم خرساني.

وفيما يخشى سكان الأبنية المهددة بالانهيار من أن يدفعوا ثمن التأخير في تنفيذ بند المكاتب الخاصة بمراقبة سلامة البناء، أبدت كل الجهات المعنية ترحيبها بالقرار، وان بمستويات متفاوتة تبعاً لتطابق هذا القرار مع مصالح هذه الجهة او تلك.

وأفاد المدير العام لوزارة النقل والأشغال العامة فادي النمار لـ«الشرق الأوسط» بأن الوزارة لم تتأخر في تنفيذ البند، لأن الأمر يتعلق بمسار جديد. لقد قررنا، كخطوة أولى أن ندعو الأشخاص المعنيين بالموضوع إلى ان يتقدموا بطلباتهم، على ان تنظر في هذه الطلبات ومدى تطابقها مع الشروط المرعية لجنة مكونة من ممثلي كل الوزارات والهيئات المعنية. وذلك لأن إنشاء مكتب مستقل لمراقبة سلامة البناء ليس بالأمر السهل، بل يفترض فيه ان يملك كل الوسائل اللازمة للمراقبة في كل مراحل البناء. وينص القرار على ان المراقبة يجب ان تتناول، في مرحلة أولى، الأبنية التي يزيد ارتفاعها عن 28 متراً (نحو سبع طبقات)، وكل الأبنية الحكومية».

ولا يعير النمار اهتماماً كبيراً لأي اعتراضات من تجار البناء الذين يخشون من زيادة اكلافهم، التي سيضطرون الى تحميلها لاحقاً للمواطن، فيشير الى ان مراقبة السلامة «لن تزيد تكلفة البناء بأكثر من 3 في المائة الى 5 في المائة. وهذه تكلفة بسيطة في المشاريع الضخمة، ولا تقاس بشيء امام توفير الراحة والطمأنينة للتاجر والساكن على السواء. ويؤكد ان انشاء تلك المكاتب سيخضع لمعايير محددة جدا، بحيث يحصل هذا الملف او ذاك على نقاط موضوعة على لوحة معدة سلفا. وفي ما خص تطبيق المراقبة على الأبنية القائمة يلفت الى انه يستحيل اعتماد المراقبة مع مفعول رجعي على كل الأبنية القائمة، لان غالبيتها الساحقة في وضعية سليمة، ومن الآن وحتى مباشرة المكاتب العتيدة اعمالها، يجب ان تستمر البلديات في مراقبة التنفيذ، وتطور عملها بشكل يردع تجار البناء عن الاستخفاف بتأمين سلامة البناء. وأفاد سمير ضومط النقيب السابق لمهندسي بيروت ان انشاء مكاتب مراقبة سلامة البناء هو حجر الزاوية في قطاع البناء السليم، وهو يؤمن الانتقال من ثقافة البناء التجاري الى ثقافة البناء التي تحترم البيئة والصحة والسلامة العامة. وأضاف ضومط لـ «الشرق الاوسط» أن هناك اجراءات عدة لتطبيق المراقبة، منها ما يتعلق بنقابة المهندسين ومنها ما يتعلق بالجهات المعنية الأخرى. وما يحصل الآن هو ان النقابة تلقي نظرة على الخرائط، غير ان البلديات هي التي تعطي الأذن بمباشرة البناء. ولكن البلديات ليست كلها مهيأة ومتمتعة بوسائل مراقبة البناء. وهنا تكمن المشكلة، وبالأخص في ضواحي العاصمة، حيث أنشئ العديد من الابنية من دون ترخيص رسمي، ومن دون ادنى مراقبة، حتى الأبنية التي تضررت في منطقة صور نتيجة الهزة الأرضية كانت مبنية من دون تراخيص ولا مراقبة. والكارثة الكبرى هي ان معظم المالكين الذين تهدمت منازلهم من جراء حرب يوليو (تموز) 2006 اعادوا بناء منازلهم في المناطق البعيدة من دون العودة الى نقابة المهندسين، وإرسال الخرائط إليها، كما ينص القانون على ذلك.

ولا يستبعد ضومط ان تكون نسبة الابنية غير المشروعة في حدود 10 في المائة من الأبنية القائمة حالياً في لبنان، وهي كناية عن منازل مرشحة عند اي طارئ لان تتحول الى «مقابر جماعية». وأضاف "انا متأكد ان الهزة الارضية الاخيرة لو انطلقت من مكان قريب من العاصمة، لكانت ادت الى تهدم الكثير من الابنية في الضاحية الجنوبية المنشأة من دون اي اساسات، وبالتالي من دون مراقبة».

وفي حال انشاء المكاتب المذكورة، تبقى هناك عدة اسئلة مطروحة منها: هل سيتم تنفيذ المراقبة بشكل صارم وفي كل المناطق؟ وهل يستطيع الشاري ان يتحمل المزيد من التكلفة ثمناً لشقته، هذا اذا افترضنا التزام تاجر البناء بتحمل اعباء المراقبة الفعالة، علماً ان المنطق السائد عند التجار هو البناء بأدنى كلفة، والربح بأقصى حد؟