مشروعات عقارية كبرى في السوق العمانية

مع فتح السوق أمام الملكية الأجنبية

TT

نظرًا لانخفاض إنتاجها النفطي، قررت عمان عام 2006 فتح سوق العقارات بها أمام الملكية الأجنبية، وذلك كجزء من خطة لتنويع الاقتصاد وتوسيع نطاق أسهم الإسكان بالبلاد. ويبدو أن القرار أثمر نتائج إيجابية تمثلت في مشروعات كبرى، مثل «المدينة الزرقاء»، وهي مدينة مصممة من جانب شركة «فوستر آند بارتنرز» البريطانية لاستيعاب 200 الف مقيم، ومشروع «سلام ييتي» التنموي بقيمة 1.7 مليار دولار الذي يضم حوضا للسفن ومجموعة من الفيلات الجبلية، و«ويف»، وهو موقع سكني على امتداد شاطئ العاصمة مسقط مصمم لاستيعاب 4 الاف مقيم. وجرت عمليات بيع نشطة بهذه المشروعات لكل من السكان المحليين والأجانب. ومن جانبه، صرح «نيك سميث»، المدير التنفيذي لمشروع «ويف»، قائلاً: «لقد دهشنا من حجم الاهتمام الذي قابلناه حتى الآن. واجتذبت عروضنا دومًا طلبات اشتراك زائدة عن الحاجة. وخلال آخر عروضنا للبيع، قمنا بطرح 70 منزلاً في السوق، وفي الليل اصطف 150 شخصًا لشرائها. ونفدت الكمية المطروحة خلال ساعة ونصف الساعة». ويتمتع مشروع «ويف» بنقاط جذب خاصة، حيث يضم فيلات على شواطئ العاصمة، وتم بناء الكثير من المنازل على جزر صناعية، وتشكل قرابة 20% من مساحة الموقع أراضي مستصلحة ويبلغ إجمالي مساحتها 25 مليون متر مربع أو 26.9 مليون قدم مربعة. ويتميز المشروع بأكمله بشكل موجة ضخمة. إلا أن المشروعات التنموية الأخرى تتمتع بنقاط جذب، حسبما يؤكد «بلير هجكول»، مدير قسم الشرق الأوسط وإفريقيا بشركة «جونز لانج لاسال» للعقارات بدبي. وأضاف «هجكول» أن ظهور عمان كسوق إسكان جاذبة يعد أمرا جديدا، وهي توفر خيارات متنوعة من الرفاهية. وقال: «عمان تطرح تميزًا قويًا وأثبتت قدرتها على اجتذاب سوق ممتازة». وترى شركة «جونز لانج لاسال» أن الأسعار في عمان ما تزال أقل من مثيلاتها في كثير من الأسواق الغربية، فعلى سبيل المثال، تباع الفيلا بمساحة 307 أمتار مربعة داخل مشروع «ويف» مقابل حوالي 250.950 ريال عماني، أو 650 الف دولار، بينما تباع الشقة بمساحة 185 مترًا مربعًا مقابل 150.570 ريال. وتسعى الشركات العاملة بمجال التنمية العقارية داخل عمان إلى استغلال التنوع الطبيعي الذي تنفرد به البلاد داخل الشرق الأوسط، حيث تتميز بوجود صحارى وشواطئ تحدها صخور مرجانية، علاوة على وجود جبال تغطيها الثلوج في بعض فترات العام. وبذلك نجد أن مشروعًا مثل «سلام ييتي»، على سبيل المثال، يضم منازل على امتداد الشواطئ وأيضًا منازل على التلال على ارتفاع يصل إلى 140 مترًا. بيد أن الكثير من أجزاء البلاد ما تزال تفتقر إلى المستوى الملائم من التنمية. وجدير بالذكر أنه حتى ستينات القرن الماضي، كان في عمان طرق ممهدة بطول 10 كيلومترات فقط، أو 6 أميال، إضافة إلى أنها في ظل حكم السلطان المحافظ السابق، شكلت واحدة من أكثر الدول شرق أوسطية انعزالاً. إلا أنه منذ السبعينات، شهدت البلاد جهودًا تنموية نشطة تحت حكم السلطان الحالي «قابوس بن سعيد» المتميز بعقلية أكثر ليبرالية عن السلطان السابق. من ناحية أخرى، أبدى المخططون حرصهم على الحفاظ على النسق المعماري العماني الفريد المتميز ببساطته وصبغته شبه المعاصرة وتفصيلاته العربية، مثل النوافذ المزودة بمصراع. يذكر أن «جيرارد إيفندن»، المهندس المعماري البارز وأحد كبار المساهمين بشركة «فوستر آند بارتنرز»، يتولى قيادة فريق التصميم المعني بـ«مدينة الزرقا» وعمل بالتنسيق المباشر مع وزير التراث العماني. ويضم فريق العمل المعاون لـ«إيفندن» متخصصا في الفن الإسلامي، ويحرص الفريق على استخدام أحجار وسيراميك وألوان ونماذج محلية. وعلق «إيفندن» على ذلك بقوله: «لقد رغبنا في اللعب قليلاً بقواعد الفن الإسلامي من أجل خلق شيء يقوم على الموروث المعماري العماني الهائل، لكن مع ترجمته في الوقت ذاته إلى لغة عصرية». يجري بناء «المدينة الزرقاء» في شريط صحراوي بطول الشاطئ يقع على مسافة 90 كيلومترًا تقريبًا غرب مسقط. ويتضمن المشروع بناء كل متطلبات المدينة من جامعات ومحطات إطفاء الحريق خلال فترة الـ10 و15 عامًا المقبلة. يذكر أن هذا المشروع يعد الأكبر من نوعه على مستوى السلطنة التي يتجاوز عدد سكانها 3.2 مليون نسمة بقليل. علاوة على ذلك، هناك الكثير من المشروعات الأصغر التي يجري التخطيط لها أو العمل بها بالفعل داخل السلطنة. وفي العام الماضي، أشارت مجلة تجارية محلية إلى 22 من هذه المشروعات. من ناحيته، أكد «هاري جودسون ويكيز»، رئيس شؤون المبيعات بشركة «كلتونز آند بارتنرز عمان»، وهي شركة عقارات في مسقط، إلى وجود طلب واضح على العقارات بالبلاد، مشيرًا إلى أنه في العاصمة تضاعفت إيجارات العقارات، مع وصول الإيجار الشهري لشقة مكونة من غرفتي نوم إلى ما يتراوح بين 350 و450 ريالاً. على الجانب الآخر، تدخلت الحكومة بوضع حد أقصى للزيادات في إيجار العقارات، وتعلن حاليًا عن خطط لتحديد حد أدنى للفترة الإيجارية يبلغ أربع سنوات للعقارات السكنية وسبع سنوات للعقارات التجارية، في محاولة منها للسيطرة على ارتفاع الإيجارات. ويعتقد الخبراء بمجال العقارات أن الاقتصاد العماني المتنامي، بما في ذلك اتساع نشاط السياحة والصرافة والموانئ، إضافة إلى قطاع التصنيع، يخلق طلبًا قويًا على الإسكان داخل المدن الأكبر. وتشير الأرقام المتوافرة إلى أنه داخل مشروع «ويف»، جرى ما يقرب من 50% من المبيعات لصالح العمانيين، بينما كان 25% من نصيب الأجانب المقيمين بالبلاد، أما النسبة المتبقية فكانت لحساب أجانب آخرين. ومن بين العوامل الأخرى وراء ارتفاع الطلب على العقارات: النمو السكاني الذي ارتفع بشدة، إلى جانب ارتفاع متوسط أعمال الأفراد ليصل إلى 75 عامًا في الوقت الحالي، وانتماء حوالي ثلث الهرم السكاني إلى الفئة العمرية أقل من 15 عامًا. ورغم تسارع وتيرة النشاطات الاقتصادية بالسلطنة خلال الأعوام الأربعين الماضية، إلا أن عمان تميزت منذ أمد بعيد بكونها مركزًا تجاريًا وقوة بحرية، بل وكونت في فترة من الفترات إمبراطورية ضمت جزر زنزبار، التي تعد حاليًا جزءا من تنزانيا، وبلوشستان التي تمثل حاليًا الجزء الجنوبي من باكستان.

* خدمة «نيويورك تايمز»