«هبوط اضطراري» في سوق العقار الإسباني

المباني الفاخرة تستغرق 4 سنوات لبيعها

العقار الاسباني يتجه الى مزيد من الركود هذا العام («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو ان سوق العقار الإسباني يتوجه نحو مرحلة كساد صعبة وغير مسبوقة بعد سنوات طويلة من إمدادات العقار العشوائية، وتضخم الأسعار بنسب خيالية. فخلال الربع الأول من العام الجاري انخفضت مبيعات العقار بنسبة 27 في المائة عنها في خلال الفترة نفسها من العام الماضي. كما انخفض أيضا حجم الإقراض العقاري خلال الفترة نفسها بنسبة 28 في المائة الى 13.4 مليار يورو.

وتقول مصادر السوق ان العقارات الفاخرة تستغرق الآن نحو أربع سنوات حتى يتم بيعها بينما كانت هذه الفترة لا تتعدى عدة أيام قبل اربع سنوات في ذروة الانتعاش العقاري في اسبانيا. وفي منطقة «كوستا ديل سول» الجنوبية في إقليم الأندلس تبقى نصف العقارات السياحية الجديدة غير مباعة. وتشير هذه المؤشرات إلى حجم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد الإسباني الذي يعتمد الى حد كبير على قطاع الإنشاء والعقار السياحي.

ولسنوات طويلة ظل الاعتقاد الاسباني السائد هو ان اهل شمال اوروبا البارد كلهم من الاثرياء وانهم يخططون لامتلاك منزل اسباني يتيح لهم فرصة التمتع بالشمس في الشتاء. وعلى هذه الفرضية، توسعت شركات التطوير العقاري الاسبانية حتى وصل عددها الى 80 الفا قبل اربع سنوات، وكانت مشروعات بأكملها تباع من على الخريطة في غضون أيام من عرضها.

وبعد سنوات من ارتفاع الأسعار، تراجعت القدرة التنافسية للعقارات الاسبانية أمام أسواق جديدة، خصوصا في المغرب، كما ساهمت عوامل أخرى في خفض الطلب الأجنبي من بينها ازدياد عمليات التطوير العقاري المكثف في بعض المناطق حتى انها فقدت جاذبيتها، وظهور بعض حالات الفساد وخسارة بعض المستثمرين لعقاراتهم بسبب صدور تراخيص مزورة من مجالس بعض المدن مثل ماربيا ومالاغا.

ثم تكفلت الأزمة الائتمانية الدولية بإنهاء الرغبة والقدرة على الاستثمار العقاري خارج الحدود، وبدلا من التراجع التدريجي وجدت اسبانيا نفسها في مواجهة «هبوط اضطراري» في سوق العقار.

وهي ليست ازمة طلب وفقا لشركات تسويق العقار، فهنا دوما من يرغب في شراء العقارات الجيدة بأسعار مناسبة، ولكنها ازمة زيادة الامدادات وسوء التوقيت، مع تفاعلات ازمة الرهن العقاري التي جعلت البنوك تتحول من النقيض بإقراض كل من له علاقة بأسواق العقار، الى النقيض الآخر بمنع الاقراض العقاري بالمرة. وتتراوح نسبة تراجع المبيعات حاليا من حوالي 40 في المائة في القطاع الفاخر الى اكثر من 90 في المائة في بقية قطاعات السوق.

وليس من المتوقع ان ينمو الاقتصاد الاسباني هذا العام باكثر من اثنين في المائة، اي بنصف معدل عام 2006 الذي تمت فيه الموافقة على انشاء 800 الف وحدة عقارية جديدة، وهي نسبة تفوق العقارات الجديدة في فرنسا والمانيا وبريطانيا مجتمعة. وتعد الحكومة الاسبانية بتشجيع برامج البنية التحتية وبناء الطرق لاستيعاب الطاقة الفائضة والبطالة الناشئة من تجمد النشاط العقاري الخاص. وتدفع الازمة الحالية العديد من شركات العقار الصغيرة والمتوسطة في اسبانيا الى الافلاس. وحذرت شركة ريليا، وهي من اكبر شركات العقار الاسبانية، ان ارباحها سوف تتراجع هذا العام بنسبة تفوق 25 في المائة. وارتفع عدد شركات العقار الاسبانية التي طلبت الحماية من دائنيها بنسبة 86 في المائة، وتتفاوض العديد من شركات العقار الكبري في اسبانيا مع البنوك لاعادة جدولة قروضها حتى لا تتحول الى ديون رديئة.

وتعاني المناطق السياحية التقليدية على ساحل البحر المتوسط اكثر من غيرها بهذا التراجع العقاري. ويقول العاملون في المجال ان الاحصاءات لا تعكس كل الواقع لانها تغفل جانب المشروعات التي لم تستكمل بعد وعمليات الشراء التي كانت تتم من على الخريطة.

وفي ضواحي مدريد العاصمة توقف اكبر مشروع تعمير في اسبانيا يموله رجل الاعمال الثري فرانسيسكو هيرناندو في منطقة كاستيل على مقربة نصف ساعة بالسيارة من قلب العاصمة. ويشبه المشروع المدينة المصغرة التي تبنى حول بحيرة على الرغم من ندرة المياه في المنطقة. وهي مدينة مكونة من 13.5 ألف وحدة سكنية مقسمة على 280 مجمعا ضخما تحيطه الحدائق والأشجار وحمامات السباحة ويتيح فرصة الحياة الفاخرة للعائلات الصغيرة التي تعمل في العاصمة وبأسعار ارخص من المتاح داخل مدريد. وكانت السمة الرئيسية في هذا المشروع انه الأكبر على الإطلاق في اسبانيا. وفيما بدأت السلطات تحقيقات في شبهة فساد في الحصول على تراخيص هذا المشروع الذي يعد بتحويل 180 فدانا من الأراضي العشبية الى حي أرستقراطي قريب من العاصمة يسمى حي «سيسينيا»، الا ان ازمة الائتمان العالمية قد تكون تكفلت بإنهاء هذا المشروع قبل ان يكتمل. فعلى الرغم من اكتمال معظم وحدات المشروع الا ان عدد الوحدات العقارية المباعة حتى الآن لا يزيد عن 2500 وحدة من مجموع 13.500 وحدة. وليس من المؤكد ما اذا كان المستثمرون الجدد يريدون الانتقال الى عقاراتهم التي تقع في وسط منطقة انشاءات على نطاق واسع.

ويقول عمدة الحي ان الاسعار في هبوط مستمر وان بعض المشترين اكتشفوا ان قيمة القروض العقارية المتراكمة عليهم اكبر من قيمة العقارات نفسها. وهناك ايضا نسبة كبيرة من المشترين الذين دفعوا مقدما لشراء عقارات بأسعار تبدو الآن غير واقعية، وقد يفضل اغلبهم فقدان المقدم بدلا من شراء عقارات بأكثر من قيمتها ورفع قيمة الخسائر. وما زالت شركات هيرناندو تسوق المشروع ولكن في ظروف تبدو اكثر صعوبة يوما بعد يوم.

وفي أنحاء اسبانيا أعلنت اكبر 4 شركات عقار، أن مبيعات المشروعات الجديدة من على الخريطة هبطت هذا العام بنسبة 60 في المائة. وتتوجه العديد من شركات العقار نحو الافلاس بينما تقدر شركات التسويق ان الاسعار سوف تهبط هذا العام بنسبة ثمانية في المائة، بعد عقد من الانتعاش تضاعفت خلاله الاسعار. وتشكو شركات التطوير العقاري ان البنوك قطعت عنها خطوط الائتمان، ولذلك لن يتم بناء اكثر من 300 الف وحدة سكنية في اسبانيا خلال العام الجاري مقارنة بحوالي 760 الف وحدة سكنية بنيت في العام الماضي. وربما يكون الجانب الاخطر على الاقتصاد الاسباني هو ان صناعة البناء سوف تستغني عن حوالي 700 الف عامل حتى نهاية عام 2009. وتخشى الحكومة الاسبانية من انعكاس الازمة على قطاع البنوك حيث قدمت البنوك الاسبانية قروضا عقارية هائلة للصناعة يبلغ حجمها 303 مليارات يورو، مناصفة بين قروض شركات التطوير وقروض شراء العقارات. ويقدر البنك المركزي الاسباني هذه الديون بحوالي 60 في المائة من جملة الديون المستحقة للبنوك الاسبانية. ورغم ان نسبة القروض الرديئة ما زال ضئيلا ولا يتعدى واحد في المائة الا ان البنك المركزي يضغط على البنوك الاسبانية لكي تحجز نسبة اكبر من رصيدها لتأمين القروض.

ويتعرض الاقتصاد الاسباني اكثر من غيره لتقلبات سوق العقار لان القطاع يمثل نسبة تسعة في المائة من اجمالي الناتج القومي. وهذه النسبة تبلغ ضعف النسب الأوروبية واكبر من النسبة في السوق الاميركي التي تصل الى 6.3 في المائة قبل الانهيار الأخير. وعلاوة على ذلك يستوعب قطاع العقار الاسباني نسبة 13 في المائة من الأيدي العاملة. وتعاني الصناعة من آثار أزمة الائتمان التي جففت منابع الاستثمار الاجنبي في العقارات الاسبانية.

وتمثل هذه الاحصاءات السلبية وتراجع الاسعار مع تحكم الكساد في العقارات الاسبانية فرصة ذهبية للاستثمار العربي لدخول السوق في التوقيت المناسب واقتناص فرص شراء عقارات جيدة بأسعار متدنية. ويحتاج الامر اولا الى بعض الدراسة لاختيار الموقع والتأكد من سلامة التراخيص وتكليف محام مستقل لاجراء الابحاث والقيام بالخطوات القانونية. وقد تفتح رحلة استكشاف عقاري الى اسبانيا هذا العام فرص استثمار جيدة خصوصا في القطاع الفاخر.