«مزادات العقارات الإلكترونية» تحل تدريجياً محل التقليدية في الغرب

تجري المشاركة عبر صور ذات بعد ثلاثي على الكومبيوتر ومن خلال الاطلاع على كل المعلومات والخرائط والأوراق القانونية

بيع وشراء العقارات عبر الانترنت بدآ ينتشران بقوة في الدول الغربية (خدمة كليب آرت)
TT

بدأ ينتشر في الغرب نوعٌ جديد من مزادات العقارات ولكن ليس بالطريقة التقليدية، بل على شبكة الإنترنت. وبعد أن كانت مزادات العقارات تتطلب زيارة الموقع وتفقد العقار نفسه على أرض الواقع للتأكد من جودته أو عيوبه، فقد أصبح الآن كثيرٌ من المزادات في الدول الغربية يتم على شبكة الإنترنت حيث تتفقد العقار الذي ترغب في شرائه عبر صور ذات بُعدٍ ثلاثي على الكمبيوتر، بالاضافة إلى الاطلاع على كل المعلومات والخرائط الهندسية المتعلقة بالعقار وأوراقه القانونية. وفي العادة تستمر مدة المزاد أسبوعاً واحداً يتقدم خلاله المتنافسون بعروضهم على الإنترنت بنفس الطريقة التي يعمل بها موقع «إي باي ebay» الشهير لبيع جميع الأغراض الشخصية والأدوات الصغيرة وقطع الأثاث. وبهذه الطريقة فإنه كثيراً ما يحدث أن تشتري منزلاً دون أن تلتقي بصاحبه الذي باعه وجهاً لوجه. وبينما لا تجذب «مزادات العقارات الإلكترونية» بعض المستثمرين الذين ما زالوا يفضلون الطريقة التقليدية بتفحص العقار بأنفسهم، فإن كثيرين آخرين يرون في مزادات الإنترنت نقلة استثمارية كبيرة لهم، إذ إنها لا تضيع الوقت.. وتمّكنهم من معاينة مئات العقارات والمشاركة في مزايداتها خلال ساعة أو ساعتين بينما كان هذا الأمر يستغرق أياماً في الماضي. ويرى هؤلاء أن ميزة إضافية أهم من توفير الوقت هي أنك تستطيع شراء عقارات في أقاليم مختلفة من البلاد، ومن ثم توسع رقعة استثماراتك العقارية بدلاً من أن تكون محصوراً في مدينة واحدة مثلما هو الحال لدى غالبية المستثمرين التقليديين. وكان إمبراطور الإعلام الملياردير روبرت موردوخ قد اشترى في عام 2006 موقعاً على الإنترنت يدعى (Propertyfinder.com) ويتخصص في بيع وشراء العقارات عبر الشبكة الدولية، ليؤكد للعالم أن تجارة العقارات دخلت فصلاً جديداً في تاريخها. ودفع موردوخ انذاك نحو 21 مليون دولار لشراء هذا الموقع البريطاني الذي لم يكمل 10 سنوات من عمره ويزوره شهرياً أكثر من 700 ألف زائر للبحث عن عقار للشراء أو الايجار من بين 200،000 عقار معروض على الموقع. وكان موردوخ قد انفق العام الماضي وحده أكثر من مليار دولار (معظمها خلال 4 اشهر فقط) في شراء مواقع إلكترونية على الإنترنت كثيرٌ منها متخصص في تجارة العقارات. ويبدو أن حمى الإنترنت العقارية قد تسربت إلى الصحف البريطانية التي كانت تدر ربحاً كبيراً من إعلانات العقارات، لكنها تحولت الآن إلى الإنترنت. فراحت الصحف تشتري مواقع الإنترنت العقارية لكي تستعيد أرباح الإعلانات التي خسرتها من على صفحات جرائدها. وعلى سبيل المثال فقد إشترت صحيفة «ترينتي ميرور» موقع smartnewhomes.com)) المتخصص في بيع وشراء العقارات إلكترونياً. كما أن سماسرة العقارات في أوروبا أصبحوا لا يشكوّن في أن ظهور شبكة الإنترنت لعب دوراً اساسياً- ضمن عوامل أخرى بالطبع- في الفورة التي شهدتها أسواق العقارات في كثير من الدول الأوربية خلال العقد الماضي، بل إن بعضهم يعتقد أنها أدت مباشرة الى مضاعفة حجم التجارة العقارية عدة مرات.

ومن المزايا الهامة التي حققتها الشبكة لسوق العقارات، كما يقول تيم هيات من مكتب « نايت فرانك» العقاري البريطاني، أن الإنترنت سمحت للمشترين بمقارنة الأسعار – بين السعر المعروض عليك وأسعار العقارات الأخرى المشابه لعقارك. وذلك لأن البحث على الإنترنت يعطيك قائمة بكل العقارات المعروضة للبيع في تلك المنطقة بحيث تستطيع مقارنة الأسعار في نفس اللحظة. ويرى تجار العقارات أن هذه الشفافية أيضا ساهمت في أستقرار الأسعار وتحديدها وفق معايير موضوعية، بعدما كانت في الماضي عرضة للاحتيال أو «الشطحات» لأن كل مكتب عقاري يحتفظ بأسعاره داخل حدود جدرانه، وأحياناً يستغل حاجة الزبون الملحة للشراء أو ضيق وقته الذي لا يسمح له بزيارة جميع المكاتب الأخرى ومقارنة الأسعار.

أما بالنسبة لمشتري العقارات الاستثماريين – بغرض الايجار مثلا- فإن الإنترنت تسمح لهم (فضلا عن كل ما سلف) بالتعرف على قيمة الايجارات التي يمكن أن يجنوها من العقار المعين حتى قبل أن يشتروه، وذلك بالطبع عبر مقارنة الايجارات في العقارات الأخرى المشابهة لعقارك. وبهذه الطريقة يستطيع المستثمر العقاري أن يعرف ما اذا كان سعر الشراء (رأس المال المستثمر) سيكون مجزياً بالمقارنة مع الايجار المتوقع (الربح). بمعنى آخر، فهو يستطيع أن يقدر سلفاً ما اذا كان استثماره رابحاً أم خاسراً. تقنية مدهشة: وكان البحث عن عقار للشراء – قبل انتشار الإنترنت في أوروبا- عملية طويلة ومعقدة تتطلب البحث في الصحف اليومية، فضلا عن القيام بعديد من الزيارات الشخصية لمكاتب السماسرة العقاريين. وبدورهم، كان هؤلاء يضطرون على مدى أسابيع أو شهور لمراسلتك عبر البريد (الذي يستغرق يومين في كل مرة) بالبيانات التي لديهم حول العقارات المعروضة للبيع. أما الآن فقد أصبح معظم الأوروبيين يبحثون عبر الإنترنت عن المنزل الذي يرغبون في شرائه. وبالطبع، كما هو الحال مع شبكة الإنترنت في أي نوع من البحث، فإن المعلومات والبيانات الموجودة على الشبكة تتجدد كل يوم إن لم يكن كل ساعة. هذا فضلا عن أن عملية البحث تتم خلال ثوانٍ لأن كل المطلوب منك هو إدخال أوصاف وتفاصيل العقار الذي ترغب في شرائه فيعطيك الكمبيوتر قائمة بالعقارات التي تتطابق مع ما تريد. ليس هذا فحسب، بل ان تقنية « البعد الثالث» 3D في الكمبيوتر تمنحك تجربة شبه واقعية بزيارة المنزل من الخارج ومن الداخل مع شرح تفصيلي لأحجام الغرف ومواصفاتها. وفي هذا الصدد يقول إيان سبرينغت، من شركة « برايم لوكاشن» البريطانية، إن بعض المواقع على الإنترنت تمنحك أيضا صوراً حقيقية ملتقطة من الفضاء توضح لك كل المباني والشوارع المحيطة بالعقار، فضلا عن خرائط للحي توضح مواقع الأسواق والمدارس ومحطات القطارات والمواصلات العامة. ومن المواقع الإلكترونية التي أعطت دفعة قوية للتسوق العقاري على الإنترنت موقع Google Earth الذي يمنحك صورة فضائية لأي موقع على الكرة الأرضية، ثم تستطيع الاقتراب بالكاميرا من الفضاء هبوطاًً نحو الأرض حتى تصل الى أدق تفاصل المبنى أو الشارع الذي تريد رؤيته. وبذلك فإن هذا الموقع يعطيك صورة عن العقار ربما تكون أشمل من تلك التي تحصل عليها في زيارة حقيقية، إذ انه يوضح لك موقع منزلك من الفضاء وبعده عن الخدمات العامة في الحي أو المنطقة.

ولا تقف فوائد الإنترنت عند هذا الحد، بل هناك موقع بريطاني على الشبكة يدعى UpmyStreet.com يمنحك إحصاءات عن سكان الحي الذي تريد الشراء فيه.

وتشمل هذه الاحصاءات: معدل الجريمة في المنطقة، متوسط دخل السكان المالي، طبيعة المهن التي يعملون فيها، معدل زيارتهم للسينما، بل حتى أي الصحف أكثر انتشارا بينهم (مثلا: الغارديان أو التايمز). كل هذه المؤشرات تساعد في تحديد نوعية السكان ومن ثم سعر العقار أو معدل الايجار. وهناك موقعٌ آخر يدعى (Hometrack.com) يعطيك تقييماً لسعر المنزل الذي تريد شراءه (أو بيعه)، وذلك عبر الاجابة عن أسئلة تتعلق بعدد الغرف في المنزل وعدد الحمامات والمستوى العام للعقار، فضلا بالطبع عن موقعه. وبناء على هذه المعلومات يمنحك الموقع الإلكتروني سعراً تقديرياً للعقار يأخذ في الاعتبار أسعار العقارات المشابهة له التي بيعت بالفعل خلال الاشهر القليلة الماضية في نفس الحي. وبذلك يصبح السعر واقعياً الى حد كبير. ووفق هذا السعر تستطيع أن تفاوض الطرف الآخر بائعاً كان أم مشتريا.

وأوضح سبرينغت أن مواقع الإنترنت العقارية تتطور بسرعة مما أدى بطبيعة الحال الى سرعة في عمليات البيع والشراء، ومن ثم زيادة كبيرة في حجم التجارة العقارية ككل، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة تنمو بسرعة هائلة في الغرب بسبب التطور الكبير في تقنيات المواقع الإلكترونية وأيضا بسبب انتشار استخدام الإنترنت بين المستهلكين.

ويؤيد هذا الرأي أليكسندر هينت من مكتب « كلوتونز» العقاري الذي أوضح أن شبكة الإنترنت غيّرت سوق العقارات تغييراً جذرياً. ففي الماضي كان الباحث عن عقار يستغرق أسبوعاً لكي تُرتب له زيارة لرؤية عقارٍ أو اثنين. أما الآن فهو يرى على الإنترنت عشرات أو حتى مئات العقارات التي يستطيع أن يختار من بينها خلال ساعات محدودة. وأوضح أن بعض المواقع تسمح لك بتحديد المسافة (مثلا 3 كيلومترات) التي تريد منزلك أن يقترب فيها من مدرسة معينة أو محطة قطار أو شارع رئيسي. واذا لم يُوجد عقار في تلك المنطقة بالمواصفات التي تريدها، فتستطيع تسجيل اسمك على الإنترنت بحيث تُرسل لك رسالة تلقائية الى بريدك الإلكتروني بمجرد ظهور عقار بالمواصفات التي تريدها..

كما أن الشبكة الدولية تسمح لك بتفقد العقارات التي تقع في مدن غير المدينة التي تعيش فيها، بل وفي بلدان غير البلد الذي تعيش فيه. وهذا الأمر يكتسب اهمية خاصة في أوروبا (على عكس الدول العربية) لأن سوق العمل في دول الاتحاد الأوروبي اصبح منفتحاًً على بعضه بعضا بعد أن رُفعت قيود الحركة عن البشر وعن رأس المال وأصبحت الشركات الكبرى نفسها متعددة الجنسيات بحيث اصبح التنقل من مدينة الى أخرى ومن بلد الى آخر أمراً طبيعياً يحدث طوال الوقت.