أستراليا.. استثمار هادئ بعيد عن متاعب العالم

ملبورن وجنوب شرقي كوينزلاند تعتبران من النقاط العقارية الساخنة

المدن الاسترالية تقدم فرصاً عقارية جيدة («الشرق الاوسط»)
TT

تتوجه اسعار العقار الاسترالي الى التراجع، مثلها مثل عقارات الدول الصناعية، ولكن لاسباب مختلفة عن ازمة الرهن العقاري او تعثر الائتمان المصرفي. ففي استراليا ارتفعت اسعار الفائدة اربع مرات متتالية في العام الاخير مما زاد من اعباء المقترضين وساهم في خفض الطلب العقاري وبالتالي تراجع الاسعار. ويبلغ متوسط سعر العقار في ملبورن حاليا نحو 432 الف دولار بتراجع حوالي 8.4 في المائة عن اسعار نهاية العام الماضي.

ولا شك ان تراجع الاحوال الاقتصادية العالمية، وفقدان الثقة مع ارتفاع اسعار الطاقة والمواد الخام، كان لها ايضا بعض التأثير على فتور سوق العقار الاسترالي. ولكن السوق يتوجه الى استقرار سعري خلال الشهرين الاخيرين، مع ارتفاع بعض الاسعار في قطاعي المدخل وتحت المتوسط خصوصا في الضواحي وبعيدا عن مراكز المدن.

ووفقا لمعهد العقار في جنوب استراليا فان الاسعار في انحاء القارة اخذت في التصاعد مؤخرا مرة اخرى على رغم ان عدد الصفقات العقارية تراجع. وفي بعض المناطق رصد المعهد ارتفاعا في الاسعار بلغ 23 في المائة منذ عام 2006.

والامر المثير ان التقرير اشار احصائيا الى ان الاستثمار العقاري في استراليا خلال السنوات العشر الاخيرة كان افضل من حيث العوائد والاستقرار من اي نوع من الاستثمارات الاخرى بما في ذلك الاسهم والاوراق المالية.

وقارن التقرير بين العوائد العقارية وعوائد الاستثمار الاخرى خلال الفترة نفسها بما في ذلك صناديق الاستثمار. وقدر الصندوق عوائد الاستثمار العقاري بحوالي 11.8 في المائة في المتوسط سنويا.

وفي الوقت الحاضر تجذب استراليا المستثمرين من جنوب شرقي اسيا ومن نيوزلندا الى العديد من النقاط العقارية الساخنة فيها مثل ملبورن وجنوب شرق كوينزلاند. وتتمتع هذه المناطق بالطلب العالي فيها سواء على الشراء او على الايجار لدرجة ان العقارات الشاغرة المعروضة للايجار تقل نسبتها عن واحد في المائة. وهي ايضا مناطق يزيد فيها التعداد بشكل قياسي نظرا لزيادة معدلات الهجرة والمواليد. وتجذب ملبورن ضعف النمو السكاني السائد في سيدني، وهي تقع ضمن اكبر عشر مدن استرالية في نسبة النمو.

اما الطلب الساحلي في منطقة كوينزلاند فهو اساسا من الاستثمار الاجنبي ومن المتقاعدين الذين يفضلون الابتعاد عن صخب المدن الى مناطق هادئة. وفيما يرى بعض المراقبين ان زيادة الطلب لن تؤثر كثيرا على الاسعار لعدم وجود ندرة في الاراضي المتاحة، الا ان محترفي العقار يتوقعون زيادات سعرية قياسية في المواقع الجيدة.

وفي نيوزيلندا تتخصص بعض الشركات في بيع العقارات في مناطق كوينزلاند الاسترالية. وما زال العديد من المستثمرين من انحاء العالم يشترون عقارات استرالية لم يروها من قبل.

ولكن الاقبال على مثل هذا الاستثمار يكون في الغالب للمحترفين الذين يعرفون الاسواق التي يستثمرون فيها. ولكن يجب الحذر من "الخبراء" الذين يعقدون دورات تعريف بالاستثمار العقاري ويستغلونها لبيع عقارات معينة باستخدام العديد من الابحاث والاحصاءات. فهؤلاء يعطون الانطباع بأنهم يقدمون صورة عامة عن السوق، بينما هم في الواقع يسّوقون مناطق معينة فيها عقارات معروضة للبيع.

ونظرا لموقع استراليا البعيد عن مواقع الاستثمار الاخرى، تستخدم بعض شركات التسويق العقاري الترويج عبر الانترنت بادعاء ان العقارات في استراليا سوف تزيد في قيمتها بنسبة 30 في المائة خلال العام المقبل. وعادة ما تكون هذه التوقعات مصحوبة بعرض عقارات للبيع.

والاسلوب الامثل لمن يرغب في تجربة العقار الاسترالي هو الاستعانة بخبراء محايدين وليس بوكلاء تسويق. والافضل في كل الاحوال معاينة العقار على الطبيعة قبل اتخاذ القرار واكتساب بعض الخبرة المحلية، وايضا الاستعانة ببعض الاستشارة المالية حول تمويل الاستثمار العقاري. فمن غير المحبذ مثلا الاقتراض في استراليا لتمويل شراء العقار فيها، نظرا لارتفاع سعر الفائدة، ويمكن تمويل الاستثمار بالاقتراض المحلي في بلد المنشأ حتى ولو كان في الامر بعض مخاطر في تحولات سعر العملة. كما يجب الالتفات للامور الضريبية التي تزيد من التكلفة وتقلل من العوائد عند البيع، مثل ضرائب التمغة عند الشراء وضرائب القيمة المضافة عند البيع، وكلاهما مطبق في استراليا. ويمكن تخفيض او الغاء ضريبة القيمة المضافة بالاستعانة بخبير ضريبي، وفقا لطول فترة الملكية وحجم الربح والتكاليف المصاحبة للاستثمار.

ولا يجب التعجل في الاستثمار العقاري في استراليا حيث يحتاج السوق الى دراسة على مستوى المناطق المحلية التي ينوي المستثمر التوجه اليها. وتعتبر دراسات البنوك عن اسواق العقار من المصادر المعتد بها لانها تزن المخاطر من وجهة نظر المصرف صاحب المال. ويمكن بالاطلاع على مواقع البنوك الاسترالية الحصول على كافة المعلومات الخاصة بتحولات الاسعار في الاسواق المحلية وتوقعات المدى المنظور.

من المفضل ايضا ان يقضي المستثمر بعض الوقت في البحث، وان يتوجه الى السوق بنفسه اذا كان يستطيع ذلك. ومن المفيد الحديث مع بعض شركات تسويق العقار قبل اتخاذ قرار بشأن اي مشروعات بناء جديدة. ولا بد من حساب العائد وهو الايجار المتوقع من عقارات معينة ومقارنة ذلك بالثمن. وافضل العقارات تقدم عوائد سنوية تمثل ما بين سبعة وعشرة في المائة من ثمن العقار. ويكون الاستثمار مجديا اذا كانت معدلات الفائدة السائدة في بلد العقار اقل من هذه النسبة.

وتقول مصادر العقار في استراليا ان العثور على شركة لادارة العقار مسألة حيوية والعثور على مدير عقارات امين يبرر الرحلة الطويلة لموقع العقار. فمن اصعب الامور التي يواجهها مالك العقار هي ادارته عن بعد عبر المكالمات الدولية.

ويمكن اختصار الكثير من الاجراءات بالشراء من المزادات الاسترالية التي تعقد دوريا في المدن الرئيسية. ففي مدينة ملبورن مثلا سوف يقام مزاد في نهاية شهر مايو (ايار) الجاري لبيع عدد من العقارات من بينها:

- شقة من غرفتين وحمامين في وسط المدينة، بها مساحات مفتوحة وبلكون شمالي ومطبخ حديث وارضية باركيه خشبية، في موقع هادئ وتباع للمرة الاولى بعد مالكها الاول. وتتراوح تقديرات السعر بين 520 و540 الف دولار.

- بيت حديث هائل الحجم مطور من مخزن يعود تاريخه الى عام 1885، تم تحديثه في عام 1995 وبه كافة التجهيزات الحديثة والنوافذ كبيرة الحجم. وهو قريب من مركز المدينة ومعروض بسعر يصل الى 400 الف دولار.

- شقة بغرفة واحدة في احد افخم عقارات ملبورن بتجهيزات حديثة ومساحة كبيرة تصل الى 85 مترا مربعا، وهي معروضة في المزاد بسعر تقريبي يصل الى 440 الف دولار.

وفي شهر يونيو (حزيران) المقبل يقام مزاد آخر في مدينة سيدني تعرض فيه شقة ساحلية تطل على ميناء وجسر سيدني، وهي نادرة بالمعايير الاسترالية. ورغم ان حجمها لا يزيد عن غرفتين الا ان السعر يصل الى 1.6 مليون دولار. وتصل مساحة الشقة الى 130 مترا مربعا وتحتوي على ثلاث غرف. وتعرض مئات العقارات الاخرى للبيع عبر المزادات احيانا بلا سعر ادنى. وفي مقاطعة فيكتوريا يباع ثلث العقارات تقريبا بالمزاد، وتنشرالصحف المحلية المبيعات والاسعار اسبوعيا. ولا تعد المزادات وسيلة عملية للمستثمر من الخارج، كما انه قد يحتاج الى بعض الموافقات الحكومية على شراء عقارات معينة وفقا للقانون الاسترالي.

وفي لندن تضمن شركة تسويق عقاري اسمها «سنترال ايكويتي» الحصول على كافة التراخيص لصالح المستثمر، وهي تبيع عقارات من على الخريطة للمستثمرين الانجليز مع ضمان عائد ايجاري قدره ستة في المائة من قيمة العقار. كما توفر التمويل بالتعاون مع بنك الكومنولث الاسترالي لمدة عشر سنوات بسعر فائدة يصل الى 8.4 في المائة. ويصل سعر الفائدة الاساسي في استراليا حاليا الى 7.25 في المائة، وهو قياسي للحد من موجة التضخم السائدة.

وتعرض الشركة شققا سكنية في ملبورن بسعر يوازي 139 الف استرليني يتم حجزها بدفع نسبة 10 في المائة من الثمن مع عدم دفع اي اقساط اخرى حتى اكتمال البناء. ويتم الاحتفاظ بالمبلغ المقدم في صندوق خاص مضمون من الحكومة الاسترالية. وهي تعد بتوفير في الضرائب لجذب المستثمرين، ولكن المقارنة يجب ان تكون مع واقع السوق في ملبورن التي تعاني من فائض في الشقق السكنية من مستثمرين ركزوا اهتمامهم على التوفير الضريبي واغفلوا واقع السوق.

وهناك متاعب اخرى في السوق الاسترالي الى جانب الفوائد المرتفعة وفوائض الشقق السكنية، حيث تعاني بعض الشيء من صعوبة الائتمان للمشترين الجدد، ونسب نمو عقاري غير مضمونة. ولا تزيد عوائد الايجارات في المتوسط حاليا عن 3.5 الى 4.2 في المائة. وافضل المواقع حاليا تقع في ضواحي المدن، حيث تحافظ الاسعار على معدلاتها كما ترتفع سنويا بنسب ايجابية. ويبلغ السعر في المتوسط في ضواحي ملبورن حوالي نصف مليون دولار. اما في اغلى ضاحية في كل استراليا، وهي ضاحية ولزلي القريبة من الميناء في مدينة سيدني، فالاسعار فيها تبدأ من 12 مليون دولار.

وفي الشهور الاخيرة نشطت العقارات في المدن الصناعية غرب استراليا مثل بيرث التي تصدر خام الحديد الى الصين، حيث يقبل عليها العمال من كل انحاء استراليا للمعيشة والعمل فيها مما رفع اسعار العقار والايجارات.

وبعيدا عن المدن يمكن للمستثمر ان يتوجه الى مناطق جنوب شرقي استراليا حيث مقاطعة كوينزلاند وبعض الجزر النائية القريبة من الشاطئ. وتوفر هذه المناطق العزلة وجمال الطبيعة، ويلجأ اليها الاثرياء من شمال اوروبا للتمتع بشمس الشتاء في جو هادئ في وقت تكون فيه اوروبا غارقة في الظلام البارد.

ويمكن شراء عقارات وفيلات تطل على المحيط مباشرة بأسعار تبدأ من ثلاثة ملايين دولار وتقل عشر مرات عن الاسعار السائدة في مدينة سيدني. وعلى رغم المساحات الشاسعة المتاحة الا ان معظمها محميات طبيعية ممنوع البناء فيها مما يعزز قيمة العقارات المتاحة فعلا. وخلال السنوات الثلاث الاخيرة زادت اسعار العقار في المنطقة بحوالي الثلث، خصوصا تلك القريبة من الشواطئ والتي تلقى طلبا كبيرا من المتقاعدين من استراليا وخارجها. ويجد هؤلاء ضالتهم في هذه المنطقة التي لا تبعد اكثر من ساعتين بالطائرة من سيدني ولكنها توفر عشرات الكيلومترات من الشواطئ الرملية الناعمة والعديد من الجزر الصغيرة غير المسكونة. وتشهد جزيرة فريزر، وهي اكبر جزر المنطقة اقبالا سياحيا خلال فصل الصيف (ديسمبر حتى مارس) وهي توفر البيئة الهادئة ولكن يتعين على من يسكن فيها ان يعتمد تماما على وصول الامدادات من القارة عبر الخليج الضيق حيث لا توجد منافذ بيع ولا خدمات اساسية. ويحصل السكان على المياه من حفر الآبار ويمدون خطوط الكهرباء عبر الخليج.

ويتركز معظم سكان الجزيرة على جانب واحد منها حيث بقية مساحتها محميات طبيعية. ولا تعرض عقارات جزيرة فريزر للبيع الا كل فترة طويلة، ومنذ عام 2005 لم يعرض للبيع في الجزيرة الا حوالي مائة عقار فقط. ويعترف خبراء العقار ان الجزر المعزولة لا تصلح للجميع ولا يقبل عليها الا من يفضل العزلة.

ويمكن الانتقال بسهولة من الجزر الى استراليا نفسها عبر الزوارق والعبارات المنتشرة، كما ان من الممكن التعاقد على شراء جزر بأكملها مثلما فعل عدد من المستثمرين الآسيويين مؤخرا عندما انفقوا اربعة ملايين دولار في شراء جزيرة معزولة اسمها «تابي تابي». ولكن شراء عقار صغير على جزيرة اكبر يوفر العزلة نفسها التي توفرها جزيرة نائية صغيرة.