هل الصين مقبلة على «فقاعة» عقارية؟

شنغهاي أفضل مدن «آسيا باسيفيك» على الصعيد الاستثماري > العقارات الفاخرة في هونغ كونغ ترتفع 16% خلال الربع الاول

مدينة شينغن الجنوبية تشهد تراجعا كبيرا في الأسعار بسبب التشريعات الأخيرة «الشرق الأوسط»
TT

بعد سنوات على النمو المطرد والمشاريع الكبيرة والضخمة على صعيد الإنشاءات السكنية والصناعية والمنافع العامة في الصين، بدأ الخبراء يتساءلون عن مستقبل سوق العقار الصيني، وامكانية حصول «فقاعة» بعد التطورات المالية الدولية الاخيرة. وما اثار هذه التساؤلات خسارة امبراطورة العقار الصينية يانغ هوييان (27 سنة) نصف ثروتها التي تقدر بما لا يقل عن 18 مليار دولار، بعد عام واحد على طرح اسهم شركتها للاكتتاب العام.

وتعتبر يانغ واحدة من آلاف الاغنياء الصينيين الذين ركزوا استثماراتهم الضخمة في السنوات القليلة الماضية في سوق العقار وخصوصا القطاع السكني، وهي من اهم المستثمرين في شركة «كونتري غاردن» Country Garden التي تعتبر من اهم الشركات الخاصة بالعقار السكني الفاخر.

الخسائر التي طالت يانغ وشركاتها كانت معظمها في المدن الكبرى في جنوب البلاد، وخصوصا مدينة شينجن في اقليم «غوانغدونغ» Guangdong، حيث انخفضت وتراجعت اسعار الشقق السكنية خلال العام الماضي 2007 بنسبة 28 في المائة وهي نسبة تراجع كبيرة نسبة الى النمو الذي شهدته المدن خلال السنوات الماضية. اضف الى ذلك ان الإجراءات والتشريعات الحكومية الاخيرة بشأن الاستثمار الاجنبي في المناطق الجنوبية، قد ساهمت في الضغط على الاسواق العقارية بشكل سلبي حيث اصبح على المستثمر ان يدفع مقدما (دفعة اولى) تصل الى 40 في المائة من قيمة العقار، فضلا عن الضرائب الجديدة المفروضة على الصفقات العقارية. كما تعرضت الاسعار كما يبدو خلال العام الماضي الى عملية تصحيح كبيرة في العاصمة بكين. ورغم ان نسبة التراجعات قد تراوحت بين 15 و20 في المائة في بعض المناطق، فإن قطاع ايجار العقارات السكنية الفاخرة سجل نموا في الاسعار بنسبة طفيفة خلال الربع الاول بلغت 1.7 في المائة. وارتفعت هذه النسبة في الاحياء الشمالية والمناطق القريبة من القرية الاولمبية مثل «جونغوانكون» Zhongguancun لتصل الى 3.7 في المائة.

اما في هونغ كونغ وهي منطقة مهمة لسوق العقار الصيني، فقد حافظت الاسعار على استقرارها، ويتوقع ان يتواصل هذا الاستقرار خلال العام الحالي، بسبب تعديل قيمة الدولار المحلي ما يتناغم وقيمة الدولار الاميركي.

وأدى تسريح آلاف الموظفين في قطاع البنوك العام الماضي، بشكل او بآخر الى كبح جماح النمو في قطاع البناء والمشاريع النوعية الكبيرة نسبيا، الا انه رغم ازمة الرهن العقاري العالي المخاطر في الولايات المتحدة التي ادت الى ازمة الائتمان الدولية، فقد تمكنت البنوك والمصارف في هونغ كونغ من الصمود واستعادة نشاطاتها على اكمل وجه بعدما تبين انها لا تمتلك الا نسبة ضئيلة من صكوك التوريق الخاصة بالقروض العقارية الرديئة نسبة الى حجم ممتلكاتها. وفي هذا السياق يقول التقرير الاخير لمؤسسة «كوليارز انترناشونال» الدولية المعروفة، ان حركة التوظيف عادت الى طبيعتها لدى البنوك والمؤسسات المالية ما يعني ازدياد الطلب على المكاتب ذات النوعية الممتازة او الدرجة الاولى، رغم ارتفاع نسبة المكاتب الشاغرة بـ 3.4 في المائة من نهاية العام الماضي الى فبراير العام الحالي خلال هذه الفترة، انتهى العمل في مشروع «كوون تونغ» Kwun Tong في شرق كوولون الخاصة بالمكاتب الممتازة Grade A. وقد ارتفعت اسعار الإيجار بنسبة 15.7 في المائة خلال الربع الاول من هذا العام وارتفعت اسعار المكاتب الممتازة في بعض الاحياء التجارية المهمة بنسبة 20 في المائة خلال الفترة ذاتها. والاهم من هذا ان اسعار العقارات السكنية سجلت نموا بنسبة 12 في المائة وسجلت العقارات السكنية الفاخرة نموا اعلى بلغت نسبته 16 في المائة، خلال الربع الاول من العام الحالي. ويعود ذلك الى ارتفاع الطلب بشكل عام.

ويتوقع ان يسجل قطاع ايجار العقارات السكنية الفاخرة خلال هذا العام، ارتفاعا في القيمة بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة، بسبب تدني معدل الفائدة العام.

ويمكن القول بشكل عام ان اسعار العقارات في الصين قد تراجعت من 1.75 في المائة نهاية العام الماضي الى فبراير (شباط) من العام الحالي الى 0.25 في المائة أي تقريبا نفس النسبة التي تمتعت بها منتصف عام 2006.

كل هذا يأتي بالطبع على خلفية، ارتفاع نسبة الاستثمارات العقارية للدول المجاورة مثل تايوان واليابان وكوريا الجنوبية على حساب الاستثمارات الغربية من الولايات المتحدة واوروبا والشرق الاوسط، وقد كانت شركة «سوميتومو» Sumitomo Forestry Company اليابانية، التي تملك 30 في المائة من اسهم شركة «باراغون وود برودكتس» Paragon Wood Products، المختصة ببناء المنازل الخشبية، في بداية العام قد وضعت خطة لمضاعفة مبيعاتها من المنازل الى اربع مرات قبل نهاية العام المقبل 2009، أي ما قيمته 4 مليارات جنيه استرليني (نحو 8 مليارات دولار). واصبحت الشركة الفاعلة أخيرا، عضوا في مؤشر دوا جونز DJSI الخاص بالشركات التي تولي القضايا الاجتماعية اهمية قصوى اثناء نشاطاتها الاستثمارية.

وعلى صعيد مدينة شنغهاي التي تعتبر ثامن اكبر مدن العالم، وتتمتع بواحد من اكبر الموانئ على سطح المعمورة، (اهم المدن في الصين من الناحية الثقافية والصناعية والتجارية )، فإن التقارير الدولية الاخيرة تشير الى انها واحدة من اكثر المدن اثارة في منطقة المحيط الهادئ الآسيوية او ما يعرف بـ«آسيا باسيفيك» من ناحية الاستثمار والتطوير العقاري. ويقول تقرير صدر عن معهد Urban Land Institute تحت عنوان الاتجاهات الناشئة في سوق العقار في «آسيا باسيفيك» عام 2008، ان سوق العقار في المدينة يتمتع بامكانات هائلة. وعادة ما يضع التقرير الخاص بافضل عشرين مدينة في المنطقة، خيرة خبرائها في سوق العقار والسماسرة والمؤسسات المالية الكبرى والمستثمرين والمطورين العقاريين بالإضافة الى الخبراء الحكوميين في هذا المجال. وكانت شنغهاي قد احتلت العام الماضي المرتبة الثانية في ترتيب المدن الاكثر قوة على الصعيد الاستثماري بسبب تراجع الثقة نسبيا في سوق العقار السكني، بعد مدينة اوساكا اليابانية، لكن هذا العام فقد جاءت في المرتبة الاولى وجاءت بعدها طوكيو وسنغافورة.

ولهذا السبب ولكثرة العرض على صعيد العقارات السكنية، ينصح التقرير المستثمرين بالتوجه نحو الاستثمار في القطاعات التجارية الذي يعتبر اقوى القطاعات واكثرها قدرة على در الارباح بشكل مرتفع ومستقر. ويشهد هذا القطاع طفرة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية ويتوقع ان ينمو بشكل كبير قبل عام 2010، إذ ان المدينة تتوسع يوميا ويزداد فيها عدد المراكز التجارية الخاصة بالتبضع والترفيه، ما يفتح آفاقا واسعة للمستثمرين المحليين والاجانب، سواء كانوا من آسيا او من الدول الغربية.

ويضيف التقرير، بأن قطاع المكاتب سيواصل نموه القوي في المدينة نظرا للطلب الكبير على هذا القطاع الفاخر منه. اما قطاع العقارات السكني فيشهد تراجعا في النمو في بعض المناطق. ويوضح التقرير ان النكسات الصغيرة لهذا القطاع خلال السنتين الماضيتين بسبب ارتفاع العرض وتراجع القدرة الشرائية لدى السكان، وهذا لا يعني ان بعض القطاعات السكنية وفي بعض المناطق لا تستحق اهتمام المستثمرين بل على العكس ، إذ لا تزال بعض المناطق في المدينة من افضل المناطق الآسيوية والدولية من ناحية السكن والاستثمار ونمو الاسعار السنوي.

مهما يكن، فإن تقرير مؤسسة «كوليارز انترناشونال» الاخير، يخلص للقول ان النمو في اسعار ايجار العقارات الفاخرة قد ارتفع في الربع الاول ليصل الى 6.5 في المائة. وارتفعت نسبة العقارات الفاخرة الشاغرة بنسبة 0.6 خلال الربع الأول لتصل الى 18.1 في المائة، مؤكدا انه اذا ما ظلت الامور في هذا الاتجاه فانه من الصعب الحديث عن فقاعة في قطاع العقارات في الصين.

* مدينة شينغن

* تقع المدينة على ساحل بحر الصين الجنوبي في اقليم «غوانغدونغ»، ولأنها شمال هونغ كونغ والاقرب اليها من بقية مدن الصين، فإنها تتمتع بأهمية اقتصادية كبرى. وقد اعتبرت المدينة منطقة اقتصادية خاصة منذ اكثر من عشرين سنة أي منذ عام 1979. وساهم ذلك في انتشار الظاهرة في الصين وبالتالي توسع رقعة النمو الاقتصادي الذي يصل الى 9 في المائة منذ السبعينات. ويبلغ عدد سكان المدينة وضواحيها ما لا يقل عن 9 ملايين نسمة، وهي من اكثر المدن اكتظاظا بالسكان في العالم، وبكثافة لا تقل عن 9000 شخص في الكيلومتر المربع الواحد.

وتقول المعلومات المتوفرة ان المدينة ومنذ السبعينات اكثر المدن نموا في الصين والعالم قاطبة، إذ تعتبر مركز الاستثمارات الاجنبية في البلاد والجنوب بشكل خاص. ووصل المدينة التي تتمتع باكثر الموانئ الصينية ازدحاما لموقعها الجغرافي القريب من هونغ كونغ بعد مرفأ شنغهاي، ما لا يقل عن 30 مليار دولار اميركي من الاستثمارات الاجنبية خلال العقدين الماضيين، وخصوصا في قطاع بناء المصانع.

ولا عجب ان مدخول الفرد السنوي في المدينة هو الاعلى في البلاد، إذ انها تركز على الصناعات الإلكترونية ومواد البناء والغذاء او الاطعمة المعالجة والاقمشة بالإضافة الى الادوية والمواد الكيميائية. وتطل المدينة على العالم عبر مرفأي: «يانتيان» Yantian في الشرق و«شيوان» Chiwan في الغرب، ومطارها الدولي. كما ترتبط المدينة بمدينة «غوانغجو» وبقية مناطق الاقليم عبر خط سريع او ما يعرف بـ«سوبر هاي واي»، تم بناؤه منتصف العقد الماضي (عام 1994).