العقار الفرنسي في زمن الأزمة أو «لو كرانش»

خطوات لتشجيع المشترين على شراء عقارك

باريس والريفيرا ونورماندي قد تحتفظ بقيمتها مع تسابق الأجانب لشراء عقارات إلى جانب الفرنسيين الأثرياء (خدمة «شاتر ستوك»)
TT

لا تقتصر الازمة العقارية على الولايات المتحدة ولا على بريطانيا وانما تنتشر في انحاء اوروبا ايضا. وفي فرنسا تتعدد مظاهر الازمة التي يطلق عليها الفرنسيون اسم «لو كرانش» (Le Crunch). وهي تعني تجمد الاسواق تحت وطأة انخفاض الاسعار وصعوبة الحصول على الائتمان العقاري وايضا صعوبة بيع العقار. وتزداد حدة الازمة في فرنسا، كما في انحاء اوروبا، بسبب سعر اليورو المرتفع الذي يجعل قيمة العقار اعلى للمشترين بالدولار او بالاسترليني، مما يخفض الطلب عليه ويجعل عملية البيع اكثر صعوبة.

وهناك العديد من الاسباب التي تدفع المستثمرين في العقار الفرنسي الى البيع في الوقت الحاضر على الرغم من الازمة السائدة، منها الحاجة الى تسييل رأس المال او الانتقال الى عقار اصغر حجما او حتى الانتقال الى مواقع اخرى ابعد من اوروبا، او العودة الى مواطنهم الاصلية.

وفيما كانت شركات تطوير العقار تشجع الشراء في فرنسا، وبعضها ما زال يسّوق هذا العقار بقوة، الا انها تتوجه في الوقت الحاضر بنصائح الى المستثمر لجذب الطلب على العقارات التي يريد بيعها. وتكشف هذه النصائح سلبيات شراء العقار في مواقع غير ملائمة من خلال قرارات خاطئة اتخذت في وقت الذروة.

احد المستثمرين العرب انفق ثروة طائلة في تحسين عقاره الفرنسي الذي اشتراه في منطقة هادئة في الريف، ولكنه اكتشف عند عرضه للبيع ان وكلاء العقار المحليين صارحوه بأن عقاره فوق طاقة المشترين الفرنسيين وان عليه الاستعانة بخبراء عقار دوليين. وهنا اكتشف مالك العقار ان اقرب شركة دولية تبعد عنه بأكثر من 50 ميلا، مما يثير بعض علامات الاستفهام حول حكمة الاختيار اصلا.

ولكن الوضع لا يبدو يائسا بالمرة فهناك العديد من النصائح والخطوات التي يمكن للبائع ان يطبقها من اجل رفع جاذبية عقاره وتسهيل بيعه. وتعترف مصادر السوق الفرنسي ان البيع في فرنسا يتطلب جهدا اكبر منه في مواقع اخرى، وهو بالتأكيد اصعب من الشراء. وتبدو هذه الصعوبة واضحة في زمن الازمة الذي يعاني ايضا من ارتفاع سعر اليورو.

وتبدو اولى النصائح غير عملية للبائع لانها تتوجه الى المستثمر الذي لم يشتر بعد. وهي تشجع المشتري على الشراء في مواقع مرغوب فيها والاقبال على انواع العقارات التي تجذب 80 في المائة من المشترين في السوق. وهذه العقارات هي تلك المبنية تقليديا بالاحجار، مع جهد لتحديثها يأخذ في الاعتبار طبيعتها مع توفير احدث التجهيزات داخلها مثل التكييف المركزي والحمامات الملحقة بغرف النوم والمطابخ الحديثة. ويفضل ان تحتوي هذه العقارات على حدائق تواجه الجنوب حيث اكبر فترة لاشعة الشمس، وان يكون بها حمام سباحة او على الاقل مساحة لحمام سباحة. كما يجب ان تكون العقارات الفرنسية بالقرب من قرية توفر الخدمات الاساسية والمناخ الفرنسي الريفي.

واذا كان العقار يحتوي على هذه المزايا فمن السهل بيعه لمشترين اجانب او فرنسيين. ويفضل الاوروبيون الاخرون القرى التاريخية والاسواق الشعبية وخدمات المطاعم الفرنسية ووجود جالية من ابناء وطنهم في المنطقة. وتوجد هذه المناطق في محيط المدن وعلى مشارف الريف. ويزيد الاقبال على العقار في الجنوب الفرنسي للتمتع بدفء الشتاء، ولكنه يجب ايضا ان يرتبط بشبكة مواصلات جيدة من طرق سريعة وقطارات. ويبتعد المستثمر في العادة عن المناطق المزدحمة وخطوط التيار الكهربائي العالي واي مشوهات للبيئة من مصانع او مستودعات.

النصائح الاهم تأتي بعد الشراء حيث يكتشف مالك العقار ان عملية البيع اصعب من الشراء وان عليه ان يقوم ببعض الخطوات لتسهيل المهمة. وتستغرق عملية البيع في العادة حوالي سنة الى سنتين وفقا لما تقوله شركة نايت فرانك للعقار الدولي. ويجب ان يكون التسويق موجها الى الفئات التي ترغب في نوعية العقار المعروض للبيع، خصوصا للطبقات التي لم تتأثر بالازمة الاقتصادية. ويجب ايضا اختيار الوكيل العقاري بعناية، والافضل اختيار وكيل فرنسي له علاقات بشركة عقار دولية مثل سافيل او نايت فرانك. وهي شركات لديها من الامكانات ما يقنع المشتري بالذهاب بنفسه لمشاهدة العقار على الطبيعة.

وتتخصص الشركات الدولية في قطاع عقارات القمة كما توزع اهتمامها على وكالات العقار الرئيسية في فرنسا، وتبلغ زبائنها المنتظرين لعرض عقارات مناسبة. وتمثل شرائح الزبائن لهذه الشركات افضل فرص بيع العقارات التي تظهر في السوق بين الحين والآخر. ومعظم هذه الشركات تتحدث عدة لغات الى جانب اللغة الفرنسية.

من النصائح المفيدة ايضا ضرورة التقاط بعض الصور من مصور محترف ليس بالضرورة وقت البيع وانما في الوقت المناسب من العام، حيث تكون الحدائق والزهور في ابهى صورة لها. ويتم تصوير العقارات بتقنيات عالية وفائقة الوضوح وكأنها قطع فنية للعرض على صفحات المطبوعات المصقولة.

وفيما يتعلق بالسعر تنصح شركات العقار بتحمل البائع لفروق اسعار العملة بحيث يمكن تحديد السعر بعملة غير اليورو والارتباط بهذا السعر مهما كانت تحولات السوق، او تقديم حوافز للمشتري بتخفيض الثمن للاخذ في الاعتبار ارتفاع سعر اليورو حاليا. وتقول الشركات ان خفض الاسعار بنسبة خمسة بالمائة مثلا تضاعف عدد المشترين للعقار فورا مهما كانت احوال السوق. وفي كل الاحوال لا بد من التسعير العقلاني حتى تكون مهمة البيع سهلة، وعدم المغالاة في سعر الاراضي المحيطة بالعقار لانها في فرنسا ارخص منها في دول اخرى.

ويمكن توفير خمسة في المائة من تكاليف البيع باللجوء الى اسلوب البيع المباشر والاعلان عن العقار مباشرة. وتتيح شركات تسويق امكانية عرض العقارات على مواقعها الالكترونية لقاء رسوم رمزية لا تتعدى المائة دولار. ويمكن لهذه الاعلانات ان تجذب اهتماما من مشترين وتحقق نتائج ايجابية، خصوصا ان البائع يسوق عقاره مباشرة الى المشتري.

من الامور الواجب مراعاتها عند البيع ضرورة الاهتمام بمظهر الحديقة وتهذيب الشجيرات وازالة الاعشاب من الممرات وقطع العشب حول المنزل وتحسين الشكل العام ببعض التصميم البسيط. فالبيع في فرنسا هو بيع حلم الجو الحالم والطقس الدافئ.

وقبل عرض العقار للبيع لا بد من الاتصال بمحام فرنسي (نوتير) واستعراض الوثائق المطلوبة معه للتأكد من توفر كل المستندات القانونية التي تحتاجها عملية نقل الملكية. ويمكن لنقص الوثائق ان يتسبب في وضع نهاية سريعة لعملية بيع، خصوصا في حالات اجراء تعديلات على العقار بحيث يتطلب الامر وثيقة من المجلس المحلي تؤكد ان اعمال البناء والتصميم تمت وفق المواصفات.

لا بد ايضا من الصدق في الكشف عن اي عيوب يعاني منها العقار لان كل الحقائق سوف تكشف خلال الاجراءات والاطلاع على الوثائق واي مخالفات سوف ينتج عنها فقدان الثقة بين البائع والمشتري وقد تؤدي الى افشال الصفقة.

وفي حالات القيام بأعمال ترميم او ديكورات قبل البيع لا بد وان يكون الجهد في الحد الادنى لان المشتري لا يريد ديكورات غيره من ناحية ومن ناحية اخرى فان هذه الديكورات ترفع سعر العقار الى المستوى غير المقبول من قطاعات عريضة من المشترين.

وفوق كل هذا يحتاج البائع ايضا لبعض الحظ. فهناك من البائعين من استطاع اكمال الصفقة بعد ثلاثة اسابيع من عرض العقار للبيع. وفي كل الاحوال تقول شركات العقار الفرنسية ان الطلب على العقارات الفرنسية لا يتراجع، وهي تشير الى الاقبال الكبير الذي تلقاه معارض العقار خارج فرنسا. وقد يعاني السوق من حالة تردد حاليا، ولكن البائع الذي يطبق بعض النصائح المذكورة يمكنه ان يجلب الحظ الى جانبه.

وفي تجربة البائع الذي كان محظوظا، وهو البريطاني ايان اتكينز، كان اهم العوامل التي ساعدت على البيع السريع هو انه كان يعتبر العقار الفرنسي مثل منزله الاول وليس الثاني وكان ينفق الكثير من الجهد في التصميم الداخلي والتجهيز بالمفروشات وقطع الموبيليات المناسبة وحتى باللوحات الفنية ايضا. وهو يؤكد ان المنازل التي يبدو عليها انها مهجورة خلال نصف العام وبها موبيليات قديمة ونوافذ مغلقة وعليها اتربة، تنفر المشترين منها فورا. ويجب ان يكون الديكور الداخلي على ذوق جنسية المشتري المحتملة سواء كان بريطانيا او عربيا. وهو يركز ايضا على اهمية الموقع من حيث القرب من المدن والقرى ووسائل المواصلات، ويضيف انه مهما كانت التحسينات على العقار الا ان البائع لا يستطيع ان يغير الموقع.

وفي حالة اخرى لبيع عقار في الجنوب الفرنسي، ظل العقار معروضا لمدة سبعة اشهر، كما انهارت صفقة في اخر لحظة على الرغم من ان البائع البريطاني محترف تسويق عقاري ويعيش في فرنسا. من مساوئ هذا العقار انه ليس بحجم اربع غرف، وهو الحجم المطلوب من معظم المشترين. فالعقار مكون من غرفتين مع مساحة لبناء غرفة ثالثة ولكنه يحتاج الى بعض اعمال البناء والتشطيب. والنصيحة التي يسديها البائع هي عدم اضاعة اكثر من اسبوعين مع اي مشتر لا يوقع تعاقد شراء ويتردد في اتخاذ القرار.

ولكن الامر قد يكون اكبر من نصائح البيع، لان السوق الفرنسي، مثله مثل السوق الاوروبي بوجه عام، يعاني من مشاكل هيكلية. ومعظم هذه المشاكل تنبع من مرحلة الفقاعة التي سادت الاسواق في السنوات القليلة الماضية وادت في بعض الاحيان الى اغراق السوق بعقارات دون المستوى موجهة الى فئة التأجير الاستثماري. ووجد العديد من المستثمرين الجدد انهم لا يجدون طلبا كافيا على عقاراتهم بما يسدد تكاليف القروض العقارية عليها. واثيرت هذه المشكلة على قنوات التلفزيون الفرنسي الذي هاجم شركات التطوير العقاري غير المسؤولة. كما نشرت صحيفة «ليز ايكو» مقالا تحت عنوان «هل العقار الفرنسي ما زال مجديا؟» ذكرت فيه قصة مستثمرة فرنسية اشترت شقة مكونة من غرفتين في منطقة لومان في العام الماضي دفعت فيها 145 الف يورو. ولعدم قدرتها على ايجاد مستأجرين يدفعون فيها ما يغطي القسط العقاري اضطرت لبيعها هذا العام بمبلغ 100 الف يورو. واكد هذا التوجه تقرير عقاري من بنك «أتش إس بي سي» قال فيه ان اسعار العقارات الجديدة في فرنسا تراجعت بنسبة 4.5 في المائة في الربع الاول من هذا العام. ولكن بعض العقارات في مواقع جيدة ما زالت تحتفظ بقيمتها وتباع بسهولة وتجذب اليها المستأجرين. كما ان التيار العام للعقارات القديمة ما زال مستقرا ولم ينهار بالنسب التي تحدث في بريطانيا او في اميركا. وفي العام الماضي زادت قيمة العقار الفرنسي بنسبة اربعة في المائة وفقا لتقرير المعهد الملكي لمهندسي المساحة في بريطانيا. ويضيف التقرير ان الوضع اختلف في عام 2008 حيث تراجع السوق قليلا بسبب الوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع اسعار الفائدة على اليورو وضعف ثقة المستهلكين.

وادى هذا الوضع الى تراجع الطلب على العقار الفرنسي مع تفضيل بعض المستثمرين الايجار على الشراء في الوقت الحاضر توقعا للمزيد من تراجع الاسعار.