خليجيون يسعون للحصول على حصة في أغلى «ناطحة سحاب» أميركية

من المتوقع أن تشارك صناديق استثمارية من الكويت وقطر في عطاءات لشراء برج «جنرال موتورز»

جانب من برج جنرال موتورز في نيويورك (الشرق الأوسط)
TT

من المتوقع أن تشارك صناديق استثمارية من الكويت وقطر في عطاءات لشراء برج «جنرال موتورز» GM Tower، وهو ناطحة سحاب من خمسين طابقاً في موقع متميز من مدينة نيويورك يطل على حديقة «سنترال بارك» ويعتبر أحد معالم المدينة. وتبلغ قيمة الصفقة، التي سيشارك فيها عددٌ من المستثمرين الأميركيين والأجانب، 3 مليارات دولار وهو أعلى سعر يُدفع لناطحة سحاب في تاريخ الولايات المتحدة. وقالت صحيفة الـ «فينانشيال تايمز» البريطانية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، إن صناديق استثمارية من الكويت وقطر تقدمت أخيراً بعطاءاتٍ لشراء حصصٍ من الجزء المتبقي من المبنى بعد أن اشترت شركة «بوستن بروبرتيز» العقارية الأميركية 49 في المائة من المبنى. كما من المتوقع أيضاً أن يدخل بنك «غولدمان ساكس» كأحد المشترين. وقالت الصحيفة إنه مع الأزمة التي اجتاحت الأسواق المالية في وول ستريت بسبب أزمة الائتمان العقاري فإن الكثير من المستثمرين العرب قد اتجهوا إلى شراء العقارات في نيويورك، والتي انخفضت أسعارها جراء الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة.

ويراقب سوق العقارات الأميركية هذه الصفقة عن كثب لأنها تأتي في وقت حساس يعاني فيه السوق من أزمة الائتمان العقاري، فضلاً عن أن بائع البرج، هاري ماكلو، يعتبر من عمالقة المستثمرين العقاريين في الولايات المتحدة والذي اضطر الآن لبيع جوهرة ممتلكاته (برج GM) من أجل سداد بعض ديونه العقارية. وكان ماكلو قد اشترى - مع ابنه - 7 ناطحات سحاب في فبراير 2007 بمبلغ قيمته 7 مليارات دولار، استدان غالبيتها من المصارف بأسعار فائدة مرتفعة إبان قمة الطفرة العقارية في نيويورك، بينما دفع عربوناً من ماله الخاص قيمته 50 مليون دولار فقط. غير أن أزمة الائتمان المصرفية دفعته إلى الفشل في سداد فوائد قرضه الكبير مما اضطره الآن إلى بيع برج «جنرال موتورز» لسداد جزءٍ كبير من ديونه. وبالاضافة إلى هذا البرج فقد باع ماكلو ثلاث ناطحات سحاب أخرى بمبلغ مليار دولار. لكنه لا يزال يحتفظ بأربعة أبراج تجارية وثلاثة سكنية في مدينة نيويورك وحدها.

وكانت شركة «جنرال موتورز» قد بنت البرج كمقرٍ لمكاتبها في عام 1968 لكنها باعته بعد بضع سنوات، ثم اشتراه في وقت لاحق هاري ماكلو في عام 2003 بـ 1.4 مليار دولار وباعه الأسبوع الماضي بـ 3 مليارات دولار رغم أنه كان يأمل في الحصول على 3.3 مليار دولار. وقال مصرفيون أميركيون إن هذه الصفقة تعكس حجم التراجع في قيمة العقارات الأميركية بسبب أزمة الائتمان العقاري التي ضربت الولايات المتحدة منذ أواخر العام الماضي والتي انتقلت الآن إلى كثيرٍ من الأسواق الأوروبية. لكن البعض يقول إن اتمام الصفقة في حد ذاته يُعتبر أمراً ايجابياً لأنه يطمئن السوق بأن الصفقات الضخمة ما زالت تتم خلال فترة الركود هذه. والمعروف أن سوق العقارات الأميركية يعاني منذ العام الماضي من تراجعٍ في الأسعار، فضلاً عن السعر المتدني للدولار على مدى أكثر من عامين، الأمر الذي يزيد رخصاً اضافياً لهذه العقارات. ويرى بعض المحللين في هذين الانخفاضين (انخفاض أسعار العقارات وانخفاض سعر الدولار) فرصة ذهبية لـ « جمع الغنائم»، أي شراء عقارات أميركية رخيصة مصيرها أن تعاود الارتفاع في المستقبل. لكن كلمتي «مصيرها» و«المستقبل» هما ما يجعلان مجموعة أخرى من المستثمرين تتريث تحسباً لأن تواصل العقارات انخفاضها لفترة طويلة من الزمن، وأيضاً أن يبقى الدولار عند مستواه الضعيف الحالي لسنوات عديدة مقبلة. أما الفريق الأول (المتفائل) فيرى أنه لا بد أن يكون هناك قدرٌ من المخاطرة في أي خطوة استثمارية، وأن مبدأ التجارة تاريخياً يقول «اشتر رخيصاً وبع غالياً».. وهذا ما يبدو حاصلاً الآن في سوق العقارات الأميركية. وقد يكون أفضل مثالٍ لنظرية شراء العقارات الرخيصة، لكنها تتمتع بمواقع مرغوبة، هو ما حدث خلال الأعوام القليلة الماضية في حي «هارلم» الذي يقع في وسط جزيرة « منهاتن»في نيويورك. وقد اشتهر الحي عبر التاريخ بأنه معقل للجريمة والمخدرات والاغتصاب والرصاص وعمليات القتل اليومية. كما اشتهر بسكانه من الأميركيين السود والفقراء بحيث أصبح مسرحاً وموضوعاً لكثير من أفلام هوليوود التي تحبذ العنف كموضوع أساسي في كثير من قصصها. وفي الواقع، فإن الحي أسوأ مما تصوره الأفلام. لكن حظوظ «هارلم» راحت تتغير بدرجة كبيرة مع الطفرة العقارية قبل خمس سنوات وزحف الأثرياء على جزيرة «منهاتن» التي تشكل قلب مدينة نيويورك والتي يقع « هارم» في وسطها. ومع ارتفاع أسعار العقارات في «منهاتن» إلى أرقام فلكية ظل «هارلم» لعقود طويلة البؤرة الوحيدة الفقيرة وسط أحياء راقية وسكانها أثرياء يتفادون حتى المرور عبر هذا الحي الكئيب الخطير. وبمرور الوقت وضيق مساحة الأرض تكدس الأثرياء والميسورون على كل شبر من أرض الجزيرة حتى لم يبق منها الا حي «هارلم» الذي ظل يسكنه نفس الفقراء الذين توارثوا عماراته العتيقة عبر الأجيال. وكما يحدث عادة في أي مكان في العالم عندما تصبح بقعة من الأرض موقعا استراتيجيا ومرغوباً من الأغنياء (بسبب موقعها) ترتفع أسعار هذه الأرض كثيراً. ففي الأعوام القليلة الماضية بدأ الشباب من المهنيين الأميركيين البيض، الذين أجبرهم غلاء الأسعار في المدينة، الى النزوح نحو «هارلم» وشراء بناياته التي تتميز بطابعها القديم الجميل رغم أن غالبيتها متهالك ولم يحظ بصيانة لسنوات طويلة. وعندما بدأ هذا النزوح نحو حي «هارلم» كان النازحون الأوائل خائفين ومترددين، لكن انخفاض الأسعار أغراهم على الشراء فضلا عن أنه لم يكن أمامهم خيارٌ لأن الأسعار في بقية أحياء المدينة كانت فوق طاقتهم بكثير.

وعندما أشترى المهنيون الأوائل العمارات التي تقع في أطراف الحي (دون أن يتعمقوا في داخله) حوّلوا هذه العمارات من شبه « خرابات» إلى عمارات جميلة بعد أن أنفقوا عليها كثيراً من المال وأعادوا إليها رونقها القديم مع مسحة من الحداثة. كما فتحوا حول هذه العمارات محلات تجارية ومطاعم منمقة، فكانت النتيجة أن ارتفعت الأسعار الأمر الذي أغرى السكان الأصليين على مزيد من البيع بهدف جني ثروة من عقاراتهم القديمة التي لم يكونوا يتصورونها تساوي شيئاً. وعندما انكسر الحاجز النفسي أمام «هارلم» وبدأت أطراف الحي تتغير أغرى ذلك مزيدا من المشترين الذين حضروا للتوغل أكثر داخل الحي وشراء مزيد من البنايات حتى أصبح « هارلم» من أكثر الأحياء في مدينة نيويورك ـ بل ربما الوحيد ـ الذي يمكنه أن يحقق لك ارباحاً في فترة وجيزة. وبالطبع لفتت هذه الأرباح نظر المستثمرين الذين سارعوا بدورهم الى شراء عقارات كثيرة بأسعار لن يجدوها في أي مكان آخر في « منهاتن»، ثم صانوا هذه العمارات وعرضوها للبيع أو للإيجار. وقد بلغت هذه الظاهرة حداً جعل مكاتب سمسرة العقارات في المدينة يطلقون عليها تسمية « هارلم غولد رش» (أي التزاحم على ذهب هارلم). فمثلا سعر العمارة من ثلاثة طوابق ارتفع بمعدل 400% بين عامي 1995 و2007 ليصل إلى نحو 1.65 مليون دولار. ورغم ذلك فإن أسعار الحي لا تزال تقل ما بين 30 في المائة و40 في المائة عن بقية الأحياء في جزيرة منهاتن. وفي هذه الأثناء يواصل السكان الأصليون نزوحهم إلى خارج نيويورك بعد أن باعوا مساكنهم بمئات الآلاف من الدولارات. ومن أهم الشخصيات الأميركية التي نزحت الى حي «هارلم» في السنوات الأخيرة هو الرئيس السابق بيل كلينتون، بل إنه الأهم على الإطلاق. ويعتقد البعض ان اختيار كلينتون لهذا الحي لكي يكون مقراً لمكتبه الخاص بعد أن ترك البيت الأبيض مباشرة في عام 2001 كان عاملاً قوياً في منح هذا الحي أهمية ولفت النظر إليه. ويذهب هؤلاء الى القول إن كلينتون، الذي عُرف بتعاطفه مع الأميركيين السود والفقر الذي عانوا منه لأزمنة طويلة، لم يختر هذه المنطقة صدفة بل تعمد رفع شأنها بقراره الرحيل إليها. وكان حي «هارلم» في أوائل القرن التاسع عشر مقراً للأسر الأوروبية الثرية التي نزحت حديثاً إلى الولايات المتحدة.

وقد اشتهر الحي بالسكان اليهود بالذات. لكن عندما انهارت أسعار العقارات في مطلع القرن العشرين انخفضت أسعار هذا الحي الى درجة جعلت عقاراته في متناول يد الفقراء السود الذين كانوا قد بدأوا ينزحون من الريف الى المدينة بحثاً عن عمل. ومع مجيء السود بدأ الحي يشتهر بنوادي موسيقى الجاز التي راحت بدورها تنتشر بسرعة وتجذب الرواد إليها من مختلف الطبقات الاجتماعية والأعراق. وبحلول عام 1920 اكتسب حي «هارلم» سمعته التي اشتهر بها طوال القرن العشرين.