البرازيل تجني فوائد أزمة العقار الدولي

تسهيلات في القوانين ومشاريع «خضراء» تجذب المستثمرين

البرازيل اصبحت من المناطق «الساخنة» على صعيد الاستثمار العقاري (خدمة «شاتر ستوك»)
TT

في الوقت الذي ترزح فيه اسواق العالم تحت وطأة أزمة التمويل العقاري، تتوسع البرازيل في مشاريع ساحلية وتقدم تسهيلات قانونية للاستثمار العقاري في المدن، في خطوات متلاحقة يبدو عليها انها مصممة للاستفادة من مشاكل الاسواق الاخرى وجذب الاستثمار الاجنبي. ولا تفتقر البرازيل الى المساحة ولا الى الطقس المعتدل، ولكنها بعيدة نسبيا في موقعها الجغرافي، الامر الذي يجعل الاستثمار فيها مغامرة لمن يبعد عنها آلاف الاميال.

ويعد الساحل الشمالي الشرقي المطل على المحيط الاطلنطي هو اكثر المناطق نشاطا عقاريا. وعلى رغم ضخامة حجم ومساحة المشاريع المقامة على هذه السواحل، الا ان تركيز شركات التسويق تحول من زيادة نشاط البيع الى التعريف بالطبيعة الخضراء لهذه المشاريع من حيث الحفاظ على الموارد وصيانة جمال المواقع لكي يستمر عامل الجاذبية الذي اقنع المستثمرين اصلا بالتوجه الى سواحل البرازيل، التي تمتد بلا انقطاع في مناطق التنمية العقارية لمسافة ألفي ميل. اما المساحة الاجمالية لمناطق الاستثمار فتماثل مساحات فرنسا وايطاليا وبريطانيا مجتمعة! ويضم احد المشاريع، واسمه «باراديسو لاغونا» (اي بحيرة الجنة) مركز ابحاث للمحافظة على انواع النباتات والطيور المنتشرة في الموقع، واعادة زراعة وتوطين بعضها. ويستمر المركز في نشاطه حتى بعد بيع كل العقارات المعروضة للبيع. كما تؤكد الشركة المطورة للموقع ان 30 في المائة من تكاليف البناء تذهب الى جهود اعادة تدوير المواد واستخدام موارد متجددة.

وتعترف شركات العقار ان احدا لم ينتبه الى اهمية البيئة منذ خمس سنوات، ولكن المستثمر عام 2008 يسأل اولا عن اجراءات حماية البيئة، ليس من جهة الرغبة الشخصية، وانما من جهة حماية الاستثمار على المدى الطويل والحفاظ على قيمته خصوصا عند البيع.

وحتى وقت قريب كانت المساحات البرازيلية الشاسعة متاحة فقط لاهتمامات زارعي قصب السكر واشجار جوز الهند. ولكن مع دخول شركات التنمية العقارية ارتفعت قيمة الاراضي، وما زالت تواصل ارتفاعها بغض النظر عما يحدث في اسواق العالم الاخرى. وحتى توقعات المستقبل تبدو مزدهرة، حيث تشير شركات مالية دولية الى الكثير من العوامل الايجابية.

شركة غولدمان ساكس تعتقد ان موجة الارتفاع سوف تستمر في المدى المنظور بسبب ازدهار الاقتصاد البرازيلي الذي سوف يصبح، في تقديرها، خامس اكبر اقتصاد عالمي في منتصف هذا القرن. وهو اقتصاد غني بالمواد الاولية، كما تأكد اكتشاف النفط البحري بكميات وفيرة في مياهه الاقليمية في الشهور الاخيرة. وينعكس ذلك ايضا على العملة التي ترتفع في قيمتها وعلى نمو الاستثمار الاجنبي فيها. وتستعد البرازيل من الان لاستضافة مسابقة كأس العالم لكرة القدم عام 2014.

وتتاح القروض العقارية حاليا في البرازيل للطبقة المتوسطة التي حرمت منها طويلا. وتدخل البنوك الاجنبية منافسة في تقديم التسهيلات العقارية للمستثمرين في البرازيل وايضا للمشترين المحليين. وتلتزم البنوك بشروط اقراض صارمة من الحكومة البرازيلية التي لا ترغب في تكرار فضيحة الرهن العقاري على اراضيها.

وبلغ من جاذبية العقار ان العديد من كبريات الشركات البرازيلية من مجالات اخرى قررت ان تدخل المنافسة في الاستثمار العقاري. وتعرض شركة استثمار عقاري اسمها «ريسيرفا دو بايفا» 67 منزلا ساحليا للبيع من على الخريطة الان. ولكن برامج توسعها في المستقبل تشمل عرض 400 منزل و2500 شقة بعد عشر سنوات. وتشمل التجهيزات الاخرى في مشاريعها ملعب غولف واكاديميتين للتنس وكرة القدم ومركز لركوب الخيل ومنشآت بيئية طبيعية ومطاعم ومنافذ بيع ودار حضانة ومركز شرطة. كما تبني الشركة جسرا مباشرا لكي تربط مشروعها بالمطار لتجنب زحام المدن القريبة.

ويتوجه نصف حجم هذا المشروع الى الاستثمار الاجنبي من اوروبا ومناطق اخرى بأسعار تبدأ من نصف مليون دولار الى مليوني دولار. وبالمقارنة تبدو المشاريع البرازيلية ارخص من مثيلاتها في مواقع اخرى، وهي تتيح فرص نمو كبيرة وعوائد جيدة على الاستثمار. وتقول الشركة ان البرازيل سوف تصنف ضمن الدول ذات الملاءة في الاستثمار العقاري في غضون عامين من الان مما يعني ان اسعار العقار سوف ترتفع فيها. كما ان حجم السوق المحلي يضمن استمرار الطلب على العقار، في حالة اراد المستثمر الاجنبي البيع والتوجه لمواقع اخرى.

وتتمتع المناطق الشرقية الشمالية في البرازيل بثقافة افرو - برازيلية لانها منطقة كانت تستقبل ملايين العبيد الافريقيين في القرون الماضية للعمل في مزارع قصب السكر. وهي الان تتيح مناخا يبدو اكثر قربا للبحر الكاريبي عنه للبرازيل. وهي منطقة ذات طقس مداري حار وشواطئ رملية ناعمة مع شمس ساطعة معظم فترات العام. وهي منطقة خالية من الاعاصير والتسونامي وبحارها هادئة معظم فصول العام.

من المساوئ القليلة للاستثمار الاجنبي في البرازيل ان الاجانب لا يمكنهم الحصول على تمويل محلي لشراء العقار، على رغم ان لهم حقوق الملكية الكاملة مثلهم مثل بقية اهل البرازيل انفسهم. وبالطبع فإن الصعوبة الاخرى هي المسافة التي تبلغ عشر ساعات طيران من اوروبا، مع صعوبة الحصول على الطيران المباشر لمواقع الاستثمار العقاري. فمعظم الرحلات الجوية تمر بمدينة رئيسية مثل ريودي جانيرو قبل الوصول الى الجهة المحلية، مثل سلفادور او ريسيف، عبر رحلة جوية اخرى. وتأمل شركات التعمير ان تقبل شركة طيران كبرى في النصف الثاني من هذا العام اضافة هذه المدن البرازيلية على قائمة المدن التي تطير اليها مباشرة.

وحتى الان تتوجه المشاريع البرازيلية الى فئة معينة من المستثمرين لا تعنيهم هذه السلبيات، حيث لا يحتاجون الى التمويل المصرفي ويسافرون في الدرجة الاولى او بالطائرات الخاصة. واستطاعت شركة استثمار ان تحصل على تمويل من بورصة لندن قدره 44 مليون استرليني لتنفيذ مشاريع فاخرة على سواحل البرازيل تشمل فيلات بمساحات لا تقل عن 750 مترا مربعا. وتباع هذه الاستثمارات بأسعار تصفها الشركة بأنها تقل اربع مرات عن اسعار عقارات مماثلة في فوكيت بتايلاندا واقل من النصف عنها في جزر البحر الكاريبي. وهي تتوجه بهذه العقارات اساسا الى السوقين الاميركي والاوروبي.

وهناك العديد من المستثمرين الاوروبيين من الفئة المتوسطة التي تشتري وحدات من على الخريطة او تتوجه الى الاراضي للاستثمار والبيع بعد عامين على امل ان يتضاعف الثمن. ولا تفرض البرازيل اي ضرائب قيمة مضافة اذا اعاد المستثمر استثماره في البرازيل في غضون ستة اشهر من البيع. ويقبل المستثمرون على البرازيل لعدة اسباب اخرى بخلاف تنمية رأس المال، فهي توفر اسلوب معيشة متميزاً وحياة ذات وتيرة هادئة وتوفر اختلاطاً سهلاً مع اهل البلاد الذين يقدرون قدوم الاستثمار الاجنبي الى بلادهم. وحتى الطبقات الفقيرة لا تشعر بالغيرة وتعرف ان الاستثمار الاجنبي يعود بالخير على الجميع.

وفي منتجع سلفادور على الساحل الاطلنطي، يجري البناء على اعلى ناطحة سحاب في المنطقة، واسمها «وايلد برغر تاور» في منطقة فيتوريا. وفي الايام الصافية يمكن النظر من اعلى الناطحة الى مسافة 40 ميلا، ولكن الاهم من ذلك ان المنطقة كلها على مرمى البصر، يمكنها ان ترى الناطحة كعلامة مميزة للمدينة. وتباع الشقق الفسيحة في الناطحة بأسعار تبدأ من ثلاثة ملايين دولار، مع تخصيص ربع الوحدات للأجانب. وتقول الشركة المطورة للمشروع: إنه كان بإمكانها بيع كل الوحدات للمستثمرين المحليين من البرازيل ولكنها ارادت ان تلفت نظر المستثمر الدولي الى الامكانات المتاحة في البرازيل بمعايير عالمية وبنصف ثمن العقارات المماثلة في ميامي او في آسيا.

وكانت اهم التطورات التي حدثت اخيرا موافقة مجلس المدينة على تغيير القوانين الخاصة بالبناء وتسهيل البناء على السواحل، كضرورة لاجتذاب اكبر الاسماء العقارية في العالم. ويعتقد عمدة المدينة ان العديد من الفنادق العالمية لديها الرغبة في بناء منتجعات ساحلية في البرازيل ولكنها لم تستطع في الماضي. وهو يعترف ان القرار ظل يواجه ما اسماه «معارضة عاطفية» لمدة طويلة حتى اقتنع الجميع ان المنطقة بحاجة الى تنمية اقتصادية وأن تسهيلات الاستثمار الاجنبي هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك.

ومن ينظر الى احصاءات المنطقة اقتصاديا يعرف ان قرار فتح باب الاستثمار الاجنبي كان حتميا، حيث عدد العاطلين عن العمل يقارب النصف مليون من تعداد يصل الى ثلاثة ملايين نسمة. كما ظلت المنطقة تعاني من الديون منذ 30 عاما، وهي تفتقر إلى الخدمات وإلى الدعم الحكومي المركزي. وتعمل الان امانة للشؤون الخارجية على التعاون مع جهات الاستثمار الاجنبي وتأسيس قواعد النشاط العمراني ودراسة كافة الافكار الجديدة لنهضة المنطقة بداية من تشجيع سياحة المؤتمرات وحتى تشجيع ملكية الاجانب لعقارات سياحية في المنطقة. ولكن برغم المزايا العديدة التي تتمتع بها منطقة سلفادور، الا انها تعرف ايضا ان المستثمر الاجنبي يريد قوانين واضحة وشفافية في التعامل وكفاءة في التنفيذ والالتزام بالوعود. وتلتزم السلطات المحلية حاليا باتخاذ قرار بشأن طلبات الاستثمار العقاري في غضون 27 يوما بدلا من عدة سنوات، كما تعمل على تعديل معدلات الضرائب وتبسيطها.

وحتى الآن يقتصر الاقبال السياحي الكبير على الفنادق البرتغالية والاسبانية الكبرى، مع دخول شركة فنادق هيلتون لتحديث فندق تاريخي على الساحل. وتطمئن الحكومة المحلية المستثمرين الجدد بأن قيود البيئة سوف تنفذ في المنطقة حيث تشترط ان تكون العقارات الساحلية على بعد 60 مترا من الساحل على الاقل، مع مسافات كافية بين المشروعات وشروط بيئية للمحافظة على طبيعة الموقع. كما يتم ايضا المحافظة على المباني العتيقة والتاريخية، من القصور وحتى اكواخ الصيادين.