تخفيضات هائلة في عقارات جنوب إسبانيا «تثير لعاب المستثمرين»

وسط ركود كبير ومحاولات لإنعاش السوق

جنوب اسبانيا يشهد حالياً تخفيضات هائلة في أسعار عقاراتها ربما في محاولة منها لإنعاش السوق (خدمة شاتر ستوك)
TT

اسبانيا التي كانت عروس العقارات الأوروبية لأكثر من 10 سنوات تعاني منذ فترة من الركود العقاري مثلها مثل كثيرٍ من الأسواق الأوروبية الأخرى. لكن جنوب اسبانيا يشهد حالياً تخفيضات هائلة في أسعار عقاراته ربما في محاولة منه لإنعاش السوق وتحريكه من حالة الثبات التي يعاني منها. وعلى سبيل المثال، فإن شقة من غرفتي نوم لا يتعدى عمرها 4 سنوات وتقع في أطراف ميناء «كابوبينو» معروضة اليوم للبيع بـ 415 ألف دولار بعدما كانت معروضة قبل أشهر قليلة بـ 710 آلاف دولار. وكذلك شقة أخرى من غرفتي نوم تبعد ميلاً واحداً عن شاطئ «كاساريس» في بلدة «إستبونا» معروضة اليوم بسعر 312 ألف دولار بعدما كانت تبلغ 405 آلاف دولار. بل إن التخفيضات الهائلة شملت مدناً كبيرة مثل «مربيا» حيث انخفض سعر شقة من غرفتين إلى 950 ألف دولار بعد أن كانت 1.25 مليون دولار. ولم تقتصر التخفيضات على الشقق ذات الغرفتين، بل حتى الفيللات الفاخرة شهدت عروضاً مغرية كتلك المعروضة في « لاكالا» بـ 2.3 مليون دولار منخفضة من 3.2 مليون دولار. وفي هذا الصدد قال، برينون نيكولاس، مدير وكالة «كلوتونز» العقارية إن «الفيللات الفاخرة والواقعة في مناطق مرغوبة تُباع الآن بنحو 30% أقل من الأسعار المعروضة بها. كما أن الشقق في كثير من المناطق تُباع بما يصل إلى 50% أقل من الأسعار المطلوبة. وبالطبع فقد انتهز هذه الفرصة المستثمرون والمشترون الذي أصبحوا يفرضون شروطهم ويختارون أسعارهم».

وعزا نيكولاس سبب التخفيضات الكبيرة هذه إلى رغبة الشركات العقارية، التي كانت قد بنت إبان سنوات الطفرة العقارية، بنايات عديدة باعت منها الكثير، لكنها الآن تحاول التخلص من بقية المخزون لديها بأي ثمن. ومن جانبه كان صندوق النقد الدولي قد أعلن أن قيمة العقارات الاسبانية مضخمة بنسبة 20%.

لكن التخفيضات الحالية تعدت هذه النسبة بكثير في محاولة منها لإنعاش السوق والتخلص من مخزون العقارات الفائض. وما يبرر حجم هذه التخفيضات هو ما أعلنه اتحاد أكبر 14 شركة عقارية في اسبانيا من أن مبيعات العقارات انخفضت خلال الـ 12 شهراً الماضية بمعدل 70%، كما أفلس أكثر من 140 ألف مكتبٍ للسمسرة العقارية. غير أن نيكولاس يعتقد أن فترة الركود هذه ستنتهي بمجرد أن تتخلص الأسواق من أزمة الائتمان المصرفي التي تجتاح أوروبا حالياً بعد أن التقطت العدوى من الولايات المتحدة. وهو يؤكد أن معطيات السوق الأخرى جيدة وليس هناك من سبب لهذا الركود غير خوف المصارف العقارية من منح مزيد من الائتمان لكي لا يصيبها ما أصاب المصارف الأميركية. وأضاف أن المستثمرين الذين يستطيعون الشراء الآن بأسعار رخيصة ويحتفظون بعقاراتهم هذه لمدة خمس سنوات (أي استثمار طويل الاجل) فلا شك أنهم سيجنون ثمار هذا الاستثمار. يذكر أن اسعار العقارات الاسبانية كانت قد ارتفعت بنسبة 270% بين عامي 1997 و2007. لكن وبعد عشرة أعوام من الانتعاش راحت الأسعار تنخفض بسبب كثرة المعروض، فضلاً عن أزمة الائتمان الأخيرة. وللتدليل على ذلك فقد شهدت اسبانيا بناء 800 الف منزل جديد عام 2006 وحده، أي أكثر من عدد المنازل التي بُنيت في فرنسا وألمانيا وإيطاليا مجتمعة، وهي أيضاً أكثر من عدد المنازل التي بُنيت في بريطانيا بأربعة أضعاف. كما أن عام 2007 شهد اضافة 600 ألف منزل جديد، أي نحو 1.5 مليون منزل اُضيفت إلى السوق في عامين فقط. وشهد عام 2004 وحده تشييد 180 الف وحدة سكنية على سواحل اسبانيا الجنوبية.

وتوضح صور الأقمار الفضائية أن المساحات المأهولة في اسبانيا قد زادت بنسبة 25% خلال السنوات العشر الماضية، كما أن ثُلث الساحل الاسباني على البحر الأبيض المتوسط أصبح مرصوفاً بالمباني. ونتيجة لهذه الموجة المعمارية فقد اصبح قطاع الإنشاء يشكل 16% من إجمالي الناتج المحلي في اسبانيا. ويقول أندرو لوبتان، من وكالة «ستاكس» العقارية، إن تراجع الأسعار يبدو أكثر وضوحاً في العقارات القريبة من البحر، حيث تحوّل شريط الشاطئ في جميع أنحاء اسبانيا إلى غابة اسمنتية خلال السنوات العشر الماضية. وكان عددٌ من الاقتصاديين وخبراء العقارات قد حذر من أن عمليات البناء المكثفة في اسبانيا ستؤدي إلى انهيار الأسعار اذا تواصلت بنفس الوتيرة التي سارت عليها طوال السنوات الماضية. وكانت هذه الطفرة العقارية قد بدأت عندما اكتشفت اسبانيا أن هناك اقبالاً كبيراً من الأوروبيين على عقاراتها، وأن الطلب يفوق العرض بكثير، الأمر الذي أصبح بمثابة اكتشاف كنز جديد فدخلت أسبانيا في فورة بناء (خصوصاً حول الشواطئ حيث يكثر الطلب) لم تخرج منها حتى الآن. وقال لوبتان «للحق، فقد كانت تلك الطفرة العقارية أساسية في النمو الاقتصادي الكبير الذي شهدته اسبانيا خلال العقد الماضي. أما الآن فيبدو أن معادلة العرض والطلب قد بدأت تختل، وأن على اسبانيا وقف مبانيها الجديدة.. ولو لحين». وأضاف أن الأسعار قد انخفضت في جميع عقارات اسبانيا، الرخيصة منها والغالية، بنسبٍ تتراوح بين 20 و50 في المائة.

وأكدت هذا الانخفاض باربره وود، من وكالة «بروبرتي فايندرز»، الموجودة في مقاطعة أندلوسيا (الأندلس) قائلة إنها طلبت من جميع أصحاب المنازل المعروضة للبيع لدى وكالتها أن يخفّضوا اسعارهم بنسبة 25% إن أرادوا أن تُباع هذه العقارات. واوضحت أن تكدس الشقق والمنازل غير المُباعة يتركز في منطقة الشواطئ مثل شاطئ «كوستا ديل سول» وشاطئ «كوستا دي لا لوز» وشاطئ «كوستا تروبيكال». وأضافت أنها اشتمت رائحة المشكلة (كثرة المعروض) منذ بداية عام 2007، وعلمت أن الأسعار ستتراجع كثيراً خلال المرحلة المقبلة. وحتى على مستوى الفيللات الفاخرة البعيدة عن تكدس البنايات العالية المزدحمة، فيقول جيمس ستوارت، من وكالة «سوتوغراند» العقارية، إنه من بين 35 فيللا معروضة للبيع منذ العام الماضي بأسعار لا تقل عن 5 ملايين دولار، فقد بيعت منها 5 فيللات فقط. ورغم أن هذا الانخفاض قد شمل غالبية مناطق اسبانيا فقد نجت منه بعض العقارات، خصوصا في المدن الكبيرة، مثل «سافيل» و «برشلونة»، حيث لا تُوجد مشاريع بناء جديدة، بينما يزيد الطلب والاقبال على المدينة.

وبشكل عام تقول باربره وود إن الاسبان يجب ألا يصبحوا متشائمين لأن تراجع الأسعار هذه المرة لا يشبه الانهيار الذي حدث في بداية التسعينات والذي كان سببه انخفاض الطلب على العقارات الاسبانية، أما هذه المرة فالطلب لا يزال عالياً لكن المشكلة أتت من اغراق السوق بالمباني الجديدة (1.5 مليون منزل في عامين)، والآن جاءتنا مشكلة الائتمان في المصارف العقارية. لكنها أشارت أيضاً إلى أن انخفاض الأسعار في حد ذاته قد يُشعل موجة جديدة من زيادة الطلب بسبب الباحثين عن غنائم في سوقٍ منخفض. وتعود الطفرة العقارية في اسبانيا خلال السنوات العشر الماضية الى عدة أسباب من بينها التوسع العمراني، كذلك ارتفاع دخل الأفراد ومستوى معيشتهم. لكن السبب الأقوى هو الاستثمار الأجنبي الذي رأى في اسبانيا جنة على الأرض من حيث جمال الطبيعة والطقس المعتدل، فضلا عن الأرباح الكبيرة التي كانت تحققها العقارات.

ومن بين المستثمرين الأجانب جاء البريطانيون على القمة، إذ بلغت نسبتهم من إجمالي مشتريات العقارات في اسبانيا 42%. وحالياً يملك أكثر من نصف مليون بريطاني عقاراً في اسبانيا، بينما يعيش نصف هذا العدد في اسبانيا والنصف الآخر في بريطانيا لكنه يستفيد من دخل الايجار.

ولا يزال كثيرٌ من سماسرة العقارات الأوروبية يعتقدون أن الاستثمار في اسبانيا يحقق هدفين للمستثمرين، خصوصاً على المدى الطويل: المتعة والترفيه، بالاضافة الى العائد المادي المجزي. لكنهم يشيرون الى ضرورة اختيار الموقع بعناية لأنه ليس صحيحاً أن أي عقار في اسبانيا سيحقق ربحاً بالضرورة.