كاليفورنيا.. زمن الاستثمار العقاري الهادئ

فرص مغرية متزايدة على العقارات المصادرة

معرفة شروط التعاقد قد تؤدي لصفقات عقار سهلة («الشرق الأوسط»)
TT

من لوس انجليس الى سان فرانسيسكو تمتد عروض العقار المغرية في كاليفورنيا في زمن ازمة الرهن العقاري الذي يضغط على البنوك لكي تخفض اسعارها للتخلص من العقارات المتراكمة، ويتيح للمشتري مناخا هادئا للاختيار بلا منافسة تذكر. ولكن مصادر السوق، خصوصا في القطاعات فوق المتوسطة، تتوقع ان تنتهي هذه المرحلة في غضون شهور، وليس سنين، لان العقارات المعروضة للبيع لصالح البنوك وشركات التمويل تجتذب طلبا متزايدا من مستثمرين محلليين واجانب الى درجة ان العقار الواحد بدأ يجذب من ثلاثة الى خمسة عروض شراء في غضون ايام من ظهوره في الاسواق.

وفي قطاع المدخل الذي يقل في سعره عن 300 الف دولار يجتذب العقار الواحد حاليا نحو 15 عرضا من مشترين ينقسمون الى راغبين في السكن ومستثمرين. وتتكرر قصص العائلات التي باعت عقاراتها منذ سنوات وتوجهت الى الايجار بسبب ارتفاع الاسعار، ولكنها في الوقت الحاضر تختار من بين العديد من العقارات المتاحة.

ويقول مستثمر اسمه كوري براون انه ظل وعائلته في مسكن للايجار منذ عام 2005 بعد بيع عقاره في زمن انتعاش السوق. وفي الاسابيع الاخيرة وجد عقارا كبيرا معروضا للبيع من البنك الذي استولى عليه. واكتشف كوري ان العقار الذي يبلغ سعره 225 الف دولار تلقى عروض شراء من ثمانية مستثمرين اخرين، فعرض 250 الف دولار ونجح في اقتناص الصفقة.

ولا بد من الاختيار الجيد عند الشراء من البنوك او شركات الرهن العقاري لان العديد من العقارات المعروضة للبيع تعرضت للتخريب داخلها من سكانها الذين اضطروا لهجرتها لتراكم الديون عليهم. ومن الافضل تقديم اسعار اعلى من المطلوبة في العقارات الجيدة لضمان الحصول عليها والتخلص من المنافسة.

ولكن الرأي السائد هو ان الازمة لم تنته بعد لان تيار الاسعار ما زال في تراجع على الرغم من زيادة الطلب. ويبدو ان رصيد العقارات المعروضة للبيع ما زال يرتفع بأكثر من حجم الطلب المتزايد.

ويشرح خبير عقاري الوضع الحالي في السوق الاميركي بأن البنوك تستعين بشركات تسويق العقار لبيع العقارات المحولة اليها من المفلسين، وتضغط البنوك لبيع هذه العقارات في اسرع وقت ممكن حتى ولو بأسعار اقل من المطلوب فيها، لانها تتحمل تكاليف اضافية عن كل يوم يبقى فيه العقار غير مباع. وفي المتوسط يتكلف البنك نحو خمسة آلاف دولار عن كل شهر يبقى فيه العقار غير مباع. اما من ناحية التسعير فان العقار المصادر الذي كان يبلغ سعره 700 الف دولار منذ عام واحد لا يتخطى سعره الان 350 الف دولار، اي انه يباع بنصف الثمن. وظلت البنوك تعارض هذا التراجع السعري لعدة شهور حتى اقتنعت اخيرا بأن البيع بهذه الاسعار لا مفر منه. بينما إذا عرضت في السوق اي عقارات بسعر 300 الف دولار فهي تلقى منافسة شديدة وتباع في غضون ايام.

والغريب ان شركات العقار تعتقد ان السوق ما زال يميل لصالح البائع، اي البنك، وليس لصالح المشتري. وهي تشرح وجهة نظرها بأن البنك يرسل الى المستثمر الذي يريد شراء العقار وثائق قانونية للتوقيع عليها.

وتشترط هذه الوثائق ان ينهي المشتري اجراءات الشراء بتاريخ معين، واذا لم يلتزم المشتري بهذا التاريخ لسبب يعود اليه وليس الى البنك، فإن عليه ان يدفع غرامة يومية تصل في العادة الى ما بين 100 الى 150 دولارا حتى تتم الصفقة. وعلاوة على ذلك يشترط البنك ايضا ان تتم الاجراءات عبر شركات محاماة وتسويق عقاري معينة. واذا رفض المشتري التوقيع على الوثائق القانونية، فان البنوك تهمل عرضه وتتوجه الى غيره فورا.

وفي بعض الحالات تشترط البنوك تمويل قروض العقارات الجديدة بنفسها حتى تعوض بعض خسائرها من الثمن المنخفض وايضا حتى تتأكد من استكمال الصفقة وعدم تعثرها من مصادر التمويل المغايرة.

وهناك حالات لعقارات جيدة الموقع ترتفع في قيمتها بعد طرحها في الاسواق مثل فيلا في قلب لوس انجليس طرحت بسعر 250 الف دولار ولكنها بيعت في النهاية بنصف مليون دولار، الذي هو معدل سعر السوق. وتحاول البنوك ان تقترب من سعر السوق، ولكن المعهود ان تتراجع اسعار معظم العقارات المعروضة بسبب كمية العقارات المصادرة غير المباعة.

وتتطلب العديد من العقارات المتاحة اصلاحات جذرية تشمل احيانا مواسير المياه ووحدات التكييف والارضية الخشبية. وفي هذه الحالات تشترط البنوك ان يثبت المشتري ان له القدرة المالية على القيام بالاصلاحات بالاضافة الى دفع اقساط القرض العقاري. ويتألق في هذا القطاع مستثمرون من فئة كبار العمر الذين ينظرون الى هذه العقارات على انها اضافة الى ميزانية التقاعد. ويدفع هؤلاء احيانا مبالغ تصل الى 60 الف دولار لاجراء الاصلاحات المطلوبة بالاضافة الى ثمن العقار.

ويتطلب هذا النوع من الاستثمار الكثير من الحرص، حيث يوجد العديد من الحالات التي اجريت فيها الاصلاحات بغرض اعادة عرض العقارات في السوق بثمن اعلى. ولكن في المناخ الحالي ليس من المضمون الحصول على قيمة اعلى في العقارات لتغطية تكاليف الاصلاحات. ويلجأ بعض المستثمرين الى تأجير العقارات انتظارا لاوقات افضل.

وعن توجهات المدى المنظور تعتقد شركات العقار ان معدل دخول العقارات المصادرة الى السوق انتظم الآن بحيث لم يعد يؤثر في الاسعار سلبيا. وتعتبر الاسعار المعروضة حاليا في مستويات مقبولة من السوق، كما ان فترات انتظار العقارات في الاسواق قبل البيع اقل مما كانت عليه في الماضي. وتؤكد شركات العقار ان بعض العقارات المملوكة لبنوك تباع الآن في غضون خمسة ايام من وصولها الى السوق مقابل 95 يوما في بداية العام.

وتبحث البنوك في العادة عن افضل المشترين وليس بالضرورة عن افضل العروض، وذلك لانها تعلمت الدرس جيدا. فالعقارات المصادرة كانت قد عادت اليها اصلا لعدم قدرة اصحابها على الوفاء بديونهم، والبنوك لا تريد ان تكرر الخطأ مرتين. وهناك حالات لبنوك قبلت عروضا اقل من المطلوب في عقارات جيدة لان المشتري عرض اكثر من 10 في المائة من الثمن كدفعة اولى، مع رصيد ائتماني جيد وبعض الاصول التي تجعله ائتمانا جيدا على المدى الطويل. وفي واحدة من الحالات دفع مشتر مبلغ 230 الف دولار في عقار معروض بقيمة 290 الف دولار لمجرد انه عرض دفعة اولى من الثمن اكثر من غيره.

وقد يكون الوقت الحالي هو التوقيت المثالي للشراء الاستثماري في كاليفورنيا على اساس ان السوق وصل بالفعل الى قاع التراجع وسوف يبدأ في التصاعد مرة اخرى. ولكن خبراء شركة ابحاث المعلومات «داتاكويك» يؤكدون ان تحليل الوضع في سوق العقار في كاليفورنيا، وفي الولايات المتحدة بوجه عام، يحتاج الى انتظار نتائج الاقتصاد الاميركي. فاذا كان الاقتصاد الاميركي يوشك على دخول مرحلة كساد، فان المزيد من المتاعب المعيشية والعقارية سوف يصل قريبا وتتراجع معه الاسواق والاسعار أكثر.

أما إذا تحسنت الأحوال الاقتصادية، خصوصا بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية في نهاية العام، فان الفترة الحرجة في سوق العقار الاميركي تكون قد مرت، ويكون الوقت الحاضر هو فعلا «عصر الفرص» العقارية.

وفي كل الاحوال سوف تبقى اساسيات السوق نافذة المفعول. ففي المناطق الجيدة لا تتراجع الاسعار وتباع العقارات في زمن قياسي مع تعدد الطلب على كل عقار معروض للبيع.