أزمة الائتمان تخفض أسعار العقار حول العالم

منطقةالشرق الأوسط هي الاستثناء

قطاع الشقق الفاخرة تأثر أكثر من غيره في الأزمة العقارية («الشرق الأوسط»)
TT

أشار تقرير من المعهد الملكي البريطاني لمهندسي المساحة، إلى أن أزمة الائتمان انعكست سلبا على أسعار العقار في مختلف أنحاء العالم في ما يبدو انه «عولمة» للأزمة العقارية. لكن التقرير استثنى، على الأقل في الوقت الحاضر، منطقة الشرق الأوسط وأنحاء أفريقيا. وتنتشر الأزمة، التي بدأت من أميركيا وانتقلت إلى أوروبا، إلى دول شرق أوروبا وأنحاء آسيا ثم إلى بقية أنحاء العالم.

ولاحظ التقرير أن الانعكاسات السلبية كانت أقوى في قطاع العقارات التجارية التي تراجعت في معظم أنحاء العالم أيضا بما في ذلك دول أميركا اللاتينية.

ويبدو ان المستثمرين في دول عديدة، منها الصين، يراجعون في الوقت الحاضر استراتيجياتهم ويبتعدون عن المخاطر كلما كان ذلك ممكنا. ويعتقد اقتصاديون شاركوا في التقرير ان تفاعلات الأزمة سوف تطال العديد من الأسواق الناشئة، بينما ما زالت تتفاعل في الدول الصناعية، حيث زاد عدد شركات العقار التي تتوقع استمرار الانخفاضات السعرية في السوق البريطاني الى حوالي 78 في المائة. ويعزز هذا الانطباع أن العديد من شركات البناء تواجه أزمة متزايدة انعكست آثارها على أسعار أسهم هذه الشركات التي يتهاوى بعضها بشدة في البورصات حاليا.

وكانت آخر الشركات المتأثرة شركة اسمها شافتزبري، أعلنت أنها تواجه خسارة حجمها 91 مليون استرليني عن عملياتها في آخر ستة اشهر، وهي أول خسارة لها منذ بداية التسعينات حينما كان السوق يعاني أيضا من مرحلة كساد عقاري. ومنذ عام واحد فقط كانت الشركة نفسها قد حققت 212 مليون استرليني من الأرباح عن عمليات الفترة المماثلة من العام الماضي. وتراجعت على الفور قيمة أسهم الشركة بنسبة 11 في المائة.

أما اكبر الشركات البريطانية على الإطلاق، وهي شركة لاند سيكيورتي، فقد أعلنت أن قيمة العقارات التي تملكها، انخفضت بحوالي 1.3 مليار استرليني، بتراجع نسبته 8.8 في المائة، كما انها خسرت عن عملياتها في العام المالي الأخير حوالي 888 مليون استرليني. وكانت أرباح الشركة في العام المالي الماضي، حوالي ملياري استرليني. وتدخل الشركة حاليا مرحلة تقسيم أعمالها الى عدة مجالات بغرض التخلص من بعض الأقسام التي لا تساهم في الأرباح.

ويتكرر الوضع في قطاع العقار التجاري الذي تأثر سلبيا في العديد من الدول خصوصا في آسيا، حيث كان اكبر تراجع في قطاع المكاتب في اليابان وفي الولايات المتحدة أيضا، بينما توجهت الأسعار الى الاستقرار مع تراجع طفيف في الصين وبعض أنحاء آسيا. وكانت أسوأ الأسواق هي القطاعات التجارية في أوروبا، والإسكانية في الولايات المتحدة.

وتذهب شركة متخصصة، هي «دي تي زد»، الى حد القول إن قطاع العقار التجاري في بريطانيا سوف ينخفض بنسبة 30 في المائة حتى نهاية العام الجاري. وتعلل الشركة توقعاتها بأن الأسعار انخفضت منذ بداية العام بالفعل بنسبة 20 في المائة، وان نسبة 30 في المائة انخفاضا حتى نهاية العام تعني نوعا من استعادة الاستقرار في السوق. وتجمع الشركة أرقامها من واقع السوق، حيث ترى ان التعاقدات المنتهية تستغرق بعض الوقت لشغر المواقع نفسها وبأسعار اقل.

وفي الوقت نفسه يتيح السوق فرص استثمار لبعض الصناديق التي تقتنص الفرص، واحدها اشترى أخيرا مجمعا استهلاكيا بسعر 22.5 مليون استرليني بتوفير بلغ ربع قيمة المجمع في العام الماضي. ويرى المستثمرون ان الأسواق سوف تصل إلى القاع خلال الأشهر الأخيرة من العام الجاري قبل ان تعاود صعودها مرة أخرى.

الشراء في الخارج: وفي القطاع الإسكاني الأوروبي، تتبلور مشكلة الائتمان على صعيد آخر، هو صعوبة حصول المشترين الجدد على التمويل اللازم لشراء أول عقارات لهم، إلا إذا توفر لهم على الأقل ربع الثمن. ويجد هؤلاء ان الفرصة الوحيدة المتاحة هي الشراء في دول أخرى ارخص ثمنا، بحيث يكون الاقتراض لشرائها ارخص من الأسواق المحلية بنسبة تصل الى النصف. وكان العرف السائد سابقا هو أن شراء العقارات في الخارج، يأتي بعد شراء العقار الأول في بلد المنشأ. لكن هذا التوجه تحول الى الشراء في الخارج أولا بغرض اللحاق بالسلم العقاري عندما تستقر الأسواق وتعاود ارتفاعها.

ويلجأ المستثمرون الجدد في الخارج إلى استئجار مساكنهم الرئيسية حتى بعد شراء مساكن لهم في الخارج على أمل ان يساعدهم الاستثمار الأجنبي على شراء اول عقارات محلية لهم. وتقول مواقع استثمار عقاري على الانترنت مثل «فيرانفستمنت»، إن عدد هؤلاء المتوجهين لاستثمارات عقارية أجنبية تضاعف في الأشهر العشرة الأخيرة. واغلب هؤلاء وجدوا أنفسهم محرومين من الاستثمار العقاري المحلي بسبب تفاعلات أزمة العقار الحالية.

ويتميز الجيل الجديد من مشتري العقار في الخارج بالمغامرة والذهاب الى مواقع لم يذهب إليها الجيل السابق الذي اشترى عقارات للعطلة في مواقع معهودة. وبدلا من الاكتفاء بفرنسا والبرتغال وإسبانيا يذهب البعض الى شرق أوروبا والشرق الأقصى ومصر ومنطقة الخليج. وتعتبر الأسعار الرخيصة هي عامل الجذب الرئيسي للشراء في هذه المواقع، فمثلا يمكن شراء شقق في ألبانيا تطل على البحر مباشرة بحوالي 70 ألف دولار.

ولاحظ موقع العقارات «رايت موف»، أن هناك زيادة في الإقبال على العقارات المصرية، خصوصا في المواقع الساحلية على البحر الأحمر، حيث تبدأ الأسعار من حوالي 20 الف دولار. وفي ماليزيا التي بدأت فيها خطوات فتح أسواق العقار من الناحية القانونية يمكن شراء عقارات جيدة بأسعار تبدأ من 80 ألف دولار. أما في تايلاند، فينقسم السوق الى قطاعين هما قطاع القمة للعقارات الفاخرة بأسعار تبدأ من 400 ألف دولار، وفئة المدخل بأسعار من 40 ألف دولار.

ويمكن الاستفادة من تراجع قيمة العقارات الأميركية، والدولار أيضا، بشراء عقارات في السوق الأميركية نفسها، التي تبدأ من حوالي 80 ألف دولار في ضواحي نيويورك في مناطق شهدت تراجعا بلغ 30 في المائة في الأشهر الأخيرة. وفي دول البحر الكاريبي تبدأ الأسعار من مائتي ألف دولار. ويتوجه بعض المستثمرين في هذه المواقع الى استثمارات غير عادية مثل شراء غرف الفنادق او العقارات التجارية.

ويعمل المستثمرون وفق استراتيجية واضحة هي الشراء في الأسواق التي بلغت قاع التراجع بعيدا عن الأسواق التي ما زالت في طريقها إلى القاع. وبالمقارنة مثلا مع السوق البريطاني، تعد أسواق مثل اسبانيا والولايات المتحدة متقدمة في نسبة التراجع وبها فرص أفضل من حيث إمكانات النمو في المستقبل.

ويقبل المستثمرون في العادة على العقارات المباعة في المزادات او تلك التي تبيعها شركات العقار المتعثرة، لكنهم يبتعدون عن الشركات التي تبيع على الخريطة او تبيع عقارات غير مكتملة البناء. ويحذر الخبراء المستثمرين الجدد من التسرع في الشراء على أساس ان المستثمرين الجدد يعانون من انعدام الخبرة وعدم تعاملهم في أسواق العقار المحلية قبل الاتجاه الى الخارج.

وهناك الكثير من المخاطر التي تواجه المستثمرين في الخارج بخلاف تحولات السوق. فهناك مثلا القوانين الأجنبية التي يتعاملون وفق بنودها ومخاطر تحويل العملة، خصوصا إذا اقترض المشتري بعملة البلد الذي يقع فيه العقار ثم تحولت أسعار العملة ضد عملة البلد الذي يقيم فيه المستثمر.

كما ان تراجع عملة البلد الذي يقع فيه العقار يعني ان قيمة العقار نفسه تتراجع أيضا بعد تحويل الثمن الى عملة أخرى. وهناك الكثير من مآسي العقار الأجنبي من حيث حالات الاحتيال وعدم استقرار القوانين والضرائب والرسوم وضرورة وجود وكيل عن المالك يتمتع بالثقة فيه. ولا بد من التعامل مع شركات عقار موثوقة ومحام متخصص في العقار. وهناك أيضا ضرورة لفتح حساب مصرفي محلي في موقع العقار.

وعلى الرغم من صعوبة الحصول على تمويل لشراء عقارات أجنبية، إلا ان الوضع يسير الى تحسن، خصوصا مع فتح العديد من البنوك الكبرى لفروع دولية لها تتعامل في كافة شؤون الصرف والإقراض. من الصعوبات الأخرى التي تواجه المستثمرين في الخارج، بعض القوانين المحلية المجهولة التي يتعين على المشتري ان يلم بها. ومن نماذج هذه القوانين ان العقارات الاسبانية مثلا تحمل معها ديون المالك السابق لها. كما ان شراء العقار في كرواتيا يتطلب موافقة وزارة الخارجية فيها، وهي وثيقة قد تستغرق حوالي العام لاستخراجها قبل إتمام عملية شراء العقار.

وفي الولايات المتحدة تختلف القواعد بين ولاية وأخرى، وتحدد بعض الولايات عدد الأيام التي يمكن تأجير العقار خلالها أثناء العام. وفي جنوب أفريقيا يتعين الإفصاح للبنك المركزي هناك عن اي أموال يحضرها المستثمر من الخارج قبل ان يستثمرها. ويجب استيضاح العديد من المسائل في حالات وقوع خلافات، خصوصا في ما يتعلق بمصير مقدم الثمن او التعويض في حالة إفلاس شركة تطوير العقار قبل إتمام مشروعها.

* حجم الأزمة العقارية البريطانية يتفاعل

* إذا كان التوجه الى الشراء في أسواق أجنبية قبل الشراء في السوق المحلي يثير تعجب البعض، فالسبب هو تضخم أسعار العقار المحلي البريطاني من ناحية، وتراجعها من ناحية أخرى. فلا احد يعرف بعد الى أين تذهب أبعاد أزمة العقار البريطاني بين تقارير تشير الى تراجع بين 20 و30 في المائة هذا العام، وواقع يشير الى نسبة اكثر من ذلك.

من الحالات التي ظهرت إعلاميا، شقة اشتراها المستثمر كريستوفر ويليامز في ضواحي مدينة مانشستر قبل ثلاث سنوات بسعر 236 ألف استرليني، وهو سعر كان يعد فرصة ثمينة في أوج الفقاعة العقارية حينذاك. لكن هذا السعر يبدو الآن خياليا، خصوصا بعد ان تم الاستيلاء على الشقة من البنك لسداد مستحقات القرض عليها وطرحها للبيع في المزاد بسعر تقريبي لا يزيد على مائة ألف استرليني.

وتعتقد مصادر العقار في السوق البريطاني أن المشروع الذي يقع فيه هذا العقار، واسمه «ألبيون ميل»، هو الأكثر تأثرا في بريطانيا كلها بالكساد. وقد تمت حتى الآن مصادرة 28 عقارا في المشروع من أصل 58 بيعت منذ إتمام المشروع في عام 2005.

وبخلاف هذا المشروع هناك عشرات الشقق الشاغرة المعروضة للبيع او الإيجار الرخيص، لكن لا وجود للطلب عليها مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية. وحتى هؤلاء الذين اشتروا عقارات مصادرة من أصحابها منذ عام واحد اكتشفوا ان ما دفعوه فيها يفوق قيمتها السوقية الآن. احد هؤلاء دفع مبلغ 170 ألف استرليني في شقة من ثلاث غرف في مشروع «ألبيون ميل» قبل عامين، لكن شقة مماثلة بيعت قبل أسابيع في المشروع نفسه بسعر 117 ألف استرليني فقط.

ولا يمثل هذا المشروع إلا نموذجا واحدا من مئات المشاريع الأخرى في مناخ قالت عنه شركة نايت فرانك العقارية، إنه اكبر تصحيح منذ عام 1990. وتقدر الشركة ان تكون الأسعار انخفضت بنسبة 20 في المائة في الأشهر الستة الماضية. وعلى المستوى البريطاني، تخطى عدد المنازل المصادرة من أصحابها رقم المائة ألف هذا العام. ويعد قطاع الشقق في المناطق الراقية ذات أسلوب البناء الحديث التي كانت تباع كاستثمارات للتأجير هي الأكثر انخفاضا في القيمة. وتقول الإحصاءات إن العديد من المستثمرين في هذه الشقق لا يجدون التمويل الكافي حاليا من القطاع المصرفي ولا من الإيجارات التي تنخفض تباعا لوجود فوائض عقارية في السوق.

وهناك فجوة في السوق حاليا بين تكلفة تمويل العقار والإيجار المتوقع، فالشقة التي يبلغ ثمنها 200 ألف استرليني تتكلف 1200 استرليني شهريا لدفع فوائد قسطها العقاري، بينما الإيجار المتوقع منها شهريا لا يزيد على 800 استرليني. وطالما استمرت هذه الفجوة سوف تستمر خسائر الاستثمار العقاري. والمخارج الوحيدة من الأزمة هي انخفاض أسعار العقار، وهذا واقع فعلا، أو انخفاض تكلفة التمويل وهذا غير وارد بالمرة.