تركيا: قانون حكومي يثير حيرة المستثمرين

وقف إصدار تراخيص للأجانب للحد من الاستثمار العقاري

ينتظر القرار الأخير موافقة البرلمان التركي على تحديد الملكية الأجنبية بنسبة 10 في المائة من جملة الاستثمار العقاري («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي كانت فيه تركيا تستعد للاستفادة من متاعب اسواق اخرى وتزيد حصتها من الاستثمار الاجنبي في عقاراتها نظرا لمزايا الطقس والاسعار الرخيصة، اصدرت الحكومة التركية مرسوما بوقف اصدار تراخيص الشراء العقاري للاجانب حتى تتم الموافقة في البرلمان على قانون يحد الملكية الاجنبية للعقارات التركية بنسبة 10 في المائة فقط.

وتحاول الحكومة التركية الحد من عمليات الشراء الاجنبي للاراضي، ولكنها اثارت الكثير من علامات الاستفهام لمن لا يعرفون ان هذا القرار مؤقت المفعول.

وكانت تركيا قد اصدرت قرارا مماثلا في عام 2005 ظل ساري المفعول لمدة ستة اشهر لمنع شراء الاراضي الزراعية من الاجانب. وينتظر القرار الاخير موافقة البرلمان التركي على تحديد الملكية الاجنبية بنسبة 10 في المائة من جملة الاستثمار العقاري.

ولكن القرار لا يقلق شركات تسويق العقار التركي لانها تؤكد انه قرار مؤقت. وتعترف احدى الشركات التركية، واسمها «سبوت بلو» انه حتى لو تمت صفقة شراء اجنبي لعقار تركي الآن فإن اجراءات تبادل الوثائق واصدار التراخيص سوف تستغرق فترة قد تصل الى عدة شهور. وتضيف الشركة ان المشتري في الوقت الحاضر سوف يجد ان الحظر قد الغي تلقائيا عندما تتم اجراءات الترخيص له.

وتبني الشركة تقديرها على ان نسبة 10 في المائة من الاستثمار العقاري هي نسبة كبيرة جدا ولن تصلها تركيا ابدا. فهناك حوالي 77 الف اجنبي يملكون عقارات تركية من بين تعداد يصل حجمه الى 77 مليون نسمة. فحتى في اسبانيا التي تتميز بغزارة الاستثمار الاجنبي فيها لا تزيد نسبة العقار المملوكة لاجانب فيها عن حوالي خمسة في المائة. اما في تركيا فهي تقدر حاليا بحوالي احد اعشار الواحد في المائة.

وتتوقع تركيا اقبالا استثنائيا في الشهور المقبلة على عقاراتها نظرا لما توفره من مزايا، وايضا لاحتمالات ارتفاع الاسعار في المستقبل. وتعتبر تركيا احد ارخص اسواق منطقة البحر المتوسط وهي من الاسواق الجاذبة بشدة للاستثمار العقاري الاوروبي والاجنبي على اساس ان هذه العقارات يمكن ان تتضاعف في قيمتها اذا ما قبلت عضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي. وقد حدث هذا من قبل في الاسواق التي اكتسبت عضوية الاتحاد الاوروبي ودخلت ضمن منظومة اليورو. ولكن تركيا، بمقاييس اوروبا، ما زالت سوقا فقيرة، وهي متأخرة عن اوروبا قانونيا ونموا عقاريا بحوالي 20 عاما، وما زالت معظم الصفقات العقارية فيها تجرى نقدا بلا اي استعانة بالتمويل المصرفي.

وتؤكد شركة نايت فرانك، وهي من اكبر شركات العقار الدولية الموثوق فيها، ان تركيا تعد من اكثر الاسواق مرونة في الوقت الحاضر وان اسعار العقار فيها سوف تزيد بحوالي 10 الى 15 في المائة خلال العام الجاري. وتسجل شركة تغيير عملة متخصصة ان الطلب البريطاني على العقارات التركية تضاعف ثلاث مرات في العام الاخير، كما توقع تقرير مصرفي ان تكون تركيا هي ثالث اكبر سوق للاستثمار العقاري من البريطانيين، حيث يوجد حاليا حوالي 23 الف مستثمر بريطاني في تركيا. وهم يتركزون في المناطق الساحلية مثل كوساداسي على بحر إيغة وألانيا على البحر المتوسط.

وضمن خطط الحكومة التركية لمضاعفة عدد السياح الزائرين من خمسة الى عشرة ملايين سائح عام 2010، تستثمر الحكومة التركية في العديد من مشاريع البنية التحتية والخدمات السياحية بما فيها ملاعب غولف منتشرة على ساحل دالامان. وهي تشجع ايضا مشاريع المطارات والرحلات السياحية المباشرة للعديد من المناطق.

وتطير شركات الطيران الرخيص مثل «إيزي جت» مباشرة الى دالامان واسطنبول حاليا. كما يجري بناء مطار جديد شمال مدينة إزمير سوف يفتح مناطق كبيرة للسياحة والاستثمار العقاري لم تكن مشهورة من قبل، وتقتصر الان على الاتراك فقط.

وفيما يتوسع الاستثمار العقاري خارج نطاق اسطنبول نظرا لان الاسعار خارجها ارخص وتتراوح بين 70 و180 الف دولار لمنازل وشقق من غرفتين، الا ان الاستثمار يركز ايضا على اسطنبول الخلابة، خصوصا على جانبي مضيق البوسفور. وتباع العقارات بسعر المتر المربع الذي يبدأ من حوالي 1400 دولار، بحيث يمكن شراء شقة ستوديو في المدينة بحوالي 80 الف دولار. وهناك مشاريع جديدة تتيح مثل هذا الاستثمار مثل مشروع «لايف ستوديو» بالقرب من مطار اتاتورك الدولي، ومشروع «ستروم تاورز» على بعد ستة اميال من المطار، وهو مشروع تتوقع له بعض اوساط العقار الارتفاع في القيمة بنسبة 30 في المائة في غضون عام واحد.

وتبقى منطقة بودروم هي الاكثر شعبية للسياح الاوروبيين في تركيا، وهي تشتهر ايضا بين زوار الشرق الاوسط بسبب طبيعتها السياحية وسهولة الوصول اليها. وهي تروق ايضا للمستثمرين من كافة القطاعات وحتى الفئات الفاخرة التي تقبل على فيلات ساحلية لا تقل قيمة الواحدة منها عن مليوني دولار. وعلى القرى المتاخمة لمنطقة اكبوك يمكن شراء فلل صغيرة مستقلة تبدأ من 140 الف دولار، كما يمكن الشراء ايضا في منطقة كالكان في جنوب غربي تركيا بالقرب من مطار دالامان باسعار تنافسية ترتفع دوما، وتبدأ من حوالي 130 الف دولار.

مزايا أخرى: للمستثمرين من الشرق الاوسط تتميز تركيا بقربها الجغرافي حيث لا يستغرق السفر اليها من اي مكان في المنطقة اكثر من ثلاث ساعات بحد اقصى. وهي ايضا ذات طبيعة شرقية اسلامية لا يشعر المسافر اليها بأنه في موقع اجنبي او غريب عليه، الا فيما يتعلق باللغة. ويمكن الاعتماد على اللغة الانجليزية، كما ان باللغة التركية العديد من المفردات العربية. ويتميز الشعب التركي بحسن الضيافة وحسن معاملة العرب. كما انه كشعب مسلم يعرف اصول الضيافة لزواره من المسلمين ولا يتورط في العداء للعرب الذي قد تعاني منه في بعض المواقع الاجنبية الاخرى. ويشعر الزائر الى تركيا انه بين ابناء منطقته الذين يشتركون معه في التراث والتقاليد. وبالاضافة الى مناخ الضيافة، يتمتع الزائر بمناخ آخر من الطقس التركي المعتدل. وهو حار جاف صيفا ودافئ ممطر شتاء.

وتعتبر تركيا احد الاسواق الناشئة سياحيا وأحد اسرع الاقتصادات نموا في العالم. ويقدم قطاع العقارات فيها فرص نمو استثماري جيدة. وتطمح تركيا لاكتساب عضوية الاتحاد الاوروبي الذي تسعى نحوه منذ سنوات. واذا تحققت هذه العضوية فإن انعكاساتها سوف تكون ايجابية على قيمة العقارات فيها. ويلاحظ ان اسعار العقار زادت في تركيا خلال السنوات الخمس الاخيرة بنسبة 30 في المائة. وهي الى الان لم تتأثر بأزمة الائتمان ولا بأزمة الرهن العقاري الا في اضيق الحدود.

المعيشة في تركيا ما زالت منخفضة التكاليف، وهي من ارخص المواقع في اوروبا، حيث يمكن مثلا تغطية تكاليف وجبة عشاء فاخرة لشخص واحد بأقل من 11 يورو. واخيرا فإن تركيا تتمتع بقدر كبير من الامان، حيث معدلات الجريمة فيها منخفضة وتعد الادنى بالمعدلات الاوروبية.

وتقبل تركيا في الوقت الحاضر على الكثير من عمليات التحديث، فهي تبني في الوقت الحاضر حوالي 17 ملعبا للغولف، وتجدد ثلاثة مطارات، كما تحفر نفقا سوف يخفض مدة السفر بين مطار دالامان ومنتجع فاثي من 45 دقيقة الى نصف ساعة فقط. وهي لا تعاني من مشاكل المياه العذبة، مثل العديد من المواقع الاخرى في حوض المتوسط، حيث تصدر تركيا المياه العذبة للخارج.

وتخضع الشواطئ الاوروبية لمعايير النظافة البيئية الاوروبية، حيث يتمتع 174 شاطئا سياحيا فيها بأفضل مراتب النظافة المعتمدة اوروبيا. وتتوقع هيئة مطوري العقار التركية التي تضم ايضا المستشارين والوكلاء زيادة قيمة العقار التركي بنسبة 10 في المائة هذا العام، وهي نسبة تمثل نصف نسبة نمو العام الماضي.

وتحذر الهيئة من ان المناخ الديناميكي لسوق العقار التركي يشجع البعض من غير المتخصصين من استغلال السوق وخداع الاجانب الذين يجهلون خطوات شراء العقار قانونيا في تركيا. وهي تنصح بالتعامل مع اعضائها الذين يتم فحص ملفات تعاملهم بعناية. وتعمل الهيئة منذ عام 1973 وانضم الى عضويتها هذا العام 15 شركة من اصل 40 شركة تقدمت للعضوية. ولا تقبل الهيئة الشركات التي لم تكمل عاما كاملا من النشاط التجاري في السوق. وليست هناك معايير معينة للتكاليف القانونية وتعتمد هذه على الاتفاق بين المشتري والمحامي. ويمكن منح توكيل للمحامي لاجراء التعاقد بالنيابة عن المشتري ولا ينصح الخبراء بإعطاء مثل هذا التوكيل الى سماسرة العقار او الوسطاء الاخرين. كما يتعين دفع تكاليف ترجمة التعاقد الى لغة دولية، مثل اللغة الانجليزية، اذا كان المشتري يجهل اللغة التركية.

وتشمل الخطوات العملية لشراء عقار في تركيا الكثير من الحرص والتحضير المسبق. ولا بد من اتباع الطرق القانونية، كما هو الحال في مواقع الاستثمار العقاري الاخرى في العالم، والتأكد من ان الميزانية المرصودة لشراء عقار تركي تغطي ايضا التكاليف الاضافية والضرائب. ويحتاج المشتري الى نسبة 1.5 في المائة اضافية من ثمن العقار لضريبة المبيعات بالاضافة الى تكاليف رمزية (حوالي 60 دولارا) ضريبة دمغة. وبعد اتمام عملية الشراء يتعين دفع ضريبة سنوية تعادل 0.1 في المائة على دفعتين سنويا، تتضاعف في حالة استخدام العقار تجاريا. وهناك ايضا ضريبة للمجلس المحلي توازي مائة دولار سنويا للعقار، بالاضافة الى رسوم توصيل الخدمات التي تتكلف 150 دولارا للمياه والكهرباء. وتبلغ تكاليف حيازة فيلا حوالي الف دولار سنويا تقل الى النصف في حالة شراء شقة.

ويمكن الشراء من مطوري العقارات الجديدة مباشرة او من شركات تسويق العقار. ولا بد من تسجيل عملية الشراء من البائع مباشرة في الشهر العقاري حتى تصبح عملية الشراء قانونية. وفي الوقت الحاضر يجب انتظار سماح الحكومة باستئناف عمليات البيع القانوني للاجانب.

والدور الذي يقوم به المحامي في تركيا مهم جدا لانه يبحث في خلفية العقار ويكشف وجود اي ديون مستحقة عليه. ويجب عدم دفع اي رسوم بنسبة كبيرة قبل وصول الترخيص الحكومي الذي يسمح بشراء العقار. وتحظر الحكومة التركية بعض المناطق (العسكرية والامنية) على الاستثمار الاجنبي كما تمنع شراء مساحات كبيرة من الاراضي او كم كبير من العقار لجهات اجنبية دفعة واحدة.

واذا كان السفر الى تركيا يحتاج الى تأشيرة دخول فلا بد من التقدم للحصول عليها قبل وقت كاف والتأكد انه ليست هناك موانع امام السفر الدوري الى تركيا. ويحتاج اي نشاط تجاري في تركيا الى ترخيص بذلك. كما ينصح خبراء الاقامة في تركيا بضرورة الحصول على حماية التأمين الطبي الخاص من بلد الزائر لتوفير العناية الطبية اللازمة له في تركيا فور الحاجة اليها وبالمستوى اللائق. وتخضع عوائد الايجار العقاري في تركيا الى الضرائب المحلية التي يمكن خصمها من الضرائب العامة في الدول التي تتمتع باتفاقيات منع ازدواج ضريبي مع تركيا. وتسمح تركيا بتحويل الايرادات الى الخارج بلا قيود مالية.

وينظم عملية الاستثمار العقاري قانون العقارات التركي الجديد الذي صدر في بداية العام الماضي. ويحدد القانون المساحات المتاحة للاجانب ومناطق الاستثمار والرسوم. فالمساحة القصوى التي يمكن للاجنبي ان يشتريها من الارض تبلغ 25 الف متر مربع، يتعين اذا زادت عن ذلك الحد الحصول على تصريح من مجلس الوزراء.

وتمنع السلطات التركية الاستثمار في بعض المناطق الاستراتيجية لاسباب امنية او عسكرية. ويحدد مجلس الوزراء هذه المناطق. ويضمن القانون الجديد حقوق الملكية نفسها للاجانب مثل المواطنين الاتراك. ولكن قبل التمتع بهذه الحقوق لا بد اولا من استئناف تراخيص البيع العقاري للاجانب.