تركيا تحدد ملكية الأجانب لأراضيها بنسبة 10% من كل مدينة أو بلدة

هناك 77 ألف مالك أجنبي لعقارات تركية

TT

في الوقت الذي بدأت تركيا تجذب أنظار المستثمرين الأجانب لأسواقها العقارية، قررت الحكومة التركية وقف تملك الأجانب لأراضيها. وكانت تركيا قد فعلت الشيء نفسه في عام 2005 لمدة 6 أشهر فقط، بهدف الحد من عمليات الإعمار الضخمة التي زحفت على الريف وتملك المستثمرين الأجانب لأراضيها. وبالمثل، فإن مشروع القانون الجديد الذي لا يزال ينتظر موافقة البرلمان عليه، يحدد ملكية الأجانب بنسبة 10% من أراضي أي مدينة أو بلدة تركية. ورغم أن الحكومة لم تحدد هذه المرة مدة سريان القانون الجديد، فإن سماسرة العقارات يعتقدون أن القانون مؤقت وسيُرفع بعد فترة محددة. وقال أحد هؤلاء السماسرة، إن نسبة الـ 10% نفسها ليست بالقليلة، فحتى إسبانيا التي لا تحدد أي نسبة للأجانب، فإن الواقع يوضح أن 95% من مشتريات العقارات تتم لصالح مستثمرين أو مواطنين إسبان.

وأضاف أن هناك 77 ألف مالك أجنبي لعقارات تركية، بينما يبلغ عدد السكان 77 مليوناً، أي أن نسبة الملاّك الأجانب لا تتعدى 0.1%، لذا فإن العشرة في المائة نسبة عالية لن تؤثر في السوق في الوقت الحالي. وأضاف أن سوق العقارات في تركيا يتخلف بنحو عشرين عاماً عن بقية الأسواق في أوروبا الغربية من حيث القوانين ومن حيث تطور المصارف العقارية، مشيراً إلى أن كثيراً من الصفقات تتم عبر البيع النقدي، رغم أن القروض العقارية موجودة في بعض البنوك.

وكان قانون الحد من ملكية الأجانب الذي طُبق في عام 2005، يسمح للأجانب بتملك عقارات تصل إلى 2.4 هكتار (نحو 6 أفدنة). غير أن المستثمر الأجنبي يضطر الى دفع ضريبة تصل إلى 30% في حال باع العقار خلال الخمس سنوات الأولى من تاريخ الشراء. ومن المفارقات أن البنوك التركية بدأت في فبراير (شباط) من هذا العام منح قروض عقارية للمستثمرين الأجانب، بينما ارتفعت أسعار العقارات بين 15% إلى 20% خلال العام الماضي، وهي نسبة عالية بالمقارنة مع معظم دول الاتحاد الأوروبي. وتغري الأسعار المنخفضة المستثمرين الأجانب بشراء عقارات في المدن التركية مثل اسطنبول وكاس. وعلى سبيل المثال، فقد أصبحت تركيا أكبر سوق عقاري يستثمر فيه البريطانيون في السنوات الأخيرة، إذ يُقدر عدد الذين اشتروا عقارات هناك في السنوات الخمس الأخيرة بنحو 18 ألف بريطاني، بحيث أصبحت المباني البريطانية تغطي أميالاً عديدة من سواحل تركيا. وتقدم تركيا، التي تعتبر أرخص بكثير من أسبانيا وكرواتيا، بديلاً جديداً لبلغاريا التي اشتهرت في السنوات القليلة الماضية برخص أسعارها. فمثلاً، يتراوح سعر شقة بغرفة نوم واحدة في حي ألتينكوم في حدود 35 ألف دولار فقط، بينما تكلف شقة في منطقة بودرام نحو 100 ألف دولار، وفيلا في كالكان نحو 200 ألف دولار.

من جهة أخرى، فإن العائد المتوقع من الإيجار جيد بشكل عام، لكن من الممكن أن تؤدي كثرة مشاريع المباني إلى خفض الإيجارات. ويتركز ازدهار سوق العقارات في المنتجعات الساحلية على طول البحر المتوسط، خاصة في شبه جزيرة بودرام، ودالامان، وفيثيا، وأيضاً المدن الساحلية مثل كاس وكالكان، وألتينكوم. وتعطي الوفرة في المباني الجديدة فرصاً متزايدة للمشترين، كما أنها تؤدي إلى انخفاض الأسعار في ما يتعلق بالبيع أو الإيجار. ويأمل المستثمرون في أن تساعد شركات الطيران التي توفر رحلات رخيصة على تطوير ودعم سوق العقارات. وعلى سبيل المثال تعرض وكالة العقارات اللندنية «بروبرتي ريبابليك»، شققاً في حدود 70 ألف دولار في بناية يالكافاك الحديثة الفاخرة التي تبعد حوالي عشر دقائق بالسيارة عن بودرام. والاهتمام بتركيا لم يأت فجأة أو من فراغ، بل إن شواطئها وخدماتها السياحية ظلت تكتسب سمعة حسنة في أوروبا خلال عقد التسعينات حتى أصبحت الآن قبلة معروفة لدى غالبية الأوروبيين.

ويقول أليس كروسيك، من شركة عقارات «ريدي تو أنفست»، التي تتخصص في بيع العقارات في مدينة اسطنبول: «إن المدينة توفر فرصة استثمارية لا مثيل لها، أولاً لأنها تعاني من نقص في المساكن يُقدر بنحو 500 ألف وحدة سكنية، وثانياً لأنها راحت تشهد إقبالاً من المستثمرين الأوروبيين منذ أن بدأت تركيا مفاوضاتها الأخيرة بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي».

وقد شجع الإصلاح الاقتصادي الناجح الذي قامت به الحكومة المستثمرين الأجانب والسياح الذين ارتفع عددهم بنسبة 25% في العام الماضي، على القدوم إلى تركيا.

وعلى الرغم من أن تركيا لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي إلا بعد عشر سنوات، فإن دافيد كوكس، مدير وكالة «بروبرتي فرونتير» العقارية، يعتقد أن تركيا سوق ممتاز ومن الممكن لها أن تصبح قبلة جديدة في أوروبا، إذ إنها تملك كل المتطلبات كالطقس الممتاز والأسعار المعقولة. وفي حال انضمت تركيا الى الاتحاد الأوروبي يتوقع سكان اسطنبول، باعتبارها أكبر المدن التركية وأكثرها حيوية، أن تصبح مركزاً مالياً كبيراً يربط التجارة بين القارتين. فجزء من مدينة اسطنبول يقع في أوروبا والجزء الآخر في آسيا، وربما لهذه الأسباب والوعود راح تجار العقارات يعدون للمستقبل ويقبلون على الاستثمار في عقارات المدينة التاريخية.

غير أن موجة المستثمرين تأتي هذه المرة من الغرب ودول الاتحاد الأوروبي.

من جانبها، تخلصت مدينة اسطنبول، التي يبلغ سكانها مع ضواحيها نحو 10 ملايين شخص، من غالبية المصانع التي كانت تحيط بها واستبدلتها بمبانٍ سكنية وتجارية وشركات للخدمات. كما تجدد وسط المدينة بمجموعة من الأبراج العالية، فضلاً عن البدء في تنفيذ شبكة ضخمة لقطارات الأنفاق تغطي المدينة كلها وستغيّر وجه الحياة فيها عندما تكتمل.

وفي أقوى دعم لمستقبل سوق العقارات في اسطنبول، قال «المعهد الملكي البريطاني لمسّاحي العقارات»، الذي يرصد حركة سوق العقارات في كثير من بلدان العالم: «إن تحسن الأداء الاقتصادي في تركيا يجعل سوق العقارات في اسطنبول مغرياً للمستثمرين الأجانب على المديين القريب والبعيد».

أما بالنسبة للأسعار فهي تبدأ من نحو 50 ألف دولار للحصول على شقة صغيرة حديثة البناء في موقع ثانوي من المدينة ومن دون مكان مخصص لصف السيارة. لكن إذا أنفقت 100 ألف دولار فستستطيع شراء شقة أوسع في موقع مميز قريب من وسط المدينة ومن أسواقها الكبيرة ومراكز التسوّق الحديثة.

كما أن هذا النوع من الشقق يكون سهل الإيجار كاستثمار في الأوقات التي لا تكون ساكناً في العقار. وتبدأ الشقق الفاخرة الكبيرة من سعر 175 ألف دولار، بينما تكلف الفيلات في الأحياء الراقية التي تبعد عن وسط المدينة بنحو ربع ساعة فقط، أكثر من 350 ألف دولار. ورغم كل عناصر الجذب نحو الاستثمار العقاري في اسطنبول فهناك من يشير إلى ارتفاع درجة المخاطر بسبب تاريخ الزلازل في المدينة. فاسطنبول مبنية قرب تصدع الأناضول الشمالي وهو مسؤول عن العديد من الزلازل المدمرة عبر التاريخ.

وتقع المدينة على مضيق البوسفور وتحيط بالميناء المعروف بالقرن الذهبي. والعديد من الدراسات تشير إلى احتمال حدوث مزيد من الزلازل الكبيرة خلال العقدين المقبلين. كما أن قرب المدينة من بحر مرمرة يزيد من خطر نشوء تسونامي الذي قد يتسبب في خسائر بشرية فادحة وفي المباني السيئة البناء المنتشرة في اسطنبول القديمة.

وبالطبع فإن هذه المخاوف تؤدي إلى ارتفاع أسعار التأمين على المباني. لكن تجار العقارات يحذرون من المبالغة في خطر الزلازل، ويشيرون إلى حقيقة أن اسطنبول مدينة تاريخية ظلت تنمو وتنتعش عبر قرون وقرون رغم أنها لم تغيّر موقعها الجغرافي.

وأضافوا أن المباني التي تتأثر بالزلازل هي عادة المباني القديمة، بينما تراعي المباني الحديثة معايير الأمان الهندسي الذي يأخذ الزلازل في الاعتبار. وأشاروا في هذا الصدد الى اليابان التي أيضا تعاني من الزلازل، بينما يعتبر سوقها العقاري الأغلى في العالم.