المستثمرون الخليجيون «يستولون» على ناطحات السحاب في لندن

15% من إجمالي الاستثمارات في مكاتب وسط لندن خلال الربع الأول ترجع لمستثمرين شرق أوسطيين

هناك علاقة تاريخية بين المستثمرين العرب ولندن («الشرق الأوسط»)
TT

بعد استثمار ملايين الجنيهات الاسترلينية في المصارف وسوق الأوراق المالية والشركات المالية الأخرى داخل بريطانيا، بدأت أموال صناديق الثروة السيادية الشرق أوسطية الآن في التدفق على ناطحات السحاب اللندنية. وأخيراً، قام صندوق كويتي بإنفاق 400 مليون جنيه استرليني، أو ما يعادل 783 مليون دولار، لشراء مبنى «ويليس بيلدنج»، وأحد أطول المباني القائمة بالضاحية المالية داخل العاصمة البريطانية. وتشير الأنباء إلى أن الصندوق ينوي إجراء استثمارات أخرى مشابهة في المنطقة ذاتها. كما توجه كل من قطر وسلطنة عمان وصندوق «الاستثمارات العربية»، وهو صندوق تغلفه السرية يتخذ من لندن مقراً له، استثمارات إلى ناطحات سحاب جديدة من المتوقع أن تُحدث تحولاً في شكل منطقة «سيتي سكاي لاين» بالعاصمة لندن على مدار السنوات الثلاث المقبلة. من ناحيتها، تبدي لندن ترحيبها بالاستثمارات الجديدة لأنها تأتي في وقت تهدد كل من معايير تقديم القروض وأزمة الائتمانات مستقبل مثل هذه المشروعات الضخمة. وفي الوقت الذي تواجه فيه الجهات التقليدية المعنية بالنشاطات التنموية صعوبة في جمع مبالغ مالية ضخمة، ينجذب المستثمرون الشرق أوسطيون للاستثمار في ناطحات السحاب اللندنية. من جهته، أكد كولين ويلسون، المدير بشركة «دي تي زد» في لندن المتخصصة بمجال الاستشارات العقارية، أن: «تلك الأموال ستحدث اختلافاً بهذه المشروعات. وبالنسبة للكثير من هؤلاء المستثمرين، أثبتت لندن أنها وجهة جاذبة للاستثمارات».

يذكر أنه على امتداد سنوات عديدة، استثمرت الصناديق الشرق أوسطية بالممتلكات بمنطقة «ويست إند» الراقية والثرية داخل لندن، بما في ذلك مبان سكنية ومكاتب بضاحيتي «كينزينغتون» و«نايتسبريدج». إلا أن حالة الفوضى التي أصابت صناعة الخدمات المالية، نجم عنها حدوث تحول في اتجاه المركز المالي في العاصمة. ومن الملاحظ أن أسعار العقارات التجارية هناك انخفضت بنسبة وصلت إلى 20% على امتداد الأشهر الثمانية الماضية، ما جعلها أكثر جذباً للاستثمارات عن «ويست إند»، حيث انخفضت الأسعار.

وقد توفرت بعض المباني أمام الاستثمارات بسبب تضاؤل حجم الائتمانات المتوفرة، ما يعني أن الجهات الكبرى المعنية بمجال التنمية العقارية، مثل شركة «بريتيش لاند»، التي تعتبر الأكبر من نوعها في لندن، بدأت في فقدان الأموال.

على الجانب الآخر، جاء قرار قطر باستثمار ملياري جنيه استرليني في ناطحة سحاب «شارد أوف جلاس» في يناير (كانون الثاني) لينهي أشهراً من التكهنات حول ما إذا كان المشروع، الذي صممه «رنزو بيانو» ويقع على بعد مسافة قصيرة من «سيتي سكاي لاين» عبر نهر التايمز، سيمضي قدماً أم لا.

من ناحيته، أشار الشيخ جاسم بن حمد بن جابر آل ثاني، رئيس مصرف قطر الإسلامي، إلى السياسات المعنية بالسوق التي تنتهجها بريطانيا وبيئتها المواتية للاستثمار باعتبارها جزءا من الأسباب وراء إقدام المصرف على ضخ أموال نقدية بالسوق البريطانية.

وطبقاً لتقديرات شركة «سي بي ريتشارد إليس» الاستشارية بمجال العقارات، فإن قرابة 15% من إجمالي الـ2.45 مليار جنيه استرليني، التي جرى استثمارها في مكاتب وسط لندن خلال الربع الأول من العام الجاري، ترجع لمستثمرين شرق أوسطيين، وذلك بارتفاع عن نسبة 4% فقط عام 2007.

من ناحيته، أوضح ليندسي روبنسون، الذي يملك شركة «سانت مارتنز» المعنية بإدارة الأصول وتستثمر أموالاً نيابة عن الكويت، أنه منذ 18 شهراً سابقة كان يضطر إلى التطلع نحو أسواق أخرى ليوجه إليها أمواله، لأن بريطانيا كانت باهظة التكلفة، إلا أن هذا الوضع تبدل خلال الأشهر القليلة الماضية. أما بالنسبة لشراء مبنى «ويليس بيلدنج» المؤلف من 29 طابقاً، الذي صممه المهندس المعماري البارز «نورمان فوستر»، فإنه لم يكن صفقة رابحة بالمعنى التقليدي، ذلك أنه بفضل أزمة الائتمان لم يتنافس الكثير من المشترين للحصول عليه.

وفي هذا السياق أكد «مات أوكلي»، مدير قسم الأبحاث داخل شركة «سافيلز» التي تعمل وكيل عقارات، أنه: «إذا كنت مشترياً في هذه السوق، فأنت بالتأكيد تتمتع بموقف جيد، حيث انحسر السوق بصورة ما وتضاءل مستوى التنافس بين المشترين».

ومن الواضح أن ناطحات السحاب بمنطقة «سيتي سكاي لاين» تنطوي على جاذبية خاصة بالنسبة للمستثمرين الخليجيين، لأنها تشكل استثمارات طويلة الأمد بدخل يكاد يكون مضمونا. وأشار نيك أكسفورد، من شركة «سي بي ريتشارد إليس»، إلى أن حالة الانحسار التي تعاني منها السوق حالياً ربما لا تشكل فترة مواتية لبناء مكاتب جديدة، ومع ذلك فإن هذه الاستثمارات ربما تحقق ربحاً على المدى الطويل. ويراهن الكثيرون على أن الجاذبية الخاصة وراء استئجار مساحة داخل ناطحة سحاب شهيرة ستسهم في التقليل من تأثير أي تراجع في الطلب على المكاتب على المدى القصير. في الوقت ذاته، فإن غالبية الناطحات الممولة بأموال شرق أوسطية من غير المقرر الانتهاء منها قبل عام 2010.

على سبيل المثال، لن يتم الانتهاء من بناء «ذي بيناكل»، وهو مبنى يضم مكاتب من 66 طابقا وممول من قِبل صندوق الاستثمارات العربية، قبل عام 2012.

من جهته، أعرب بيير رولين، مستشار الاستثمارات العقارية في لندن، عن ثقته بأن عملاءه سيجنون عائدا بنسبة 20% على الاستثمارات بحلول عام 2012.

وقد ساعدت الروابط الوثيقة بين رولين، والشرق الأوسط، على توجيه سلطنة عمان استثمارا يقدر بـ900 مليون دولار في مبنى «هيرو تاور»، وهو ناطحة سحاب أخرى قريبة من مقر «دويتش بانك» في لندن.

وأكد رولين، الذي سبق له العمل مديراً لقسم الصرافة الخاصة بمصرف «كريديت سويس»، أن إقبال الأموال الخليجية على مثل هذه الاستثمارات في لندن لا حدود له، وأضاف: «إنهم يسعون وراء أصول فخمة تتميز بالرفاهية، وقد زاد الطلب الآن عن أي وقت مضى».

وكان من شأن وصول أسعار النفط لمستويات قياسية وارتفاع أسعار الأراضي داخل الدول الخليجية بشكل بالغ، توفر أموال ضخمة لدى الصناديق الشرق أوسطية. وتمثل الممتلكات في الخارج أصولاً جذابة أمام هذه الصناديق نظراً لرغبتها في تنويع استثماراتها بعيداً عن السلع. كما أن الممتلكات في الخارج تساعد هذه الصناديق، التي لا يتجاوز عمرها عشرة أعوام، على ترسيخ مكانتها كعناصر فاعلة على الساحة العالمية. وأشار أوكلي إلى أن: «هناك اعتقادا سائدا بهذه المنطقة بأنه إذا ما كنت مستثمراً دولياً، ينبغي أن تكون لك استثمارات في لندن».

من ناحية أخرى، أوضح روبنسون، أن الصناديق تزداد ضخامة بسرعة كبيرة، وأصبحت مسألة إيجاد استثمارات مناسبة بمثابة تحد أمامها. يذكر أن شركة «سانت مارتنز»، التي إلى جانب «ويليس بيلدنج» تستثمر أيضاً في ثلاثة مشروعات تنموية أخرى داخل «سيتي سكاي لاين»، وتسعى إلى إنفاق حوالي 300 مليون جنيه إسترليني على كل واحد من أربعة مشروعات سنوياً.

أما الكويت، فتخطط لزيادة قيمة أصول الصندوق إلى 9 مليارات جنيه إسترليني، بدلاً من 3 مليارات جنيه إسترليني، وذلك على مدار السنوات الخمس المقبلة.

وتحمل لندن جاذبية خاصة نظراً لأنها ترحب منذ فترة بعيدة بالمستثمرين الشرق أوسطيين. وكثيراً ما أثنى المشرعون وكبار رجال الأعمال البريطانيون على الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك تلك القادمة من الشرق الأوسط ـ وذلك سعياً لخلق مسافة فاصلة بينهم وبين نظرائهم الأميركيين والأوروبيين، الذين غالباً ما ينتقدون الاستثمارات القادمة من هذه المنطقة.

من ناحيتها، شددت «كيتي أشر»، السكرتيرة المعنية بالشؤون الاقتصادية داخل وزارة المالية البريطانية، على أن: «المملكة المتحدة حافظت دوماً على سياسة انفتاح تجاه جميع المستثمرين الأجانب، بما في ذلك صناديق الثروات السيادية، وما زلنا نرحب باستثماراتهم. وبمقدور الاستثمارات الصادرة عن صناديق ثروات سيادية تحقيق فوائد من خلال التخفيف من صرامة القيود المفروضة على الاقتراض وتقليص التكلفة الرأسمالية أمام الشركات التجارية وتحسين مستوى تخصيص رؤوس الأموال».

إلا أن بعض المحللين حذروا من أن هذه العلاقة الإيجابية ربما تتعرض لبعض التوتر بمجرد استعادة الأسواق المالية عافيتها، فعلى سبيل المثال، نوه محللون بشركة «ليمان برذرز» بأن حجم هذه الصناديق قد يثير مخاوف بشأن تأثيرها المحتمل في أسعار الأصول. بيد أن العلاقة بين الجانبين لا تقتصر على الجانب المالي فحسب، فمع اقتراب فصل الصيف، من المتوقع وصول الكثير من العائلات الخليجية إلى لندن هرباً من الحر الشديد بأوطانها، والبقاء ببريطانيا حتى تبدأ درجات الحرارة في الاعتدال مُجدداً في سبتمبر (أيلول).

وقد تكرر مجيء بعض هذه العائلات إلى بريطانيا لدرجة جعلتها تُقدم على شراء منازل صيفية لها بها، وقال رولين: «إنه مكان يشعر الكثيرون منهم فيه بالارتياح واكتشفوا أنه ملاذ آمن لرؤوس أموالهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»