بريطانيا: أزمة العقارات باقية.. والتوقعات «سوداوية»

تراجع عدد البيوت الجديدة بنسبة 60% يقضي على خطط الحكومة لبناء مليوني منزل

معظم المحللين يتوقعون ان تتراجع اسعار العقارات بنسبة 15 في المائة عند نهاية العام («الشرق الأوسط»)
TT

واصلت اسواق العقارات البريطانية تراجعاتها للشهر التاسع على التوالي، وسط اشارات كثيرة غير مشجعة وعلى رأسها عدم قيام بنك انجلترا المركزي بتخفيض معدل الفائدة.

وفي آخر التقارير العقارية البريطانية أكدت مؤسسة «رايت موف» ان أسعار العقارات تراجعت الشهر الماضي بنسبة 1.2 في المائة عما كانت عليه في الفترة ذاتها من العام الماضي (2007). وفيما كانت بلغت نسبة التراجع السنوية في مايو هذا العام الى 2.2 في المائة وصلت هذه النسبة الى 0.1 في المائة خلال الشهر الحالي. وعلى هذا الاساس يكون معدل سعر العقار قد تراجع من 242.5 الف جنيه (460 الف دولار تقريبا) في مايو (2008) الى 239.5 الف جنيه (455 الف دولار تقريبا) في يونيو (حزيران) 2008. واكدت «رايت موف» في تقريرها الاخير، ان اصحاب العقارات خفضوا اسعار عقاراتهم او ما يعرف بسعر العرض بنسبة 1.2 في المائة هذا الشهر، فيما تراجعت القدرة الشرائية لدى الزبائن الجدد. كما ان عدد المنازل او العقارات المعروضة للبيع وصل الى مليون عقار، ووصل معدل عدد العقارات التي تتعامل معها المكاتب العقارية والسماسرة الى 75 عقارا، وهو رقم عال يدل على صعوبة تصريف العقارات وبيعها في ظل الاوضاع السيئة والشحيحة التي تمر بها اسواق التمويل العقاري طبقا للتقرير. كما وصل عدد العقارات المعروضة امام كل مشتر الى 15 عقاراً أي بنسبة 1 الى 15، أي ضعف رقم العام الماضي واكبر، وهي نسبة ضخمة لم تعرفها الاسواق منذ سنوات، وتدل على أن الاسعار ستواصل تراجعاتها بشكل دراماتيكي وحاد طيلة هذا العام.

وفي التقرير الذي اصدرته المؤسسة المعروفة في الاوساط العقارية وخصوصا حركة التغيرات على السوق العقاري السكني، ان البائعين يواصلون تخفيض اسعار الطلب في محاولة لتحاشي التراجعات الكبيرة في الاسعار الاشهر المقبلة. ونجح المشترون الجدد كما يبدو بفرض تخفيض على الاسعار هذا الشهر، وصلت نسبته الى 1.2 في المائة أي ما قيمته 2.9 الف جنيه (5.3 الف دولار تقريبا). وكانت اكبر نسبة تراجع على الاسعار قد سجلت في يونيو (حزيران) عام 2005 أي قبل ثلاث سنوات.

ويقول مايلز شيبسايد عن المؤسسة، انه: «بالرغم من تراجع عدد الصفقات العقارية الى ادنى حد له منذ 30 عاما، فإن الكثير من البائعين دخلوا السوق بأسعار عالية، وهو امر غريب ينافي واقع الحال وقوانين الاقتصاد. لكن الحمد لله ان البعض الآخر من البائعين بدؤوا بالتفكير بواقعية لاستقطاب المشترين» الذين يقل عددهم يوما بعد يوم. وحول ندرة القروض العقارية وتأثيرها في السوق يقول شيبسايد: «المقرضون يحاولون الا يقرضوا هذه الايام، وهم يختاورن لاسباب تتعلق بالربح. ولأن نصف القروض العقارية غير متوفرة، تبقى العقارات من دون شراء احيانا. وبالنسبة لمعظم الباعة فإن هذا يعني انه مهما كانوا يعتقدون حول قيمة منازلهم، عليهم الآن التفكير بتخفيض سعر البيع بنسبة 10 في المائة، وإلا كسدت عقاراتهم. وتواصلت الضربات التي يتعرض لها السوق العقاري في بريطانيا هذا الشهر ايضا، بعدما اكد البنك المركزي انه يحاول تجنب تخفيض جديد لمعدل الفائدة العام بسبب ارتفاع معدل التضخم، وابقائه على ما هو عليه على 4.75 في المائة، على عكس ما كان متوقعا من قبل الاقتصاديين والعقاريين خلال الأشهر القليلة الماضية.

ويبدو ان البنك المركزي يركز هذه الأيام على لجم معدل التضخم العام المتصاعد، والذي وصل الى نحو 3.3 المائة ويرجح ان يرتفع الى 4 في المائة، وترك الاسواق العقارية تعاني تراجعاتها.

وبالإضافة الى مواصلة البنوك والمؤسسات المالية تشديد شروط الإقراض العقاري، فقد اكد أخيرا المجلس الوطني لبناء المنازل (The National House Building Council)، ان عدد المنازل التي تم بناؤها في بريطانيا تراجع بنسبة 60 في المائة تقريبا عما كان عليه العام الماضي. وفي تقريره الاخير، يقول المجلس الذي يسجل اعمال ما لا يقل عن 20 الف بناء او شركة بناء، ان عدد المنازل الجديدة التي تم بناؤها خلال شهر مايو 2008، من قبل القطاع الخاص، لم يتعد الـ 6.8 الف منزل، أي بنسبة تراجع لا تقل عن 56 في المائة عما كان عليه العدد العام الماضي حيث وصل الى ما لا يقل عن 15.7 الف منزل.

والامر ذاته ينطبق على القطاع الحكومي، حيث لم يسجل في مايو من هذا العام بناء اكثر من 2.699 الف منزل، بعدما وصل العدد في نفس الشهر من العام الماضي (2007) الى 4.3 الف منزل. وهو عدد ضئيل جدا مقارنة بما يحتاجه السوق العقاري، الامر الذي يساهم في منع تراجع دراماتيكي في الاسعار.

كما ان البرنامج الحكومي الذي اطلق العام الماضي لبناء حوالي مليوني منزل قبل عام 2016، لا يزال في طوره الاول ولن يأتي ثماره قبل سنوات من الآن. وقد بدأ الكثير من خبراء سوق العقار بالتشكيك بقدرات الحكومة الوفاء بالتزامها تجاه سوق العقار والمنازل الجديدة.

وفي هذا الاطار يقول جوي غاردينر: «ان هذه الارقام تدل على ان الحكومة بعيدة جدا عن تحقيق اهدافها ببناء هذا العدد من المنازل. هذا هو الخطر، في توقع الحكومة ان يقوم القطاع الخاص بتنفيذ سياسة وطنية عامة، إذ ان القطاع لن يقوم بذلك ما لم يحقق ارباحه. ولذا فإن البنائين لن يبنوا إذا كان الناس عاجزين عن العثور على قرض عقاري.. واعتقد ان على الحكومة ان تقلق على ما سيكون عليه الوضع إذا تغير وضع الاسواق الى الاسوأ، إذ سينتهي الكثير من العاملين فيه عاطلين عن العمل وسيصعب العثور لاحقا على اليد العاملة الماهرة للقيام بالمهمة». ومن المعروف ان 60 في المائة من المنازل الجديدة تشيدها شركات خاصة لصالح الحكومة، بمعنى آخر ان القطاع الخاص يشكل العامود الفقري لعالم المنازل الجديدة المبنية سنويا في البلاد. وحول العدد القليل للمنازل الجديدة، يقول روجر همبر من «هيئة بنائي المنازل» (House Builders Association)،: الذي لم يفاجأ بالتقرير الاخير: «لقد تعرضنا لتراجع كبير جدا في عدد المبيعات وصل نسبته 60 في المائة من سنة الى سنة. المشكلة ليس في الحاجة والطلب بل بتوفر القروض العقارية.. وحتى تنتهي ازمة الائتمان ويعود سوق القروض بين البنوك الى وضعه الطبيعي، سنظل نرى تراجعا في عدد المنازل الجديدة، إذ لا بد لمعدل عدد المنازل الجديدة ان يتراجع اسوة بتراجع معدل المبيعات وتناغما معها». وقد تزامن تقرير «المجلس الوطني لبناء المنازل»، مع قرار بنك «هاليفاكس» (Halifax) الذي يعتبر اكبر بنوك الإقراض العقاري في البلاد، رفع سعر معدل الفائدة الثابتة على القروض العقارية (ما يعرف بـ«نظام الفائدة الثابت» - FIXED RATES)، بنسبة نصف في المائة هذا الشهر. وقد غير البنك معدل الفائدة لديه اكثر من عشرين مرة منذ بداية العام، مما يدل على عدم الاستقرار في هذا القطاع. وهذه الخطوة التي تستهدف القروض التي تتمتع بمعدل فائدة ثابت، لم تتوقف على بنك «هاليفاكس»، إذ اتخذ عدد من البنوك والمؤسسات المالية خطوات جديدة لرفع كلفة هذا النوع من القروض المرغوبة في السوق.

وسحبت بعض البنوك منتجاتها من هذا السوق (من هذه البنوك «فيرست دايركت» (First Direct) الذي كان يعتبر الارخص في بريطانيا)، اشارة الى عدم الثقة بالاقتصاد الوطني بشكل عام، وتأكيدا على التوقعات الحالية بتراجع اسعار العقارات بشكل حاد خلال الاشهر المقبلة، وبالنهاية انعكاسا واضحا للعجز الذي تواجهه البنوك بتوفير القروض بأسعار مقبولة في ظل تأثير ازمة الائتمان الدولية. خطوة «هاليفاكس» تعني، ان صاحب المنزل الذي يزيد سعر منزله عن حجم قرضه العقاري بنسبة 25 في المائة، سترفع عليه كلفة القرض الثابت الفائدة – لمدة عامين - بما لا يقل عن 50 جنيها (85 دولارا تقريبا) شهريا (في حال كان سعر المنزل مثلا 150 الف جنيه)، إذ ان معدل الفائدة سيرتفع من 6.49 الى 6.99 في المائة. ومن جهة اخرى حذرت مجموعة «اتش بي او اس» (HBOS) التي تضم بنك «هاليفاكس»، في بيان اخير، من تراجع اسعار المنازل او العقارات في بريطانيا، بنسبة لا تقل عن 9 في المائة هذا العام. ووصف بعض العقاريين التحذير على انه الاسوأ منذ عام 1989. ويواجه «هاليفاكس» هذه الايام تراجعا في اسعار اسهمه، وخسرت المجموعة حتى الآن بسبب ازمة الائتمان ما لا يقل عن مليار جنيه (1.8 مليار دولار) (جزء من خسائر المجموعة يعود الى التراجعات في الاسواق العقارية)، وسط توقعات بان يتراجع عدد الصفقات العقارية هذا العام بنسبة 45 في المائة، وان يزداد عدد المواطنين او المستقرضين العاجزين عن الوفاء بدفع قروضهم الشهرية بسبب الاوضاع الاقتصادية السيئة على صعيد ارتفاع اسعار الطاقة والمواد الغذائية ومعدلات الفائدة على جميع انواع القروض. وقبل التحذير كانت المجموعة (HBOS)، قد ضاعفت ارقامها حول نسبة التراجع على اسعار العقارات من ابريل الماضي حتى يونيو الحالي، وتخطت النسبة التي توقعها «المجلس الوطني لبناء المنازل» (7 في المائة)، بعد ان توقعت نهاية العام الماضي ان تكون الاسعار راكدة ومستقرة نسبيا هذا العام. ومع هذا يقول المسؤولون في المجموعة انهم لا يزالون متفائلين رغم ان اسعار العقارات تراجعت منذ بداية العام بنسبة 5 في المائة. ويقول بعض الخبراء في قطاع البنوك ان البنوك البريطانية يمكن ان تتحمل تراجعا بنسبة 10 في المائة على اسعار العقارات هذا العام والعام المقبل (2009)، وان تضطر الى رفع اسعار منتجاتها العقارية او تغييرها. وهنا يشير اندي هورنبي، احد المديرين في مجموعة (HBOS)، في إطار نسبة تراجع اسعار العقارات: «إذا تراجعت اسعار العقارات بنسبة 9 في المائة ، هذا يعني ان 3.5 في المائة من المستقرضين سيقتربون من خط الخطر إذ ستكون قيمة قروضهم ما يساوي 90 في المائة من سعر العقار او المنزل».

وفي السياق نفسه، توقع بنك «لايمان براذارز» (Lehman Brothers) المعروف في وول ستريت، ان تتراجع اسعار العقارات في بريطانيا خلال العام المقبل بنسبة 28 في المائة، وهي اعلى نسبة تراجع يتم توقعها حتى الآن.

ويمر البنك بظروف عصيبة منذ بدء أزمة الائتمان الدولية، ووصلت قيمة خسائره في الربع الاول من هذا العام الى 1.8 مليار جنيه (2.8 مليار دولار)، بسبب التخبط في اسواق العقارات الدولية والبريطانية والتغيرات التي طرأت على سوق القروض.

ويقول المسؤول في البنك ديك فلود، ان 9.3 مليار دولار من ودائعه عرضة لأزمة الائتمان وآثارها السلبية ومرتبطة بسوق العقار البريطاني اكثر منها بالسوق الاميركية. وعلى الارجح ان ثلثي قروض البنك من نوع القروض العالية المخاطر التي ادت الى ازمة الائتمان وانهيار السوق العقاري في الولايات المتحدة العام الماضي. ولأن البنك قد خسر منذ بداية العام الحالي ما لا يقل عن 60 في المائة من قيمة اسهمه، فإن بعض المعلقين الاقتصاديين يتوقعون ان يلقى مصير بنك «بير شتيرن»، رغم موقعه القوي في سوق العقار الدولي. وعلى صعيد الاسعار وتأثير تراجعاتها، اكد عدد من المحللين العقاريين في لندن ان الحكومة ستخسر ما لا يقل عن 6 مليارات جنيه استرليني (قيمة الضرائب او رسوم الطوابع على الصكوك العقارية) بسبب تراجع اسعار العقارات وعدد الصفقات العقارية. ويقول لورد اوكشوط ، متحدث باسم الخزينة، ان معظم المحللين يتوقعون ان تتراجع اسعار العقارات بنسبة 15 في المائة عند نهاية العام وان عدد الصفقات العقارية سيتراجع بنسبة 50 في المائة في نفس الفترة. ومع هذا يتوقع البعض ان تصل خسارة الحكومة الى 6.3 مليار جنيه، إذا ما تراجعت الاسعار بنسبة 20 في المائة وتراجع عدد الصفقات بنسبة اكبر تصل الى 60 في المائة. وكانت الحكومة او الخزينة البريطانية تتوقع ان تجني ما قيمته 9.5 مليار جنيه (17.5 مليار دولار تقريبا) من الضرائب على الصفقات العقارية والسوق العقاري بشكل عام بين العام الحالي والعام المقبل (2009). =