بروكسل أفضل موقع أوروبي للاستثمار العقاري

الأسعار رخيصة نسبيا والمفوضية الأوروبية تعزز الطلب على الإيجار

بروكسل: الموقع العقاري المثالي في أوروبا («الشرق الأوسط»)
TT

بروكسل ليست المدينة التي تخطر على البال عند اختيار موقع استثمار مثالي في أوروبا، فهي ليست في رومانسية باريس، ولا في عالمية لندن، لكنها تقدم الكثير للمستثمر العقاري الذي يبحث عن مواقع استثمار جديدة في عالم ما بعد أزمة الائتمان العالمية. فهي تقدم الموقع الأوروبي المتوسط الذي لا يعادل لندن أو باريس في التضخم السعري من ناحية، ولا يماثل المخاطر التي تقدمها دول شرق أوروبا.

وتتميز بروكسل بأنها موقع المفوضية الأوروبية، وهي جهاز بيروقراطي هائل يعمل فيه الآلاف من الموظفين الأوروبيين من كل دول الاتحاد الأوروبي، وجميعهم يبحث عن موقع عقاري جيد للإيجار طوال فترة إقامته في عمله في بلجيكا. وهي بذلك تقدم الموقع المثالي للمستثمر الذي يبحث عن عائد إيجاري مجز ودائم في مناخ يتمتع بالأمان والاستقرار القانوني.

وتقول مديرة شركة عقار بلجيكية تبيع وحدات عقارية في مشروعين جديدين في المدينة، إنها ارخص من لندن وباريس ويمكن شراء منزل مكون من أربع غرف بحوالي 1.5 مليون يورو، أي بأقل من ثمن منزل مماثل في باريس بحوالي مليون يورو.

وتبدأ الأسعار في أحياء بروكسل الراقية التي تماثل حي تشيلسي اللندني، في حدود 750 ألف يورو لشقق مكونة من ثلاث غرف بأفضل مستويات التجهيز. وتشارك العديد من الشركات الدولية في تسويق العقار البلجيكي، خصوصا في بروكسل، من بينها شركة نايت فرانك الشهيرة. وبخلاف المواقع الأوروبية الأخرى، ما زالت أسعار العقار في بروكسل ترتفع باضطراد بنسب وصلت الى حوالي 30 في المائة خلال العامين الماضيين، وتزيد أيضا أسعار المشروعات الجديدة والأراضي. وترصد الإحصاءات زيادة أسعار الأراضي في العام الأخير بحوالي 17 في المائة في بعض الأحياء، وبخمسة في المائة في أحياء أخرى، لكن الارتفاع ساد كل مناطق بروكسل ولم يتراجع في اي منها. وليست الأسعار الرخيصة وحدها هي العامل الجاذب للاستثمار في بروكسل، ففيها تعداد متغير يقبل على الإيجار، لأن فترات الوجود في المدينة تتراوح بين عام واحد وعدة أعوام. وهناك عدد ضخم من الدبلوماسيين وموظفي المنظمات غير الحكومية والعديد من الأجهزة الحكومية التابعة للاتحاد الأوروبي. وجميع هؤلاء يبحثون عن مواقع جيدة للاستئجار في بروكسل وضواحيها المختلفة.

وهي أيضا مدينة تتميز بخطوط مواصلات ممتازة منها خط حديدي سريع يربطها بالعواصم الأوروبية الأخرى، بما فيها لندن. ولا تبعد باريس عن بروكسل بالقطار بأكثر من ساعتين، بينما سيبدأ قريبا الخط الحديدي السريع الذي سيربط بروكسل بأمستردام في رحلات لن تزيد على ساعة و45 دقيقة بالقطار، ولا يتعدى زمن السفر بالقطار الى الكثير من المدن الأوروبية عن ساعة ونصف الساعة. وتشير خبرة المستثمرين في بروكسل إلى أن القانون البلجيكي يعمل في صالح مالك العقار من حيث الضمانات السعرية والقانونية. فالتعاقدات الإيجارية في العادة تصل الى ثلاث سنوات في المتوسط، كما أنها مرتبطة بنسبة التضخم وترتفع معها لحماية مالك الإيجار من تآكل العوائد.

لكن السلبيات أيضا موجودة وهي نسبة ضرائب مرتفعة في البداية لنقل الملكية تصل الى 12.5 في المائة من ثمن العقار. لكن بلجيكا لا تفرض ضرائب على القيمة المضافة عند بيع العقار بثمن أعلى بشرط الاحتفاظ بالعقار لمدة خمس سنوات على الأقل. وتتراوح نسب العوائد الإيجارية في بروكسل ما بين 4.5 و5.5 في المائة. وهي نسبة ليست كبيرة، لكنها مستقرة.

وعلى رغم الارتفاعات السعرية الكبيرة التي حققتها بروكسل في السنوات الماضية، إلا أنها تتجه نحو مرحلة استقرار سعري قد يكون مفيدا على المدى البعيد. وتعترف شركات عقار بلجيكية ان من يبحث عن تحقيق ثروة سريعة من العقار، عليه ان يبحث عن موقع آخر غير بروكسل. وتنقسم المدينة الى عدة أحياء ذات ملامح واضحة، فالشباب يفضلون أحياء مثل ايكسل وايتربيك التي تعج بالمطاعم والملاهي والحياة الصاخبة المعهودة في المدن الأوروبية. اما العائلات فتفضل أحياء جنوب وشرق المدينة، حيث الهدوء ليلا والمدارس الدولية وسهولة الوصول الى وسط المدينة، حيث مقار الأعمال. وهناك العديد من المشاريع الجديدة المتاحة في المدينة منها ما يبعد عشرات الأمتار عن مقر المفوضية الأوروبية، بأسعار تبدأ من 220 ألف يورو.

وتقول مستثمرة ايرلندية إنها دفعت مبلغ 280 ألف يورو في شقة من غرفتين في وسط بروكسل، وهي تقل في سعرها عن عقارات تماثلها في المساحة في دبلن بحوالي الثلثين. ومنذ الشراء عام 2005 زاد سعر الشقة بحوالي 10 في المائة، كما لم تجد صعوبة في تأجيرها طوال هذه الفترة. وهي تقول إن المفوضية الأوروبية هي مصدر الدخل الايجاري، وان العقار استثمار جيد للمدى البعيد.

وهناك أيضا العديد من العقارات التاريخية في بروكسل تعود في تاريخها الى نهاية القرن التاسع عشر وتنتمي إلى أسلوب «آرت نوفو» العقاري، وهي توفر مساحات شاسعة وديكورات خلابة لكنها تحتاج الى ترميم ورعاية بإشراف بلدية بروكسل، ويمكن استغلالها تجاريا لإقامة كبار الشخصيات. لكن هذا النوع من الاستثمار مكلف وغير مضمون العوائد ويقبل عليه فقط المستثمرون الذين يشترون هذه العقارات لقيمتها الذاتية كقطع معمارية فنية لا بد من المحافظة عليها بأي ثمن. الحي الأوروبي: ومن أكثر أحياء بروكسل نموا، ما يعرف باسم الحي الأوروبي، الذي شهد ارتفاعا مضطردا في الأسعار وأيضا في الإقبال الاستثماري والعمراني عليه. وسوف يستقبل هذا الحي نحو ألف عقار جديد من الآن وحتى نهاية عام 2009، يتم بناؤها على 11 موقعا جديدا في الحي الأوروبي. وتقع هذه المشاريع الجديدة على مقربة من منشآت المفوضية الأوروبية. وسوف توفر هذه العقارات الجديدة مساكن جديدة للمزيد من الدبلوماسيين والموظفين الجدد في المفوضية بعد ان توسع الاتحاد الأوروبي عام 2004. ولم تكن هناك معلومات متاحة عن حجم الطلب الذي كان سينشأ من جراء توسع الاتحاد الأوروبي شرقا لكي يضم عشر دول إضافية، على قطاع العقار البلجيكي في بروكسل. فلم يكن معروفا مثلا معدل الأجور التي سيحصل عليها الدبلوماسيون القادمون الى بروكسل من دول مثل سلوفينيا وبولندا. لكن شركات العقار في المدينة أكدت ان معظم الطلب الجديد خلال السنوات الماضية كان من قادمين من الدول العشر الجديدة في الاتحاد الأوروبي.

ومنذ عدة سنوات لم يكن هناك طلب يذكر على الحي الأوروبي، لكنه شهد اكبر معدلات النمو في العامين الماضيين. ويعود النمو الى وصول فئات متعددة من القادمين من الدول الأعضاء الجدد تشمل أعضاء برلمان وجمعيات لوبي وصحافيين وموظفين.

وسوف تكون العديد من العقارات الجديدة منازل فاخرة تليق بكبار الموظفين في المفوضية الذين يتمتعون بأجور عالية. وبالطبع يعني هذا التوسع السريع تصاعد أسعار وتكلفة المعيشة في بروكسل. ويصل متوسط سعر العقار في الحي الأوروبي حاليا الى حوالي 400 ألف يورو. وتتمتع المنطقة بسهولة الوصول منها الى مركز مدينة بروكسل وأيضا الى المطار الدولي، وبالطبع الى منظمات وإدارات المفوضية الأوروبية.

وفيما يفضل بعض العاملين في المؤسسات الأوروبية في المدينة المعيشة بعيدا عن مقار أعمالهم، هناك عدد متزايد من الموظفين الذين يفضلون الآن السكن داخل بروكسل لأنهم يتمتعون بنسبة من الخضرة من الحدائق القريبة ويستغنون عن وسائل المواصلات والسيارات ويذهبون في العطلات إلى خارج المدينة. ويدفع زحام المواصلات المزيد من السكان الى اختيار مواقع قريبة من أعمالهم لان فروق الأسعار لم تعد كبيرة بين السكن داخل بروكسل او خارجها.

وتقدم مشروعات بروكسل الجديدة شققا بخدمات «كونسيرج» التي تلقى المزيد من الإقبال من فئات المحترفين الذين يقطنون المدينة. وتتوجه هذه الخدمات نحو النواحي العملية وليس اللمسات الفاخرة. فهي تقدم قاعات رياضية لاستخدام السكان ومراكز تجميل وسونا، كما تقدم بعض المشروعات الفاخرة خدمات للتعامل مع الجهات الحكومية لاستخراج التصاريح والتسجيل للأجانب، وهكذا. ويقول بعض المستأجرين الذين يعيشون في بروكسل انتقالا من لندن او برلين ان المدينة تقدم لهم جوا من الهدوء غير المعتاد في العواصم الأوروبية الأخرى، كما أنها جيدة المواصلات ورخيصة نسبيا وتعفيهم من السفر اليومي الى مقار الأعمال. وعلى رغم ان معدل الأسعار في بعض المشروعات يعتبر عاليا، مثل سعر 333 ألف يورو في شقة من غرفة واحدة، إلا أنها أسعار ما زالت دون المعتاد في عواصم أخرى، خصوصا لندن وباريس.

وكان الحي الأوروبي يعاني في الماضي من مشاكل الجريمة والعنف، لكن هذا المناخ يتغير الآن مع رغبة المزيد من العاملين في المدينة الإقامة في مركز المدينة. كما أن شركات البناء أقبلت بحماس على المشروعات السكنية نظرا لتراجع القطاع العقاري التجاري حيث نسبة عشرة في المائة من المكاتب في المدينة ما زالت شاغرة.

وهناك نزعة من الحكومة المحلية لتوجيه الشركات الى رعاية قطاع الإسكان الاجتماعي لأهالي المدينة أنفسهم الذين عانى بعضهم في الماضي من الاستيلاء على العقارات من اجل مشروعات إقامة مباني المفوضية الأوروبية. وتشترط الحكومة ان يحتوي كل مشروع على نسبة من الشقق التي تتاح لمحدودي الدخل من البلجيكيين.

ويعتقد الكثير من المقيمين ان بروكسل تقدم لهم أفضل أسواق العقار الأوروبية من حيث الأسعار ونوعية المعيشة. ويجب على المقيم في بروكسل الاختيار بين الإيجار والشراء، لكن المستثمر يجد أن السوق مفتوحة على مصراعيها أمامه، حيث البنوك تقدم القروض العقارية بغض النظر عن جنسية المشتري. والاشتراط الوحيد هو ألا تزيد قيمة القرض العقاري عن ثلث الدخل الإجمالي للمشتري. ويمكن أن تتولى شركات متخصصة إدارة العقار في غياب مالكه مقابل رسوم تصل في المتوسط إلى نحو 15 في المائة سنويا. ومع الوجود المكثف للهيئات الأوروبية والدولية في بروكسل سوف يستمر الطلب المرتفع على الإيجار في أفضل بقعة استثمار عقاري أوروبية.