الأولمبياد يوفر فرصة ذهبية للصين لاستعراض سوقها العقاري

من أكثر الأماكن التي تجذب المستثمرين حي «بوند» في شنغهاي

TT

تتوجه الأنظار حاليا نحو الصين التي سينطلق فيها الأولمبياد في الشهر المقبل، ولا شك من أن سوق العقارات سيستفيد من هذه الأنظار. وبالفعل فإن العاصمة بكين جددت نفسها عبر العديد من المشاريع الكبيرة بالبنية التحتية. وأظهرت للعالم قدرتها المعمارية في تشييد المراكز الرياضية والملاعب الضخمة والفنادق الفاخرة. وحتى قبل الأولمبياد، فقد تغيرت بكين وشنغهاي كثيراً خلال السنوات العشر الماضية. كما ارتفعت أسعار عقاراتهما بأكثر من 10% خلال السنوات العشر الماضية. وبعد أن كانت الصين «منطقة شدة» في نظر الغرب يعيش فيها الآن، حسب صحيفة «الدايلي تلغراف» البريطانية، ما يقرب من مليون بريطاني.. فضلاً عن بقية الدول الأوروبية والولايات المتحدة. غير أن غالبية هؤلاء يعيشون إما في بكين أو العاصمة التجارية شنغهاي (التي أيضاً تستضيف الأولمبياد)، وغالبيتهم يسكنون شققاً في بنايات عالية على طراز مباني نيويورك. ومن أكثر الأحياء التي تجذب مستثمري العقارات حالياً حي «بوند» في شنغهاي، الذي كان خاضعاً للوصاية الاميركية ـ البريطانية حتى عام 1941 عندما احتلت القوات اليابانية المدينة في نفس اليوم الذي هاجمت فيه ميناء «هاربر» الاميركي. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، اعتبر الحكام الشيوعيون الجدد في الصين أن هذا الحي يمثل رمزاً يذكرهم بالحقبة الاستعمارية، فأهملوه. لكن الحي اليوم يشهد إقبالاً كبيراً من الاميركيين والبريطانيين والروس والصينيين أنفسهم، الذين بدأوا يرون فيه فرصا عقارية كبيرة، وراحوا يشترون عقاراته المهملة عبر عقودٍ طويلة ويعيدونها إلى الحياة أو يحلون محلها مبانيَّ حديثة. كما شهد الحي، مع إقبال الأجانب عليه، انتشاراً في المرافق الترفيهية والنوادي والمطاعم. وفي هذا الصدد يقول سكوت باراك، البريطاني صاحب شركة تعمير في شنغهاي، إن أسعار العقارات في الحي ارتفعت كثيراً العامين الماضيين، لكنه يتوقع مواصلة ارتفاعها حتى عام 2010، خصوصاً أن الحكومة الصينية نفسها تعتزم إعادة الاهتمام بالحي وببنياته التحتية وخدماته. من جانبه، أشار مارشا لوو، من وكالة «بروبرتي فرونتيرز» العقارية إلى أن إصلاحات قوانين ملكية العقارات في الصين بدأت عام 1997 حين سمحت بالملكية الخاصة (أو الفردية) للعقارات بحيث أصبح الآن أكثر من 70% من سكان شنغهاي يملكن مساكنهم. لكن الصين لا تسمح حتى اليوم بالملكية الحرة لأن الدولة هي التي تملك جميع الأراضي بينما يملك الأفراد المباني عبر عقد الإيجار للأرض (المعروفة في الغرب باسم Lease) لمدة 70 عاماً قابلة للتجديد. كما أن عدداً من الأجانب اشترى عقارات في المدينة بهدف استثمارها عبر الإيجار. لكن مخاوف الحكومة من أن يؤدي الغزو الأجنبي لسوق العقارات إلى ارتفاع أسعاره فوق معدل التضخم العادي في البلاد دفعها عام 2006 إلى إصدار قانون جديد يشترط أن يكون المستثمر الأجنبي قد عاش في الصين لمدة عامٍ على الأقل قبل أن يُسمح له بشراء عقارٍ. وفي الوقت ذاته حددت عدد العقارات التي يمكن أن يشتريها الأجنبي بعقار واحدٍ فقط. غير أن جيمس ماكدونالد، من وكالة «سافيلز» العقارية البريطانية التي لها فروعٌ في الصين، يقول إن هناك ثغرات في القانون ينفذ من خلالها المستثمرون الأجانب، وهي أن القانون يسمح للأجانب غير المقيمين بتأسيس شركة أجنبية داخل الصين يستطيعون من خلالها شراء العقارات التي يريدونها. وتقول «الدايلي تلغراف» إن شقة من غرفتي نوم وسط شنغهاي تتراوح في حدود 300 ألف دولار، بينما يتراوح سعر المنزل من غرفتين في الحي الفرنسي العريق، الذي تعود مبانيه إلى الحقبة السابقة للعهد الشيوعي في الصين، في حدود 630 ألف دولار، كما يتعدى سعر الفيلات الكبيرة المليون دولار. ومع الطفرة الهائلة التي شهدتها المدينة خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، جاء أيضاً النزوح الكبير من الريف إلى المدينة، بالإضافة إلى حملة محمومة من بناء ناطحات السحاب حتى أصبحت شنغهاي تنافس فيها مدينتي نيويورك وطوكيو. وطوال هذه السنوات ظلت أسعار العقارات ترتفع باستمرار حتى قررت الحكومة تشديد الشروط على الاستدانة من البنوك العقارية كما رفعت الضريبة على بيع العقارات وشرائها للحد من تضخم الأسعار. وتتمتع المدينة بقطار حديث فائق السرعة (250 كيلومتراً في الساعة) يربط المطار بوسط المدينة، فضلاً عن الشوارع الواسعة وناطحات السحاب ومراكز التسوق. ورغم أن الطابع المعماري لشنغهاي أصبح أشبه بنيويورك ولوس أنجليس في الولايات المتحدة، فإن قلب المدينة القديمة لا يزال يتميز بمعماره الكلاسيكي الذي يعود للحقبتين الاستعماريتين البريطانية والفرنسية. وإلى جانب ذلك، فهناك بالطبع المعمار الصيني المعروف بشكله المميز. غير ان أفضل الاستثمارات العقارية ليست في المباني الفاخرة، بل في المباني العادية التي يمكن أن يستأجرها السكان المحليون وليس الأجانب. وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة «الإندبندنت» عن ديفيد كوننغهام، مدير وكالة «شنغهاي فيشن» قوله إن الوكالات العقارية الصينية، بمجرد أن ترى أجانب، تعرض عليهم الشقق الفاخرة التي تتراوح أسعارها من نصف مليون دولار إلى مليون دولار. لكن هذا النوع من العقار يكاد يستحيل تأجيره، لذا فمن الأسلم شراء العقارات التي تتراوح أسعارها بين 200 و250 الف دولار، لأنك ستجد جيشاً من الصينيين الذين يستطيعون تأجيرها. فطبقة المهنيين الجديدة في شنغهاي (كالأطباء والمهندسين والمصرفيين والمحامين) يبحثون دائماً عن موطئ قدم لهم في المدينة. ويقول كوننغهام إن وكالته باعت حتى الآن 670 شقة لأجانب خلال السنوات الثلاث الماضية، وأن غالبية تلك الشقق حققت ربحاً سنوياً من الإيجار في حدود 7% من رأس المال المستثمر.

ويعتمد مستثمرو العقارات في شنغهاي على تحقيق ربح سنوي بارتفاع قيمة العقار، أكثر من اعتمادهم على الربح الذي يحققه دخل الإيجار. ويقول أيضاً سام كريسبين، البريطاني المتزوج من صينية ويعيش في شنغهاي منذ عام 1994، إنه على الرغم من أي مخاطر قد يتصورها البعض، فإن المستثمرين الأجانب لا زالوا يحضرون إلى شنغهاي من مختلف أنحاء العالم. وأضاف كريسبين، الذي يملك مكتباً عقارياً في المدينة، إنه اشترى عشرات العقارات في شنغهاي وأضاف إليها بعض التحسينات والتحديث ثم باعها بأرباح لا تقل عن 100%.

وتتراوح اسعار الشقق في شنغهاي بين 1300 دولار للمتر المربع في أطراف المدينة و3500 دولار للمتر المربع في إحدى شقق ناطحات السحاب في حي بودونغ قرب وسط المدينة، أو في حي بوكسي التاريخي العريق. يذكر أن حجم الاستثمارات الأجنبية في الصين بلغ 550 مليار دولار عام 2004 وحده، وهو ضعف الرقم الذي بلغه في العالم الذي قبله. غير أن وكلاء العقارات يشيرون إلى أن غالبية الأجانب الذين يشترون عقارات في شنغهاي يكون لهم سابق معرفة بالمدينة، حتى وإن كانت محدودة. لذا فهم ينبهون إلى أن دراسة السوق قبل دخوله أمر مهم للغاية. كما أن معرفة القوانين والتغيرات التي تطرأ عليها لا تقل أهمية. وعلى سبيل المثال، قررت السلطات المحلية، خوفاً من التضخم السريع في اسعار العقارات، فرض ضريبة قيمتها 5% من سعر الشقة في حال باعها المالك بعد عامين من شرائها. وبالطبع المقصود من ذلك هو وقف البيع والشراء السريع الأشبه بمضاربات سوق الأسهم. كما قللت الحكومة نسبة القروض العقارية للصينيين من 70% إلى 60% من قيمة العقار، بحيث يضطر المشتري إلى توفير بقية المبلغ من مدخراته الخاصة. وأخيراً هناك الضغوط الاميركية على تحرير سعر العملة الصينية مما قد يؤدي إلى تغيرات كبيرة في قيمة الاستثمارات العقارية. أضف إلى ذلك فبعض سماسرة العقارات يعتقدون أن النظام السياسي لا يزال ينطوي على قدر كبير من عدم الشفافية والأسلوب الشمولي في إصدار القوانين والتشريعات المفاجئة، الأمر الذي يجعل درجة المخاطرة كبيرة حتى وإن كانت الأرباح المحققة على المدى القصير كبيرة أيضاً. وبشكل عام يشير هؤلاء إلى أن أيَّ سوق ناشئ لا بد أن يمر ببعض التقلبات والنكسات قبل أن يستقر على نمط وتقاليد محددة.