جنوب فرنسا لا يزال قبلة للأثرياء

قيمة العقارات فيه تتحدد حسب الموقع والمناظر الطبيعية

العقارات الفرنسية الفاخرة نادرة العرض في السوق («الشرق الأوسط»)
TT

في أسواق العقار تتغير الكثير من المعايير والأسعار عبر مرور الزمن، ولكن تبقى هناك ايضا بعض الثوابت؛ ومنها منطقة الجنوب الفرنسي التي ظلت منذ اكثر من قرن قبلة للاثرياء الاوروبيين وغيرهم، يتمتعون فيها بالطبيعة الخلابة والطقس المعتدل. وهي من المناطق القليلة في العالم التي تتزايد فيها اسعار العقار عاماً بعد عام مهما كانت متغيرات الاسواق الأخرى. كما تحتفظ برونقها كمنطقة ارستقراطية وتفتح ابوابها سنويا لهؤلاء الذين يتوجهون اليها في عطلات قصيرة، بينما يتمتع بمزاياها الدائمة من يقيم فيها طوال العام. وهي من المواقع التي تبدو فيها جدوى الاستثمار عالية حتى في ظروف اسواق العقار الحالية.

وتعرف المنطقة بوجه عام باسم الريفييرا الفرنسية، وهي تتكون من ثلاث مناطق رئيسية هي كاب دانتيب، وكاب فيرات، وهما معروفتان للسياح، بينما تختبئ المنطقة الثالثة شرق إمارة موناكو، وتعرف باسم كاب سان مارتان، وهي منطقة تجذب كل من يزورها للبقاء فيها. ويعتمد سوق العقار فيها على العاملين بامارة موناكو التي يقطن نحو 30 الفا من العاملين فيها خارجها. وكانت المنطقة تاريخيا مقاطعة خاصة حتى عام 1886 حين عرضها مالكها الارستقراطي على الحكومة المحلية بثمن لا يزيد على 120 الف فرنك. ولكن العرض رفض لأن الحكومة اعتبرت الثمن باهظا. وفي عام 1889 اشتراها مستثمر بريطاني اسمه كالفن وايت، ثم باعها بالقطعة وكون من فكرته ثروة طائلة. وفي الماضي، توافد على المنطقة العديد من الاثرياء والمشاهير الذين عاشوا فيها، وكان من اشهرهم يوجيني، ارملة نابليون الثالث. واليوم، تؤكد شركة العقار الدولية المتخصصة في عقارات منطقة الريفيرا، «بيرغر ـ سوذبي» ان سان مارتان ما زالت حكرا على الاثرياء وتنتعش اسعار عقاراتها عاماً بعد عامٍ. ووفقا للشركة يعود هذا الانتعاش الى عدة عوامل؛ منها ان قيود البناء الصارمة بالمنطقة تم تخفيفها في أخيراً، الامر الذي اتاح بناء المزيد من العقارات فيها واضاف قيمة الى عقاراتها. كما زاد الاقبال في السنوات الاخيرة من المستثمرين الدوليين، خصوصا من الشرق الاقصى وروسيا والشرق الاوسط. وتطل معظم الفلل في المنطقة الجبلية على البحر وتتمتع بمشاهد خلابة. وتضيف «بيرغر ـ سوذبي» ان من بين العقارات المتاحة الآن في سان مارتان فيلتين بمساحة 500 متر و300 متر مربع على التوالي، وكلاهما بمشاهد بانورامية على البحر. اما الثمن المطلوب فهو تسعة ملايين وسبعة ملايين يورو على التوالي. وتقول مديرة فرع الشركة المحلي كارولين غابيسون في بيان ان اسعار العقار في هذه المنطقة تعد من الاعلى في العالم، ولكنها تؤكد ان هناك بعض العقارات معقولة السعر ما زالت متاحة، وان كانت من الطراز القديم وتحتاج الى ترميم، ومنها فيلا مساحتها 280 مترا مربعاً بحمام سباحة ومشاهد رائعة، ولكن بحالة متدنية تحتاج الى تجديد شامل، تم بيعها في الاسابيع الاخيرة الى مستثمر من موناكو بسعر 2.75 مليون يورو. كما بيعت أخيراً ايضا فيلا مساحتها 300 متر مربع لمستثمر روسي بسعر 2.5 مليون يورو. وتوجد فيلا معروضة للبيع الآن بسعر 1.7 مليون يورو تقع في منطقة هادئة وتطل على البحر، ولكنها تحتاج الى ترميم شامل. وتعتقد كارولين ان التجديد يمكن ان يضاعف من قيمة العقارات في غضون عامٍ واحدٍ. ولكن هذا النوع من الاستثمار لا يلائم المستثمر الذي يريد ان ينتقل الى عقاره الجديد فورا. ويمكن اعتبار كابيه التي تطل على الساحل من الشرق بالقرب من امارة موناكو، من المناطق التي يجب ان يسعى اليها المستثمر الاجنبي أولا، وهي تتميز بالهدوء والسكينة، وتخلو من المنافذ التجارية مثل المطاعم والمقاهي، ولا تعرض فيها العقارات إلا نادراً. وعندما تعرض العقارات فيها تكون باهظة الثمن. وهناك عدة قرى قريبة تضم مختلف المنافذ التجارية. ويقيم في هذه المنطقة العديد من الاوروبيين من جنسيات مختلفة زاروها في الماضي ووقعوا في غرامها. ولا تسمح هذه القرى بالسيارات داخلها حيث شوارعها الضيقة مخصصة للمشاة فقط. ويعني هذا المزيد من الهدوء مع نظافة المناخ من عادم السيارات. ويمكن استخدام مواقف السيارات خارج القرى والانتقال اليها على الأقدام. وتعاني معظم العقارات التي تقع في القرى من ضيق المساحة، ولكن هناك استثناءات نادرة مثل منزل واسع به ملحق خاص وحمام سباحة ويطل على البحر تعرضه «بيرغر ـ سوذبي» بحوالي اربعة ملايين يورو.

ووفقاً للعديد من العقارات المعروضة في المنطقة على الانترنت، خصوصا على موقع سوذبي أو فرنك نايت، تبدأ الاسعار من حوالي 200 الف يورو لشقق متواضعة من غرفة واحدة، بينما تبدأ الفلل من حوالي مليون يورو. وتحافظ المنطقة على قيمتها بقربها الجغرافي من موناكو، كما انها ايضا قريبة من الحدود الايطالية، الامر الذي يجعلها جذابة ايضا للايطاليين. «كاب دانتيب»: منطقة تقع غرب مطار نيس وتطل على البحر في شكل شبه جزيرة صغيرة. ويقول مدير «كاب انترناشيونال»، وهي شركة عقارات محلية، ان الاسعار فيها تضاعفت في الاقل منذ عام 2000. وتبدأ من مليون يورو، الامر الذي يجعلها مقصورة على طبقة معينة من المستثمرين. ولكن حتى بهذا السعر لا يحصل المشتري إلا على فيلا مساحتها 150 متراً مربعاً على ارض مساحتها 400 متر مربع لا تطل على البحر.

ولكن فيلا تقع على ضعف المساحة وتطل على البحر بمشاهد محدودة، تبدأ بأسعار لا تقل عن اربعة ملايين يورو. ولمن يريد المشاهد البحرية البانورامية، فهو يحتاج الى عشرة ملايين يورو. وفي الجنوب على البحر مباشرة يقع خليج المليارديرات الذي يتكون من 14 فيلا خاصة لا يقل ثمن الواحدة عن 100 مليون يورو. واشهر فيلا في هذا الخليج كان يسكنها الثري البريطاني الذي حمل لقب دوق وندسور بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنها ذهبت ضحية حريق هائل في السبعينات. وظلت الفيلا مهجورة لسنوات طويلة حتى اشتراها الثري الروسي رومان ابراموفيتش أخيراً، وهو يقوم الان بتجديدها تجديدا شاملا.

وتضم منطقة كاب دانتيب حاليا نحو 2000 عقار تقع في شبه الجزيرة التي كانت منطقة وعرة شاغرة منذ 150 عاما فقط. وكانت بداية تطويرها من مستثمر فرنسي اشترى مساحة من الارض فيها وقام باستيراد التربة الخصبة لإقامة حديقة كبيرة سرعان ما جذبت انتباه العديد من المستثمرين الآخرين الذين اقاموا منتجعاً ثم عدة فنادق قبل ان تتطور المنطقة بدخول العديد من الاثرياء الآخرين للاقامة فيها. وبلغت المنطقة أوج تطورها في عشرينات القرن الماضي عندما تحولت الى منتجع للاثرياء، كما زارها منذ ذلك الوقت العديد من مشاهير واثرياء العالم الذين اقاموا فيها او زاروها على نحو دوري. وتحتفظ المنطقة بروح العشرينات حتى الآن وفقا لشركة «جون تايلور» المحلية التي تتخصص في العقار الفاخر حيث يقول مديرها آلان تشكالوف ان المناخ السائد في المنطقة مريح ويختلف تماما عن روح «كاب فيرات» التي تبعد عنها عدة اميال. ويضيف ان من يسكن في المنطقة لفترة لا يرضى عنها بديلا ولا يرغب في السكن حتى في مناطق الجنوب الفرنسي الاخرى.

وعلى موقع احدى الفلل القديمة التي يعود تاريخها الى القرن الماضي، يقام حاليا مشروع شقق سكنية سوف تكتمل عام 2009، وهي تطل على البحر مباشرة وتباع بسعر 20 الف يورو للمتر المربع الواحد. وتعود هذه القيمة الى ندرة الشقق السكنية في المنطقة، وخصوصا تلك التي تطل على البحر.

من جهتها، تقول مديرة شركة «جي جي سي» العقارية في كاب دانتيب ان احد اهم المواقع الاستثمارية يقع شمال المنطقة في مواجهة الميناء. فالأثرياء من أصحاب اليخوت ما عليهم إلا عبور الشارع لكي يصلوا الى عقاراتهم. وتتراوح الاسعار في هذه العقارات بين 10 إلى 12 الف يورو للمتر المربع الواحد. ولا توجد عقارات في المنطقة حاليا معروضة للبيع، ولا يوجد في سجلات الشركة من العقارات الساحلية سوى شقة مساحتها 85 مترا مربعاً شرق كاب دانتيب يقارب سعرها المليون يورو.

وعلى الرغم من ان الاراضي نادرة في المنطقة إلا ان هؤلاء الذين يقررون بناء عقاراتهم بأنفسهم الالتزام التام بشروط الترخيص من بلدية انتيب. وتشير «انتيب ايموبيلييه» العقارية الى ان انتظار الترخيص يستغرق احيانا عدة سنوات، وان اصحاب العقارات لا بد لهم الالتزام بكل الشروط، فحتى لون العقار تفرضه البلدية. ومن الفلل التي بنيت في العام الاخير التزم صاحب المشروع بلون أحمر فرضته عليه البلدية حتى تتوافق الفيلا مع خلفيتها الجبلية التي تكتسب اللون نفسه.

وفي حالة مستثمر روسي آخر، اغفل قواعد البناء المحلية ودفع الثمن غاليا. فقد اشترى المستثمر فيلا تاريخية محفوظة ضمن سجلات العقارات التاريخية التي يجب المحافظة عليها. وأغفل المستثمر هذه السجلات، وهدم الفيلا لكي يقيم مكانها فيلا فاخرة اكبر حجماً، ولكن الموقع ما زال شاغراً حتى الآن حيث ينص القانون على منع البناء على مواقع العقارات التاريخية التي تم ازالتها بطرق غير شرعية.

مستثمر اخر في فيلا على الشاطئ، قرر توسيعها بمساحة 1600 متر من دون الحصول على اذن قانوني، وعلى الرغم من ان التوسعة كانت تحت الارض وجرى تغطيتها بأحجار صناعية إلا ان التوسعة انكشف سرها عام 1990، فأمرت البلدية بهدم كل الفيلا عام 2002. ويعرف اهل المنطقة من الروس والانجليز والالمان هذه القصص ويروونها للتندر من قسوة القوانين المحلية وضرورة الالتزام بها. والجنسية الغالبة بين المستثمرين الاجانب في المنطقة هم الانجليز الموجودون فيها منذ سنوات طويلة، ولكن الروس دخلوا السوق بقوة في السنوات العشر الاخيرة. ويتوجه الانجليز في العادة الى تجديد العقارات ثم بيعها، ولكن الروس يحتفظون بعقاراتهم لفترات طويلة. ومن بين الفي عقار بالمنطقة يعرض للبيع سنويا حوالي 50 عقاراً فقط. وكلما كان ثمن العقار باهظا، كان البيع اسرعَ! ومن أندر العقارات التي ينتظرها السوق تلك التي تطل مباشرة على البحر بشاطئ خاص بها، وفي منطقة «كاب دانتيب» كلها لا يوجد سوى 20 فيلا بهذه المواصفات طبقا لشركة «جي جي سي» العقارية. وهناك العديد من الزبائن المنتظرين بميزانيات تتراوح بين 60 ومائة مليون يورو من اجل التقاط مثل هذا العقارات النادرة فور وصولها الى السوق. ولكن من الاسهل كثيرا استئجار هذه العقارات حيث يفضل ملاكها عرضها للتأجير موسميا من اجل تغطية تكاليف صيانتها. وهناك بعض الفلل المتاحة في شركات العقار المحلية للايجار تغطي هذه المواصفات ولكن بإيجارات لا تقل عن مائة الف يورو في الشهر الواحد. وهناك المزيد من الاقبال على العقارات الفرنسية وفقا لإحصاءات مؤسسة «موني كورب» المتخصصة في تحويل العملة، فهي تقول ان الاستفسارات الاوروبية على العقار الفرنسي زادت في العام الاخير بنسبة 34 في المائة، وهي تقدر ان اسعار العقار الفرنسي ما زالت ادنى من العقارات البريطانية بحوالي 30 في المائة في المتوسط.

ومن الضروري العثور على محام فرنسي يتحدث لغات غير الفرنسية حتى يمكن التعامل معه في حالات قصور الالمام باللغة الفرنسية. ويمكن لهذا المحامي ان يكون حلقة الوصل بين شركة العقار والبنك والادارات الحكومية. ولابد من توفير ميزانية اضافية من اجل تغطية اي تكاليف لم تدخل في الحسبان من البداية. ويمكن الاقامة في فندق قريب اثناء انهاء الاجراءات او اذا كان العقار يحتاج لبعض اعمال الصيانة والتجديد.