تركيا تجذب العرب عقاريا وسياحيا.. بعد مسلسل «نور»

الإقبال على الزيارة زاد 3 أضعاف الصيف الحالي

مشاهد تركية لها الأثر في جذب السياحة والاستثمار الأجنبي («الشرق الأوسط»)
TT

تتفوق مقاطعة بودروم التركية بجمال طبيعي متنوع على شاطئ البحر المتوسط يمتد لمسافة 600 ميل على الأقل، ويضارع الريفييرا الفرنسية جمالا ورومانسية. وقد ظل الشاطئ مقصورا على الأتراك منذ الثلاثينات حينما كان يرتاده صيفا الفنانون والأثرياء الذين يعيشون في المدن التركية الرئيسية. ولم يتغير هذا الواقع حتى التسعينات، حينما عرض التلفزيون البريطاني برنامجا حول العقار الأجنبي عنوانه «مكان تحت الشمس»، سجلت من خلاله عدة حلقات على الشاطئ التركي، وأسفر عن سفر مئات الآلاف من المستثمرين البريطانيين إلى المنطقة للشراء فيها. وما زال البريطانيون يمثلون حتى الآن الأغلبية بين المستثمرين الأجانب في العقار التركي.

لكن الموجة الثانية للاستثمار العقاري يبدو أنها بدأت هذا الصيف، هذه المرة من العرب، والسعوديين تحديدا، بعد نجاح مسلسل «نور» الذي تم تصوير بعض مشاهده في المنطقة. وبدأت الموجة سياحيا بالسفر هذا الصيف إلى تركيا بدلا من وجهات سفر أخرى، وتتبلور الموجة الآن إلى نشاط عقاري لاقتناء عقارات سياحية في تركيا بعضها مخصص فقط لزيارات العطلة السنوية.

ويبدو ان مسلسل الدراما التركية الذي غزا الفضائيات العربية أخيرا، جدد علاقة الود التي كانت تجمع بين العرب والسياحة التركية في فترة التسعينات، لكن هذه المرة بغرض مزدوج سياحي وعقاري.

ولم ينتظر الكثير من المشاهدين العرب للمسلسل التركي متابعة بقية حلقاته الجديدة لمعرفة المزيد من الأحداث، بل حزموا حقائبهم وسافروا إلى تركيا للسير في الشوارع التي سار فيها أبطال المسلسل، والجلوس في المطاعم نفسها التي جلسوا فيها، بل وارتداء الملابس ذاتها التي ارتداها بعض النجوم!. ومع ذلك كان التأثير الأكبر عقاريا، حيث تزدحم شركات العقار التركية في الكثير من المواقع السياحية باستفسارات من العرب الزائرين حول الأسعار والمواقع، الأمر الذي تؤكد مصادر تركية انه سوف يقود إلى عمليات شراء على نطاق واسع. وانعكس الطلب العربي على الأسعار التي زادت في العام الأخير بنسبة 20 في المائة على الأقل، خصوصا في قطاع الفيلل والشقق الساحلية. وتبدأ الأسعار من حوالي 180 ألف دولار للشقق، و288 ألف دولار للفيلل، وهي ضعف ما كانت عليه في منتصف التسعينات. وتشير شركة «نتورك تركيا» للمعلومات، ان اسباب استمرار الإقبال على العقار التركي على الرغم من أزمة الائتمان، هي أنها ارخص من مناطق أخرى مثل إسبانيا وتتمتع بمناخ معتدل ووجبات مشهورة وضيافة جيدة. وهي تضيف أن تركيا بها من الآثار الإغريقية أكثر مما في اليونان نفسها، ومن الآثار الرومانية أكثر مما هو في ايطاليا. وتنتشر هذه الآثار على مساحات واسعة في العديد من المدن، تقع أيضا تحت مياه البحر المتوسط بالقرب من بعض الشواطئ.

وحتى منطقة المارينا في مدينة بودروم مليئة حتى طاقتها باليخوت الفاخرة، الى درجة أن المارينا الجديدة في مدينة ياليكفاك، اصبحت مركزا بحريا مهما في حد ذاتها بعد ان كانت قرية لصيد الأسماك. ويمكن العثور على عقارات من سعر 160 ألف دولار للشقق، و220 ألف دولار للفيلل. واكملت شركة «ميداس» البريطانية أخيرا المرحلة الأولى من مشروع معماري لبناء فيلل على الطراز التركي بالتعاون مع شركة تركية. وتقول الشركة إنها باعت معظم وحدات المرحلة الأولى لرجال أعمال ودبلوماسيين بريطانيين اشتروها من اجل التقاعد.

من قصص النجاح في المجال العقاري التركي البريطاني ايان برنيت وزوجته من مانشستر، اللذان يعرضان فيلا للبيع بحوالي مليون دولار بها أربع غرف وأربعة حمامات وتطل على البحر. واستغرق تحديث الفيلا نحو عامين، لكنها حققت ضعف الثمن والتكاليف التي أنفقت عليها. ويعمل الزوجان في مجال تأجير العقارات، وهي أيضا مهنة يمكن ان ينجح فيها عرب لو قرروا الإقامة في تركيا وتعلم اللغة من اجل صيانة وتأجير العقارات التي يملكها عرب آخرون. ويبلغ متوسط العائد الايجاري على العقارات في تركيا بعد خصم كافة التكاليف حوالي سبعة في المائة من ثمن العقار. وتحصل شركات الإدارة على نسب تتراوح بين 10 و20 في المائة من قيمة الإيجار.

ويعتبر الأجانب الذين اشتروا سابقا في تركيا محظوظين لوجود بعض القيود التي تفرضها تركيا على شراء الأجانب في بعض المناطق. وتعود هذه القيود الى بعض الشروط التي طلبتها تركيا عند توقيعها معاهدة لوزان. وتصف تركيا المناطق المحظور فيها شراء الأجانب، بأنها مناطق عسكرية، ومنها كل السواحل التي تطل على جزر يونانية. ويجب على كل المشترين الأجانب توثيق عقود الشراء مع الحكومة للتأكد من أن عقاراتهم لا تقع في مناطق محظورة. وتغلق تركيا قريبا ثغرة قانونية أخرى كانت تتيح للأجانب شراء العقارات في كل المواقع عبر تكوين شركات تركية محدودة واستخدامها في الشراء. كما يشترط القانون التركي شراء الأجانب لوثائق التأمين ضد الزلازل، وذلك بعد كارثة عام 1999، التي راح ضحيتها حوالي 15 ألف شخص من الزلزال الذي ضرب شمال غربي البلاد. وتلتزم كافة العقارات التي بنيت منذ عام 2000 بشروط أمان ضرورية لتحمل أي هزات أرضية متوسطة القوة. وهنا أيضا تظهر ثغرة أخرى لا بد من التنبه إليها وهي ان الكثير من العقارات المشيدة قبل الألفية لا تلتزم بشروط السلامة ويجب تجنبها تماما، لأنها بنيت من جمعيات تعاونية كانت تهتم بجوانب التكلفة أحيانا أكثر من السلامة. وتباع هذه العقارات رخيصة نسبيا، ولا يزيد ثمن الفيلا عن 150 ألف دولار، لكنها تعاني من الرطوبة شتاء وتحتاج إلى الكثير من الصيانة.

ومعظم العقارات المعروضة للبيع الآن بنيت في موجة الانتعاش التي بلغت ذروتها في عام 2006، وهي عقارات تقع في الفئات المتوسطة في السوق وبها اكبر نسبة من الفائض المعروض للبيع، لأنها جميعا كانت ممولة من الاستثمار الأجنبي خلال فترة الطفرة.

وتعتقد شركة «بليس اوفرسيز» التي تسوق العقارات التركية على الانترنت ان سواحل بودروم تشبه الى حد كبير منطقة سان تروبيه الفرنسية في الماضي، وهي تجذب المشترين حتى في القطاع الفاخر لان الفيلل المشابهة لتلك المتاحة في فرنسا تقل عنها في الثمن بحوالي 30 في المائة. وتأمل الشركة ان تكون تركيا أكثر حرصا في تطوير سواحلها عما كان عليه الوضع في فرنسا وإسبانيا التي حولت بعض المناطق الرائعة إلى غابات من الاسمنت.

وعند الشراء من أفراد يتعين على المشتري الاستعانة بمحام تركي لفحص التعاقد والتأكد من عدم وجود ديون على العقار ومراجعة تراخيص البناء. ويمكن تكليف المحامي للقيام بهذه الإجراءات في غياب المشتري بتوكيل رسمي. وتشمل الإجراءات مراجعة الجهات العسكرية للتعاقد وفق المنطقة التي يقع فيها العقار وإصدار الموافقة على نقل الملكية.

وبعد انتهاء كافة هذه الإجراءات يتعين على المشتري دفع بقية الثمن المتفق عليه لاستكمال الصفقة. وتبلغ نسبة الضرائب المختلفة المستحقة على صفقات العقار حوالي ثمانية في المائة من قيمته.

ويحتاج المسافر إلى تركيا الحصول على تأشيرة دخول، حتى ولو كان يملك عقارا فيها. وتختلف الشروط من دولة لأخرى، لكنها لمواطني أوروبا تمنح لمدة ثلاثة أشهر متعددة السفريات وبتكلفة لا تزيد على 15 يورو. ولمن يريد البقاء في تركيا لفترات أطول عليه التقدم للحصول على تأشيرة إقامة في الإدارات الحكومية المحلية ويمكن لشركات بيع العقار المساعدة على إنهاء تلك الإجراءات.

وتستغرق عملية نقل الملكية العقارية عدة شهور في الوقت الحاضر للحصول على كافة التراخيص الحكومية والعسكرية وتعد الحكومة التركية بأنها سوف تسهل الإجراءات لكي تنتهي في عدة أسابيع. كما يحفظ القانون التركي كافة الملكيات الأجنبية للورثة في حالة وفاة المستثمر.

ويمكن تأجير العقارات الشاغرة في تركيا من شركات متخصصة، مثل «مركز العقارات التركي» الذي يطلب في العادة نسبة 20 في المائة من قيمة الإيجار السنوي. ويمكن لهذه الشركات أيضا القيام بعمليات الترميم والإصلاح للعقارات القديمة. كما يمكن لشركات بناء تصميم العقارات على الأراضي التي يشتريها المستثمر بعد الحصول على تراخيص البناء. وفي حالات البيع يمكن تصدير الأموال من تركيا بلا متاعب عبر البنوك الرسمية. وتنظر شركات العقار الدولية الى السوق التركي ضمن إطار الأسواق الواعدة، خصوصا أن تركيا تقف على أبواب عضوية الاتحاد الأوروبي، كما أن الأسعار فيها ظلت ترتفع في السنوات الماضية على رغم المشاكل التي لحقت بالأسواق الأخرى من جراء أزمة الائتمان، وهي سوق تتمتع بنسب أمان أعلى منها في أوروبا.

الاهتمام العربي: وفي تصريح لموقع «أسواق.نت» قال المستشار السياحي التركي في الرياض الدكتور صالح اوزار، إن عدد السياح السعوديين المتوقع في تركيا هذا الصيف تضاعف ثلاث مرات من 30 الى 100 ألف سائح، وعزا هذا التأثير إلى نجاح المسلسلات التركية. وأشار إلى أن عدد السياح بوجه عام ارتفع في تركيا هذا الصيف بنسبة 19 في المائة إلى 3.3 مليون سائح، منهم نسبة كبيرة من العرب. وفسر هذا الارتفاع الملحوظ بأن العديد من الزوار الخليجيين تعلقت أفئدتهم بمسلسل «نور» أو مسلسل «سنوات الضياع» وقرروا الحضور لزيارة تركيا.

وأضاف أن الدراما التركية قدمت الثقافة الاجتماعية التركية، وأسهمت في إلقاء الضوء على أسلوب حياة الأسر التركية، ونقاط التقارب مع المجتمعات العربية، وهو ما جعل كثيرين من العرب يسعون إلى السفر لتركيا من أجل مشاهدة الأماكن الطبيعية التي شاهدوا فيها أبطال مسلسلهم المفضل.

كما أشارت بعض مكاتب السياحة السعودية مثل الطيار والمهيدب إلى أن الإقبال على السفر الى تركيا زاد زيادة ملحوظة هذا الصيف، الأمر الذي أسفر عن زيادة رحلات الطيران إليها، على الرغم من ارتفاع أسعارها مقارنة بالأسواق الأخرى وشبهة تفضيل الأتراك للسائحين الأوروبيين عن العرب. وكان العرب معتادين على السفر الى تركيا من السبعينات، إلا ان وجهات منافسة جذبت اهتمامهم مثل ماليزيا والهند ودبي. لكن المسلسلات التركية أعادت تركيا للواجهة مرة أخرى!.

وقالت مصادر من شركة المهيدب إنه لا توجد حجوزات على رحلات كلٍّ من الخطوط الجوية السعودية ونظيرتها التركية الى تركيا حتى نهاية الصيف الحالي تقريبا. وأضافت أن الإقبال على تركيا كوجهة سياحية عربية سجل أرقاما غير مسبوقة خلال هذا العام، وباتت تركيا تنافس بقوة الوجهات الأخرى التي اعتادوا عليها كمصر ودبي وأوروبا وأميركا وماليزيا. وتوقعت مصادر من شركة المهيدب أن يزيد عدد السياح السعوديين إلى تركيا الصيف الحالي على 100 ألف سائح، مقارنة بنحو 25 إلى 30 ألفا في العام الماضي، وأشارت إلى أن الكثير من السعوديين يتجهون إلى تركيا عن طريق دبي أو دول الخليج الأخرى أو سورية.

وتذكر مصادر خبرية على الانترنت ان المسلسل التركي خلق صورة مبدئية عن الأتراك بأنهم شعب طيب يعيش في بلاد خضراء جميلة، بل ان التأثير وصل الى سفر بعض الشباب الخليجي الى تركيا بغرض السياحة.. والزواج!.