السعوديون يتخلون عن «الأمان الزائد» في العقارات بسبب أسعار مواد البناء

3 آلاف مكتب هندسي تستنفر بوضع حلول بديلة لتقليل التكاليف

تجري دراسات عديدة في السوق العقاري وسوق البناء لوضع بدائل للمواد المكلفة في عمليات بناء الوحدات العقارية («الشرق الأوسط»)
TT

تعكف مكاتب استشارات هندسية سعودية على عمل دراسات تمكنها من وضع حلول لمواجهة استمرار ارتفاع أسعار مواد البناء، وكسب ود ملاك، بالإضافة إلى مطوري العقار من خلال توفير مواد بديلة تقلل من استخدام مواد البناء وخفض كمياتها. في حين ذهب الكثير من أصحاب العقار والمستثمرين إلى إعادة النظر في آلية اختيارهم لتصاميم البناء مع المستشارين الهندسيين، الأمر الذي سيحدث تغيرا في معالم سوق العقار السعودي، ذلك باللجوء إلى أشكال هندسية جديدة تضمن جودة وجمالية المباني وقلة التكلفة في آن واحد.

فبجانب الحاجة المتزايدة للخدمات التي تقدمها تلك المكاتب في ظل تطور وتزايد الحاجة الفعلية للمشاريع المختلفة في البلاد، والطفرة العمرانية الهائلة، برزت حلول للتخفيف من انعكاس ارتفاع الحديد ومواد البناء على حركة الإنشاءات عموما، حيث تم اللجوء إلى مراجعة حسابات التسليح والتخلي عن مبدأ الأمان الزائد، الذي يؤدي إلى استهلاك كميات كبيرة من الحديد ومواد البناء، حيث إنه يمكن خفض معدل تلك الكميات باستبعاد أي مكونات لا تأثير حقيقيا لها سوى زيادة التكاليف.

وحيث إن البلاد مقبلة على مشاريع عقارية وعمرانية متعددة، فإن ذلك سيعمل على تفعيل حالة المادة البديلة في البناء التي تؤدي نفس الغرض وتعمل على تغطية الطلب المتزايد على مواد البناء في الفترة الحالية، التي تشهد منافسة كبيرة بين شركات التطوير العقاري لإنجاز اكبر قدر من الوحدات العقارية للاستفادة من تعطش السوق العقاري في الطلب على الوحدات العقارية بمختلف أنواعها.

وبين المهندس عدنان الصحاف، نائب الأمين العام للهيئة السعودية للمهندسين، أن سوق المكاتب الهندسية في السعودية يشهد تطوراً غير مسبوق، حيث يقدر معدل نمو سوق الاستشارات الهندسية بـ40 في المائة، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن عدد المكاتب الهندسية تجاوز الـ3 آلاف مكتب.

وأوضح الصحاف أن الطلب متزايد على البناء، وذلك لكثرة مشاريع الإسكان الضخمة وعمليات التطوير العقاري للمساكن، لافتاً إلى أن عمليات الخروج من البناء التقليدي ما زالت محدودة، حيث لم يشاهد فعلياً مشاريع حقيقية اعتمدت خفض التكاليف.

وذكر المهندس عدنان أن المكاتب الهندسية تقوم حالياً بدراسات لتخفيض التكلفة وتقليل المواد، حيث تعتمد تلك الدراسات على تحديد احتياجات المباني الضرورية وتوفير مواد بديلة تغني عن الكميات الهائلة من المواد الخام التي طالها موجات ارتفاع الأسعار، فبعدما كانت تصاميم المباني والمشروعات في السعودية تتضمن كميات زائدة عن اللزوم من حديد التسليح والمواد الأخرى، واعتماد المهندسين الاستشاريين دائما سياسة الاحتياط في تصاميمهم، أصبحت المسائل الإنشائية تخضع لعمليات حسابية دقيقة قبل إعطاء أي رقم.

وأضاف المهندس الصحاف أن قدرات المكاتب الاستشارية تتنوع من مكاتب عالية المستوى ذات إمكانات عالية تمتلك حسب اختصاصها إمكانات عالية في التخطيط العمراني والإبداع المعماري والتميز الهندسي بجانب الأداء الإداري المتفوق، وبعدها تأتي مكاتب متوسطة المستوى تتمتع بإقبال كثير، ثم يأتي بعد ذلك مكاتب صغيرة ضعيفة المستوى تحتاج إلى كثير من الجهد والاستعانة بالخبرات الفنية المتخصصة للارتقاء بمستوى الخدمات المعمارية والهندسية الاستشارية لديها.

من جانبه، أكد الدكتور عبد الله المغلوث، مدير مجموعة المغلوث التجارية، أن سوق العقار سوق واعد، ونظراً لتعدد مجالاته من بناء الأبراج والمجمعات التجارية إلى الوحدات السكنية والعمائر التجارية، يسعى الملاك والمطورون العقاريون إلى بناء أشكال جمالية وهندسية متطورة في تصاميمها، تعتمد في المقام الأول على قوة وجودة عمل المكتب الهندسي. مشيراً إلى أن خفض تكاليف البناء من خلال وجود الهندسة القيمية، خصوصاً بعد ارتفاع أسعار مواد البناء، يعد أهم الخطوات الأولية وأكثرها ضرورة.

وزاد المغلوث أن توجه مطوري العقار لمشاريع معمارية تعتمد على الأشكال الهندسية الحديثة والتصاميم الجمالية، أوجد منافسة كبيرة بين المكاتب الهندسية على عمل مخططات بأسعار مكلفة، مرجعاً السبب في ارتفاع أتعاب المكاتب الهندسية الاستشارية، إلى الملاك والمطورين العقاريين والبلديات والأمانات، حيث تسعى تلك الجهات الرسمية إلى فرض اشتراطات فنية في المخططات، مما يزيد الكلفة على المالكين وعلى المكاتب الهندسية.

وتوقع الدكتور عبد الله المغلوث أن المكاتب الهندسية ستشهد ارتفاعا في أتعابها، عندما يطبق نظام كود البناء الجديد الذي أقرته وزارة الشؤون البلدية والقروية أخيراً، حيث إن وضع الاشتراطات والمواصفات والمعايير في المخططات يزيد من تكاليف المكاتب الهندسية.

وبين محمد هشام عطية، صاحب مكتب العطية للاستشارات، أنه خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة شهد سوق الاستشارات الهندسية تأثيرات سلبية بسبب ارتفاع الأسعار، أدت إلى إيقاف تنفيذ عدد من التصاميم، مضيفاً أن كثيرين لجأوا إلى اختيار مساحات صغيرة لبناء وحداتهم السكنية، وتقليل حجم الغرف، للحد من التكاليف الزائدة، والاعتماد على المخططات الاقتصادية. وأشار المهندس عبد اللطيف شهاب، مدير المشاريع بمكتب خزام الهندسي، إلى أن السنوات الأخيرة من سوق الهندسة المعمارية لوحظ فيها توجه كبير نحو الطرازات الجديدة من المباني، خصوصاً الوحدات السكنية والعمائر التجارية، وذلك لما تتمتع به تلك الطرازات من مميزات تجذب الملاك مثل قلة التكلفة والحداثة المعمارية والأشكال الجميلة إضافة إلى بساطة تصاميمها وانسيابيتها، لافتاً إلى أن التصاميم الهندسية تتمتع حالياً بمستوى عال من الجودة.

وذكر شهاب أن المكاتب الهندسية توفر استشارات وحلولا معمارية تضمن جودة عالية بتكاليف أقل، وذلك من خلال مواد بديلة تقلل من استخدام الحديد ومواد البناء الخام غير الضرورية. مبيناً أن أتعاب المكاتب الهندسية ارتفعت أخيرا وذلك للطلب المتزايد على المهندسين، حيث إن السوق يشهد نموا في كافة المجالات من مشاريع حكومية وأهلية، الأمر الذي أدى إلى تأجيل بعض المشاريع، نظراً لقلة المقاولين والمكاتب الهندسية.

وفي ما يتعلق بالنشرات التفصيلية التي توضح تصاميم المباني الهندسية والية تنفيذها التي تعرف بمخططات ما بعد التنفيذ، أوضح شهاب أن اغلب شركات التطوير العقاري الكبرى تشترط تلك الوثائق من المكاتب الهندسية وذلك لما لها من دور في عمليات تسويق المباني، إضافة إلى أنها تمثل ضماناً لجودة البناء في المستقبل لدى شركات التطوير وعملائها، بينما شدد محمد عطية على أهميتها، حيث إنها تشكل ضماناً للحقوق، مضيفاً أن الكثير من الملاك ومستثمري العقار لا يولون لها أهمية كبرى.