تقرير حكومي بريطاني: الشلل والركود في الأسواق العقارية يستمر إلى 2010

تراجع القروض الممنوحة بنسبة 70% عن العام الماضي

يعيش سوق العقار البريطاني أزمة مستعصية (تصوير: حاتم عويضة)
TT

أسواق القروض العقارية ستبقى مشلولة لثلاث سنوات على الأقل، هذا ما أكده المدير التنفيذي العام السابق المجموعة «اتش بي او اس» HBOS، سير جيمس كروسبي في تقرير خاص بالحكومة عن أوضاع الأسواق العقارية. وتضم المجموعة بنك هاليفاكس الذي يعتبر اكبر البنوك على صعيد القروض العقارية في بريطانيا منذ سنوات. وجاء ذلك في التقرير اثر التقارير العقارية الأخيرة الكثيرة التي أكدت بالأرقام أن تدهور السوق هو الأسوأ منذ سنوات طويلة، إذ ان عدد القروض الجديدة الممنوحة تراجع الشهر الماضي إلى أدنى حد له منذ الثمانينات. ووصل عدد هذه القروض حوالي 36 ألف قرض في يونيو (حزيران) العام الحالي بعدما كان 41 ألفا في الشهر السابق أي مايو (أيار) من العام الحالي.

ويعني ذلك ان عدد القروض الممنوحة تراجع بنسبة لا تقل عن 70 في المائة عن العام الماضي، مما يعني ركودا وشللا كبيرين في السوق العقاري بشكل عام. وقد وكلت الحكومة او وزير الخزانة اليستر دارلينغ، كروسبي لوضع التقرير ورفع توصيات بالخطوات التي يفترض اتخاذها لإنقاذ السوق العقاري من أزمة الائتمان، وبالتالي إنقاذ الاقتصاد الوطني العام.

وأوضح كروسبي في التقرير ان البنوك والمؤسسات الخاصة بالقروض العقارية تحتاج الى سنوات وليس لأشهر كما كان يعتقد للتأقلم مع التطورات الاقتصادية الأخيرة في بريطانيا والعالم. كما ان أوضاع السوق العقاري الحالية، كما يقول التقرير، تشير الى حصول كثير من المصادرات العقارية وحالات الإفلاس في المستقبل. ويقول كروسبي بهذا الشأن «برأيي.. ان النقص في القروض العقارية المتوفرة في السوق ستتواصل طوال العام الحالي والعام المقبل حتى عام 2010». كما ان سحب الكثير من المنتجات العقارية من السوق واختفاءها سيؤدي الى اختفاء الوسطاء والسماسرة الذين يعتبرون جزءا أساسيا من الحركة التنافسية في السوق من ناحية الأسعار. ويؤكد كروسبي ان البنوك والمؤسسات المالية البريطانية، خصوصا النشطة في سوق القروض العقارية (كانت تبلغ منتجاتها في السوق حوالي 14 ألف منتج عقاري)، تحتاج الى ما لا يقل عن 40 مليار جنيه استرليني (80 مليار دولار)، سنويا ولمدة ثلاث سنوات على الأقل لإعادة ترتيب وتمويل القروض الحالية قبل التفكير بعرض منتجات او قروض جديدة. وتقول هيئة «جمعيات الإقراض العقاري» Building Society، المعروفة بـ«بي اس ايه» BSA، إن خسائر الجمعيات، وهي كثيرة، نتيجة ضعف الأسواق وركودها، بلغت حوالي 700 مليون جنيه الشهر الماضي وحده. ويبدو ان كروسبي قد أحجم عن وضع الكثير من التوصيات العاجلة كما كانت تطمح الحكومة للمساعدة على تحريك السوق، وأبقى تقريره تحليليا بشكل عام، مؤكدا أن من شأن بعض الخطوات التي تفكر الحكومة في اتخاذها تعقيد الوضع وزيادة الطين بلة. وتقتصر التوصيات التي قدمها بثلاث: تغطية الحكومة البنوك والمؤسسات المالية الخاصة بالقروض العقارية، اصدار ضمانات حكومية مؤقتة لدعم القروض العالية الجودة او القيمة، وعدم التدخل بالمرة لأن التدخل قد يضر أكثر مما يفيد ويطيل الأزمة المستعصية.

وحسب برنامج السيولة الذي شرعت به الحكومة في ابريل (نيسان) الماضي، يمكن للبنوك مبادلة القروض العقارية الممنوحة قبل عام 2007 بسندات حكومية للحصول على التمويلات والقروض في الأسواق المالية وبالتالي تحريك السوق وسوق الديون بين البنوك نفسها.

ويقول كروسبي إن بإمكان الحكومة تمديد البرنامج وتوسيعه ليشمل القروض الجديدة التي صدرت بعد عام 2007، او بكلام آخر بعد أزمة الائتمان الدولية التي سببتها القروض العقارية العالية المخاطر في الولايات المتحدة في أغسطس (آب) العام الماضي 2007. إلا أن كروسبي يفضل ألا تتدخل الحكومة وتترك السوق يتعافى ذاتيا، وفي الوقت المناسب مع اضافات بعض الإجراءات الخاصة بالشفافية.

يقول مايكل كوغان في هذا الإطار، إن توسيع برنامج السيولة ضروري لإبقاء سعر القروض على معدلات مقبولة ومنع انهيار في أسعار العقارات والمنازل.

بأية حال فإن تقرير بنك او جمعية «نيشن وايد» التي تعتبر الأكبر في البلاد على صعيد القروض العقارية، قد أكد أن أسعار المنازل تراجعت الشهر الماضي في بريطانيا بنسبة 1.7 في المائة، وان متوسط سعر العقار تراجع ما قيمته 15 ألف جنيه (30 ألف دولار) عما كان عليه العام الماضي، وان حركة السوق هي الأهدأ والأسوأ من فترة طويلة. ويضيف تقرير «نيشن وايد» الخاص بشهر يوليو (تموز) ان تراجع أسعار العقارات بنسبة 1.7 في المائة، يعني أن نسبة تراجع الأسعار السنوية بلغت 8.1 في المائة حتى الآن، مما يعني ان معدل سعر المنزل قد وصل الى حوالي 170 ألف جنيه (340 ألف دولار)، وهذا اقل معدل منذ عامين، أي منذ عام 2006 واقل من معدل الشهر السابق، شهر (يونيو) بحوالي ألفي جنيه (4 آلاف دولار). ويؤكد التقرير، أن أسعار المنازل تواصل تراجعها للشهر التاسع على التوالي، رغم ان معدل سعر المنزل هذا العام لا يزال على ما كان عليه قبل ثلاث سنوات بـ11 ألف جنيه (22 ألف دولار). كما يؤكد التقرير ما جاء على لسان كروسبي، بأن عدد الصفقات العقارية او القروض الممنوحة في يونيو الماضي قد تراجع الى ثلث ما كان عليه في نفس الشهر من السنة الماضية 2007، ليصل الى 36 الف قرض. ويؤكد أيضا ان 22 في المائة من المؤسسات المالية المقرضة تتوقع تراجع عدد القروض الممنوحة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ما من شأنه التأثير سلبا في عدد الصفقات المعقودة، بسبب مخاوف هذه المؤسسات من أسعار المنازل المتراجعة يوميا.

ويبدو أيضا أن تراجع عدد ونسبة المشترين للمرة الأولى في الأسواق قد أضاف المزيد من المشاكل والتعقيدات، وتشير الإحصاءات إلى ان عدد المشترين للمرة الأولى تراجع تقريبا بنسبة النصف (41 في المائة) عما كان عليه العام الماضي. وتفضل هذه الشريحة من الزبائن الانتظار حتى تتراجع الأسعار بشكل اكبر لدخول السوق، مما يوجد حالة من الركود وتراجعا في عدد الصفقات.

يقول السماسرة والمكاتب العقارية، إن نسبة التراجع في عدد الصفقات العقارية المعقودة وصلت الى 40 في المائة، وان عدد المنازل التي يتولاها السماسرة يتراجع بشكل مخيف بسبب شحة القروض العقارية المتوفرة في الأسواق، وربما إحجام أصحاب المنازل عن بيعها بأسعار رخيصة كما تؤكد التقارير الحكومية.. كلما انخفضت أسعار القروض، تمكن السوق من استعادة بعض حركته وبالتالي السيولة التي يفتقدها منذ أشهر، لكن هذا لن يحصل بسرعة كما تشير التقارير الاقتصادية وحالة سوق العقار. لكن إذا ما واصلت أسعار النفط تراجعها وتمكنت الحكومة من لجم التضخم، هناك احتمال بان يحصل تخفيض لمعدل الفائدة العام من قِبل بنك انجلترا (المصرف المركزي) ويعد خبرا سارا للمستقرضين.

وكان تقرير لبنك هاليفاكس قد أكد الشهر الماضي، ان نسبة التراجع السنوية على أسعار العقارات في بريطانيا وصلت الى 6.1 في المائة في يونيو 2008. ووصل معدل سعر المنزل الى قيمته التي كان يتمتع بها عام 2006، أي ما يقارب 170 ألف جنيه. ومع هذا تبقى الأسعار رغم التراجعات الحالية الحادة، أعلى مما كانت عليه قبل عامين بنسبة 2 في المائة، وبنسبة 10 في المائة عما كانت عليه في يونيو عام 2005، و40 في المائة أعلى مما كانت عليه في يونيو عام 2003. وفيما تراجعت أسعار العقارات في مايو الماضي بنسبة 2.5 في المائة وصلت هذه النسبة في يونيو إلى 2 في المائة. ويشير تقرير بنك هاليفاكس إلى أن أسعار المنازل ارتفعت بنسبة 196 في المائة منذ 18 عاما، أي منذ عام 1990. وقد ارتفعت الأسعار لأكثر من 48 ربعا متتاليا منذ الربع الأخير في عام 1995 الى الربع الثالث من عام 2007. ويؤكد تقرير هاليفاكس أن سوق العمل من الأسواق الرئيسية المؤثرة في سوق العقار وان هذا السوق لا يزال صحيا وفي أحسن حالاته، إذ بلغ عدد العاملين والموظفين فيه حوالي 30 مليون موظف وعامل. وقد ارتفع عدد الوظائف في الربع الأول من هذا العام بـ76 ألف وظيفة مقارنة بـ446 ألف وظيفة في نفس الفترة من العام الماضي.

يقول الخبير العقاري والاقتصادي في بنك هاليفاكس مارتن إليس، لـ«الشرق الأوسط»، إن «سعر العقار في البلاد ارتفع بنسبة 150 في المائة خلال العقد الماضي من 72 ألف جنيه إلى 180 ألف جنيه، أي بزيادة قدرها 108 آلاف جنيه». وفيما يؤكد البنك ان أسعار المنازل نمت بنسبة 5.2 في المائة العام الماضي، وصلت نسبة التضخم على أسعار العقارات الى 6.1 في المائة.

ووصلت قيمة العقارات والمنازل بين عامي 1997 و2007 الى 4 تريليونات جنيه استرليني (8 تريليونات دولار). كما بدأ المشترون للمرة الأولى وضع مبالغ مقدمة (دفعة أولى) لشراء عقارات أكثر من أي وقت مضى. وتشير الأرقام الصادرة في الربع الأول من هذا العام، إلى ان 82 في المائة من المستقرضين حاليا يدفعون أكثر من 10 في المائة من قيمة العقار الذي يريدون شراءه. كما أن عدد القروض العقارية التي تبلغ نسبتها مائة بالمائة من قيمة العقار تراجعت بشكل كبير مقارنة بما كان يحصل في الثمانينات والتسعينات، وقد سجل ما لا يقل عن 5 في المائة من القروض الجديدة العام الماضي، بشروط لدفع ما لا يقل عن 35 في المائة من قيمة العقار كدفعة أولى.