باكستان: أسواق العقار تشهد طفرة لم يسبق لها مثيل والعائدات الربحية 40%

الشركات الخليجية والماليزية أكثر الشركات نشاطا في مشاريع التطوير والإسكان

القطاع العقاري في البلاد مثله مثل بقية القطاعات الأخرى عرضة للتقلبات والتطورات التي تعيشها باكستان منذ سنوات طويلة («الشرق الأوسط»)
TT

منذ سنوات عدة يتطلع الناس والمستثمرون في العالم الى الهند والصين كأهم الدول الآسيوية من الناحيتين الاقتصادية والتقنية، ولطالما تم تجاهل باكستان بسبب التوترات السياسية والأمنية التي تعيشها المناطق الحدودية مع أفغانستان، رغم انها من الدول القليلة التي تحد الهند والصين وافغانستان وبحر العرب في الجنوب على حد سواء. وهي الى جانب الهند اقرب الدول الآسيوية الى بلدان الخليج العربي وخصوصا السعودية والإمارات اللتين تتمتعان بعلاقات تاريخية ممتازة مع باكساتان دينيا وإقتصاديا.

واعتبر بعض التقارير الدولية العام الماضي مثل تقرير Grant Thornton International Business Report المعروف بـ (IBR) باكستان الى جانب المكسيك واندونيسيا وتركيا من الأسواق الناشئة والنامية بسرعة التي يفترض مراقبتها في المستقبل بسبب عدد السكان الكبير الذي تتمتع به وما يحمل ذلك من مقارنات مع الصين ورخص الكلفة واليد العاملة وامكانات التصدير الهائلة. وكما هو معروف، فإن باكستان سادس دولة في العالم من حيث عدد السكان الذي يبلغ 170 مليون نسمة تقريبا أي اكثر من روسيا واقل من البرازيل، وثاني اكبر الدول الإسلامية ايضا ما يمنحها امكانات ومواصفات اقتصادية جمة لا يمكن منافستها. وقد أدت الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة للحكومة إلى تقوية الاقتصاد وتنمية القطاعين الصناعي والمالي. كما اعتبرت البورصة في باكستان في مدينة كراتشي بدايات الألفية الثالثة (KSE) من اقوى البورصات الآسيوية وأفضلها اداء. القطاع العقاري في البلاد مثله مثل بقية القطاعات الأخرى عرضة للتقلبات والتطورات التي تعيشها باكستان منذ سنوات طويلة. وهو ايضا عرضة للتطورات الإيجابية التي تعرض لها الكثير من دول العالم على الصعيد العقاري خلال السنوات الخمس الماضية من ناحية النشاط والأسعار، إذ أدى النمو الاقتصادي إلى ارتفاع الطلب على العقارات على جميع انواعها مثل العقارات السكنية والتجارية والصناعية. ووصلت نسبة العائدات الربحية خلال السنوات القليلة الماضية للاستثمارات العقارية الى 40 في المائة تقريبا وهي نسبة عالية، من شأنها جذب المستثمرين من كل حدب وصوب. وتقول مؤسسة «كوليارز» الدولية في تقرير خاص هذا العام عن اوضاع الاسواق العقارية في باكستان، ان قيمة الاستثمارات العقارية الأجنبية والمحلية ارتفعت لتصل الى 7.5 مليار روبية بين عامي 2001 و2005 وان عدد القروض العقارية في البلاد ارتفع عام 2005، الى ما قيمته 8 مليارات روبية ( 133 مليون دولار). ويعتبر هذا تطورا كبيرا على بلد مثل باكستان، التي لم تكن تعرف قطاعا عقاريا منظما وذا هيكلية فاعلة. كما كانت باكستان من دون خبراء في قطاعات التنمية العقارية وإدارتها. ولهذا السبب لم تعرف البلاد ايضا أي مشاريع تطويرية ضخمة او كبيرة قبل الإصلاحات الحكومية الاخيرة. وكان المستثمرون من الطبقة الوسطى أكثر المستثمرين سيطرة على القطاعات العقارية التجارية (مثل الـ«مولز») والترفيهية والتجمعات السكنية الحديثة. كما كانت التمويلات والقروض الخاصة بالقطاع العقاري نادرة وقليلة جدا مما ادى الى نقص كبير في مشاريع بناء المراكز التجارية وغيرها من مشاريع التنمية والتطوير العقاري. وهذا يفسر عدم تأثر باكستان بأزمة الائتمان الدولية وأسواقها العقارية فعليا كما حصل الأمر في الأسواق العقارية المتطورة والحديثة في الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم. باية حال بدأت الاسواق العقارية المختلفة في باكستان بالتبلور تدريجيا وبدأت تأخذ شكلها الطبيعي والرسمي المعروف في جميع البلدان، بعد الإصلاحات الحكومية. وقد قامت الحكومة بحملة دعائية خاصة لإبراز باكستان كأحد اهم المحطات العقارية والاستثمارية بشكل عام التي يمكن الاتكال عليها. وخلال السنوات القليلة الماضية شهدت البلاد ثورة على هذا الصعيد وعلى الصعيد الاستثماري التطويري، وهناك مشاريع تجارية وإسكانية حاليا في جميع المدن الكبرى وعلى رأسها لاهور وكراتشي والعاصمة إسلام اباد. كما يتم العمل حاليا على بناء مرفأ جديد في مدينة غوادار، يقال انه سيصبح اهم واكثر المرافئ ازدحاما في جنوب القارة الآسيوية. الثروات الشخصية ازدادت وارتفعت في البلاد مع النمو الاقتصادي منذ عام 2000، وارتفع الطلب على المساكن والعقارات السكنية عامة على حسب العرض الضعيف. ووصل الطلب العام الماضي (2007) الى حوالي 5 ملايين شقة او منزل ويرتفع هذا العدد سنويا بما لا يقل عن نصف مليون شقة او منزل. ولم يتعد عدد العقارات السكنية المتوفرة الربع مليون عقار لسد الفجوة العميقة بين العالمين. ولهذا السبب بالذات تعمل الحكومة الباكستانية على تشجيع مشاريع البناء السكنية الضخمة أي التجمعات السكنية الحديثة لسد هذه الفجوة.

اما على صعيد الأسعار فقد واصلت ارتفاعها في جميع القطاعات العقارية منذ عام 2000 بنسبة تصل حاليا الى 16 في المائة ويتوقع ان تواصل اسعار العقارات ارتفاعها لكن بشكل اقل حدة قبل عام الفين. كما تسجل التقارير الدولية ارتفاعا في عدد المشاريع العقارية السكنية النوعية او الفاخرة في البلاد، مع ارتفاع عدد الباكستانيين المهاجرين الراغبين في امتلاك عقار او الدخول في الاسواق الاستثمارية المحلية. اضافة الى ارتفاع في الطلب على قطاع المكاتب وخصوصا من الدرجة الاولى، وتبحث الكثير من الشركات الدولية عن تطوير مراكزها ومكاتبها مع ارتفاع حدة التنافس. ويتوقع ان يبقى الطلب على المكاتب النوعية مرتفعا خلال السنوات القليلة المقبلة مع تصحيح للاسعار، كما يتوقع ان تزداد وترتفع اعداد المشاريع التطويرية والسكنية في المدن والبلدات الاخرى البعيدة عن العاصمة وكراتشي ولاهور التي تتمتع بعدد سكان كبير.

وينشط حاليا في البلاد الكثير من الشركات الاجنبية الكبرى التي تعمل على اقامة المشاريع السكنية والتجارية والصناعية. ويعود معظم جنسيات هذه الشركات الى منطقة الشرق الاوسط والخليج العربي ودول آسيا ـ باسيفيك. ومن هذه الشركات: شركات «ارابتاك» للبناء (Arabtec) وARY Developers للتطوير وAl-Ghurair GIGA ومجموعتي «اعمار» و«نخيل» المعروفتين من الإمارات، وشركات: Maxcorp (Pvt.) Ltd المحدودة وBandar Raya Development وSysmax Development الماليزية. وهناك شركة الصين الوطنية للإنشاءات (China State Construction) وشركة Kaston Holding من سنغافورة بالإضافة الى شركة Meinhardt (Pvt.) Ltd الباكستانية محلية.

* أسباب الطفرة العقارية في باكستان خلال السنوات القليلة الماضية ـ التشريعات الحكومية المتساهلة في قطاع العقارات السكنية.

ـ تشجيع البنك المركزي للبنوك الصغيرة بالدخول في الاسواق العقارية ودعم نشاطاتها.

ـ تحسن ونمو الاقتصاد بشكل عام وفي جميع القطاعات.

ـ ارتفاع الوعي العام بضرورة اللحاق بالاسواق العقارية الدولية والنوعية التي توفرها.

ـ عودة الكثير من الباكستانيين من المهجر الى الوطن الأم بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك عام 2001 ، وتعزيز الشعور بالوطنية وضرورة البناء الداخلي.

وعلى خلفية هذه الاسباب ازداد النشاط التجاري في البلاد خلال السنوات الاربع الماضية وارتفع سوق المال او البورصة من 2000 نقطة عام 2002 الى 13 الف نقطة العام الماضي (2007) كما تضاعفت الاموال المرصودة للقروض العقارية خلال نفس الفترة، وارتفع عدد مستخدمي الهواتف النقالة (الموبايل) من 2 مليون الى 3 ملايين مستخدم وانتشار ظاهرة بطاقات الائتمان والقروض الخاصة بالفلاحين والمناطق النائية، وفوق كل هذا انحسار الهجرة من البلاد الى الخارج وارتفاع نسبة الباكستانيين الراغبين في امتلاك منزل في الوطن الام كما سبق وذكرنا. بالطبع يمكن اضافة الكثير من العوامل ايضا مثل اسعار الفائدة الرخيصة نسبيا ورفع فترة القروض من 15 الى 20 سنة.