السعودية: فتور «العلاقة» بين ملاك العقار والمستأجرين يدفع للمطالبة بتنظيم عملية التأجير

مجلس الشورى وجهات حكومية أخرى تدرس حلولا تنظيمية

ارتفاع الأسعار أدى إلى رفع عشوائي لأسعار الإيجارات من قبل الملاك، مما دفع إلى وجود خلافات متعددة بين المالك والمستأجر (تصوير: خالد الخميس)
TT

تشهد إيجارات العقارات في السعودية خلال الفترة القليلة الماضية ارتفاعاً في الأسعار، حيث تسببت تلك الارتفاعات في نشوء خلافات متعددة بين المستأجرين وبين ملاك العقارات أدت إلى عدم استقرار العملية التأجيرية، في ظل عزم الملاك رفع أسعار التأجير، ومطالبة المستأجرين الإبقاء على الأسعار الحالية. ويأتي ذلك الصراع في وقت تحتاج فيه العملية التأجيرية إلى تنظيم حديث يطور ويوضح العملية بشكل شفاف، يساعد على معرفة حقوق كلاً من الطرفين، الملاك من جهة، والمستأجرين من جهة أخرى، في الوقت الذي كشف فيه عبد العزيز العجلان رئيس اللجنة العقارية بغرفة الرياض لـ«الشرق الأوسط» عن حزمة من الأنظمة العقارية تدرسها جهات حكومية منها مجلس الشورى، من بينها أنظمة تعنى بتنظيم العلاقة بين المالك والمؤجر، مضيفاً أن اللجنة العقارية أجرت العديد من الدراسات حول تنظيم علاقة المستأجر بالمؤجر، وعمليات التأجير بشكل عام، بالإضافة لعقدها العديد من اللقاءات والندوات المتعلقة بهذا الخصوص. وتأتي المطالبات إلى تحديث وتحديد «نظام العلاقة بين المالك والمستأجر»، ومدى التزامه بضمان حقوق كلا الطرفين، بعد تصاعد وتيرة الأسعار، وعدم وجود مرجعية ثابتة يرتكز عليها لاعتماد أسعار التأجير، وآلية تحصيل الإيجارات، الأمر الذي شكل بمجمله زيادة في عدد الشكاوى بين طرفي التأجير بشكل لافت، حيث لوحظ ارتفاع نسبة الشكاوى خلال العام 2007 وبداية العام الجاري إلى 10 في المائة مقارنة بالأعوام الماضية. في حين أعاد الكثيرون النظر في آلية تنظيم العلاقة التأجيرية بين الطرفين الأساسيين «مالك العقار» و«المستهلك»، ومقارنتها بوضع السوق، ومدى التزامه ببنودها، إضافة إلى التعمق في أساسيات النظام، ومدى شموليته لظواهر وأحداث السوق، الذي أصبح يتأرجح بين مطالبات الملاك والمستأجرين، إذ باتت الحاجة ملحة لتطبيق حازم لنظام يحدد العلاقة بين المالك والمستأجر، وإضافة بنود مهمة يفتقدها النظام، لضبط نسبة تذبذب الأسعار، ووضع أسقف لنسب الارتفاع، وتحسين آلية تحصيل الإيجارات، وآلية لتفادي الأزمات، وتحديد مسارات سوق التأجير العقاري، خصوصاً الوحدات السكنية. وعاد رئيس اللجنة العقارية بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض، بإشارته إلى وجود مطالبات للحد من الارتفاع العشوائي للأسعار من خلال تحديد أطر تتضمن أسسا معينة ونسبا محددة ومنظمة للأسعار، تتناسب مع وضع وحجم السوق العقاري، وتعمل على إعادة تنظيم العلاقة بين المستأجر والمؤجر، لافتاً إلى دعوة جهات مختلفة لوضع سقف محدد لرفع الإيجارات لا يتعدى 10 أو 15 في المائة، سنوياً خلال فترة أزمة ارتفاع الأسعار.

وشدد العجلان على أهمية وجود نظام يحدد العلاقة بين المستأجر والمؤجر شاملاً على عدة نقاط ضرورية، من أهمها وضع آلية لكيفية ضبط ارتفاع الإيجارات، خصوصاً في أوقات الأزمات، بالإضافة إلى وجود آلية لتحصيل صاحب العقار للإيجار، لا سيما وأن الكثير من المستأجرين أخذوا يماطلون في تسديد الإيجار.

وبحسب مستثمرين عقاريين، فقد شهدت العلاقة بين المالك والمستأجر منعطفات حرجة، بسبب تذبذب أجور السكن وارتفاع أسعار العقارات، الشيء الذي انعكس بشكل أو بآخر على العلاقة بينهما.

حيث بات العديد من الملاك يرون بأن إيجارات عقاراتهم منخفضة وخاصة تلك العقارات التي تعتبر قديمة نسبيا، وبذلك بدأ كثير من الملاك بمطالبة المستأجرين بدفع أجور إضافية من قيمة الإيجار، الأمر الذي واجه رضوخ بعض المستأجرين، بينما اعترض آخرون، مضيفين أن مطالبة الملاك بدأت في التوسع والزيادة حتى وصلت إلى انعدام الرؤية بعيدة المدى، وعدم تقدير لوضع المستأجر المعيشي في البلاد، حيث عمدوا بزيادات غير منطقية، فبات الأمر يتطلب وضع قانون يضبط تلك العلاقة ويحددها ويعطي لكل طرف حقوقه دون إجحاف أو ظلم.

من جهته أكد جاسم بن غلاب صاحب مكتب عقاري شرق مدينة الرياض، أن عدم وجود نظام يحدد أسعار الإيجارات ساهم في حدوث معوقات ومشاكل، واجهت المستأجر الضعيف في المقام الأول ومالك العقار في المقام الثاني، حيث إن كثيرا من المستأجرين يقبلون الإيجارات المرتفعة مجبرين على ذلك، وكثير من ملاك العقارات تضرروا من ناحية عدم خروج المستأجرين وعصيان مالك العقار في تسديد الإيجار، مضيفاً أن مثل تلك الحالات تحدث بكثرة، خصوصاً بأن النظام الأمني لخروج المستأجر يستوجب إجراءات طويلة تستمر لقرابة سنة حتى يصدر قرار في ذلك. وأضاف مالك مكتب بن غلاب العقاري، أن كثيرا من المستأجرين المواطنين اخذوا في البحث عن ملاحق سكنية متواضعة، بعد ما شهدت أسعار العقارات ارتفاعات غير مبررة على حد تعبيره، مشيراً إلى كثرة الشكاوى التي تقع بين المالك والمستأجر، حيث ان مكتبه يدير أملاك البعض من خلال وكالة شرعية، مما يستوجب الترافع لدى الجهات الأمنية من أجل خروج المستأجرين المتأخرين عن السداد.

ووصف بن غلاب بعض الحالات التي تتمثل في أفراد لا تتجاوز مداخيلهم 4 آلاف ريال (1066 دولارا)، واجهوا ارتفاعا في إيجار شققهم إلى قرابة 16 ألف ريال (4.2 الف دولار) بعد أن كانت 12 ألف ريال (3200 دولار)، مبيناً أن مكاتب إدارة الأملاك العقارية ليس لها أي دور في ارتفاع أسعار الإيجارات، بل ان مكاتب العقار بقيت على نسبتها من تحصيل إيجار العقار للمالك، وأن ارتفاع الأسعار يأتي من المالك مباشرة، حيث ظهرت مشاكل متعددة على هذه الساحة والمتمثلة في أن كثيرا من ملاك العقارات رفعوا إيجاراتهم بشكل عشوائي وفوضوي على حد تعبيره، حيث رفع البعض إيجار عقاراته بنسبة 50 في المائة، في حين رفع آخرون إيجاراتهم بنسبة 80 في المائة، مع عدم وجود أي أسس حقيقية لرفعهم الإيجارات، حتى أن عقاراتهم أنشئت في وقت كانت أسعار مواد البناء منخفضة جداً ومختلفة عن الوضع الحالي. إلى ذلك طالب عدد من المستأجرين بوضع ضوابط محددة، يتم التعامل من خلالها لتحديد القيمة الإيجارية لتصبح عملية الزيادة محكومة ومسيطراً عليها بموضوعية وعدل، حيث ان القانون هو من سيضبط التوازن في سوق الإيجارات ويحمي المجتمع من آثار التضخم ويخفف من أعباء المستأجرين ومن الضغوط التي يفرضها سوق الإيجار. وأرجع نايف القحطاني أحد المستأجرين في مدينة الرياض، سبب ارتفاع نسبة أسعار الوحدات السكنية إلى عدم التزام المكاتب العقارية وأصحاب العقار بأسعار محددة، مضيفاً أن عدم وجود أنظمة وضوابط من الجهات المسؤولة تلزم أصحاب العقار بأسقف معينة للأسعار، أدى إلى أن أصبحت العملية تجارة حرة بدون أنظمة وضوابط.

وأشار القحطاني إلى أن الانعكاسات السلبية لارتفاع أيجار المساكن ستعود على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث ان كثيرا من الشباب عزف عن تأسيس الأسرة بالزواج، وذلك كون إيجاد المسكن يمثل الهم الأكبر في عملية تأسيسها، مشيراً إلى أن صديقاً له اقبل على الزواج لا يعرف حتى الآن كيف سيحصل على سكن يناسب دخله الشهري، فالشقة التي تتكون من ثلاث غرف وصالة وصل سعرها إلى 19 ألف ريال (5 آلاف دولار)، بارتفاع بلغ 50 في المائة مقارنة بالعام الذي قبله.

وهنا يعود رئيس اللجنة العقارية بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض، ليرجع أسباب الفوضى التي تعيشها أجور المساكن وأسعار العقارات، إلى إنعدام الاستقرار خلال الفترة الحالية، والتأثيرات الاقتصادية العالمية، حيث أن التضخم أصبح مشاهداً في جميع أنحاء العالم، مما حتم وجود تفاوت في الأسعار خصوصاً في ظل عدم وجود جهة محددة لأسعار العقار.

إلى ذلك أوضح أحمد اليوسفي، استاذ علم نفس، أن فوضى رفع الأسعار في الإيجارات تؤدي بطريقة أو بأخرى إلى عدم استقرار الوضع الاقتصادي للأسرة، الأمر الذي من شأنه البحث عن وسائل تمويل بديلة تثقل كاهل الفرد على المديين القصير والطويل، مثل زيادة لجوء الأفراد إلى الاقتراض من البنوك لسد الفجوة بين الدخل والنفقات، مضيفاً أن ذلك سيخلق مشاكل اقتصادية كبرى على مستوى الأسرة، حيث تنشغل الأسر بحل المشكلات الاقتصادية المترتبة عن هذه الزيادة مما يتسبب في إهمال تربية الأطفال، وبزوغ انعكاسات نفسية وتربوية تتضح نتائجها وتنعكس تأثيراتها مع مضي الوقت، وتكون بدايتها جفاء العلاقة بين المالك والمستأجر، وتدني مستوى التعامل الاجتماعي بين الطرفين.

وزاد اليوسفي أن ارتفاع أسعار إيجارات المساكن، يؤدي إلى انتشار الظواهر السلبية على الصعيد الاجتماعي، مشيراً الى أن انتشاء تلك الظواهر سيؤثر في حركة النمو الاقتصادي بالبلاد، مما يزيد الحاجة إلى تدخل عاجل من الجهات المسؤولة في الدولة باعتبار أن الاستقرار الاجتماعي يمثل ضمانة لاقتصاد مزدهر عماده عجلة إنتاج سريعة الدوران تديرها الأيدي البشرية المؤهلة.