قوانين العقارات في أوروبا قد تكون «قنابل موقوتة»

إسبانيا تواجه محكمة العدل الأوروبية بسبب قانون «الاستيلاء على الأراضي»

شهد قطاع العقار في اسبانيا طفرة كبيرة غير انه يعاني حاليا من أزمة ( رويترز)
TT

قررت المفوضية الأوروبية في الخامس والعشرين من أغسطس (آب) الجاري مقاضاة اسبانيا أمام محكمة العدل الأوروبية حول قانون العقارات الاسباني سيئ الصيت الذي اُقر في أوائل التسعينات مع بداية الطفرة العقارية الكبرى التي شهدتها اسبانيا لأكثر من عقد وجعلتها القبلة العقارية الأولى في أوروبا. ويعيد الجدل حول القانون الى الواجهة قضية قوانين العقارات في أوروبا التي قد تكون «قنابل موقوتة» والتي يتوجب على المستثمرين الانتباه لها. وكان ذلك القانون، الذي اشتهر باسم «الاستيلاء على الأراضي»، قد أصدرته السلطات المحلية في إقليم فالنسيا في شرق اسبانيا ليسمح لشركات المقاولات بالاستيلاء على الأراضي الزراعية والريفية اذا استطاعت هذه الشركات اقناع السلطات الهندسية المحلية بأن نزع الأرض سيكون للمصلحة العامة بغرض انشاء مشاريع «حضرية» أو «مدنية» عليها. وكان أصحاب الأراضي (وكثيرٌ منهم من المستثمرين الأجانب) يتلقون في المقابل تعويضات ظالمة، إما في شكل أرضٍ نائية لا قيمة لها أو منحهم مبالغ مالية زهيدة لا تشكل كسراً من قيمة الأرض المنزوعة. وعلى سبيل المثال نقلت صحيفة الغارديان البريطانية قصة داني لوفيريج الذي اشترى مزرعة بها منزلٌ صغير بقيمة 520 ألف دولار قبل بضع سنوات في بلدة «بنيسا» في إقليم فالينسيا، ثم استولت إحدى شركات المقاولات على 75% من أرض المزرعة مقابل تعويضٍ قيمته 16 ألف دولار فقط. كما أن السلطات فرضت عليه المساهمة في تمويل الإضاءة والكهرباء في الطرقات العامة الجديدة التي شُيدت على أرضه، وفرضت عليه دفع مبلغ 25 ألف دولار.

وأوضحت صحيفة «الغارديان» أن آلاف المستثمرين الأجانب عانوا من هذا القانون الذي لا يزال ساري المفعول حتى تقرر محكمة العدل الأوروبية بشأنه. وما فاقم من سوء الوضع أن شركات المقاولات الاسبانية التي كانت تستولي على الأراضي اتضح فيما بعد أن كثيراً منها مملوكٌ في الخفاء للموظفين الحكوميين الذين كانوا وراء صدور القانون أو أصدروا التراخيص بالاستيلاء على الأراضي ومنح التصاديق لمشاريع «الصالح العام». وتستند الدعوى القضائية المقدمة لمحكمة العدل الأوروبية ضد الحكومة الاسبانية إلى قانون «حماية المنافسة» الذي يجب أن تلتزم به كل الشركات العاملة في دول الاتحاد الأوروبي. وفي حال الفوز بالدعوى فستواجه مدريد فاتورة ضخمة من التعويضات لكل الذين تضرروا خلال السنوات العشر الماضية من القانون المذكور، وغالبيتهم من المستثمرين العقاريين الأجانب. وكانت لجنةٌ لمناهضة هذا القانون قد قدمت تقريراً للبرلمان الأوروبي في عام 2004 تضمن شكاوى عن تجاوزات خطيرة ارتكبتها السلطات السبانية في فالنسيا، مما دق ناقوس الخطر لأول مرة خارج حدود أسبانيا عن عمليات الفساد التي صاحبت الطفرة العقارية.

وبشكل عام، فإن كثيراً ما ينظر المستثمر الأجنبي إلى فرص الربح في العقارات الأوروبية دون أن يلتفت إلى القوانين والإجراءات المصاحبة لعملية الشراء أو البيع والتي قد تكون «قنابل موقوتة». لذا فمن الضروري الاستعانة منذ البداية بمكتب محاماة ذي سمعة طيبة وخبرة في قانون الأراضي المحلي. ورغم أن عمليات الفساد عادة ما تكون خفية، الا أن الأخطاء التي يقع فيها المستثمرون الأجانب لا تكون كلها بسبب الفساد والرشى. فهناك قوانين كثيرة ومعقدة وتختلف من بلد إلى آخر، وهي كثيرا ما تكون السبب وراء الوقوع في الاستثمار العقاري الخاطئ بسبب الجهل بالقوانين. وفي هذا المقال نستعرض بعض هذه الإجراءات والاعتبارات على سبيل المثال وليس الحصر. فمثلاً إن الاجراءات القانونية التي يجب الانتباه اليها عند شراء العقارات في فرنسا واسبانيا (وايطاليا الى حدٍ كبير) تختلف عن بريطانيا والولايات المتحدة، وهي كالآتي: الخطوة الأولى تتمثل في تقديم عرض للشراء بسعر معين، واذا قبل البائع السعر فيوقع الطرفان مذكرة مبدئية تلزمهما باكمال الصفقة خلال فترة أقصاها 60 يوماً، مع اعطاء المشتري فترة سماح مدتها 10 ايام اذا أراد تغيير رأيه. وعلى عكس ذلك، ففي بريطانيا يسمح القانون لأي من الطرفين بالانسحاب في أي وقت دون الوقوع في خسائر حتى لحظة توقيع العقد النهائي، وهو ما يمكن أن يستغرق شهرين. وعلى المشتري في فرنسا أيضا دفع «عربون» عند توقيع المذكرة المبدئية تتراوح نسبته بين 5 و10% من قيمة العقار. وفي حال غيّر المشتري رأيه فبالطبع يخسر العربون، أما اذا غير البائع رأيه فيلزمه القانون بسداد قيمة العربون مضاعفة. لكن الشيء المهم في العقود الفرنسية والاسبانية والتي لا بد من الانتباه إليها هي بنود مذكرة البيع الأولية حيث كثيرا ما يحاول البائعون تعطيل بعضها، خصوصا البند الذي يمنح المشتري 10 أيام في بداية الـ 60 يوما يُسمح له خلالها بتغيير رأيه. وتسمى هذه الفترة «فترة هدوء» الهدف منها التأكد من أن المشتري لم يكن في حالة نفسية أو عقلية مضطربة عندما قدم عرضه للشراء. كما أنها أيضا تمنح المشتري مهلة للتأكد من صحة قراره بالشراء. وكما اسلفنا الذكر فإن هذه الفترة في بريطانيا تمتد لأشهر قد تصل الى ثلاثة، رغم أن المشتري يكون خلالها قد أنفق قدراً لا يستهان به من المصاريف المتعلقة بالمساحين والمهندسين الذين يعاينون العقار قبل شرائه للتأكد من سلامته الهندسية والإنشائية، وكذلك مصاريف المحامين الذين يتحققون من تاريخ الوثائق القانونية المتعلقة بالعقار للتثبت من أنه خالٍ من أية موانع قانونية. لكن البائع (صاحب العقار) لا ينفق شيئا خلال هذه الفترة، ورغم ذلك فهو يستطيع أن يتراجع عن الصفقة حتى اليوم الأخير قبل توقيع العقد النهائي (الذي يُسمى تبادل العقود) دون أن يلزمه القانون بدفع اي تعويض للمشتري.

من جهة أخرى، ينبغي على المستثمرين الأجانب الراغبين في شراء عقار في دول أوروبا الشرقية (مثل بولندا) أن يكونوا قادرين على تحمل الإجراءات البيروقراطية المكثفة. فمثلاً يلزم القانون البولندي كل من لا يحمل الجنسية البولندية أن يتقدم بطلب للحصول على موافقة من وزارة الداخلية أو أن يكون مستعداً لتأسيس شركة أو شراء العقار عن طريق شركة بولندية. لكن شراء شقة أسهل كثيراً من شراء منزل لأن المنزل يتطلب ملكية حرة للأرض. كما أن على الراغبين في شراء عقار في بولندا توقع المصروفات التالية: رسوم لوكالة العقارات تبلغ 3 في المائة من قيمة العقار، ورسوم محام مقدارها 285 دولاراً أو نسبة واحد في المائة من العقار الذي تزيد قيمته عن 18 الف دولار. كما على المشترين دفع 10 بالمائة من قيمة العقار مقدماً (عربون) ثم دفع الباقي عند اكتمال العقد. أما الضرائب فقيمتها 5 في المائة من سعر البيع، ثم رسوم محكمة بغرض التسجيل تبلغ 2 في المائة من سعر البيع أيضاً. وفي حالة إعادة بيع العقار فقد تصل الرسوم الضريبية إلى 10 في المائة لأي عقار يُعاد بيعه خلال 5 سنوات إلا إذا كان البائع سيستثمر العائد في شراء عقار آخر داخل بولندا. لكن المستثمرين الأجانب عادة ما يدفعون نسبة الـ 10% العربون نقداً ثم يموّلون بقية المبلغ من دخل الإيجار الشهري للعقار. أما في بريطانيا، فقد شرعت الحكومة في تطبيق قانون جديد يتعلق بالبيئة والاقتصاد في الطاقة داخل المنازل والمباني. وسيلزم القانون الجديد كل من يريد بيع عقار أن يقدم للمشتري تقريرا عن حالة العقار من حيث المواد المستخدمة في بنائه وما اذا كانت مضرة بالبيئة، وأيضا من حيث استخدام الطاقة وما اذا كانت مهدرة داخل المبنى. وتتوقع شركات العقارات أن يكون لهذا القانون أثرٌ كبير في تغيير وتحديد أسعار العقارات وفقاً لمعايير جديدة ستصنف المباني الى 5 درجات تبدأ بحرف A وهو الأفضل وتنتهي بحرف F وهو الأدنى. وستشكل هذه التصنيفات عاملا جديدا مهماً في تحديد سعر العقار، بعدما كان السعر يتحدد وفق حجم المنزل وموقعه وحالته العامة. وبالطبع ستظل هذه العوامل أيضا فعالة، لكن المعايير الجديدة ستغير المعادلة التقليدية. فالمنزل مثلا الذي يستخدم على سطحه شرائح معدنية لجذب وتخزين الطاقة الشمسية سيكون أغلى سعرا من الذي يعتمد كلية على الكهرباء الخارجية. ونفس الشيء ينطبق على المنزل أو العمارة التي تستخدم مصابيح الإضاءة الاقتصادية، وتخزن مياه الأمطار التي تتجمع من سطح البناية في مستودعات أرضية. أما التدفئة، التي تعتبر البند الأكبر في استهلاك الطاقة خلال فصل الشتاء الطويل، فإن البنايات التي ستستخدم عازلا طبيعيا داخل جدرانها (ومن ثم تمنع تسرب الحرارة) ستكون الأكثر اقبالا وأعلى سعراً. كما أن للنوافذ دوراً كبيرا في توفير الطاقة، إذ أصبحت النوافذ البلاستيكية الحديثة أكثر شعبية من نظيراتها الخشبية التقليدية لأنها تمنع التسرب وتكون محكمة الإغلاق. ويذهب البعض الى حد اشتراط ألا تكون أنواع الطلاء المستخدمة على الجدار تتضمن مواد كيماوية يؤدي انتاجها الى زيادة ثاني أكسيد الكربون في الفضاء. من جهتهم قال عدد من المهندسين المعماريين والمساحين العقاريين إن غالبية المنازل والمباني المبنية قبل السبعينات – وهي تمثل الغالبية العظمى من مباني بريطانيا- ستكون بحاجة الى تعديلات كثيرة لكي تستوفي الشروط البيئية الجديدة. وأضافوا أن هذا الأمر سيؤدي بدوره الى انعاش سوق مواد البناء وزيادة الطلب على شركات الصيانة خلال السنوات القليلة المقبلة.