كرواتيا: 85% من السكان يمتلكون عقاراتهم.. وسوق الإيجار «يختنق»

العاصمة زغرب والسواحل من أهم المناطق العقارية وأغلاها

زغرب من اكبر المدن في كرواتيا واكثرها ازدهارا من الناحية الاقتصادية واسرعها نموا من الناحية العقارية
TT

الحديث عن سوق العقارات في كرواتيا من دون ذكر تعابير «قلة العرض» و«كثرة الطلب»، اشبه بالمستحيل هذه الايام، إذ ان الاسواق العقارية في البلاد، خصوصا العاصمة زغرب تعيش طفرتها العقارية الخاصة بها منذ سنوات طويلة، أي منذ استقلال كرواتيا وانفصالها عن يوغسلافيا السابقة وانتهاء الحرب في منطقة البلقان. ولا تزال كرواتيا بشكل عام من البلدان المطلوبة والمرغوبة عقاريا من قبل المستثمرين حول العالم والراغبين في امتلاك منزل ثان للعطل، خصوصا من الولايات المتحدة الاميركية والمانيا والدول الأوروبية عامة.

وكما هو معروف فإن العاصمة زغرب من اكبر المدن في البلاد واكثرها ازدهارا من الناحية الاقتصادية واسرعها نموا من الناحية العقارية. وتعتبر اسعارها العقارية السكنية المرتفعة نتيجة طبيعية للطلب العالي على العقارات وقلة المتوفر منها في الاسواق. ولا يزال الطلب يشهد ارتفاعا عاليا من شهر الى شهر ومن سنة الى سنة من دون توقف، اكان من قبل المستثمرين المحليين الصغار والكبار ام من قبل المستثمرين والمطورين العقاريين الدوليين ومؤسسات البناء والإنشاءات المعروفة. لكن على عكس المستثمرين المحليين الصغار، تبحث الشركات التطويرية الدولية الكبرى عن الاراضي المتميزة والمساحات الكبيرة في المدينة والمناطق القريبة من وسائل المواصلات العامة لبناء تجمعاتها السكنية الضخمة والحديثة. وتتزامن مشكلة العرض القليل وشبه انعدام العقارات والاراضي الممتازة في الاسواق مع مشكلة نوعية العقارات والبناء التي يقال حاليا انها بدأت تتحسن بسبب نوعية الزبائن وازدياد خبرة الشركات الخاصة في هذا المضمار. كما ان العقارات المنزلية ذات النوعية الممتازة التي تتمتع بمواصفات اوروبية حديثة تزداد يوميا.

وقد اشارت مؤسسة «كوليارز» الدولية الى ان عدد التجمعات السكنية او العمارات التي تم بناؤها عام 2006 بلغ اكثر من الف تجمع. أي بارتفاع نسبته 15 الى 16 في المائة عن العام السابق 2005. ووصل عدد الشقق في التجمعات الجديدة حوالي 6 آلاف شقة سكنية، أي بارتفاع تصل نسبته الى 29 في المائة تقريبا عن العام الماضي. وارتفعت نسبة الاذون والتصاريح لعمليات البناء والمشاريع السكنية في الربع الثالث من العام الماضي 2007 بنسبة 4 في المائة عما كانت عليه في نفس الفترة العام السابق 2006، ووصل عددها الى 1065 تصريحا. كما ارتفعت قيمة تلك المشاريع التي ستنفذ قريبا ووصلت نسبة ارتفاعها الى 16 في المائة عما كانت عليه في نفس الفترة العام السابق. كما سجل ارتفاع في عدد الشقق السكنية الحديثة لنفس الفترة بنسبة 21 في المائة نتيجة ارتفاع عدد المشاريع السكنية الضخمة.

ويبدو ان الطلب العالي والمرتفع على الشقق والمنازل الحديثة، قد تأثر كثيرا بنمو الاجور بشكل عام، خصوصا في العاصمة زغرب، بالإضافة الى سهولة الحصول على القروض العقارية الرخيصة وتوسع اسواقها. والاهم من هذا كله ارتفاع نسبة الهجرة السنوية من المناطق الى العاصمة التي يتوقع ان تواصل الاسعار فيها ارتفاعها لسنوات، او طيلة فترة التأقلم مع الاتحاد الاوروبي، وقبل ان تصبح عضوا فاعلا من الناحيتين السياسية والاقتصادية. وتشير الارقام الاخيرة الى ان 7 في المائة من سكان العاصمة يبحثون عن تغيير مكان اقامتهم، مما يعني ارتفاعا في عدد العقارات التقليدية المعروضة للبيع، لكن ارتفاع الطلب المتزايد على العقارات التي تتمتع بمواصفات حديثة، سيؤدي الى تراجع اسعارها. وعلى هذا الاساس يتوقع الكثير من المحللين العقاريين بأن تتسع الفجوة بين اسعار العقارات الحديثة المرتفعة والعقارات التقليدية الرخيصة مع الوقت.

تعتبر كرواتيا من اكثر الدول او الاقتصادات الحديثة التي تتمتع بنسبة كبيرة من الملكية الخاصة للعقارات وتصل نسبتها الى 85 في المائة من عدد السكان. وهذا يعني ان سوق ايجار العقارات فيها مختلف جوهريا عن اسواق الايجار العقارية الاوروبية من ناحية الهيكلية، وينحصر بشكل عام في المدن الكبرى مثل زادار وسبليت ودوبروفنيك واسوجيك والاهم العاصمة زغرب التي تتمتع بأكبر اسواق الإيجار واهمها.

وخلال السنوات الخمس الماضية تمتعت العاصمة زغرب بعدد كبير من الشقق الممتازة والحديثة الخاصة بسوق الإيجار، وعادة ما تستقطب هذه الشقق في وسط العاصمة سكان الضواحي، وموظفي السفارات الاجنبية وموظفي الشركات والمؤسسات الدولية، سواء اكانت استثمارية ام رسمية مثل مؤسسات الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، بالإضافة الى الحرفيين. ويتوقع ان يتسع سوق الإيجار ويتطور في المدينة خلال السنوات القليلة المقبلة وان يرتفع الطلب، مع ارتفاع عدد الاجانب والشركات الاجنبية في البلاد. ويتوقع ايضا ان يرتفع الطلب على الوحدات او الشقق السكنية الحديثة الصغيرة على حساب الشقق الحديثة الواسعة التي تؤمن الكثير من الخدمات. ولهذا ايضا تركز الكثير من الشركات مشاريعها المستقبلية على عمليات بناء الشقق الصغيرة المعروفة بـ«الأستديو» او الشقق المحصورة بغرفة او غرفتي نوم.

الاسعار وخصوصا اسعار الإيجار لم تتوقف عن الارتفاع منذ سنوات، وخصوصا في العاصمة زغرب والمناطق الساحلية على الأدرياتيكي. وقد سجل ارتفاع على اسعار العقارات في البلاد ما نسبته 5.4 في المائة العام الماضي ووصلت هذه النسبة في المناطق الساحلية القريبة من ايطاليا الى 13.4 في المائة، اما في العاصمة فتعدت 15 في المائة وهي نسبة لا بأس بها من الناحية الاستثمارية والتجارية. ومع هذا بدأت تهدأ حمية الاسعار تدريجيا وشهد النصف الثاني من العام الماضي تراجعا في نسبة نمو الاسعار. ففي ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي وصل سعر المتر العقاري المربع الى حوالي ألفي يورو أي بارتفاع نسبته 0.6 في المائة عن العام السابق. ووصل سعر المتر المربع في العقارات السكنية القديمة الى رقم مشابه يصل الى 1900 يورو، بينما سجل سعر المتر المربع في بعض العقارات السكنية القديمة 1500 يورو، وهو اقل سعر يمكن الحصول عليه في الاسواق العقارية السكنية المختلفة.

وتختلف اسعار الإيجار من منطقة الى اخرى، وخصوصا في العاصمة زغرب وقرب العقار من وسائل المواصلات ونوعيته. ويتراوح معدل ايجار المتر المربع في المدينة بين 8 و20 يورو في الشهر. واكثر الاسعار انتشارا هي التي بين 8 و12 يورو، والتي تتراوح بين 10 و13 يورو في الشهر في وسط العاصمة. اما في الضواحي مثل ترينييفكا ويارون فيمكن العثور على اسعار تتراوح بين 7 و11 يورو في الشهر.

ويبدو ان الاسعار الاغلى هي اسعار ايجار الشقق والمنازل التي تنتشر على التلال المحيطة بوسط المدينة والتي يستأجرها ويرغبها عادة موظفو السفارات والمؤسسات الدولية، إذ يصل سعر المتر الى حوالي 20 يورو في الشهر.

بأية حال، فإن التوقعات بشأن الاسواق العقارية في كرواتيا والعاصمة زغرب، تشير الى ان عدد المتوفر من العقارات السكنية سيواصل ارتفاعه خلال السنوات المقبلة بسبب استقرار الاقتصاد بشكل عام وتحسن الشروط امام المستثمرين الاجانب. كما يتوقع ان تواصل الاسعار ارتفاعها بشكل منتظم في قطاع العقارات الممتازة والفاخرة في المناطق الرئيسية، وان تحافظ معدلات الإيجار الحالية على نفسها، وان يتواصل الطلب على هذا النوع من العقارات.

مهما يكن فإن اسواق العقارات السكنية في البلاد ستبقى من الاسواق المنتعشة لصغر المساحات المتوفرة امام الطلب الدولي المتزايد. وهي تتمتع بموقع جغرافي ممتاز يؤهلها ويمكنها من المحافظة على نسب نمو جيدة للاسعار مما يوسع رقع الفرص الاستثمارية المتوسطة والطويلة الأمد. كما ان المهاجرين الكروات في كل من الولايات المتحدة واستراليا وكندا وغيرها من البلدان كألمانيا وبريطانيا سيلعبون دورا كبيرا في تحريك الاسواق وتطويرها وزيادة الطلب على العقار بشكل عام.