اقتصاديون يقدمون حلولا لأزمة العقار الأميركية

ضمان حكومي جزئي لنسبة من القروض من شأنها إنهاء الشلل

TT

ظهر بعض الأفكار التي يقدمها اقتصاديون مرموقون إلى الحكومة الاميركية لوقف الانهيار في أسواق العقار، وهي أفكار لن تخرج إلى حيز التنفيذ قبل وصول الادارة الجديدة في بداية العام الجديد. من هذه الافكار، ما يقدمه البروفيسور مارتن فيلدشاتين استاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد الاميركية، وهو ينادي بمحاولة منع افلاس المزيد من المقترضين الذين يلتزمون حاليا بقروضهم في وقت تهددهم فيه اوضاع السوق المتراجعة. ويمكن للحكومة ان تقدم لهؤلاء نسبة 20 في المائة من قروضهم العقارية في صورة قروض حكومية متدنية الفائدة. وسوف يتعين على البنوك المقرضة قبول هذه النسبة المتدنية من الفوائد لحماية بقية قيمة القروض من حالات عدم الدفع نتيجة للافلاس. وتكون القروض الجديدة بمثابة مساهمة حكومية في حل الأزمة، كما انها تخفض من نسبة قيمة القرض الى قيمة العقار مما يعزز القدرة على الدفع والرغبة في سداد القرض العقاري. وتكون القروض بمثابة دعامة للسوق لمنع المزيد من التردي في الأسعار. وتساهم هذه الفكرة في الحفاظ على ثروة أصحاب العقار وحماية المقرضين من حالات الإفلاس واستعادة بعض الثقة في الأسواق لمعاودة النشاط الاستهلاكي والتوظيف والاستثمار.

وهناك العديد من الأفكار الأخرى المتاحة مثل السماح للمفلسين في البقاء في عقاراتهم، أو تقديم قروض حكومية بالكامل، ولكن مثل هذه الأفكار تزعزع الثقة في القروض العقارية وترفع من تكاليف الإقراض أو من الضرائب، وقد تؤدي في النهاية إلى المزيد من الكساد.

ويرى فيلدشتاين ان بداية الحل هي في منع المزيد من التدهور في الأسواق الاميركية وقد يسفرعن ذلك تحسن بقية أسواق العقار العالمية وليس الاميركية فقط.

وهناك حوالي 10 ملايين مالك عقار اميركي تزيد قيمة قروضهم عن قيمة العقارات نفسها في الوقت الحاضر. ويمثل هؤلاء نسبة 20 في المائة من جملة حجم السوق. واذا انخفضت قيمة العقار الاميركي بحوالي 15 في المائة اخرى هذا العام فسوف يسقط في فجوة الديون السلبية حوالي 20 مليون اميركي.

ومن المتوقع أن يؤدي هذا الوضع إلى المزيد من الافلاسات التي تخشاها البنوك، لأنها وفقا للقانون لا تستطيع أن تستولي الا على العقار في حالة الامتناع عن دفع أقساط القرض العقاري ولا تستطيع ملاحقة المقترض في امواله او اصوله الاخرى لاسترجاع بقية قرضها. وفي العادة يستطيع المقترض ان يستمر في تسديد قرضه حتى بعد زيادة القرض عن قيمة العقار بنسبة عشرة في المائة، ولكن عندما ترتفع هذه القيمة الى 30 في المائة، فإن احتمال الامتناع عن الدفع هو الوارد.

ولا توجد سياسات واضحة لمساعدة المتعثرين في الولايات المتحدة حتى الآن. فعلى الرغم من خفض الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة الأساسي خلال العام الأخير من 5.25 الى اثنين في المائة فقط، الا ان تكاليف الاقتراض العقاري زادت ولم تنخفض. كما ان الدعوة لاعادة التفاوض بشأن القروض العقارية لم تكن لها نتيجة تذكر لان معظم القروض العقارية تم توريقها في أسواق الاستثمار وخرجت عن سيطرة البنوك الاصلية التي اقرضتها.

وتفكر الحكومات الأوروبية في بعض الإجراءات الإضافية لتحريك أسواق العقار الخاملة فيها مثل تقديم مساعدات للعائلات التي تواجه فقدان مساكنها بسبب الديون وتأجيل دفع بعض اقساط الديون لفترات تصل الى خمس سنوات بتمويل حكومي. وفي الولايات المتحدة ما زال الوضع هشا بعد انخفاض قيمة العقارات في العام الماضي بحوالي 16 في المائة، وتوقعات بنسبة مماثلة هذا العام ايضا. وتخشى البنوك تقديم اي قروض على عقارات متراجعة في قيمتها كما يتردد المشترون في دخول السوق قبل استقرار الأوضاع.

وفي احد أمثلة التجمد الموجود في الأسواق حاليا احد المنازل الراقية في لندن الذي ظل معروضا في السوق لمدة عام كامل على الرغم من خفض سعره من 4.95 مليون الى 3.5 مليون استرليني. وعلى الرغم من قرار الحكومة البريطانية اخيرا إلغاء ضريبة التمغة على صفقات العقار حتى سعر 175 ألف استرليني لمدة عام كامل إلا ان الأسواق لم تتحرك. وفي لندن لن تستفيد من هذه الخطوة سوى خمسة في المائة من جملة عقارات العاصمة التي تزيد فيها قيمة الاغلبية الساحقة من العقارات على هذا الحد.

ويبدو ان العديد من المشترين حول العالم ينتظرون المزيد من التراجع في اسعار العقار قبل اتخاذ قرار الشراء. وفي بريطانيا قالت إحصاءات بنك هاليفاكس أن انخفاض اسعار العقار البريطاني بلغ معدلات قياسية في شهر أغسطس (آب) الماضي بنسبة 1.8 في المائة، لتكون بذلك نسبة الانخفاض خلال العام حوالي 12.7 في المائة. وفيما يمتنع بعض البائعين عن البيع الرخيص، فإن المشترين ينتظرون استمرار انخفاض الاسعار او يعجزون عن تدبير التمويل اللازم لدخول اسواق العقار حتى لو كانت الاسعار الحالية مناسبة لهم.

ومما يزيد من تأزم الموقف وفقا لشركة هامتونز العقارية ان بعض المتداولين في السوق ينتظرون حتى يعثروا على مشتر لعقارهم قبل البحث عن عقار اخر للشراء. وهذا بدوره يسد قنوات التعامل ويجعل الحركة في السوق بطيئة. وفي لندن حاليا يبقى نصف العقارات المعروضة للبيع غير مباع لمدة ثلاثة اشهر او اكثر وفقا لبحث شركة غلوبريكس العقارية التي تعمل على الانترنت. ولاحظت الشركة ان النسبة زادت بين بداية العام والشهر الماضي من 20 الى 51 في المائة.

وتتعامل اسواق العقار مع تراجع الاسعار بالعديد من الوسائل. ففي فرنسا يلجأ بعض الاثرياء الى تحرير سلسلة التعاقدات المتراكمة للعقارات غير المباعة بشراء عدة منازل في السلسلة، لإخراج البائعين الذين لم يعثروا على مشتر من السوق. وتوجد سلاسل العقارات المجمدة في دول اخرى أيضا مثل بريطانيا، حيث ينتظر كل عميل في السلسلة بيع عقاره حتى يتمكن من شراء العقار الأعلى في السلسلة. لكن مع تجمد الأسواق يمكن لصفقة متجمدة واحدة في السلسلة أن توقف كل التعاقدات الأخرى. وتشمل سلاسل العقارات حوالي خمسة او ستة عقارات متتالية في السعر وتعتمد في إكمالها على بيع بقية حلقات السلسلة.

وتقول شركات العقار ان الحل الوحيد هو عودة قروض العقار التي تمنح المشتري 100 في المائة من الثمن حتى يمكنه الشراء الفوري وتحرير تجمد السوق. ولكن هذا الحلم غير وارد بالمرة هذه الايام، حيث تطالب شركات العقار بمقدم لا يقل عن 25 في المائة من ثمن العقار، ويصل هذا في المتوسط الى نحو 50 ألف دولار. وهو مبلغ ليس في متناول قطاعات كبيرة من مشتري العقار حاليا.

ولكن احد بنوك الإسكان البريطانية، واسمه سكيبتون، قدم للأسواق هذا الأسبوع فكرة جديدة وهي تقديم قروض عقارية للمشترين الجدد بنسبة 95 في المائة من قيمة العقار، بشرط ان يودع والدا المشترى ما يوازي 20 في المائة من قيمة العقار في حسابات توفير لدى البنك. وتستمر هذه الوديعة حتى يرفع المشتري الجديد حصته من العقار الى 25 في المائة. اي ان البنك يحتفظ بهذه الوديعة لديه كرهينة حتى يتم دفع النسبة المطلوبة من قيمة العقار. من الاساليب الاخرى المتبعة ايضا في اميركا وعدة دول اوروبية، تبادل العقارات مقايضة مع دفع الفروق السعرية واخراج البنوك والاقتراض من المعادلة. وتزداد صفقات المبادلة على مواقع متخصصة على الانترنت يعدد فيها اصحاب العقارات مزايا وقيمة عقاراتهم مع نبذة مختصرة عن العقارات التي يرغبون في الانتقال اليها بالتبادل مع المواقع المفضلة لديهم.

ولاحظت ليندسي كتهيل مديرة المبيعات في شركة سافيل العقارية في لندن ان بعض المشترين يلجأون الى حيلة جديدة وهي المضي في الاجراءات حتى خطوة النهاية ثم يعرضون على البائع ثمنا مخفضا يخصم من الثمن الاصلي مبالغ تصل الى 40 الف دولار. وفي حالات كثيرة يضطر البائع اليائس للموافقة حتى لا يفقد الصفقة ويعود الى السوق مرة اخرى.

وكان تقرير من شركة نايت فرانك في الاسبوع الماضي قد اشار الى انتشار الكساد العقاري حول العالم بداية من الولايات المتحدة. وانضمت اخيرا الى قائمة الدول التي تعاني عقاريا كل من نيوزلندا والدانمارك وليثوانيا، حيث تتراجع فيها اسعار العقار بنسب متزايدة. وتضم المجموعة الآن كلا من اليابان والمانيا وايرلندا واسرائيل، بالاضافة الى بريطانيا والولايات المتحدة. كما سجلت لاتفيا اكبر نسبة تراجع حتى الآن بعد انهيار قيمة العقار فيها بحوالي 24.1 في المائة خلال العام الاخير.

وحتى في الدول التي لا تشهد حتى الآن انهيارات سعرية، فان نسبة الزيادة في اسعارها تراجعت كثيرا او توقفت تماما. وفي جنوب افريقيا مثلا تراجعت نسبة النمو خلال العام الاخير من نحو 15 في المائة في العام الماضي الى ثلاثة في المائة فقط هذا العام، مع احتمال كبير لدخولها نادي الخسائر في العام المقبل.

ومع ذلك يذكر التقرير ان هناك العديد من الدول التي ما زالت تعاند التيار وتسجل زيادات سعرية منها بلغاريا وسلوفاكيا والجمهورية التشيكية وقبرص. وفي روسيا تراجعت نسب النمو السعري العقاري من حوالي 54 في المائة في العام الماضي الى حوالي 26 في المائة في العام الجاري.

ويقول المشرف على التقرير ورئيس الابحاث الدولية في الشركة نيكولاس بارنز ان الصورة العامة التي يعطيها هذا التقرير هي لاسواق عقار متراجعة تسجل نسبا سلبية او زيادات متراجعة بسبب ازمة الائتمان الدولية. وبصورة عامة تراجعت نسبة النمو في اسواق العقار العالمية خلال الربع الثاني من هذا العام الى 4.8 في المائة هبوطا من نسبة 6.1 في المائة. كما توجد بعض الدول، مثل المانيا، تدخل الى عامها الثاني من التراجع العقاري بنسب بلغت 4.4 في المائة في العام الماضي و2.5 في المائة هذا العام. ويعود السبب الى ان المانيا لا يوجد فيها طلب كبير على شراء المنازل للسكن فيها، حيث يفضل الالمان الايجار، كما ان المساكن المعروضة للبيع متاحة بكميات اكبر من الطلب في السوق.

وفيما سجل مؤشر نايت فرانك ارتفاعا طفيفا في اسبانيا قدره 2.3 في المائة الا ان التقرير رجح ان يتراجع المؤشر الاسباني هذا العام. ويقول بارنز ان المشكلة العقارية الاسبانية ما زالت مركزة في المناطق السياحية الساحلية وفي المشاريع الجديدة ولم تنتقل الى التعداد العام بعد. لكنه اكد ان اسبانيا مرشحة لدخول مرحلة كساد عقاري على نهاية هذا العام، نظرا لتراجع عمليات بيع العقار فيها على رغم انخفاض الاسعار. وتعد اسوأ الدول انخفاضا في الاسعار خلال الربع الثاني من العام هي بالترتيب: لاتفيا (ـ24.1 في المائة)، الولايات المتحدة (ـ 16.8 في المائة)، ايستونيا (ـ 16 في المائة) ليثوانيا (ـ 10 في المائة)، ايرلندا (ـ 8.1 في المائة)، وبريطانيا (ـ 3.9 في المائة).