أسواق العقار في آسيا وبلغاريا تسبح ضد تيار التراجع الدولي

رغم الأزمة.. الأسعار ترتفع 4% في بعض مناطق لندن

بلغاريا من بين أبرز الأسواق العقارية القليلة التي حافظت على عافيتها في أوروبا («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو ان الثقة بالاسواق العقارية البريطانية بدأت تتعزز وتستعيد عافيتها تدريجيا، مع تأقلم البائعين والمشترين مع الاوضاع الجديدة وتسعير البائعين بشكل خاص عقاراتهم بأسعار معقولة ومناسبة. ويؤكد تقرير خاص بالنشاط العقاري البريطاني من مؤسسة «كينلي فوكوورد اند هيوارد»، صدر قبل ايام حول ثماني مناطق في العاصمة لندن، ان السماسرة او الوسطاء الجدد يساهمون في تعزيز الثقة بالاسواق، وان المشترين الذين يملكون دفعة أولى هم الأكثر حظا بالحصول على عقار من غيرهم من الزبائن، وان النشاط الاكبر يحصل في قطاع الاستثمار في العقارات الصالحة للإيجار. ويقول داني هارد مدير المؤسسة في منطقة «باترسي» في جنوب غربي لندن ان الاسعار «تراجعت كما هو معروف ولذا نلحظ بعض النشاط حاليا، وقد شهد اغسطس (آب) بعض الصفقات الجديدة مما ساعد على تعزيز الثقة قليلا بالاسواق.. هناك رأي عام يقول بأن السوق العقاري سيتحسن مع الزمن، خصوصا مع عودة الكثير من الناس من عطلهم الصيفية.. كما ان الشراء للتأجير اصبح اكثر انتشارا من السابق..طالما كان السعر المعقول هو الذي يتحكم بالسوق ولذا تباع عقاراتنا المسعرة جديدا وبشكل طبيعي». وقد تواصل التراجع على اسعار العقارات السكنية في بريطانيا الشهر الحالي، في انجلترا ومقاطعة ويلز، ووصلت نسبة التراجع خلال الاسابيع الخمسة الماضية الى1 في المائة حسب التقرير الاخير لمؤسسة «رايت موف» المعروفة. ووصلت نسبة التراجع السنوية على الاسعار حتى الآن الى 3.3 في المائة هذا الشهر مقارنة بـ 4 في المائة في اغسطس الماضي. وشهدت منطقة «ايست ميدلاندز» اكبر تراجع على اسعار العرض حيث وصلت الى 5.3 في المائة. ووصلت هذه النسبة ايضا الى 3.9 في المائة في المناطق الجنوبية الغربية في انجلترا، اذ ارتفعت اسعار العرض في بعض مناطق وسط العاصمة لندن (في غرب وجنوب غرب)، أي تشلسي وكينزينغتون ونايتسبريدج وماي فير بنسبة 4 في المائة مخالفة كل التوقعات وما يحدث على الساحة الاقتصادية في البلاد.

وعلى اساس التراجع يصبح معدل سعر المنزل في انجلترا وويلز 227.4 الف جنيه ( 400 الف دولار تقريبا). وتقول «رايت موف»، عن اوضاع السوق العقاري السكني في بريطانيا، ان عدد العقارات المتوفرة في الاسواق ارتفع بنسبة 0.5 في المائة، خصوصا في قطاع العقارات التي يتراوح سعرها بين 125 الف جنيه (200 الف دولار) و175 الف جنيه (300 الف دولار تقريبا). الا ان العقارات او المنازل التي يتراوح سعرها بين 175 الف جنيه و200 الف جنيه (370 الف دولار) تراجعت بنسبة 5 في المائة. ويبدو ان البائعين يخفضون اسعارهم في ظل الازمة الاقتصادية والائتمانية الحالية التي تعيشها بريطانيا. الا ان «رايت موف» لا تزال تتوقع ان يتعافى السوق العقاري السكني عندما تحل مشكلة الديون او القروض بين البنوك والمؤسسات المالية نفسها، وايجاد حل بالتالي لمشكلة شحة القروض العقارية واسعارها الغالية الثمن. ويقول مايلز شيبسايد عن المؤسسة في هذا الصدد، ان عدد البائعين هو الاسوأ منذ سنوات، إذ انهم حذرون ولا يريدون الدخول في الاسواق في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية ولهذا تراجع معدل عدد المنازل لدى السماسرة من 79 الى 78 منزلا في الشهر كما حصل خلال الاشهر السبعة الماضية. على الصعيد العالمي حيث تشهد الاسواق ركودها ومشاكلها الخاصة بها في ظل ازمة الائتمان الدولية، فقد اكد مؤشر لمؤسسة «نايت فرانك» العقارية الدولية المعروفة، ان اسعار العقارات السكنية تواصل تراجعها حول العالم مع استثناءات في عدة مناطق. ويوضح المؤشر بأن معدل نمو اسعار العقارات السكنية وصل الى 4.8 في المائة في النصف الثاني من العام الحالي مقارنة بـ 6 في المائة من نفس الفترة العام الماضي. وتقول «نايت فرانك»، ان الاسعار تواصل تراجعها في نصف الدول المسجلة على المؤشر، خصوصا اوروبا الغربية التي تشهد نموا سلبيا، لكن الاسعار ترتفع وتنمو في بعض الدول الاوروبية الشرقية وبعض المناطق الآسيوية. وقد انضمت كل من الدانمارك ونيوزيلاندا وليثوانيا الى مجموعة الدول التي تشهد تدهورا كبيرا على الاسعار بدل التراجع العادي. ويبدو ان الاسوأ كانت لاتفيا التي تراجعت اسعارها بنسبة لا تقل عن 25 في المائة. اما بلغاريا فتتربع على رأس لائحة الدول التي تشهد ارتفاعا على الاسعار تصل نسبته الى 32.3 في المائة منذ بداية العام، وسجلت كل من روسيا وتشيكيا وسلوفيكيا وهونغ كونغ نسبة ارتفاع لا تقل عن 25 في المائة. ورغم المخاوف من كثرة العرض خصوصا في قطاع المنتجعات والمناطق الساحلية، فإن الاسعار العقارية السكنية في بلغاريا ارتفعت خلال العامين الماضيين بما لا يقل عن 65 في المائة بسبب النشاط القوي محليا ومن قبل المستثمرين الاجانب، خصوصا الاغنياء الروس، كما يؤكد نيك بارنز عن المؤسسة. وتؤكد المؤسسة، ان نمو الاسعار المرتفع في كل من سلوفيكيا وتشيكيا يعود الى النمو الاقتصادي بشكل عام في البلدين لكن يتوقع ان يكون الأداء الاقتصادي خلال السنوات المقبلة ابطأ من السابق، وسيعاني كثير من دول البلطيق من معدلات تضخم عالية خصوصا على صعيد اسعار القروض العقارية، ما من شأنه ابطاء حركة السوق.

وعلى صعيد الوضع في بريطانيا تقول «نايت فرانك» ان الاسواق العقارية ستبدأ تعافيها مع بداية عام 2010، إذا ما كان بقي معدل البطالة معقولا ولم يرتفع عدد المصادرات العقارية. ومن المتوقع ان تتراجع اسعار العقارات بشكل اكبر في اسبانيا بسبب المخاوف من الركود الاقتصادي العام المقبل. وفي آسيا، يبدو ان معدل نمو الاسعار قد وصل الى 9.2 في المائة هذا العام، خصوصا في الصين وهونغ كونغ ويتوقع ان يواصل ارتفاعه العام المقبل، رغم ان اندونيسيا تشهد حركة بطيئة وتراجع الاسعار في سنغافورة.

وحول الولايات المتحدة، التي تشهد ثاني اكبر تراجع للاسعار في العالم، تقول «نايت فرانك» ان هناك بوادر تحسن في بعض المدن، خصوصا دانفور وبوسطن ودالاس. لكن نسبة التراجع على الاسعار وصلت في ولايتي كاليفورنيا وفلوريدا إلى 12 في المائة. وفي كندا، تقول التقارير الدولية، على عكس بداية الشهر الحالي، ان اسعار العقارات سجلت اكبر تراجع لها منذ اكثر من عشر سنوات. وتقول «هيئة العقار الكندية» في تقريرها الاخير ، ان اسعار العقارات تراجعت بنسبة 5.1 في المائة بين اغسطس العام الماضي واغسطس هذا العام أي منذ بدء ازمة الائتمان وهو اكبر تراجع تشهده كندا منذ عام 1996.

ويترافق تراجع الاسعار منذ ثلاثة اشهر، مع تراجع في عدد الصفقات العقارية المسجلة وتعاني سوق العقارات الفاخرة او الممتازة الامرين في هذا الإطار، خصوصا في فانكوفر وفيكتوريا وكالغاري. وفيما تراجعت الاسعار في فانكوفر بنسبة 5 في المائة، تراجع عدد المبيعات بنسبة كبيرة وصلت الى 54 في المائة عما كانت عليه العام الماضي. وتؤكد التقارير العقارية الصادرة في استراليا، ان اسعار العقارات السكنية في المدن الكبرى ستعود الى قوتها في سيدني قبل المدن الاخرى. وتشير مؤسسة «استراليان بربرتي انستيتيوت»، في احصاءاتها ودراساتها الاخيرة، الى ان الاسعار ستواصل تراجعها في المدن الاسترالية الكبرى حتى عام 2010 قبل ان يبدأ تعافيها نهاية العام المقبل 2009 في سيدني وعام 2010 في ماليبورن وبريزبان. وتقول المؤسسة ان اسعار العقارات التجارية ايضا ستعود الى نموها المعتاد، خلال العامين المقبلين. وفيما سيتواصل الركود على اسعار العقارات الصناعية في البلاد، ستشهد العقارات التجارية تصحيحا ايجابيا في سيدني اولا قبل بريزبان التي تعيش ازمة حقيقية على هذا الصعيد. وفي الدراسة الاخيرة التي قامت بها المؤسسة وسألت فيها خيرة الخبراء والماليين والمحللين عن اوضاع الاسواق العقارية، تشير المعلومات الى ان العائدات الربحية في معظم القطاعات العقارية سترتفع بشكل عام، بسبب توفر القروض العقارية وارتفاع معدل الفائدة العام، ويتوقع ايضا ارتفاع عدد العقارات الصناعية والتجارية المتوفرة في الاسواق. وكان خبراء العقار بداية الشهر قد حذروا، من ان تخفيض معدل الفائدة العام لن يكون كافيا لتحريك السوق وتمكينها من استعادة نشاطها بشكل طبيعي، خصوصا تعزيز الثقة العامة بها. وكانت المؤسسات المعنية في البلاد قد اشارت في الفترة نفسها الى تراجع ثقة المستهلكين في الاسواق العقارية وان عدد القروض العقارية نتيجة لذلك، تراجع الشهر الماضي بنسبة 17 في المائة وتراجعت قيمة هذه القروض من 2 مليار دولار الى 1.9 مليار دولار، وهذه المرة الاولى التي تتراجع فيها قيمة القروض منذ عام 2006. وتقول «إيه. اف. جيه- AFG»، وهي اكبر مؤسسات القروض العقارية في البلاد ان الناس ينتظرون تراجع معدل الفائدة العام ويعيشون حالة ترقب عام، وقد تراجع عدد القروض ذات معدلات الفائدة الثابتة من 25.5 في المائة في فبراير (شباط) الماضي الى 4.5 في المائة في اغسطس (آب) الماضي. وحافظ المستثمرون على موقعهم في الاسواق إذ لا يزالون يشكلون 30 في المائة من اصحاب القروض. وتشير التقارير الدولية، الى ان المستثمرين العقاريين القادمين من الاسواق العقارية الناشئة، هم اكثر المستثمرين استعدادا لاتخاذ المخاطر في العالم من رفاقهم في العالم المتطور.

ويبدو ان الكثير من هؤلاء المستثمرين (معظمهم من آسيا) ينشطون في انحاء المعمورة للحصول على فرص استثمارية، رغم ازمة الائتمان الدولية وتبعاتها الاقتصادية السلبية على الدول الغربية، خصوصا اميركا وبريطانيا. وتقول الدراسة التي قامت بها مؤسسة «باركليز ولث»، ان اكثر من 50 في المائة من الذين استطلعتهم من المستثمرين، لا يزالون يعتقدون ان اسواق العقار من الاسواق الرئيسية المهمة التي يجب الاستثمار فيها. وابدى 40 في المائة من المستثمرين العقاريين الصينيين و 40 من رفاقهم الهنود استعدادهم لاتخاذ مخاطر عالية في هذه الظروف، بينما لم يبد اكثر من 21 في المائة من المستثمرين الإيطاليين و29 في المائة من البريطانيين و29 في المائة من الاسبان استعدادهم لاتخاذ مخاطر استثمارية عالية حاليا. وتشير «لاركليز ولث» الى ان 48 في المائة من المستثمرين في الاسواق العقارية الناشئة يخططون لوضع محافظ عقارية او استثمار اموالهم في الاسواق العقارية. ووصلت هذه النسبة الى 37 في المائة في الدول الغربية المتطورة. ويعتقد بعض المحللين ان ذلك يعود الى ضعف القطاعات المالية في مثل هذه الاسواق. وابدى بين 17 و22 في المائة من المستثمرين القادمين من بريطانيا واسبانيا استعدادهم للخروج من الاسواق العقارية والاستثمار في قطاعات اخرى. ويقول مارك كيبلوايت عن المؤسسة التي تدير استثمارات عقارية بقيمة 133 مليار دولار حول العالم، ان: «المستثمرين المحترفين يجوبون العالم للعثور على عقارات مناسبة ونحن عبر تمويلاتنا وعلاقاتنا نحاول مساعدتهم للعثور على الفرص الممتازة».