«الشراكة المتوسطية» تنقذ بؤر البؤس.. معماريا وتراثيا

من خلال مشروع «أرخميدس» في بيروت وطرابلس

صورة عامة لبيروت («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد مدينتا بيروت وطرابلس في لبنان أو بعض أحيائهما التراثية، معمارياً وثقافياً، تنفيذ مشروع نموذجي يموله الاتحاد الأوروبي في إطار برنامج «ميد ـ باكت» المنبثق عن برنامج الشراكة الأوروبية ـ المتوسطية (اوروميد)، بنسبة 80%. ويطلق على هذا المشروع اسم «ارخميدس»، الذي يتناول أكثر أحياء بيروت اكتظاظاً وبؤساً وتراثاً هو حي «زقاق البلاط»، كما يتناول حياً مماثلاً في طرابلس هو «الميناء».

ففي بيروت، يعتبر «زقاق البلاط» المرحلة الأولى من خطة تشمل لاحقاً كل الأحياء التي تزنر وسط بيروت التجاري، والتي لم تشملها إعادة إعمار هذه المنطقة والممتدة من الجميزة في شرق العاصمة الى «عين المريسة»، مروراً بـ«البسطة» و«القنطاري» في غرب العاصمة. وتحتوي هذه المنطقة الجغرافية على إرث مميز لا يقتصر على الثروة المعمارية فحسب، بل يشمل نمطاً معيشياً بيروتياً بامتياز. ويؤكد مساعد رئيس بلدية بيروت رشيد جلخ، لـ«الشرق الأوسط»: «أن المطورين العقاريين يجتاحون هذه المنطقة، ويمارسون فيها تدميراً منظماً لتراثها الثقافي المتنوع الذي يعود الى العديد من الحقبات التاريخية».

ويشرح سيرج يازجي، المسؤول عن هيئة «مجال» التي تشارك في تنفيذ المشروع، لـ«الشرق الأوسط»، أهداف المشروع بالقول: «إن بلدية بيروت، بالتعاون مع هيئة «مجال»، وجامعة «البا»، وجامعة البلمند، هي التي اختارت محلة زقاق البلاط كخطوة اولى في مشروع «ارخميدس» النموذجي المنبثق عن برنامج «ميد ـ باكت» القائم على الشراكة بين المجموعات الجغرافية في منطقة المتوسط، والهدف من هذا المشروع هو إعادة إحياء النسيج المعماري في المحلة في مواجهة المستثمرين العقاريين الساعين وراء الأرباح، كما يهدف المشروع الى الإبقاء على السكان في منازلهم الحالية والمحافظة على بنيتها التراثية، وجعلها مقصداً للسياح، وإقامة المشاريع الاقتصادية الجذابة، مما يؤدي الى المحافظة على ذاكرة المنطقة وتعزيز قطاعاتها».

ويضيف يازجي: «ان طلاب جامعة «البا» قاموا بدراسة ميدانية مسحوا خلالها كل الأبنية ذات الطابع المعماري المميز، مستفيدين، على مستوى المنهجية، من توأمة العاصمة اللبنانية مع مدينة «البندقية» الايطالية وتبادل الخبرات».

ويرى ان الدراسة ستقود الى أعمال محددة تهدف الى إنقاذ التراث بالإضافة الى تنظيم مناسبات اجتماعية وثقافية، كما ستفعل بلدية بيروت لجهة تنظيم سلسلة من المهرجانات في «زقاق البلاط» بمناسبة إعلان بيروت، في العام المقبل «المدينة العالمية للكتاب».. وسيطلق على المهرجان المنتظر اسم «الكتاب في الشارع». وسيشكل مشروع «ارخميدس» جزءاً من المهرجان، حيث سيعلن عنه للمرة الأولى. ويأمل مسؤولو المشروع ان يسمح «ارخميدس» بوعي المخاطر التي تهدد التراث البيروتي، ويحض الرأي العام اللبناني على القيام بضغوط من أجل تحديث التشريعات الحالية بما يحافظ على البناء التراثي والهندسة المعمارية المتوارثة، وينزع غلاف البؤس والفوضى والنفايات عن واجهات المنازل والطرقات والأرصفة التي يعود عمرها الى قرون مضت.

ومن «زقاق البلاط» في محيط وسط بيروت، الى منطقة «الميناء» في مدينة طرابلس الشمالية التي تعد 60 ألف نسمة، وتشبه «زقاق البلاط» في الاكتظاظ والتنوع الطائفي والغنى التراثي، وبالأخص المعماري الذي يحتاج الى تجديد ورعاية قانونية، وهو ما أكده لـ«الشرق الأوسط»، سامر انوس، منسق مشروع «ارخميدس» في «الميناء»، الذي يعتبر: «ان الوقت يعمل ضد المشروع والوضع العام في الحي المذكور كارثي. فالمباني القديمة خربة، وبعض المنازل متهدمة، والسكان يغادرون، والمهن التقليدية آخذة في الزوال، لكن ما يشجعنا هو تجاوب سكان المنطقة مع طلاب جامعة البلمند الذين انبروا للقيام بدراسة ميدانية مسحوا فيها الأبنية التاريخية التي ينبغي المحافظة عليها وتجديدها».

ويعتبر انوس ان الميزة الثانية في برنامج «ميد ـ باكت» تقضي بإيجاد فرص عمل تشجع السكان على البقاء في أماكنهم، لا سيما فرص العمل ذات الطابع السياحي. ومن أهداف مشروع «ارخميدس» تجديد مبنيين لتحويلهما الى نزلين، كذلك طبع دليل سياحي من دون إغفال إنشاء حاضنة، ومركز أعمال لدعم المقاولين الصغار في المحلة.

وإذا كان من فائدة للحرب ضد «فتح الإسلام» في الشمال الصيف الماضي، فإنها عززت النشاط التجاري والحرفي في منطقة «الميناء» القريبة من مخيم البداوي الذي كان مسرحاً للحرب القاسية.

يذكر ان مشروع «ارخميدس» هو واحد من 9 مشاريع يتضمنها برنامج «ميد ـ باكت» بكلفة 1.98 مليون يورو. ويشارك في هذا البرنامج المتوسطي كل من: لبنان، الأردن، مصر، سورية، فلسطين، تونس، الجزائر، المغرب، إسرائيل، وتركيا.