الهند: القصور والقلاع الملكية محط أنظار المصطافين من دول العالم

يحقق أحلامك لتسكن في مساكن البلاط الملكي

احد القصور المهملة التي تنتظر البيع في الهند
TT

إن لم تكن وُلدت في عائلة ملكية، ويساورك دوما الحلم بالسكن في قصر أو قلعة، فلست بحاجة إلى أن تحول دماءك إلى دماء زرقاء، لكن ببضعة ملايين يمكنك شراء واحد من تلك القصور أو القلاع في الهند. فيوجد في الهند حاليا الكثير من القلاع، والقصور المزدانة، والحصون المعروضة للبيع. وهناك الكثير من المصطافين من أوروبا، وأميركا، وسنغافورة، والشرق الأوسط لشراء تلك المنشآت المتهدمة إثر مرور الزمن؛ بعد أن أهملتها الأسر الملكية الآفلة. ولم تكشف المصادر القريبة من الاتفاقات عن أسماء المتقدمين لشراء تلك المنشآت، إلا أنها أفادت أن مالكي تلك المنشآت يجرون مفاوضات مع المقيمين غير الهنديين وشركات سمسرة العقارات حول العالم، إما لبيعها أو تحويلها وإدارتها كفنادق تراثية بالتعاون مع شريك عالمي. وها هي الملكية تبسط البساط الأحمر للمشترين لشراء الحصون، والقصور، والقلاع، ومنازل البلاط الملكي المنتثرة عبر الهند. وتزخر هذه العجائب الهندسية بعدد هائل من الغرف، والتي كانت في الأصل محل إقامة أفراد العائلات الملكية السابقة، وتعتبر تلك الممتلكات في الوقت الحالي «ممتلكات أو منشآت أثرية».

لقد شهدت الهند ـ عبر تاريخها الثري على مدار 5000 عام ـ تعاقب الكثير من الملوك وسلاطين الهند (المهراجا) من العديد من الأسر الملكية الحاكمة في مختلف المناطق بالبلاد. وقد قام هؤلاء الملوك والأباطرة بدورهم بتشييد القصور الفارهة، والقلاع المهيبة، والمنازل الأنيقة الفاتنة التي تعد في الوقت الحالي من المعالم الرئيسة في الهند. وبالرغم من أن الملوك والأمراء لم يعودوا يحكمون البلاد حاليًا، إلا أن قصورهم وقلاعهم ما زالت تذكرنا بعبق وفخامة هذا العهد المنصرم. وبعد استقلال الهند عام 1947، توحدت جميع الولايات الهندية في إطار واحد ألا وهو جمهورية الهند، وحينها وُلدت دولة ديمقراطية حديثة أخرى. ثم ألغى الدستور الهندي عام 1971 حكم جميع الأسر الملكية، كما ألغى العطايا السرية التي كان يتم منحها إلى الأسر الحاكمة. لقد أصبحت صيانة والمحافظة على تلك المنشآت الفخمة ـ والتي بُني كل منها على حدة عبر قرون، والمزدانة بأفضل الرسوم واللوحات والأثاث الفخم وتمثل فترات مختلفة من التاريخ الهندسي ـ عملا ضخما وهائلا. كما عمد بعض الملوك بصورة شخصية إلى تحويل مجموعة مختارة من القصور والقلاع والمنازل إلى فنادق رائعة الجمال، واحتفظوا بعبق وسحر العصر القديم لتلك القصور لإنقاذها من السقوط في خطر الخراب، بالإضافة إلى كونها وسيلة جديدة لهم للعيش. وقد استمر أفراد العائلات ـ الذين كان أسلافهم يخدمون في تلك القصور ـ في البحث عن وظائف لهم. ويقول رانضير فكرام سينغ ـ الأمين العام لرابطة فنادق راجاستان التراثية:«إن هناك اتجاها كبيرا نحو هذا الأمر، فقد أصبحت الحركة التراثية الخاصية الفريدة التي تميز الهند. وكل شخص يرغب في أن يضيف منشأة تراثية ضمن استثماراته». ويعتبر غاجراج سينغ ـ مالك قلعة بوشكار في ولاية راجاستان الهندية والبالغ من العمر 70 عامًا ـ مثالاً لأحد البائعين لتلك القلاع التراثية، ونظرًا إلى أنه ليس له وريث لممتلكات أسلافه، حيث يقول:«إن الحفاظ على منشأة مثل هذه يتطلب جهدًا وتمويلات هائلة، وفي الوقت الحالي لا أستطيع أن أتحمل إنفاق مثل هذا المبلغ الضخم من المال. لذا فأنا أريد بيع قلعة بوشكار وأن أعطي جزءا من الأموال إلى ابني بالتبني، وأنفق بقية الأموال على بناء مستشفى خيري في المنطقة». هذا، ويتطلع المشترون إلى تحويل تلك القلاع القديمة إلى فنادق مفعمة بالتراث. ويقول إسلام خان، المتعاون مع شخص غير هندي يقيم في سنغافورة لتحويل قلعة عمرها 250 عامًا إلى فندق تراثي:«إن الغرب منتبه للغاية لفكرة القلعة المحاطة بغابة، كما أنها تتكلف أقل من مجرد شقة ضيقة في لندن. وهناك القليل من المشترين الذين أظهروا اهتمامهم بشراء العديد من الممتلكات». وطبقا لخان، فإن أغلب تلك الممتلكات يتراوح ثمنها بين 300.000 ـ 900.000 دولار، بالإضافة إلى مصاريف الترميم والتجديد، إلا أن هناك الكثيرين الذين يريدون اغتنام تلك الفرصة، حيث يشعرون بالإثارة لامتلاك قلعة مكونة من 20 غرفة وتضم غابة مساحتها 20 فدانا بقيمة أقل من شقة ضيقة المساحة في منهاتن. وفي الحقيقة، يُعرف عن الهند أنها من أفضل الأماكن التي يتم فيها ترميم المنشآت التاريخية، ويقول الفرنسي فرانسيز واكسيارغ من فنادق نيمرانا المشهورة ان بقاء القلاع القديمة في الهند، والقصور، والبيوت العائدة للعصر الاستعماري يتطلب أن تكون متاحة تجاريا. تجدر الإشارة إلى أنه عندما اشترى واكسيارغ وشريكه في العمل أمان ناث فندق نيمرانا البالغ عدد حجراته 42 ـ على مسافة 122 كيلومترا من دلهي ـ كان حطاما وبلا سقف، إلا أنهم حولوه الآن إلى منتجع مشهور يقصده الكثيرون. وفي هذه الأيام تكلف قضاء ليلة في قلعة راجاستان التي تعود إلى القرن الرابع عشر ما بين 2200 ـ 6600 روبية هندية. كما يجذب فندق نيمرانا رحلات الطيران العارض القادمة من أوروبا، حيث يقضي الأوروبيون هناك أسبوعا كاملا، ثم يعودون مرة أخرى إلى أوطانهم. والآن، يتكون فندق نيمرانا من سلسلة تتكون من 14 فندقًا تمتد عبر ربوع الهند ـ بدءا من ترانكبار في تاميل نادو جنوبا، وحتى المنشأة في باشيالا في إقليم البنجاب شمالاً، والمحدد أن يتم افتتاحه في سبتمبر. وطبقًا لفيجال لال ـ نائب رئيس رابطة الفنادق التراثية الهندية: يعد العائد للاستثمار اليوم في الفنادق التراثية أكبر بكثير مما كان متوقعًا من الفنادق الأخرى غير التراثية. وهذا مرده إلى أن تكلفة الإنتاج في الفنادق التراثية أقل بكثير من الفنادق غير التراثية. فتكلفة التشييد والبناء تستلزم رأسمالا استثماريا ضخما، وتلك هي المزية في الفنادق التراثية، نظرا إلى أن البنية التحتية المعمارية للفندق موجودة بالفعل. وكانت حكومتا ولايتي راجاستان وغوجارات رائدتي الإعلان عن مشاريع «حزمة محفزات السياحة التراثية»، التي تمنح استثناءات كبرى للمقاولين المستقبليين الراغبين في تحويل المنشآت والمنازل التراثية التي يرجع تاريخها إلى ما قبل عام 1950 إلى فنادق. ويعتبر قصر عُميد بهاوان، الذي تذوقت فيه ليز هيرلي وزوجها أرون نايار طعم الملكية أثناء حفل زفافهما ـ أكبر مقر إقامة شخصي في العالم، حيث يبلغ عدد الغرف فيه 347 غرفة. والمالك الحالي له هو غاجندار سينغ مهراجا جوضبور. وقسّم بدوره القصر إلى 3 أقسام وظيفية، أحد هذه الأقسام يتمثل في فندق 5 نجوم (وهو موجود منذ 1972)، وتديره مجموعة الفنادق الهندية الكبرى «ذا تاج»، أما القسم الآخر فهو مقر إقامة الأسرة الملكية، والأخير عبارة عن متحف صغير يعرض صورا، وأسلحة، وسيوفا، وبعض المقتنيات الأخرى المتعلقة بالتراث الملكي لجوضبور. وبالمثل، تشكل السكنى في مرتفعات أرافالي، حيث قصر ديفي غار بقرية ديلوار أحد المجازات الثلاثة الرئيسة إلى وادي أودايبور. لقد أصبح قصر ديفي غار جاهزًا لاستقبال الزائرين بعد سنوات من التجديد والترميم. ومن المعروف أن قصر فورت من الأماكن التي يلتقي فيها عبق الماضي بالمستقبل. ويتكون هذا الفندق كله من الأجنحة الفخمة، حيث يضم 39 جناحًا مع التأكيد على روعة التصميم والتفاصيل المتمثلة في استخدام الرخام المحلي، والأحجار شبه الكريمة، والتي أكملتها الخدمة الشخصية بالغة الكياسة واللطف. وتؤدي كل هذه الأمور إلى رسم صورة عن الهند في القرن الـ21. ويقول لال:«إن بيع حصوننا وقصورنا إلى الأجانب هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها الحفاظ عليها، فتلك المنشآت متحطمة بعض الشيء، نظرا إلى ان الملوك القدامى لم يكونوا قادرين على صيانتها والمحافظة عليها. كما لم تقو الحكومة على القيام بذلك أيضا نظرا إلى عشرات المباني الأثرية التي بحوزتها. وإذا كان بإمكان الدول الأوروبية بيع قلاعها للأجانب، فلم لا تحذو الهند نفس الحذو مع قلاعها وقصورها المتحطمة»؟ إن هناك الملايين من مثل تلك المنشآت في جميع أرجاء الهند، كما أن تمكين الأجانب من شراء القصور سيثري كل من الهند والأسر الملكية المالكة لتلك المنشآت والتي أصابها الفقر. فالأسر الملكية ستحصل على مبالغ مالية جيدة، فضلاً عن أن المباني التراثية غير المقدرة بثمن سيتم تجديدها دون أدنى تكلفة، نظرًا إلى أن المشترين الأجانب سيرممونها ويجددونها لاستعادة مجدها ورونقها القديم. هذا بالإضافة إلى أن تكلفة إصلاح وترميم المباني التراثية تبلغ ضعف الثمن المعلن لشراء المبنى».