«رياض» المغرب العتيقة تجذب المستثمرين العقاريين الغربيين

قربها الجغرافي والمناخي من أوروبا يجعلها امتدادا طبيعيا لها

صورة عامة لمدينة فاس المغربية، المشهورة بحاراتها العتيقة («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن البريطانيين بدأوا يكتشفون سوق العقارات المغربية الذي كان الفرنسيون والاسبان مستثمريه الأساسيين تاريخياً، وربما ما زالوا. لكن منازل المغرب التقليدية والمعروفة باسم «الرياض» تجذب كثيراً من هواة العقارات العتيقة من الأوروبيين. وعلى سبيل المثال نقلت صحيفة «الدايلي تلغراف» البريطانية أخيراً قصة زوجين بريطانيين، ألن وكايت، قضيا عامين في صيانة إحدى هذه الرياض في مدينة مراكش المغربية التاريخية. وقال ألن (63 عاماً) إنه وزوجته اشتريا هذا المنزل قبل 7 سنوات بـ 70 ألف دولار، ثم انفقا 80 ألفاً اخرى لإعادته إلى الحياة. ورغم أن قيمة المنزل، الذي كان أصلا ملجأ تابعاً لحرم أحد المساجد في الحي، تبلغ الآن نحو 400 ألف دولار الا أن المالكين يفضلان الاحتفاظ به بدلاً من بيعه. ومن جانبها أوضحت كايت أن السنوات القليلة الماضية شهدت تعمير 50 «رياضاً» في الحي الذي تسكنه في مراكش المدينة من قبل مستثمرين بريطانيين مما أنعش المنطقة ومقاهيها ومحالها التجارية.

وأوضحت وكالة «موروكو بروبرتيز» العقارية، الموجودة في مراكش والتابعة لوكالة «سافيلز» البريطانية، أن العقارات المعروضة لديها للبيع تتراوح بين منزل من خمس غرف نوم بقيمة 380 ألف دولار إلى منزل آخر بتسع غرف (يعود للقرن السابع عشر) بـ 3.5 مليون دولار.

وعموماً، فقد ظل المغرب، البلد العربي الواقع على مرمى حجر من أوروبا والمستقر سياسياً، المكان المفضل للأغنياء والمغامرين من الأوروبيين الذين بدأوا يبحثون عن أماكن خرج القارة الأوروبية لكنها قريبة منها. كما ساعد قيام العديد من نجوم السينما والفرق الموسيقية ومجلات الأزياء بالتصوير في المغرب على ترسيخ الصورة المثيرة والساحرة لهذا البلد المطل على البحر الأبيض المتوسط وعلى المحيط الأطلسي. إلا أنه لم يكن حتى وقت قريب محسوباً في عداد الأماكن الرئيسية المرغوبة لدى مستثمري العقارات الأجانب.

وأول ما جذب انتباه السوق العالمي هي «الرياض»، وهي عبارة عن المنازل التقليدية في المدن العتيقة ذات الفناء والحديقة. وكانت الرياض تاريخياً عبارة عن منازل للعائلات الكبيرة، وهي مبان أنيقة تبدو غير جذابة من الخارج لكنها تحتوي في الداخل على كثير من الملامح المعمارية والتصميمية المدهشة. فخلف المدخل الرئيسي للمنزل يقع البهو وهو فناء بارد مبلط ببلاط مزخرف ويقع في منتصف المنزل وتؤدي إليه العديد من غرف المنزل. وفي العادة يحتوي البهو على نافورة أو حوض ماء، ويكون مكشوفاً على السماء، لذا فهو مكان نموذجي للهرب من حرارة الجو داخل الغرف. وتمتاز الشرفات والمقصورات داخل الرياض بالزخارف الخشبية البديعة. وغالباً ما تكون أفضل الرياض عالية داخل أسوار المدينة العتيقة ومطلة على مناظر طبيعية خلابة. وتقول الوكالة إن الأوروبيين، معظمهم من فرنسا وإيطاليا واسبانيا، يملكون 600 منزل داخل أسوار المدينة العتيقة في مراكش. إلا أن البريطانيين يسعون الآن إلى اللحاق بهذا السوق على الرغم من أن الفرنسية هي اللغة التجارية الرئيسية في المغرب، وأن قانون العقارات مستمد من القانون الفرنسي. وبشكل عام فقد زادت ملكية الأجانب، خصوصاً من دول الاتحاد الأوروبي، للعقارات في عهد الملك محمد السادس الذي تولى الحكم عام 1999، وهو من أنصار الحداثة وقد خفف الكثير من القيود على الاستثمار الأجنبي، فضلاً عن تنفيذ مشاريع إنشائية ضخمة في المناطق السياحية.

ويُلاحظ أن الاهتمام المتدفق في الآونة الأخيرة لم ينصب على الرياض التقليدية في المدن العتيقة أو على الفيلات الفاخرة في فاس ومراكش فحسب، بل على موجة المباني قيد التنفيذ المقامة لبث الحياة في الخط الساحلي المهمل في المغرب. ويتحرك الطلب فور الشروع في المراحل الأولية من البناء. ويقول أحد موظفي شركة «برستيج بروبرتي أوفرسيز» وهي شركة بناء بريطانية تتخذ من اسبانيا مقراً لها وتقف وراء بعض أكثر المشروعات طموحاً مثل «برادايس غولف» و«بيتش ريزورت» جوار مطار طنجة: لقد زاد عدد البريطانيين المشترين لعقارات في المغرب بشكل ملحوظ، فالمغرب يبعد 5 أميال فقط عن جنوب اسبانيا، مما يعني أن الطقس في البلدين متشابه للغاية، بينما يمتاز المغرب بأميال طويلة غير مستثمرة من المنتجعات النموذجية والشريط الساحلي. من جهة أخرى فإن السلطات المغربية حريصة على ألا يتحول الشريط الساحلي في المغرب إلى شيء مماثل لما حدث في أجزاء كبيرة من الساحل الاسباني، حيث غطت الساحل غاباتٌ من ناطحات السحاب التي بُنيت إبان الطفرة العقارية الكبيرة في اسبانيا للاستفادة من موجة الطلب الأوروبي العارمة على شواطئها وطقسها الدافئ. لذا فقد قررت الحكومة المغربية ألا يزيد ارتفاع المباني المطلة على الساحل المغربي عن 3 طوابق، وألا تزيد الكثافة العمرانية عن نسبة 60% من مساحة الأرض. كما منعت قطع الأشجار الكبيرة وحثت المعماريين على الالتفاف حولها عندما يعدون تصاميمهم.

وخلافاً لبعض الاستثناءات - مثل أغادير وشواطئ الرباط،- فإن 3 آلاف ميل من المناطق المواجهة للساحل ظلت غير مستغلة طوال عقود. لذا فقد قرر الآن الملك محمد السادس إنعاش الخط الساحلي عن طريق إنشاء أفضل المنتجعات في العالم. وسوف يتم تنفيذ أول مشروع في الخطة الإصلاحية على امتداد الساحل الشمالي من مدينة أصيلة على ساحل المحيط الأطلسي إلى شمال طنجة، وإلى الشرق على امتداد الوسط عبر إقليم تطوان الجبلي. كما أن هناك العديد من مشاريع البناء قيد التنفيذ في ضواحي مراكش مثل مدينة النخيل المطلة على جبال أطلس. وقد بني معظمها على هيئة منازل حديثة من ثلاث غرف وحوض للسباحة، وهي مصممة لجذب المستثمرين الغربيين. وما زال من الممكن شراء روضة صغيرة بحاجة إلى تجديد في المدينة العتيقة بحوالي 100 ألف دولار. ومن الممكن أيضا شراء روضة مطلة على البحر بخمس غرف نوم حديثة بمبلغ 425 الف دولار في إيسوريا التي تبعد حوالي ساعتين بالسيارة من مراكش. ومن الملاحظ أن وكلاء العقارات يعلنون عن المغرب باعتباره «أسبانيا الجديدة» حيث تبلغ قيمة شقة من غرفتي نوم مطلة على البحر 75 ألف دولار، وقيمة فيلا من ثلاث غرف نوم وحوض سباحة 350 ألف دولار.

وهناك أيضاً مشروع مبان ممتد على طول شاطئ البحر خارج الدار البيضاء مباشرة، الذي يجذب كثيراً من المستثمرين الأوروبيين. وعلى سبيل المثال فقد فكر الزوجان نايجل وآن هاروب من مدينة «سري» البريطانية في شراء فيلا في المدينة العتيقة في مراكش، لكنهما غيرا رأيهما واشتريا فيلا بثلاث غرف نوم وحوض سباحة في مجمع الأخضر الحديث. ويشرح نايجل عدولهما عن خيار الشراء في المدينة العتيقة بقوله: من الصعب الشراء في المدينة العتيقة، إذ عليك تتبع الأقرباء حتى تتأكد من هم الملاّك الحقيقيون للعقار. ويضيف، لكن في الجانب الايجابي فإن أعظم شيء في مراكش أنك تستطيع خلال ربع ساعة بالسيارة من المطار الى الحي القديم أن تعود ألف عام في التاريخ. وبينما كان من الممكن قبل ثلاث سنوات فقط أن تعد على الأصابع وكالات العقارات العاملة التي تبيع عقارات في المغرب، فإن العدد قد تضاعف عدة مرات الآن، وذلك لمقابلة الطلب المتزايد على العقارات في هذه المملكة العربية القريبة من أوروبا. لكن بعض المستثمرين يترقبون الآن ما اذا كانت الأزمة المالية التي تعصف بالعالم حالياً ستؤثر مباشرة في سوق العقارات المغربية.