أزمة الائتمان تضرب أسعار العقارات والمشاريع.. من باريس إلى بالي

عدد الصفقات العقارية التجارية الأوروبية يتراجع بنسبة 60%

عدد الصفقات العقارية في باريس تراجع بنسبة تصل إلى 20 % نتيجة أزمة الائتمان الدولية ( «الشرق الأوسط»)
TT

«أزمة الائتمان تضرب باريس»، كان عنوان الكثير من المقالات التي تبعت التقرير الحكومي عن عدد الصفقات العقارية في العاصمة الفرنسية. وقد اشار التقرير الى ان عدد الصفقات العقارية منذ عام حتى شهر مايو (أيار) الماضي في المدينة تراجع بنسبة تصل الى 20 في المائة نتيجة ازمة الائتمان الدولية وانهيارات الاسواق المالية أخيرا. وقلما يستقطب سوق العقار الباريسي، خصوصا سوق الشقق المستثمرين الاوروبيين كما يستقطب المستثمرين المحليين، ولطالما سيطر على السوق المستثمرون من الولايات المتحدة وكندا (يشكلون 24 في المائة) وجنوب اميركا (35 في المائة) والشرق الاوسط ( 22 في المائة) وافريقيا (20 في المائة) حسب مصادر حكومية. ففي منطقة القضاء السادس او المنطقة السادسة، في المدينة المعروفة بمقاهيها ومحلاتها حيث كان ينزل الكاتب الاميركي ارنست هيمنغواي ويكثر الاجانب، تواصل الاسعار تراجعها منذ فترة. وتقول مؤسسة «سنتشري 21» (Century 21) ان المشكلة في المنطقة المرغوبة عادة من الاجانب وان الاميركيين لم يعودوا قادرين على شراء الشقق كالسابق وأن الباريسيين لا يتحملون الاسعار ايضا، ولذا السوق في المنطقة يمر بمرحلة ركود.

ويقول العقاري بيدرو بيرييرا عن مؤسسة «اوربي لوكسمبورغ» (Orpi Luxembourg)، بهذا الإطار ان 30 في المائة من زبائن المنطقة المشهورة والمعروفة من الاجانب، وان عدد الاميركيين الراغبين بامتلاك العقارات فيها يتضاءل يوما بعد يوم، إذ ان الظروف في الولايات المتحدة صعبة هذه الايام وعدد الزبائن يتراجع دائما، ولذا يضطر بعض اصحاب الملك الى تخفيض اسعارهم بنسبة تتراوح ما بين 5 و10 في المائة لتصريف عقاراتهم وبيعها.

ويشير تقرير حكومي من مكتب الإحصاءات الوطنية، الى ان الاوضاع الحالية في المناطق الممتازة قد تنعش اسعار العقارات في المناطق الشمالية للعاصمة كالمنطقة التاسعة عشرة والمنطقة العشرين، حيث يبحث الراغبون بدخول سوق العقار بالحصول على صفقات معقولة ورخيصة. وتقول ليليان سيلار عن مؤسسة «لافوريت ايموبيليي» (Laforet Immobilier)، ان «باريس صغيرة ولا توجد الكثير من المساحات الشاغرة والصالحة للبناء، ولذا سيكون الطلب دائما عاليا، الا ان الظروف الحالية لا تشير الى ان الطلب قادر على المحافظة على اسعار العقارات في المدينة». وعلى الجهة الاخرى من الاطلسي، يؤكد الكثير من الخبراء والعقاريين والمستثمرين ان التراجع على اسعار العقارات في الولايات المتحدة قد يتواصل حتى عام 2010، أي اكثر مما كان متوقعا. ويشير التقرير الاخير، عن هيئة السماسرة والمكاتب العقارية والمستثمرين والمطورين والمقرضين والوسطاء في البلاد، الى ان اسعار العقارات ستواصل تراجعها العام المقبل (2009) بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة، وان الامر سيمتد ليطال عام 2010. ويقول ستيفن بلانك عن «ايربن لاند انستيتيوت» (Urban Land Institute ) في واشنطن: «ان قطاع العقارات يواجه عدة مشاكل، فالكثير من اصحاب العقارات مديونون، والمقرضون توقفوا عن الإقراض وعدد التعاملات والصفقات في تراجع مستمر.. اضف الى ذلك ان معظم الناس غير مستعدين لاتخاذ أي مخاطر». ويقول التقرير ان الشقق القريبة من المرافق العامة، خصوصا المواصلات التي تتمتع باسعارمعقولة لا تزال من افضل القطاعات الاستثمارية كما تشير احصاءات العام الماضي.

كما تكثر هذه الايام الفرص الاستثمارية في قطاع المخازن او مخازن التوزيع في الاوساط التجارية، ويتوقع التقرير ان ينمو هذا القطاع على حساب القطاعات العقارية الاخرى.

ويبدو ان سياتل تتربع على رأس المناطق الافضل في الولايات المتحدة على هذا الصعيد الاستثماري تليها سان فرانسيسكو وواشنطن دي سي ثم مدينة نيويورك التي كانت تتربع على رأس اللائحة سابقا. وفي أوروبا بشكلل عام، يؤكد تقرير جديد لمؤسسة «جونس لاسال» (Jones Lang LaSalle ) الدولية المعروفة، ان عدد الصفقات في قطاع العقارات التجارية قد تراجع منذ عام حتى الشهر الماضي (اكتوبر 2008) بنسبة 60 في المائة، مع استثناءات خاصة في كل من روسيا والسويد وهولندا، حيث ارتفع عدد الصفقات في هذا القطاع. ويؤكد التقرير ان التراجع الاسوأ هو في ايرلندا وبريطانيا والنرويج والمانيا. ورغم ان نسبة هذا التراجع في بريطانيا (تحوز على ثلث الصفقات التجارية في اوروبا) وحدها قد وصلت الى 29 في المائة، فإن السوق البريطاني يعتبر الاكثر نشاطا بين دول الاتحاد الاوروبي، كالمانيا التي تراجعت قيمة الصفقات في هذا القطاع من 5.7 مليار يورو الى 3.2 مليار يورو أي بنسبة لا تقل عن 9 في المائة . ويقول توني هوريل عن «يوروبيان كابيتال» (European capital markets.)، الذي رفض اعطاء أي توقعات بشأن العام المقبل، بأن المسؤولين يتوقعون ان يصل حجم الاستثمارات العقارية المباشرة في اوروبا نهاية العام الى 115 مليار يورو. ومن شأن هذه الاستثمارات ان تفتح الكثير من الفرص للمستثمرين وتحريك السوق، مع التركيز على النوعية من الآن فصاعدا من ناحية البناء ومن ناحية الزبائن، رغم التراجعات على الاسعار في معظم البلدان. ومن المعروف ان المانيا تعتبر على رأس الدول الأوروبية التي تمتلك صناديق استثمار عقارية في الخارج، وتصل نسبة هذه الصناديق حول العالم 14 في المائة. ولذا يتوقع ان تواصل الصناديق الاستثمارية العقارية في المانيا والشرق الاوسط، خصوصا من دول الخليج سيطرتها على الساحة الدولية في ظل الأزمات الحالية وبالتالي مساعدة الاسواق وتحريكها عبر الكثير من الاستثمارات والمشاريع النوعية. ويبدو ان ازمة الائتمان بدأت تضرب ايضا اطنابها في بلغاريا التي كانت تعتبر جنة المستثمرين خلال السنوات القليلة الماضية بسبب رخص الاسعار واكتشاف البريطانيين والروس لاسواقها، إذ تشير التقارير الكثيرة الى أن اصحاب العقارات يبيعون باسعار متدنية جدة للهروب من السوق اضافة الى أن المطورين العقاريين يجمدون عمليات البناء في الكثير من المشاريع الكبرى. ويتوقع ان يتعرض سوق العقارات السياحية الى اكثر من غيره من القطاعات الى الضرر والتراجع، إذ إن السوق مشبع بالعقارات ويجد المستثمرون صعوبة في العثور على زبائن لتصريف عقاراتهم، على حد قول دوبرومير غانيف من مؤسسة «فوروس للعقارات» (Foros). وقد اضطرت مؤسسة «تيرا» للتطوير العقاري، الى تعليق العمل في مشروعها الخاص ببناء قرية سياحية بقيمة 200 مليون يورو بسبب الظروف الدولية والمحلية. وكان يفترض ان يضم المشروع الكثير من الشقق والفنادق ومراكز العلاج الصحي والسبا وقاعات المحاضرات والسينما وغير ذلك من الخدمات الممتازة. ويأتي ذلك على خلفية ارتفاع معدل الفائدة العام من قبل المركزي ومراجعة البنوك لشروطها لمنح القروض ونسبة الفائدة عليها. وللتدليل على حجم التراجع على اسعار العقارات، تؤكد معظم المكاتب العقارية في البلاد ان سعر المتر المربع في منطقة بومبوروفو المعروفة بسياحتها الشتوية، تراجع منذ عام من 900 يورو الى 475 يورو أي اكثر من النصف خلال عام واحد. ويرجع الكثير من ازمات سوق العقار وتراجعات الاسعار الحالية في بلغاريا الى تراجع حاد في عدد المستثمرين الاجانب، خصوصا من بريطانيا وايرلندا والولايات المتحدة واسبانيا وغيرها. لا، بل على العكس من السابق، يلجأ الكثير من المستثمرين الاجانب، خصوصا الاوروبيين الى بيع العقارات التي اشتروها في السابق بسبب ازمة الائتمان الدولية، وفي محاولة للتخفيف من حجم الخسائر. ويبدو ان الكثير من المؤسسات البلغارية المحلية ايضا، تتدافع لبيع عقاراتها المتوفرة وبأسعار رخيصة لتحصيل بعض السيولة وتخفيف خسائر تراجعات الاسعار المتواصلة. اما في بريطانيا، فلا يزال التدهور متواصلا ولا تزال الارقام تشير الى الخانات السلبية في الكثير من القطاعات العقارية، إذ اشارت التقارير الاخيرة الى ان اسعار العقارات في البلاد، ستواصل تراجعها العام المقبل ولن تعود الى سابق عهدها (أي قبل اغسطس 2007) قبل عام 2013 . وقد اشار تقرير خاص بمركز الدراسات الاقتصادية (CEBR) الى ان نسبة التراجع على اسعار العقارات خريف العام المقبل (2009)، ستصل الى 25 في المائة تقريبا أي ما قيمته 50 الف جنيه (75 الف دولار) استرليني من معدل سعر العقار العام الذي سيصل الى 149 ألف جنيه (225 الف دولار) . وقد تراجعت أسعار العقارات السكنية منذ عام الى اكثر من 12 في المائة حسب تقرير بنك هاليفاكس (Halifax) الشهرية. الا ان التقرير توقع ان تبدأ اسعار العقارات بالارتفاع والتعافي قبل اعياد الميلاد ورأس السنة العام المقبل. الا ان التقرير يشير الى انه في تلك الفترة ستبقى اسعار العقارات اقل بنسبة ثلاثة في المائة مما كانت عليه العام الماضي او بكلام آخر قبل ازمة الائتمان. الا ان بعض المؤسسات العقارية الخاصة تتوقع ان تصل نسبة التراجعات على الاسعار نهاية العام المقبل الى 35 في المائة نسبة الى ما كانت عليه العام الماضي. وفي القارة الآسيوية، حذر الكثير من الخبراء من انهيار سوق العقار في جزيرة بالي في اندونيسيا، بسبب ازمة الائتمان الدولية وانهيارات الاسواق المالية المتتابعة في الفترة الاخيرة. وقد سجل أخيرا الكثير من عمليات الإفلاس لدى شركات العقار والبناء، كما تم تجميد عمليات البناء في الكثير من المشاريع. ومن المعروف أن سوق العقار في الجزيرة التي تعتبر من اهم المحطات السياحية في البلاد، عرضة للهزات، نتيجة اعتماده على تمويلات من الولايات المتحدة الاميركية والمصارف الاوروبية . ويقول جدي ويراث من غرفة التجارة في الجزيرة، بهذا الصدد، بعد اجتماع مع الحاكم ماد بستيكا، إن «قطاع العقار اكثر القطاعات عرضة للهزات في الجزيرة.. فهذا القطاع ممول بمعظمه (سوق العقارات الترفيهية والفنادق والفلل) من قبل المستثمرين الاجانب، خصوصا من البنوك الاوروبية والاميركية». ويضيف ويراث، أن الترقب والحذر يسيطران على السوق . ويتوقع ان تتخذ الحكومة المحلية بعض الإجراءات للتخفيف من حدة الازمة التي ستتعرض لها الجزيرة الشهيرة بمزارع القهوة العربية، نتيجة التراجع والتباطؤ في الاقتصاد العالمي. ويتوقع ويراث بأن يشعر سوق العقار في الجزيرة بحدة الأزمة نهاية العام الحالي وبداية العام المقبل، إذ بعد ذلك سترى الجزيرة الكثير من المشاريع المهملة والمتروكة . لكن ويراث يطمئن بأن المشاريع الممولة من قبل مستثمرين محليين لن تتأثر إذ إن التمويل من قبل المصارف والبنوك المحلية لا يزال قويا.