تركيا.. البديل الصامد في زمن الاضطراب

الأسعار تراجعت من فورتها وتتجه نحو الاستقرار

العقارات في تركيا تقدم بيئة شرقية محببة («الشرق الأوسط»)
TT

لم تعد عملية البحث عن عقارات دولية للاستثمار تركز على مواقع تهدف الى جني الكم الأكبر من الأرباح، وإنما تسعى نحو المواقع المستقرة التي تحافظ على القيمة وتجنب الخسائر في عصر الأزمة الاقتصادية. وفي خضم محنة الأسواق الدولية وندرة الفرص الجيدة والمواقع المستقرة، تبدو تركيا وكأنها فرصة جيدة سانحة للمستثمرين وأيضا لهؤلاء الذين يبحثون عن فرص لقضاء أوقات ممتعة سنويا.

وما زالت تركيا تجذب إليها آلاف المستثمرين سنويا من أنحاء أوروبا، من ضمن ملايين السياح الذين يفدون إليها هربا من الطقس البارد وسعيا وراء الطبيعة الخلابة والمطبخ التركي المتميز. ومن المناطق الجاذبة للاستثمار العقاري الاجنبي في تركيا منطقة دالمان التي استفادت من بناء المطار الجديد فيها الذي تم تحويله من مطار عسكري الى مطار مدني سياحي. وكان لهذا المطار الفضل الأول في وضع منطقة دالمان على خارطة الاستثمار العقاري الدولي. واستكملت السلطات التركية منشآت المطار في العام الماضي لكي يصبح في رأي العديد من الجهات السياحية احد اكثر المطارات كفاءة في التشغيل في منطقة البحر المتوسط.

وأول ما يلاحظه السائح في هذه المنطقة هو التنافس الشديد على بيع العقار للأجانب. ففي الوقت الذي تراجعت فيه مثل هذه النشاطات في أنحاء أوروبا، إلا ان تركيا ما زالت تسوق العقار على انه فرصة أفضل من بقية مواقع العقار الاخرى في منطقة المتوسط.

ويوجد في تركيا العديد من المواطنين الأوروبيين والعرب الذين يتخصصون في بيع العقار وتدبير التمويل له. وتقول مصادر وزارة السياحة التركية ان معدل ثمن العقار المكون من غرفتين في دالمان زاد ما بين عام 2002 و2006 بنسبة 400 في المائة. ولكن معظم الذين اشتروا عقارات في المنطقة كان هدفهم الاستخدام الخاص وليس الاستثمار بالبيع. والأمر المؤكد ان نسب الارتفاع في الأسعار انخفضت الآن إلى معدلات ادنى تقترب من الثبات، وقد تكون تراجعت، الا ان الاقبال على العقار التركي لم يتراجع.

والغريب انه في الوقت الذي يجد فيه الاتراك انفسهم صعوبة في الحصول على التمويل اللازم لشراء العقار، فإن البنوك التركية تبدي استعدادها لإقراض الأجانب لشراء العقارات، وبأسعار فائدة لا تتخطى 7.5 في المائة. ولكن إقراض الأجانب يخضع للعديد من الإجراءات والضمانات.

وتعد منطقة بودروم هي الاكثر شعبية للسياح الاوروبيين في تركيا، وهي تشتهر ايضا بين زوار الشرق الاوسط بسبب طبيعتها السياحية وسهولة الوصول اليها. وهي تروق ايضا للمستثمرين من كافة القطاعات وحتى الفئات العليا التي تقبل على فيلات ساحلية لا تقل قيمة الواحدة منها عن مليوني دولار.

ولا يقبل الاجانب على العقارات التقليدية القديمة في تركيا وانما يطلبون عقارات جديدة متميزة في جوانب الصيانة والامن. وتبدأ اسعار العقارات المكونة من غرفتين من حوالي 50 الف دولار وحتى 60 الف دولار مع تحسن الموقع والتسهيلات المعيشية. ويمكن بالسعر نفسه شراء فيلا صغيرة. ومع استمرار الاقبال الاجنبي تحدد الحكومة التركية نسبة معينة من اجمالي العقار يخصص لاستثمار الاجانب. ولكن اقليم دالمان له وضع خاص بعد اصدار قانون تركي من البرلمان يعتبر المنطقة منطقة سياحية وثقافية ويزيل منها الكثير من العراقيل التي تكبل الاستثمار الاجنبي.

وهناك بعض الحدود البيئية التي يجب ان يتنبه اليها المستثمر، حيث تنشط في المنطقة بعض الجمعيات البيئية التي تضغط على الحكومة لكي تحد اكثر من الاستثمار الاجنبي في دالمان، خصوصا في مناطق حيوية مشهورة بالسلاحف البحرية التي تضع بيضها على الشاطئ كل ربيع. وقد تمكنت احدى هذه الجمعيات من اجبار الحكومة على هدم فندقين بنيا بالقرب من الشاطئ.

وهناك بعض القضايا المرفوعة في المحاكم لمنع بناء المزيد من العقارات على الاراضي الزراعية.

وتهدف تركيا الى زيادة القيمة عن طريق التوسع في مشروعات سياحية مثل بناء المرافئ وصناعة الغولف. وتقول احصاءات وزارة السياحة التركية ان عدد السياح زاد هذا العام بنسبة 19 في المائة الى ثمانية ملايين سائح على الرغم من موجة الكساد العالمية. ويتطلع بعض الزائرين للاستفادة من مشروع بناء ثاني اكبر مارينا في اوروبا لاستقبال اليخوت والسفن الخاصة. ويبدأ المشروع هذا العام في بلدة ديديم ويستكمل في خلال عامين. وسوف يكون المشروع هو الاكبر من نوعه في تركيا، ويهدف الى تشجيع سياحة اليخوت التي تعاني من ندرة الموانئ في منطقة البحر المتوسط.

كما تقدم شركة اسمها نيرفانا انترناشيونال فرص تملك عقارات قريبة من ملاعب غولف في منتجع يسمى نادي توروس بأسعار تبدأ من مائة الف دولار. ويقع المشروع على هضبة جبال توروس بالقرب من منتجعات تزلج على الجليد. وتشمل التسهيلات في الموقع ملاعب الغولف والتنس ومطاعم ومقاهي ونوادي رياضية. هذا وتعد منطقة بودروم من مناطق رياضة الغولف الناشئة وحصلت هذا العام على جائزة الهيئة الدولية لسياحة الغولف كوجهة الغولف المفضلة في عام 2008. وتبدأ الاسعار في بودروم من حوالي مائة الف دولار لشقة من غرفتين مع مرافق عامة تشمل حمامات سباحة واندية رياضية.

وتفسر شركات بيع العقار هذا الاقبال الكبير على العقارات التركية بالقول ان الاسعار الرخيصة هي المحرك الاول لعمليات الشراء. وتبدو اسعار تركيا مثل اسعار اسبانيا منذ 20 عاما. ولكنها تقدم الكثير من التاريخ والشواطئ والجبال والطبيعة الخضراء ربما اكثر مما تقدمه اي دولة اخرى في منطقة البحر المتوسط.

وهناك بالطبع توقعات انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي الامر الذي من شأنه ان يرفع اسعار العقار فيها. ووفقا لاحصاءات البنك الدولي يمر الاقتصاد التركي بمرحلة اكثر استقرارا من اقتصادات اوروبا الاخرى، كما ان تركيا تعد واحدة من اكبر الدول نموا تجاريا وتزداد اهميتها السياحية عاما بعد عام.

من المزايا التي تقدمها تركيا ايضا للمقيمين فيها اسعار رخيصة للطعام ونوعية متفوقة من الوجبات التي تعبر جيدا عما يعرف بأسلوب البحر المتوسط الغذائي الصحي، حيث يمكن مثلا تغطية تكاليف وجبة عشاء فاخرة لشخص واحد بأقل من 11 يورو. وهي ايضا واحدة من ادنى الدول في معدلات الجريمة، كما يشتهر شعبها بالضيافة والكرم والتقاليد الاسلامية التي تجعل الزائر من الشرق الاوسط يشعر وكأنه في بلده الثاني. والمعيشة في تركيا ما زالت منخفضة التكاليف، وهي من ارخص المواقع في اوروبا.

وتقبل تركيا في الوقت الحاضر على الكثير من عمليات التحديث، فهي تجدد في الوقت الحاضر ثلاثة مطارات، كما تحفر نفقا سوف يخفض مدة السفر بين مطار دالمان ومنتجع فاثي من 45 دقيقة الى نصف ساعة فقط. وهي لا تعاني من مشاكل المياه العذبة، مثل العديد من المواقع الاخرى في حوض المتوسط، حيث تصدر تركيا المياه العذبة للخارج.

وفي حالات الرغبة في شراء عقارات تركية من شركات دولية تنظم هذه الشركات رحلات خاصة بأسعار مخفضة، يتم حسمها من ثمن العقار عند الاتفاق. ولا توجد شروط تركية على عدد العقارات السياحية التي يمكن للاجنبي ان يشتريها.

وتقوم بعض الشركات بكافة الاجراءات القانونية بعد الحصول على توكيل من المشتري، ويمكن توثيق التوكيل من داخل تركيا او من خارجها. ولكن يجب الحرص على منح التوكيل لشركات موثوق بها ومعروفة لدى المشتري.

وتشترط تركيا الحصول على تأشيرة دخول مسبقة من معظم الدول حتى الدول الاوروبية، ويمكن في بعض الحالات الحصول على تأشيرة متعددة السفرات لمدة ثلاثة اشهر يمكن خلالها الدخول والخروج بلا حدود. اما هؤلاء الذين يريدون البقاء في تركيا لفترات طويلة فعليهم الحصول على تصريح بالاقامة من السلطات المحلية.

ويشكو بعض المشترين في تركيا من الاجراءات التي تستغرق الكثير من الوقت وان الحصول على وثائق ملكية العقار يستغرق عدة اشهر على الاقل. وتعد شركات العقار بأن هذه الفترة سوف تنخفض في المستقبل مع ادخال تحسينات على النظام المستخدم حاليا.

وتخضع الشواطئ التركية لمعايير النظافة البيئية الاوروبية حيث يتمتع 174 شاطئا سياحيا فيها بأفضل مراتب النظافة المعتمدة اوروبيا. وتتوقع هيئة مطوري العقار التركية التي تضم ايضا المستشارين والوكلاء زيادة قيمة العقار التركي بنسبة 10 في المائة هذا العام، وهي نسبة تمثل نصف نسبة نمو العام الماضي.

وتحذر السلطات التركية من ان المناخ الديناميكي لسوق العقار يشجع البعض من غير المتخصصين على استغلال السوق وخداع الاجانب الذين يجهلون خطوات شراء العقار قانونيا في تركيا. وهي تنصح بالتعامل مع شركات معتمدة يتم فحص ملفات تعاملها بعناية. وهناك هيئة تضم مطوري العقار الاتراك تعمل في الاسواق منذ عام 1973 وانضمت الى عضويتها هذا العام 15 شركة من اصل 40 شركة تقدمت للعضوية. ولا تقبل الهيئة إلا الشركات التي اكملت عاما كاملا من النشاط التجاري في السوق. وليست هناك معايير معينة للتكاليف القانونية وتعتمد هذه على الاتفاق بين المشتري وبين المحامي. ويمكن منح توكيل للمحامي لاجراء التعاقد بالنيابة عن المشتري ولا ينصح الخبراء بإعطاء مثل هذا التوكيل الى سماسرة العقار او الوسطاء الآخرين. كما يتعين دفع تكاليف ترجمة التعاقد الى لغة دولية، مثل اللغة الانجليزية، اذا كان المشتري يجهل اللغة التركية.

وتلتزم تركيا بقوانين دولية من حيث الارث بحيث تنتقل ملكية العقار تلقائيا الى الورثة من دون اي ضرائب او نصيب للحكومة التركية. كما ان الملكية العقارية في تركيا هي ملكية مطلقة وليست محددة بزمن معين مثلما الحال في بعض الدول الاخرى.

مما يذكر ان الاقبال العربي على العقار التركي زاد في العام الاخير بعد نجاح بعض المسلسلات التلفزيونية التركية التي جذبت انتباه المشاهدين خصوصا في منطقة الخليج.

* الإجراءات المتبعة في شراء العقارات بتركيا

* لدى اتخاذ المستثمر قرار شراء عقار تركي، سوف يتعين عليه ان يدفع مقدم الثمن سواء كان نسبة 10 في المائة من القيمة او مبلغا محددا يتفق على قيمته مع الشركة البائعة. وتضاف في العادة تكلفة الاجراءات القانونية الى مقدم الثمن إلا اذا كان المشتري يوفر لنفسه المحامي الخاص به، وهذا افضل. وهذه المبالغ الاولية لا ترد اذا غيّر المشتري رأيه بعد الاتفاق.

وتبدأ الاجراءات القانونية بالتأكد من صحة وثيقة ملكية العقار وهوية الجهة المالكة وعما اذا كانت هناك اعباء مالية من اي نوع متراكمة على العقار من فترة الملكية السابقة. وتتم ترجمة التعاقد ثم يحصل المحامي على توكيل لانهاء الاجراءات في حالة سفر المستثمر قبل انهاء التعاقد (الذي يستغرق عدة اشهر). وتفسر السلطات التركية هذا التأخير بأن الاجراءات تشمل مراجعة السلطات العسكرية وهو اجراء روتيني للتأكد من ان العقار لا يقع في منطقة عسكرية.

وبعد صدور الموافقة يتعين التوصل الى اتفاق لدفع بقية المبلغ المستحق سواء عن طريق قرض او من الرصيد. ويتم تبادل الوثائق في مكتب الشهر العقاري وتسلم نسخة للبائع واخرى للمشتري او لوكلائهما. وبعدها يتم تسجيل التعاقدات مع السلطات المحلية، وهي المرحلة الاخيرة من الاجراءات. وتصل التكاليف القانونية في المتوسط الى حوالي 1500 يورو (1900 دولار أميركي).

وهناك بعض التكاليف الأخرى مثل نسبة العمولة لشركة بيع العقار وضريبة نسبتها 2.5 في المائة، وتكاليف الترخيص العسكري، وضريبة عقارية سنوية نسبتها نصف في المائة بالإضافة الى تكاليف توصيل واستهلاك الماء والكهرباء. وفي بعض الحالات تفرض أيضا تكاليف الصيانة خصوصا في العقارات المشتركة في بعض الخدمات.