تذبذب أسعار مواد البناء يربك سوق العقارات المصرية

مساعد وزير الإسكان: الـهزة تزول خلال أربعة أشهر

TT

«سوق الحديد في مصر نازل طالع، وأسعار الأسمنت غير مستقرة، لا نعرف هل نستكمل البناء أم ننتظر». قال المقاول علي المنيَّر وهو يتطلع لمجموعة من الأبراج التي يقيمها بشراكة مع رجل أعمال مصري خلف برج القانونيين بكورنيش النيل جنوب القاهرة. وعلى الرغم من تعاقده وشريكه على بيع أكثر من نصف الشقق التي لم يستكمل بناؤها بعد، إلا إنه يشكو من تذبذب أسعار مواد البناء، ويشعر أنها تربكه وتربك آلاف المقاولين غيره ممن يعملون في سوق العقارات المصرية؛ فبعد أن انخفضت أسعار الحديد وأسعار الأسمنت وغيرهما من مواد البناء الأساسية، جراء الأزمة المالية العالمية في الشهرين الأخيرين، إلا إن أسعار غالبية تلك المواد عادت للارتفاع بشكل تدريجي ومقلق. وقال المنيَّر إن طن الحديد لا يريد أن يثبت على سعر.. كان منذ ثلاثة أشهر بأكثر من 6 آلاف جنيه للطن، وانخفض بعد ذلك إلى حوالي 4 آلاف جنيه، ثم عاود الارتفاع مائة، فمائتين، فثلاثمائة.. ونخشى أن يظل على هذا المنوال، ليعود للارتفاع إلى ما كان عليه، وربما أكثر.. أصبحنا نشتري طن الأسمنت بزيادة خمسين جنيها، لا نعرف أي مبرر لكل هذا، البعض يقول إن السبب هو انهيار الاقتصاد في الخارج، لكن هذا من المفترض أن يصاحبه انخفاض الأسعار، لا عودتها للارتفاع، وإلا يكون الاقتصاد في الخارج قد تعافى، وهذا ما لم نسمع عنه بعد.

وبدأت أحاديث العاملين في مجال المعمار، من أصحاب رؤوس الأموال والمقاولين وعمال البناء وتجار بيع المواد الداخلة في عملية الإنشاءات، تنتقل إلى الحاجزين أو المقدمين على حجز وحدات سكنية من الأنواع مرتفعة التكاليف التي يدخل في شريحتها الفيلات والشاليهات والشقق الفندقية بالمدن الكبرى والجديدة والمدن الساحلية، وكذلك أصبحت عدوى الخوف من تقلبات أسعار مواد البناء وبالتالي العقارات تنتقل إلى الحاجزين أو المقدمين على حجز وحدات سكنية من الأنواع منخفضة التكاليف الموجهة أساسا لمحدودي الدخل، إضافة إلى مخاوف الطبقة الوسطى، التي تفضل السكن في المناطق الفاصلة بين الأحياء الراقية والأحياء الفقيرة، مثل المنطقة التي يقيم فيها المقاول المنَّير وشريكه، وهي عبارة عن أبراج متوسطة يصل ارتفاع الواحد منها إلى نحو 20 طابقاً. ويبدو أنه كان من المتوقع أن تعاود أسعار مواد البناء ارتفاعها في العديد من الأوساط المصرية، لعدة أسباب، منها ما ذكره عضو البرلمان المصري تيمور عبد الغني بقوله إن انخفاض أسعار مواد البناء الذي شهده السوق المصري في الشهر الماضي لا يتناسب مع هوى كبار المنتجين لتلك المواد من حديد وأسمنت وغيرهما، بل توقع حينذاك أن يلجأ هؤلاء المنتجون إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تعزز موقفهم، وتعود بهم إلى الأرباح الطائلة.

لكن مصادر برلمانية أشارت إلى أن مجلس الشورى شدد على ضرورة الإسراع في برنامج تطوير العشرات من المناطق السكنية غير المخططة (العشوائيات)، قائلين إن ذلك يعني المزيد من استهلاك مواد البناء. وتواكب ذلك مع قول رئيس لجنة الإسكان بمجلس الشورى، المهندس سليمان متولي يوم الأربعاء الماضي إن مشكلة العشوائيات تأتي على قمة أولويات المجلس، فيما قالت رئيسة لجنة التنمية البشرية بالشورى، الدكتورة فرخندة حسن إن القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية) تضم نحو 80 منطقة عشوائية لا بد من الإسراع بتطويرها بناء على توجيهات رئيس الدولة.

وأضافت المصادر البرلمانية أن هذا يمكن أن يكون سببا مهما في اتجاه الأسعار نحو الزيادة تحسبا لحدوث طلب عليها، خاصة وأن الحكومة تريد أن تنجز برنامج تطوير العشوائيات في أسرع وقت ممكن، بالتزامن مع الاستمرار في تنفيذ برنامج الإسكان القومي، محذرين في الوقت نفسه من أن يتأثر البرنامج الإسكاني القومي الذي يعول عليه عشرات الآلاف من الشباب والمتزوجين حديثا. ومن وجهة نظر المهندس محمد الدمرداش مساعد أول وزير الإسكان فإن أسعار وحدات المشروع القومي للإسكان لا ترتبط لا من قريب ولا من بعيد بالتغير في أسعار مواد البناء التي انخفضت أخيرا بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، مشيرا إلى أن الوزارة تطرح الوحدات بناء على الأموال المخصصة للمشروع في موازنة الوزارة. وقال الدمرداش إنه توجد محاور يتم العمل بها ضمن المشروع القومي للإسكان من بينها محور ابني بيتك الذي يعطي لكل شاب قطعة ارض بمساحة 150 مترا يبني على مساحة 63 مترا مربعا منها، وأنه تم تخصيص 91 ألف قطعة من هذا المحور. وأضاف أن هناك محاور أيضا للمستثمرين لبناء وحدات بمساحة 63 مترا مربعا للشباب، هذا إضافة إلى نحو 110 آلاف وحدة تنفذها الوزارة، مشيرا إلى أن الشقة من إسكان الشباب تتكلف نحو 80 ألف جنيه دون مرافق، موضحا أن الميزانية الاستثمارية السنوية للدولة لبناء وحدات مشروع مبارك القومي للإسكان محددة بمبلغ مليار جنيه سنويا يتم استثمارها جميعا لبناء المشروع من خلال شركات المقاولات المنفذة لها، وأن وزارة الإسكان تتحمل فارق الأسعار في حالة الزيادة أو النقصان. وردا على سؤال حول أوضاع السوق العقاري في مصر في الوقت الحالي أشار المهندس الدمرداش إلى أن هذه الأوضاع مرتبطة بسياسات العرض والطلب في السوق فكلما زاد المعروض قل الطلب، أو العكس، مؤكداً أن السوق العقارية تشهد هزة خلال الفترة الحالية سواء بالنسبة للبائعين أو المشترين وأن هذه الهزة سوف تزول خلال أربعة أشهر وذلك لأن سوق الإسكان في مصر هو سوق طلب حقيقي على الإسكان المتوسط وإسكان محدودي الدخل (منخفض التكاليف) وليس سوق طلب استثماري كما هو الحال في دول أخرى مثل الإمارات.

وقال إن الوضع في مصر مختلف لأنه يوجد في البلاد نحو 520 ألف عقد زواج يتم تحريرها سنويا ما يعني أن هناك حاجة لمثل هذا العدد من الشقق، وأضاف أن الطلب الحالي على وحدات الإسكان الفاخر في مصر سوف ينخفض خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن الطلب مستقر كما هو على الوحدات السكنية للطبقة المتوسطة أو محدودي الدخل، بل إنه يتأثر بالإيجاب عن طريق انخفاض أسعار مواد البناء.

وأضاف المهندس الدمرداش أن وزارة الإسكان تتجه خلال الفترة المقبلة إلى التوسع في دعم وحدات الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل وطرح المزيد من المزايدات على صغار المستثمرين العقاريين والجمعيات التعاونية لبناء وحدات سكنية بمساحات تتراوح بين 100 متر مربع و120 مترا مربعا، وذلك بعد أن كانت في السابق تهتم بطرح أراض على كبار المستثمرين من خلال مزاد أجري في مايو (أيار) من العام الماضي، وأن الوزارة طرحت للبيع نحو 5 آلاف فدان في المدن الجديدة كان حصيلتها 17.1 مليار جنيه. وشدد مساعد وزير الإسكان على عدم التهاون مع رجال الأعمال غير الملتزمين ببنود العقود الموقعة مع الوزارة حيث نقوم على الفور بسحب الأراضي منهم بعد توجيه إنذارات إليهم من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.