صناديق الثروات السيادية ستسيطر على 20 % من أسواق العقار في العالم عام 2015

أزمة الائتمان تطيح بمشاريع موسكو الطموحة وتزيد المصادرات في أميركا

تشير التقارير الاخيرة الى ان الكثير من المشاريع التي كانت ستغير من سماء العاصمة موسكو دخلت مرحلة التجميد بسبب الشحة في السيولة (رويترز)
TT

أكد آخر تقرير لمؤسسة «سي بي ريتشارد إليس» (CB Richard Ellis) الاستشارية العقارية الدولية ان صناديق الثروات السيادية ستسيطر على 20 في المائة من الاسواق العقارية الدولية مع حلول 2015. ويتوقع ان ترفع هذه الصناديق المدعومة من الحكومات، والتي نشطت كثيرا في السنوات الماضية في الاسواق العقارية التجارية في بريطانيا وفي القطاع المالي، من قيمة استثماراتها في الاسواق العقارية من 4 - 7 في المائة خلال السنوات السبع المقبلة، مما يعني ان هذه الصناديق ستملك عند نهاية عام 2015م 20 في المائة من الاسواق الدولية العقارية بسبب التنافس الحالي فيما بينها لشراء العقارات المهمة في الاسواق البريطانية والاميركية الرخيصة الاسعار. ويتوقع البنك الدولي ان ترتفع قيمة هذه الصناديق السيادية من 3 تريليونات دولار حاليا الى 12 ترليون دولار العام 2012. وقد ساهمت هذه الصناديق ومعظمها من الصين والخليج العربي في قلب توازن القوة في الاقتصاد العالمي لصالح هذه الدول. وضخت هذه البنوك ايضا في الفترة الاخيرة بلايين الدولارات في بنوك الاستثمار الاميركية، وقام صندوق «تشاينا انفستمنت كورباريشين» (China Investment Corporation ) الذي تبلغ قيمته 200 مليار دولار بشراء حوالي 10 في المائة من مورغان ستانلي (Morgan Stanley) العام الماضي بقيمة 5 مليارات دولار. ولانه يفضل العقارات التجارية الطويلة الامد من الناحية الاستثمارية، اشترى احد الصناديق الكويتية عبر مؤسسة «سانت مارتنز بربرتي غروب» (St Martins Property Group ) احد مباني المكاتب في وسط لندن وهو مبنى «ويليس بيلدينغ «، الذي تبلغ مساحته 491 الف قدم مربع، بـ 642 مليون دولار. ولهذه الاسباب مجتمعة دعا الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي الدول الاوروبية الى انشاء صناديقها الخاصة بها لحماية اقتصاداتها والتمكن من التنافس مع دول الشرق الاوسط والصين في المستقبل. وفي هذا الإطار ايضا، اكد تقرير خاص من «سيتي غروب» (Citigroup)، ان اسواق العقار في ابو ظبي (التي تلعب دورا كبيرا في عالم الصناديق السيادية)، قوية ولن تتعرض للركود بسبب ازمة الائتمان الدولية وما يحصل في الاسواق الدولية. وأشار التقرير الى ان الاسواق في ابوظبي بدأت تستعيد عافيتها من إلغاء بعض المشاريع وتسريح الموظفين وان الاسعار ستبقى عالية رغم التباطؤ في الاقتصاد العالمي والتراجع الكبير على اسواق العقارات الدولية. والاهم من هذا ان هناك ما يكفي من السيولة في ابو ظبي لإكمال المشاريع المزمعة ومواصلة النمو في الأسواق. ومع هذا لا تزال معدلات الاسعار وخصوصا في قطاع الإيجار في ابوظبي اقل مما هي عليه في العاصمة البريطانية لندن وهونغ كونغ واقل بنسبة 40 في المائة مما هي عليه في العاصمة اليابانية طوكيو والعاصمة الروسية موسكو. وقد بدأت ضغوط وآثار ازمة الائتمان وما تبعها من ركود وتراجعات كبيرة على اسواق العقار في الولايات المتحدة ومن ثم العالم اجمع، تطفو على السطح، إذ رفض احد مسؤولي الشرطة في ولاية اوهايو طرد اصحاب العقارات والمنازل العاجزين عن دفع قروضهم العقارية الشهرية وسدادها للمصارف والبنوك. وقد اعطى الضابط ريتشارد جونز في بتلر كاونتي اوامره الى عناصر الشرطة التابعة له بعدم طرد أي عائلة من منزلها ما لم يكن هناك بديل او مكان آخر تلجأ اليه العائلة. ويعتقد جونز ان طرد عائلة من منزلها في فصل الشتاء البارد عمل غير انساني وغير لائق. وقد كتب جونز الى حاكم الولاية تاد ستريكلاند يطلب منه وقف مصادرات المنازل وطرد اصحابها منها هذا الشتاء. ويقول جونز بهذا الصدد: «ان من شأن هذا تسليط الضوء على قضية الناس الذين لا يملكون مكانا آخر يلجأون اليه». وقام بنفس العمل الضابط توم دارت من ولاية الينويا ورفض تنفيذ طلبات المصادرة. وبرر دارت رفضه بأن الناس لم تعط الوقت الكافي لتدبير امورهم قبل مصادرة المصارف للمنازل والعقارات. وبالطبع يقول المحامون في الولايات المتحدة ان هذه محاولة من بعض الشرفاء تسليط الاضواء على انفسهم إذ ان وظيفتهم تطبيق القانون لا مناقشته.

ومع هذا فإن عدد مصادرات المنازل قد تراجع كما يبدو في الولايات المتحدة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) بنسبة 7 في المائة عما كان عليه في اكتوبر ( تشرين الاول). وهي اقل نسبة منذ يونيو (حزيران) ايضا. ويعود هذا على الارجح الى تمديد بعض الولايات فترة الإنذار لاصحاب العقارات العاجزين عن الوفاء بديونهم العقارية. ومع هذا تتوقع مؤسسة «ريالتي تراك» (RealtyTrac ) العقارية المهمة، ان تعاود نسبة المصادرات ارتفاعها مع بداية العام الجديد إذ ان النشاط العقاري كما تؤكد المؤسسة بشكل عام راكد ولا يبشر بالخير للعام المقبل ( 2009 ). ولا يزال عدد المصادرات العقارية في كل من ولايات اريزونا وفلوريدا ونيفادا هو الاسوأ والاعلى من بين جميع الولايات. ورغم ان نسبة المصادرات تراجعت في ولاية نيفادا الشهر الماضي بنسبة 4 في المائة عما كانت عليه الشهر السابق (نوفمبر 2007)، فإنها حافظت على موقعها على رأس هرم الولايات التي تتمتع باكبر عدد من المصادرات على المستوى الوطني. وتتم مصادرة منزل من اصل كل 76 منزلا في الولاية شهريا، أي اعلى ست مرات من المعدل الوطني العام.

وفي كندا، ورغم التدخل الحكومي المفرط على الطريقة البريطانية، فإن الخبراء يتوقعون سنة سوداء لسوق العقار الكندي بسبب ازمة الائتمان. وقد خفضت الحكومة معدل الفائدة العام بنسبة 0.75 في المائة ليصل الى ادنى حد له منذ خمسين عاما أي 1.5 في المائة فقط، في محاول لتحفيز الاسواق والتقليل من آثار الركود الاقتصادي الذي تعيشه البلاد. وهذا بالطبع يعاكس التوقعات التي طلع بها بعض الخبراء الكنديين الذين اصروا قبل اشهر ان كندا لن تتعرض لضغوط كبيرة بسبب ازمة الائتمان كما هو الحال في الولايات المتحدة. ويقول البنك المركزي الكندي في تبرير خطوته: «ان التوقعات بشأن الاقتصاد العالمي تشير الى تداعيات مهمة وان الركود الاقتصادي العالمي سيكون اعمق مما كان متوقعا». ولا يتوقع سماسرة العقار في كندا ان تؤدي خطوة الحكومة الى وقف التراجع الحاصل في الاسواق العقارية، إذ ان الباعة يرفضون تخفيض اسعارهم حاليا لتحريك السوق. وبشكل عام تشهد البلاد حالة من الترقب العقاري من قبل الباعة والمشترين على حد سواء وبانتظار وضوح وضع الاسعار وحجم تراجعاتها. ويقول دانيل الياديس عن مؤسسة «رويال لي باج ريل استيت سريفيسيز» (Royal LePage Real Estate Services Ltd) في مدينة تورنتو في هذا الإطار: «الباعة لم يتأقلموا مع التغيرات، وحتى الذين يخفضون اسعارهم لا يجدون من يشتري، ان الوضع سيئ الى هذا الحد.. الخطوات الحكومية لتغيير الوضع». وقد شدد المصارف والبنوك الكندية من شروطها لتقديم القروض العقارية ومنحها خلال الاشهر القليلة الماضية مما زاد من الضغوط على الاسواق العقارية جميعها دون استثناء. وفي روسيا، تشير التقارير الاخيرة الى ان الكثير من المشاريع التي كانت ستغير من سماء العاصمة موسكو، دخلت مرحلة التجميد بسبب الشحة في السيولة وعجز المؤسسات والشركات والمطورين من الحصول على التمويلات اللازمة بسبب ازمة الائتمان وتراجع اسعار النفط في الاسواق الدولية. ومن هذه المشاريع المشروع الكبير لتغيير بعض معالم الوسط التجاري وبناء أحد اعلى الابراج في العالم. وكما يبدو فإن الكثير من الاغنياء الروس قد استدانوا من البنوك على اساس حجم ثرواتهم قبل انهيارات اسواق المال وهم الآن عاجزون عن سداد ديونهم السابقة بسبب خسائرهم الفادحة في عالم الاسهم. ويواجه احد اكبر هؤلاء المطورين العقاريين الاغنياء الجورجي شالفا شيغيرينسكي حالة من الافلاس نتيجة الانهيارات في اسواق المال ويحاول بيع حصصه في المشاريع العقارية لشركة «سيبير انرجي» الخاصة بالطاقة بسعر 300 مليون دولار تقريبا. ومن هذه المشاريع المطروحة للبيع مشروع « نيو هولند ايلاند» (New Holland Island) في سانت بيترسبيرغ، ومصنع للشاي في سيبيريا و«برج روسا» (Russia Tower ) في العاصمة موسكو الذي كان قد صممه المعماري البريطاني الشهير السير نورمان فوستر. كما جمد العمل على المشروع التطويري الذي تعهدته شركة فوستر بالقرب من مجمع فيديريشان الذي يشابه حي كناري وورف المالي في شرق لندن، بسبب عجز الشركة عن تحصيل تمويلات جديدة لعمليات البناء. اضف الى ذلك مشروع «كريستال ايلاند» الضخم. وتم تجميد العمل ايضا بمشروع تقوم به شركة اسكوتلندية في مدينة سانت بيترسبيرغ لبناء برج ضخم لشركة «غازبروم» الخاصة بالطاقة.

وفي بريطانيا، اكد تقرير اخير لمؤسسة «سافليلز» العقارية الدولية المعروفة، ان الركود العقاري المقبل سيكون عام 2020. وكشفت يولاندي بارنز عن المؤسسة في تقرير اخير عن سوق العقار السكني، ان بذور الازمة المقبلة او الركود المقبل قد زرعت الآن خلال هذه الازمة. واوضحت بارنز ان الاسعار ستصل الى ادنى حد لها العام المقبل ( 2009 ) مما سينشط صيادي العقارات الرخيصة ومستغلي الاوضاع مما يبدأ الدورة الجديدة التي تؤدي الى الركود والانهيار خلال 15 و20 عاما. ويتوقع الخبراء في «سيفلز» ان يشهد الربع الاول من العام المقبل اكبر نسبة تراجع على الاسعار حتى الآن. ويتوقع على هذا الاساس ان ينشط اصحاب السيولة والمستثمرون لاقتناص الفرص بسبب رخص الاسعار ومن شأن هذا أن يؤدي الى حدوث ازمة العام 2020، إذ ان هذه الدورات التي تستغرق بين 15 و20 سنة لا بد منها ولا يمكن تفاديها. الا ان المؤسسة تؤكد ان اوضاع الاسواق العقارية في بريطانيا ليست بسوء الاوضاع في الولايات المتحدة إذ ان منزلا من اصل 16 منزلا في الولايات المتحدة معرض للمصادرة، اما في بريطانيا فالنسبة تصل الى واحد من بين 200 منزل او عقار. واضافت بارنز ايضا بأنه سيكون هناك تغيير كبير وجذري على سوق القروض العقارية في المستقبل، إذ سيحتكر مانحو القروض السوق وسيكون التنافس فيما بينهم لا على استقطاب الزبائن والمحتاجين لهذه القروض. ومع هذا يقول البروفسور مايكل بول عن جامعة رادينغ قرب لندن بهذا الخصوص، ان سوق العقار اشبه بشخص ثنائي القطب، إذ انه متشائم جدا حول الجهة التي ستأتي منها التمويلات، فالبنوك انقذت بثمن باهظ والمشاكل لن تتوقف لوقت طويل. ويضيف بول بأن الاسعار العام المقبل ستتراجع بشكل حاد لأن الناس لا يمكنهم تأجيل بيع عقاراتهم الى ما لا نهاية.