تباطؤ دوران محركات النمو في سوق العقارات الخليجي خلال 2008

العام الحالي شهد جميع أشكال الحركة الاقتصادية من نمو وتضخم وانخفاض

قد يكون السوق العقاري السعودي أقل الأسواق تأثراً بالأزمة الاقتصادية العالمية نظراً لوجود دعائم حقيقية فيه («الشرق الأوسط»)
TT

شهد السوق العقاري في منطقة الخليج العربي، تقلبات متناقضة العام الجاري 2008، من خلال نمو وتوقف وانخفاض في عدد من أسواق دول مجلس التعاون تزامناً مع الأزمة المالية العالمية.

ويتوقع أن يكون العام المقبل 2009 عام القياس على السوق العقاري من خلال التنمية العقارية في دول الخليج، حيث سيكون هناك تقنين في الحركة العقارية من خلال التوقف في التوسع المستمر إبان الحقبة الماضية، وإعادة تقييم الجدوى العقارية خلال الربع الأول من العام المقبل.

وكانت بداية العام الجاري استمراراً للنهج الذي سار عليه السوق من خلال النمو السريع في قطاعات السوق العقاري في مختلف المنتجات، عبر إنشاء الأبراج، والمشاريع السكنية، والمدن الاقتصادية، إضافة إلى المجمعات التجارية التي كانت أكثر المنتجات العقارية انتشاراً خلال العام الماضي في مختلف الدول الخليجية.

وكان الصراع مع التضخم احد أهم التقلبات التي شهدها الأسواق الخليجية، فالأسعار ارتفعت بشكل غير مبرر، والطلب يزيد إلا أنه سجل انعكاساً على العقارات الجديدة، المتأثرة قيمها بأسعار مواد البناء التي سجلت هي الأخرى ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار، مما انعكس على حركة التوازن في الأسواق العقارية.

في الفصل الأخير من العام الجاري سجلت الأسواق العقارية في الخليج، تباطؤا في دوران محركات النمو، وذلك بعد التأثر من الأزمة المالية العالمية، التي وصلت أبعادها عدة قطاعات في السوق العقاري الخليجي، مما تسبب في فوضى الأسواق العقارية في عدد من المدن الكبيرة الخليجية، الأمر الذي دفع الكثير من الشركات والمستثمرين العقاريين إلى إعادة النظر في الجدوى الاقتصادية من المشاريع المقترحة وتأجيل أخرى، وإلغاء العديد من المشاريع غير المجدية اقتصاديا.

وكان الربع الثالث والرابع أكثر الأوقات العصيبة على الأسواق العقارية في المنطقة، فمن تضخم في أسعار العقارات كان الأعلى على مر التاريخ إلى انخفاض حاد، تسبب في ركود متوسط المدى، الأمر الذي أوجب إعادة الحسابات في التعامل مع السوق العقاري كصناعة، من خلال إعادة تقييم المنتجات، والتسويق والقدرة الشرائية لدى المستهلكين.

وكانت آثار الأزمة المالية العالمية قد وضحت على أهم القطاعات التي قصفتها تلك الأزمة، وهي عملية التمويل، التي بانت من خلال اندماج اكبر شركتي تمويل في الإمارات، وهي «أملاك» و«تمويل» للتصدي لآثار تلك الأزمة، في حين دفعت الكثير من الشركات إلى التفكير في تسريح موظفين لتفادي تلك الآثار.

يشير عقاريون إلى أن العام الجاري 2008 كان العام الأصعب على سوق العقارات الخليجي، مشيرين إلى أنه مع اختلاف تعامل الدول الخليجية للتصدي لآثار الأزمة العالمية المالية، إلا أن الضرر وضح في دول، واختفى في دول أخرى، إلا أن العقاريين يشيرون إلى أن العام المقبل سيكون عام التقنين، من خلال تأجيل مشاريع والتركيز على مشاريع أخرى بشكل اكبر، بدلاً من التوسع والدخول في أسواق أخرى، حتى تتم السيطرة على النمو غير المحسوب في الأسواق العقارية.

وفي السعودية يؤكد محمد السبيعي، الخبير العقاري، أن السوق العقاري في السعودية يمر بمرحلة انتقالية، وذلك من خلال التوازن بين الأسعار، خاصة في عملية بناء المساكن، الأمر الذي سينعكس على أسعار المنتجات العقارية خاصة السكنية منها، مما سيخلق نوعاً جديداً من الطلب على المباني الجديدة.

وأضاف الخبير العقاري أن السعودية لها خصوصيتها العقارية، فهي مبنية على قواعد معينة، منها الطلب الحقيقي، وجود دافع إلى زيادة التملك لدى المشترين، الأمر الذي يؤكد أي مشروع عقاري جديد، عندما يطرح بأسعار معقولة، وموقع مناسب، فإن ذلك سيؤدي إلى إغلاق مبيعات المشروع خلال فترة وجيزة.

وأضاف أن العام الجاري 2008 كان عاما متقلبا، حيث كانت بداياته أول عمليات ارتفاع أسعار التأجير، وكان عام دخول الشركات العقارية الإقليمية، التي أعلنت عن مشاريعها في البلاد، بالإضافة إلى كونه العام الذي وصلت فيه أسعار مواد البناء إلى أرقام قياسية، مما اثر على سوق المقاولات، وبالتالي تسبب في إيقاف العديد من المشاريع العقارية، وأخيرا شهد عام 2008 طرح العديد من المنتجات السكنية مما سيكون له التأثير على تعديل الأسعار خلال بداية العام المقبل. وأكد الخبير العقاري أن العام المقبل 2009 سيكون عام تصحيح وتوازن على حد تعبيره، مشيراً إلى أن الكثير من الشركات العقارية أعادت دراسة الجدوى، وطلبت إعادة تسعير تنفيذ المشاريع من قِبل كبرى شركات المقاولات، عطفاً على انخفاض الأسعار في مواد البناء بشكل كبير.

وأضاف أن تحرك الحكومة على إقرار الرهن العقاري كان محركاً كبيراً لزيادة الاستثمارات في السوق خلال الفترة الماضية، خاصة بعد صدور النظام من مجلس الشورى إلى مجلس الوزراء، مشيراً إلى أن القرار يتوقع أن يطبق العام المقبل 2009.

ويبين عبد الله الشدي، نائب الرئيس التنفيذي لشركة الموج العمانية، أن المناخ الاقتصادي الحالي يوصف بشكل عام بأنه «عسير»، خاصة بالنسبة للسوق العقاري، مشيراً إلى أن الوضع مختلف في الأسواق وذلك استناداً إلى السياسات المالية التي تتخذها الدول الخليجية.

وقال إن الحكومة العمانية اتخذت سياسات تدعمها في ذلك محدودية الاستثمار الأجنبي في السلطنة، الأمر الذي ساهم في تخفيف حدة تأثير الوضع السائد الآن، مبيناً أن المصارف العمانية تضمن قروض الرهون العقارية لعملائها، وهي إشارة ممتازة تدلل على مدى التزامها نحو السوق العقارية في السلطنة.

وأضاف أن الظروف مهيأة لنمو السوق العقارية في منطقة الخليج، ويتحقق ذلك بصب الجهود نحو تنويع المنتجات وزيادة الجودة والاهتمام بخدمة العملاء وجميعها تشكل بمجملها مفاتيح النجاح، مبيناً أن السوق العقاري العماني من الأسواق الناشئة في ما يتعلق بالمجمعات السياحية المتكاملة التي بدأت تشكل خارطة السوق العقاري في السلطنة.

ولفت إلى أن من المؤشرات الواعدة بتحقيق النمو هي أن الطلب لا يزال أعلى من العرض، في حين كانت مبيعات الأراضي وبعض عمليات التأجيرات تهيمن على نشاطات السوق العقارية في الماضي، إلا أن الوضع يتغير الآن ببطء لمصلحة مبيعات الوحدات السكنية الخاصة.

وقال الشدي إن الظروف أصبحت ناضجة الآن للمجمعات السكنية السياحية لتنطلق بنجاح، يدعمها في ذلك كل من الطبيعة والثقافة الغنية التي تتمتع بها السلطنة إضافة إلى استقرارها الاقتصادي والسياسي.

في الإمارات كانت الحركة في بداية العام نشطة عطفاً على سوق يحمل جميع مقومات النجاح، مع استمراره بعد سنوات نشطة، في خطط طموحة قامت بها إمارات البلاد، حيث يشكل التطوير العقاري أحد الركائز الاقتصادية التي اعتمدت عليها الإمارات لتنمية اقتصادها، وكانت احدى ابرز الدول التي صدرت الفكر العقاري الحديث.

إلا أن الشركات ودخول مستثمرين من جميع أنحاء العالم، سجل معدلات نمو كبيرة، وكان هدف الجميع هو الاستثمار، الأمر الذي اصطدم مع الأزمة المالية العالمية، مما دفع العامل الرئيس «التمويل» إلى التوقف وتخفيف طرحه للمستفيد النهائي، مع تسجيل مؤسسات التمويل خسائر، الأمر الذي اثر في حركة البيع والشراء في السوق العقاري بالإمارات، وبالتحديد في مدينة دبي. في البحرين يشير المستثمر محمد الدوسري إلى أن عمليات التنمية متواصلة من قِبل المستثمرين، بالإضافة إلى التسهيلات التي تقدمها الدولة، وذلك لوجود مؤشرات ومقومات نمو، يدعمها قربها من اكبر الأسواق الخليجية، مما يدفع الكثير من المستثمرين إلى انتهاز الفرص العقارية التي تولدت من خلال الأزمة المالية العالمية.

وأضاف أنه قد يكون هناك تباطؤ في عمليات النمو، إلا أن ذلك لا يشير إلى توقف في الحركة العمرانية في الجزيرة الخليجية، مؤكداً أن العاصمة المنامة تملك 6 مجمعات تجارية مجتمعة في كيلومتر واحد، الأمر الذي قد لا يوجد في أي دولة في العالم، مما يعكس مدى التزام القطاع الخاص بتطوير المشاريع العقارية.

وتشهد العاصمة القطرية عمليات تنمية مستمرة للوصول إلى مثيلتها في الدول الخليجية، الأمر الذي جعل «الدوحة» تتحول إلى ورشة عمل، تتواكب عليها الاستثمارات الخليجية، والإقليمية، مما يدفعها إلى التحول إلى مدينة للتطوير العقاري خلال الفترة المقبلة.

وتعمل الحكومة القطرية على تقديم تسهيلات للمستثمرين العقاريين للاستثمار في الدوحة، بعد ما سعت إلى إيجادها على خارطة المناسبات العالمية، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية وأخيرا الرياضية.

في حين يشهد سوق الكويت هدوءا مستمرا من الأعوام السابقة، في ظل ارتفاع أسعار الأراضي، في حين يسعى مستثمرون إلى استثمار عدد من المشاريع في إيجاد منتجات سياحية كالفنادق والمنتجعات التي تتطلبها الفترة الحالية. وتزخر الكويت بوجود عدد كبير من الشركات العقارية، والمستثمرة في الدول الخليجية، حيث أكدت مصادر أن الشركات الكويتية تتحرك بشكل مستمر لاقتناص الفرص العقارية، خاصة في السعودية وفي الإمارات.

وعاد المستثمر السعودي محمد الدوسري ليشير إلى أن عام 2009 مرآة لما سيكون عليه السوق العقاري في منطقة الخليج خلال الأعوام القليلة الماضية، مع توقعات بعودة النمو من جديد منتصف عام 2010.